جناحي: "لعبة الاختراق" محاولة للتوأمة بين نصوص قاسم حداد وأمين صالح... حاوَرَه: جعفر الديري:

حوار – جعفر الديري:

"لعبة الاختراق" محاولة نصية حرة، كما يقول مؤلف الكتاب عبدالله جناحي، تجمع مجموعة من الدراسات التأويلية والنقدية لأعمال قاسم حداد وأمين صالح، وهما الأديبان المعروفان اللذان ارتبطا برباط عميق من التميز والاختلاف ما أمكن في طرح كل جديد. الكتاب المذكور يحاول اكتشاف تلك العلاقة والتوأمة بين هذين المبدعين دون أن يتجشم صاحب الكتاب عناء العبور على النقد المنهجي المعتاد، بل اختار - في دراسته هذه - تأويل النصوص والتجاوب معها من خلال قلقه الخاص. وفي هذا اللقاء نتساءل مع جناحي عن تلك العلاقة بين قاسم وأمين صالح والصبغة التي تميز الالتقاء والاختلاف بينهما والى المنهج الذي تناول به المؤلف هذه الدراسات، مطلين على شيء من مشروعه النقدي الذي لم يكتمل بعد.

لا أنحاز لتسميتي ناقداً

* من الضرورة بمكان التساءل بداية عن مشروعك النقدي الذي تسعى اليه سواء من خلال كتابك «لعبة الاختراق» أو «الكتلة التاريخية» أو «نص في غابة الـتأويل» أو من خلال كتاباتك المتفرقة في المجلات والصحف؟

- بداية يجب أن أوضح نقطة مهمة، وهي مسألة خلقتها الصحافة الطيارة وأحيانا بعض الدوريات المتخصصة في الأدب، وتتمثل في محاولة البعض تضخيم ذات المبتدأ من خلال وسم أي انسان أنتج قصيدة ما أو رواية ما أو قصة قصيرة فاذا بنا نسمع تسمية الشاعر المبدع أو الشاعر الواعد أو القاص القادم، ولكني لا أنحاز لتسميتي ناقدا، فأنا كاتب أبحث في بعض الشئون العمالية والسياسية والاقتصادية ويمكن أن أكون مشروع ناقد، ولذلك فالمشروع لن يكتمل الا بعد أن يمر كأي قانون بمراحل لاعطاء الشرعية ابتداء من مرحلة اللجان وتنقيح المشروع مرورا بالسلطة التشريعية التي تعطي الصبغة الشعبية والتشريعية للقانون الى ظهور القانون، ومشروعي في النقد يتلخص في التلذذ بالنصوص الابداعية، فأنا حينما أتلذذ بأي نص ابداعي يبدأ القلق عندي بضرورة الكتابة عنه، لذلك فمعظم محاولاتي تصب في اتجاه التأويل والتفسير، وليس في بناء نقد ثقافي أو بنوي باعتبار أنها عوالم متخصصة، فأنا ولأني أتلذذ بنصوص قاسم حداد بدأت بها ولأني أتلذذ بنصوص أمين صالح قمت بتأويلها ولأني أتلذذ ببعض القصائد للشعراء قمت بتأويلها ولم أنتقل حتى الآن الى مشروع نقدي فالأفق لايزال هو التلذذ بالنصوص والكتابة عن النصوص.

صدام دائم بجدار الغموض

* غلاف الكتاب وهو صورة لأحد أعمال المثال الكويتي سامي محمد بعنوان «الاختراق» الى أي مدى لامس ما تود الحديث عنه، وهل كان فعلا مقصودا أثّر في رؤيتك وقراءتك لهذه النصوص أم كان تتويجا لهذا العمل؟

- النصوص التي قرأتها بعضها قديمة، اذ كان بعضها قبل أن أحظى باطلاع على عمل سامي محمد وعلى تجربته التشكيلية، ولكن بعد الانتهاء من الكتاب كنت حريصا على الاهتمام بالغلاف، ولذلك مر على الكتاب أكثر من عام تقريبا وهو مجمد، وقد حاولت مع بعض الفنانين من الذين لهم خبرة في اخراج وتصميم الأغلفة، ولكن نظرا إلى مشاغلهم لم يتمكنوا من التصميم، ولكن عندما رأيت عمل سامي محمد أحسست أنه يعكس ويجسد معنى التأويل وخصوصا تأويل النص الغامض، النص الذي يتهم - وجزء من هذا الاتهام صحيح - بصعوبة اختراقه، وحتى وان اخترقته فستصطدم بتأويل آخر ومعنى آخر، ومعنى ذلك أن هناك استمرارية في الاختراق واصطدام مستمر مع جدار من الغموض أو التأويل الآخر، لذلك كان اصراري على الحصول على موافقة من سامي محمد، بالاضافة الى جلوسي مع الشاعرة فوزية السندي التي قدمت هذا المشروع لتعكس في مقدمتها العلاقة بين نصوص الكتاب وبين اللوحة وهذا ما قامت به في مقدمة الكتاب. وأنا أعتقد أن هناك علاقة بين نصوص تأويلية حاولت فيها تأويل نصوص قاسم وأمين صالح وبين المعنى الظاهري لعمل المبدع سامي.

