قرأت رواية الباشادور مرتين، وبتمعن، لكوني اشتغلت على شخصية أبي القاسم الزياني تاريخيا، وأسجل ملاحظات عابرة على السريع قبل إنجاز قراءة وافية تتضمن ما نراه نقصا كبيرا على مستوى التخييل والوقائع التاريخية في هذا العمل الروائي.
أولا: يُحسب للرواي اختيار شخصية أبو القاسم الزياني لأسباب كثيرة منها أنه المؤرخ الوحيد الذي كتب بحرية أكبر مقارنة بباقي المؤرخين الذين عاصرهم أو الذين جاءوا من بعده.
ثانيا: أبو القاسم الزياني هو الوحيد الذي افتخر بنسبه الأمازيغي خلافا لغالبية المؤرخين والكتاب في زمنه ممن ادعوا الشرف رغم أصلهم الأمازيغي (أكنسوس والسملالي على سبيل المثال).
ثالثا: كثرة المحن التي مرت به، خاصة في زمن السلطانين محمد بن عبد الله والمولى اليزيد.
رابعا: المؤرخ الوحيد الذي كان يذكر الأمراء وإخوة السلاطين بأسمائهم دون لقب المولى أو لقب الشريف.
خامسا: المؤرخ الوحيد الذي انتقد صراحة عددا من سلاطين وقته.
سادسا: أول من كتب تاريخ الدولة العلوية باستفاضة بعد اليفراني، ومنه انتحل الفقيه أكنسوس، واعتمده الناصري كأهم مصدر في الاستقصا.
سابعا: لم ينل الزياني حقه في الكتابات التاريخية، ولا في كتب التراجم، بسبب معارضته للتصوف وانتقاده لشيوخ التيجانية والدرقاوية.
ثامنا: معاناة الزياني من كثرة الدسائس والمؤامرات وتعرضه للإقصاء في فترات كثيرة، مما اضطره إلى أن يعتزل السياسة في نهاية حياته وتفرغ للكتابة، وقد عبر عن معاناته شعرا ونثراً، بيد أن أوريد لم يقف على أشعاره، فوظف قصائد آخرين في الموضوع.
تاسعا: تحدث الزياني كثيرا عن نفسه وذكر عددا من المعلومات عن حياته، لكنها مبثوثة في مخطوطاته التي لم يطلع عليها كاتب الرواية.
عاشرا: معلومات مهمة قدمها أبو القاسم الزياني عن فترات تاريخية مفصلية عايشها وكان جزءا منها، لكنها غابت تماما عن حسن أوريد ولم يستحضرها.
يبدو لي أن الرواي لم يحط بشخصية الزياني من جوانبها المختلفة، ولم يلامس باقي الشخصيات الأخرى التي تقاطعت مع مساره (كتاب- سلاطين- جواري- الخ)، ولم يستطع أن يقترب من حقيقة الشخصية، ولا من وسطها (عصره) ولا من الواقع المعاش آنذاك، ولو أنه تريث حتى يقرأ كل ما كتب عنه لاختلف الأمر ولأنار منتوجه ومنحه آفاقا أرحب.
للأسف الشديد جاءت رواية الباشدور ضعيفة جدا وباهتة حتى على مستوى التخييل التاريخي، لأنها كُتبت على عجل، والغريب أن مؤلف الرواية لم يستثمر الكثير من المعلومات والتفاصيل الدقيقة التي وردت في كتابات الزياني عن حياته، إذ اقتصر فقط على ما ورد في الترجمانة الكبرى والبستان الظريف، وبعض ما ورد عند اكنسوس والضعيف .. بينما لم يطلع على باقي كتب أبي القاسم الزياني التي تتضمن معلومات وأخبار كثيرة عن حياته وسيرته ومحنه، وكان بإمكانه توظيفها في عملية السرد والتخييل، ونخص بالذكر كتاب عقد الجمان، وكذلك كتاب الترجمان المعرب، وباقي كتاباته الأخرى.
لم يكلف أوريد نفسه أي جهد للعودة إلى كتابات الزياني وإلى ما كتب عنه، كما أنه لم يستثمر ما دوّنه خصومه عنه، وفي علمي أنه على الروائي الغوص في كل التفاصيل عن الشخصية التي يشتغل عليها، وعليه أن يحرص على قراءة كل الإنتاج الفكري للشخصية موضوع الرواية، سواء كانت كتبا مطبوعة أو مخطوطة.
لا يمكن للراوي أن يكتب رواية مميزة دون أن يتقمص دور المؤرخ إلى أبعد الحدود، ذلك ما فعله امبيرتو ايكو في روايته اسم الوردة، إذ مزج بشكل مبهر بين البحث التاريخي المكثف ووظفه في قالب سردي بوليسي مشوق من خلال توظيف آليات السرد. كما قام غابرييل غارسيا ماركيز بقراءة آلاف من الوثائق قبل أن يكتب الجنرال في متاهته، وهي رواية تاريخية تضم تفاصيل متخيلة من حياة الجنرال بوليفار، وبالخصوص في إيامه الأخيرة، فيما أمضى ليو تولستوي أربع سنين كاملة يجمع الوثائق ويقرأ عن حملة نابليون بونابرت على روسيا، قبل أن يشرع في كتابة رائعته الحرب والسلام، والتي هي عمل تخييلي يستند لوقائع التاريخ، وبدوره نهج أمين معلوف نفس المنحى في روايته الشهيرة "ليون الإفريقي"، حتى أنك حين تقرأها لا تكلف نفسك عناء التشكيك في مصداقيتها وتمثيلها الواقعي للماضي، بالرغم من أنها عمل تخييلي.
أولا: يُحسب للرواي اختيار شخصية أبو القاسم الزياني لأسباب كثيرة منها أنه المؤرخ الوحيد الذي كتب بحرية أكبر مقارنة بباقي المؤرخين الذين عاصرهم أو الذين جاءوا من بعده.
ثانيا: أبو القاسم الزياني هو الوحيد الذي افتخر بنسبه الأمازيغي خلافا لغالبية المؤرخين والكتاب في زمنه ممن ادعوا الشرف رغم أصلهم الأمازيغي (أكنسوس والسملالي على سبيل المثال).
ثالثا: كثرة المحن التي مرت به، خاصة في زمن السلطانين محمد بن عبد الله والمولى اليزيد.
رابعا: المؤرخ الوحيد الذي كان يذكر الأمراء وإخوة السلاطين بأسمائهم دون لقب المولى أو لقب الشريف.
خامسا: المؤرخ الوحيد الذي انتقد صراحة عددا من سلاطين وقته.
سادسا: أول من كتب تاريخ الدولة العلوية باستفاضة بعد اليفراني، ومنه انتحل الفقيه أكنسوس، واعتمده الناصري كأهم مصدر في الاستقصا.
سابعا: لم ينل الزياني حقه في الكتابات التاريخية، ولا في كتب التراجم، بسبب معارضته للتصوف وانتقاده لشيوخ التيجانية والدرقاوية.
ثامنا: معاناة الزياني من كثرة الدسائس والمؤامرات وتعرضه للإقصاء في فترات كثيرة، مما اضطره إلى أن يعتزل السياسة في نهاية حياته وتفرغ للكتابة، وقد عبر عن معاناته شعرا ونثراً، بيد أن أوريد لم يقف على أشعاره، فوظف قصائد آخرين في الموضوع.
تاسعا: تحدث الزياني كثيرا عن نفسه وذكر عددا من المعلومات عن حياته، لكنها مبثوثة في مخطوطاته التي لم يطلع عليها كاتب الرواية.
عاشرا: معلومات مهمة قدمها أبو القاسم الزياني عن فترات تاريخية مفصلية عايشها وكان جزءا منها، لكنها غابت تماما عن حسن أوريد ولم يستحضرها.
يبدو لي أن الرواي لم يحط بشخصية الزياني من جوانبها المختلفة، ولم يلامس باقي الشخصيات الأخرى التي تقاطعت مع مساره (كتاب- سلاطين- جواري- الخ)، ولم يستطع أن يقترب من حقيقة الشخصية، ولا من وسطها (عصره) ولا من الواقع المعاش آنذاك، ولو أنه تريث حتى يقرأ كل ما كتب عنه لاختلف الأمر ولأنار منتوجه ومنحه آفاقا أرحب.
للأسف الشديد جاءت رواية الباشدور ضعيفة جدا وباهتة حتى على مستوى التخييل التاريخي، لأنها كُتبت على عجل، والغريب أن مؤلف الرواية لم يستثمر الكثير من المعلومات والتفاصيل الدقيقة التي وردت في كتابات الزياني عن حياته، إذ اقتصر فقط على ما ورد في الترجمانة الكبرى والبستان الظريف، وبعض ما ورد عند اكنسوس والضعيف .. بينما لم يطلع على باقي كتب أبي القاسم الزياني التي تتضمن معلومات وأخبار كثيرة عن حياته وسيرته ومحنه، وكان بإمكانه توظيفها في عملية السرد والتخييل، ونخص بالذكر كتاب عقد الجمان، وكذلك كتاب الترجمان المعرب، وباقي كتاباته الأخرى.
لم يكلف أوريد نفسه أي جهد للعودة إلى كتابات الزياني وإلى ما كتب عنه، كما أنه لم يستثمر ما دوّنه خصومه عنه، وفي علمي أنه على الروائي الغوص في كل التفاصيل عن الشخصية التي يشتغل عليها، وعليه أن يحرص على قراءة كل الإنتاج الفكري للشخصية موضوع الرواية، سواء كانت كتبا مطبوعة أو مخطوطة.
لا يمكن للراوي أن يكتب رواية مميزة دون أن يتقمص دور المؤرخ إلى أبعد الحدود، ذلك ما فعله امبيرتو ايكو في روايته اسم الوردة، إذ مزج بشكل مبهر بين البحث التاريخي المكثف ووظفه في قالب سردي بوليسي مشوق من خلال توظيف آليات السرد. كما قام غابرييل غارسيا ماركيز بقراءة آلاف من الوثائق قبل أن يكتب الجنرال في متاهته، وهي رواية تاريخية تضم تفاصيل متخيلة من حياة الجنرال بوليفار، وبالخصوص في إيامه الأخيرة، فيما أمضى ليو تولستوي أربع سنين كاملة يجمع الوثائق ويقرأ عن حملة نابليون بونابرت على روسيا، قبل أن يشرع في كتابة رائعته الحرب والسلام، والتي هي عمل تخييلي يستند لوقائع التاريخ، وبدوره نهج أمين معلوف نفس المنحى في روايته الشهيرة "ليون الإفريقي"، حتى أنك حين تقرأها لا تكلف نفسك عناء التشكيك في مصداقيتها وتمثيلها الواقعي للماضي، بالرغم من أنها عمل تخييلي.