دراسات تأويلية أخرى

* تناولت عملا واحدا لأمين صالح في الكتاب وهو (مدائح) في حين أنك تناولت أربعة أعمال لقاسم وهي القيامة، يمشي مخفورا بالوعول، قبر قاسم وقصيدة القلعة، فهل كان قاسم أكثر استثارة لحواسك ومشاعرك؟

- الكتاب عبارة عن دراسات قمت بها في الفترة الماضية، ولدي مجموعة من دراسات تأويلية أخرى لمبدعين ومبدعات في القصة القصيرة والشعر، فحينما قررت أن أجمع هذه الأعمال في كتب أحسست بنوع من التوأمة بين قاسم حداد وأمين صالح، ولكوني لم أقم الا بدراسة واحدة لأمين صالح ولم أتطرق اليه حتى في مقالاتي النقدية واذ إن هناك علاقة روحية وأدبية بين قاسم وأمين وبالذات في مسألة الثيمات والتأثر والتأثير بهذا الخصوص ولأنه لدي مشروع للبحث في أسبقية الثيمات الأدبية بين قاسم وأمين وأسبقية الصورة الشعرية والدلالات التي نكتشفها في التجربتين، وهو مشروع للبحث عمن يكون الأسبق للآخر، ومن الذي تأثر بالآخر في بعض الثيمات والصور والدلالات الأدبية، ونظرا للعلاقة التوأمية بينهما أحسست بأهمية وضعهما في كتاب واحد مع الابتعاد عن الدراسات التأويلية الأخرى. ولكني أميل للنص الروائي والقصة، لذلك أحست أن مدائح أمين كانت شعرا، فهو نص شبيه بالفسيفساء المتنوعة الصور والايقاعات والأوزان. فلما انتهيت من هذا النص اكتشفت اني قرأت نصا ابداعيا اقرب الى الشعر لذلك استطاع استثارتي.

أمين صالح أقرب للشعر

* ذكرت في الكتاب «هل يختلف اثنان على وجود ذلك التوحد الروحي والابداعي بين مبدعين في هذه الجزيرة أثمرا خلقا مبهرا ومستفزا في آن واحد» بينما قلت في موضع آخر من الكتاب «الاختلاف المتواصل في التجارب هو الذي يمنح النص حريته الدائمة، وهذا ما يؤدي بالكتابة الى اختراق الأنواع الأدبية وتجاوز حدودها المعروفة ذهابا الى النص المفتوح» فكيف توفق بين الرؤيتين؟

- الفقرة الأولى كانت نظرتي الى العلاقة بين المبدعين أمين وقاسم ولكن الفقرة الثانية كانت لقاسم حداد، اذ إن قاسم حداد يرى أن أمين صالح في - محاولة لجذبه الى الشعر - منذ تجربته الأولى طرح فكرة أن أمين شاعر وليس بقصاص، وفعلاً فان أمين صالح وفي تعامله مع اللغة كأداة رئيسية للمبدع هو أقرب للشعر، فهناك تكامل بين الاثنين بدليل ان الاختلاف هنا اختلاف بين تجربة الى أخرى، اذ ان المبدع في قلق دائم وحينما ينهي التجربة يكتشف أنه يجب أن يجد في التجربة الجديدة اختلافا وهو ما نجده في تجربة قاسم، فتجربة قاسم تجربة غير مكررة على الأقل من الدواوين الأولى الى مرحلة القيامة، اذ كان في كل محطة يضيف شيئا جديدا للتجربة، وأمين صالح كان أيضا على المنوال نفسه، والشيء الجميل هو النص المشترك بينهما وهو «الجواشن» وهو نص يتحدى القارئ أن يعرف من كتب هذه الفقرة أو تلك من النص، وقد أعلنت أنا شخصيا استسلامي ورفعت الراية البيضاء بعد أن حاولت في فترة طويلة أن أثبت أن هذه الفقرة أو الصورة من كتابة قاسم وتلك من قلم أمين صالح، واكتشفت أيضا في الجواشن انهما جسدا في هذا النص فكرة بيانهما المشترك وهو موت الكورس، وأن الشعر والقصة والرواية والتاريخ واللوحة والسيناريو السينمائي والموقف السياسي والمنشور السياسي الواضح والمباشر كلها انواع مختلطة في نص واحد. وحتى في تجربة قاسم وأمين صالح الأخيرة نجد أن الاثنين كتبا مذكرات عن طفولتهما، فكتب قاسم «ورشة الأمل» عن طفولته في المحرق كما كتب أمين صالح عن طفولته في فريق الفاضل بالمحرق في الفترة نفسها ولكن في تجربة السيرة الذاتية وجدت من خلال قراءتي الأولى أن هناك جمالية أكثر بالنسبة الى نص قاسم مع روعة ما كتبه قاسم في تصويره للبحر.

أنواع النقد مكمِّلة لبعضها

* فلماذ لم تلجأ الى النقد المنهجي المعتاد، وهل هناك وهم فعلاً بضرورة النقد المنهجي الصارم وهل تراه معوقا لخيال الناقد؟

- أرى أن كل نوع من أنواع النقد مكمل للآخر، ولا أنحاز أبدا لمهاجمة أي نوع، اذ أرى أن الناقد حين يهتم بابراز النقد الثقافي أو النقد البنيوي أو التفكيكي أو السياسي أو المباشر الواقعي أو استخدام المدرسة النفسية أو التاريخية فان في ذلك اضافة للنص الذي يتعامل معه أو للتجربة، فالتأويل والتفسير يساعد المتلقي، وعلى المبدع الحقيقي ألا يتضايق أو يشعر بلون من الحساسية لأي لون من ألوان النقد لأنها كلها في نهاية المطاف عبارة عن تأويل اذ انه حتى لو كان نقدا أكاديميا صارما فإنه يبقى اجتهادا يعتمد على مجموعة من الأدوات النقدية والمنهجية ضمن أدوات منهج البحث تستخدم في تفكيك أو تحليل النص. ولكني اعترف أني لست ناقدا متخصصا، اذ لم أدرس النقد دراسة أكاديمية فكان كتاب لعبة الاختراق عبارة عن محاولة نصية ونقدية حرة.

المصدر: صحيفة الوسط البحرينية: العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى