أ. د. عادل الأسطة - تداعيات الحرب في غزة ٢٠٢٣ ملف -ج3- (36--37)

تابع
الجزء 3


36- تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : فإن الخيام تستدعي الخيام "بيتنا في المخيم"

تركت المخيم ، إلى بيتنا الجديد في حي المساكن الشعبية ، في العام ١٩٧٨ ، وتحديدا في اليوم الأخير من شباط ، إذ احتفل ، ولو وحيدا ، كل بداية آذار بالمناسبة بالجلوس على شرفة شقتي احتسي القهوة .
صباح ٩ / ٥ / ٢٠٢٤ قرأت في صفحة الشاعر راسم المدهون تحية الصباح ، وكنت في ٨ / ٥ أمعنت النظر في صورة أدرجها مروان دراج ضمته وأسرة أخيه الناقد فيصل وقرأت أنهما استعادا معا ذكرياتهما في مخيم اليرموك.
ولأن راسم المدهون ما زال يقيم هناك ، في درعا الآن ، فقد استعنت بالذاكرة التي تبدو لي الآن خداعة .
في العام ١٩٧٥ زرت دمشق ومكثت في بيت خالتي أم محمد الطيان في حي ركن الدين / الأكراد ، ونمت ليلة واحدة في بيت عمي محمود الأسطة ، وكان شقة صغيرة جدا في بناية تقع قرب حارة اليهود .
ولما كان لي أقارب يقيمون في مخيم اليرموك - أرجح - فقد اصطحبني أبناء عمي لزيارتهم . ( أذكر أن ابن عمي زكي خطب قريبة له من هناك ، ولكن النصيب غلاب ) ( يجب الاستعانة بابن عمي زكريا لتصحيح المعلومات ، إن كانت ذاكرته لم تشخ ) .
كل ما ذكر عن صلة القرابة لم يذكر لأنه هو المتن ، فهو هامش والمتن هو البيت .
كان بيت خالتي أم محمد بيتا بسيطا مثل البيوت في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين ، وكان البيت الذي زرته في المخيم لا يختلف عن بيتنا في مخيم عسكر القديم ، ولم تكن بيوت مخيم الوحدات ومخيم الحسين وبيوت جباليا والفارعة وبلاطة والفوار وعسكر الجديد وعين بيت الماء التي زرتها في تلك الفترة - أي ٧٠ و ٨٠ القرن ٢٠ - تختلف ، فقد أصبحت منذ بداية ٩٠ القرن ٢٠ مختلفة تماما . ما اختلفت ، في تلك الفترة ، هي بيوت مخيم شنلر ومخيم البقعة ، فقد أقيمت بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ وليس بعد نكبة ١٩٤٨ . كانت بيوت شنلر والبقعة من الصفيح / الزينكو والاسبست ، ولم تكن من الباطون ، وقد زرت شنلر مرة واحدة في العام ١٩٧٣ ، وزرت البقعة في العام ١٩٧٦ مرات ونمت في غرفة زينكو . ( في العام الدراسي ١٩٧٢ / ١٩٧٣ سكنت في مخيم الحسين مدة عام ولم تكن بيوته مختلفة عن بيتنا في مخيم عسكر ) .
أنا من مواليد ١٩٥٤ ، وغرف الباطون في مخيمات اللجوء أقيمت في العام ١٩٥٨ - يعني بعد أربع سنوات من ولادتي ، ما يعني أن الخيمة كانت جزءا من بيتنا . هل هناك في الذاكرة شبح خيمة أقمت فيها ؟
أحاول أن أضع مخططا لبيتنا في المخيم حتى تاريخ مغادرته ، فلم أعد بعد تركه أحن إليه مطلقا ، وربما أكون مررت بالقرب منه بضع مرات لم أشعر أبدا بالحنين إليه .
كانت الساحات الواسعة في تلك المخيمات واسعة مكنت أبناءها من إقامة ملاعب كرة طائرة وأحيانا كانت ملاعب كرة قدم صغيرة لفريقين يتكون كل واحد منهما من ثلاثة أربعة لاعبين ، وكانت الارتدادات بين كل حارة وحارة لا تقل عن عشرة أمتار تمكن السيارات قليلة العدد من المرور بها .
غالبا ما كانت كل مجموعة بيوت متلاصقة لا ارتداد بينها ، ولكي يتم الفصل بين بيت وبيت وضعت ألواح من الزينكو أو أسلاك شائكة أو غير شائكة زرع حولها بعض النباتات المتسلقة ، وقليلون هم من بنوا جدارا من طوب.
لم تكن مساحة بيتنا لتزيد ، في أحسن الأحوال ، عن مائة متر ، وقد تكون ، كما أتذكر ،٠ من غرفة باطون الوكالة التي لم تزد مساحتها عن ٣ م × ٣ م وارتفاعها عن ٢٢٠ سم ولها باب وشباك أو شباكان من ألواح خشب تثبت معا بمستطيل خشب يصل زاوية يمينها بزاوية يسارها وتتخلله فراغات يتسلل منها الهواء ، وحول الغرفة هذه التي خلت إلى حين من مطبخ ومنافع ، فقد كان في المخيم حمام عام ومراحيض عامة ومطعم أيضا . كانت هذه الغرفة غرفة نوم ومطبخا وحمام اغتسال أيضا .
في المساحة المتبقية بنى أبي جدران غرفة ثانية لم يسقفها بالباطون ، وغطاها بشادر أظنه شادر الخيمة ، وكنت واخوتي ننام فيها ، حتى سقفها أبي بالباطون ومد أرضيتها بالاسمنت والناعمة وانخذ منها غرفة له وانتقلنا نحن ، وكنا ستة سبعة ثمانية تسعة ، إلى غرفة الوكالة .
بين غرفة الوكالة والغرفة المقامة حديثا كانت هناك مساحة لا يقل حجمها عن ٤ م × ٦ م وقد غطاها أبي في الشادر نفسه الذي انتزعه ، وإلى جانب غرفته الجديدة أقام مطبخا من الزينكو وإلى جانبة مرحاض يضخ في حفرة ، فلم تكن هناك ثمة مجار . مجاري ماء الاغتسال والجلي أقيمت لاحقا في قنوات مكشوفة بين البيوت .
هل خلا بيتنا من حديقة زرعنا فيها الأشجار ؟
أذكر أنه كانت هناك مساحة ترابية زرعنا فيها شجرتين ؛ شجرة ليمون وشجرة خوخ . ولم تخل ، حتى نهاية سبعينيات ق ٢٠ ، أكثر - إن لم يكن كل - بيوت المخيم من أشجار ، بخاصة الحمضيات والدوالي والخوخ أيضا ، ولكنها ، مع ازدياد عدد أفراد العائلة والحاجة إلى مزيد من الغرف ، صار الشجر قربان العائلة الذي لا مفر من التضحية به ، فالضرورات تبيح المحظورات .
في سبعينيات القرن ٢٠ كتب قاص من غزة ، هو حمدي الكحلوت ، قصة قصيرة عنوانها " غرفة جديدة للعريس " أتى فيها على تناقص المساحات في البيوت وازدياد البناء / الباطون ، وفي روايته " الشوك والقرنفل " ٢٠٠٤ توسع يحيى السنوار بهذا الجانب .
الآن هدمت البيوت وعاد أهل قطاع غزة إلى سيرتهم الأولى .
ترى ما هو شكل بيتنا الآن في المخيم ؟
لا بد من الوقوف على الأطلال .
( الخميس ٩ / ٥ / ٢٠٢٤
والسبت ١٥ / ٦ / ٢٠٢٤ )
عادل الاسطة

***

37- تداعيات حرب ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤: المشروع الصهيوني وجنة الله الموعودة

أعادني شريط فيديو يصور ما آل إليه معبر رفح بعد احتلاله، بثه الإعلام العبري، في ١٩/ ٦/ ٢٠٢٤، إلى نصوص أدبية صهيونية وعبرية وفلسطينية أتت على أرض فلسطين تحت الحكمين؛ الأول الحكم العربي والإسلامي خلال مئات الأعوام والثاني الحكم اليهودي الصهيوني الإسرائيلي منذ ١٩٤٨، علما بأن الدعاية للمشروع الصهيوني قامت على أكذوبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» التي تنقض نفسها بنفسها، فالنصوص الأدبية التي تحكي عن أرض بلا شعب تذهب إلى أن العرب الذين قطنوا فيها، بعد ترك اليهود لها، حولوها إلى أرض قفراء جرداء؛ لأنهم لا يعرفون إلا التخريب والهدم والتصحير.
الأعمال الأدبية الصهيونية المكتوبة بغير العبرية عديدة؛ منها «أرض قديمة جديدة» لـ(ثيودور هرتسل) و»لصوص في الليل» لـ(آرثر كوستلر) و»اكسودس» لـ(ليون أوريس)، ومثلها الأعمال الأدبية الصهيونية الإسرائيلية المكتوبة بالعبرية مثل «خربة خزعة» لـ(يزهار سميلانسكي)، والأعمال الأدبية الفلسطينية أيضاً عديدة، وقد كتبت وفي خلفية كتابها الفكرية العديد من الأعمال الأدبية الصهيونية المشار إليها وغيرها، ولطالما أسهبت في الكتابة في الموضوع.
ما كتبته سابقاً هو ما استدعاه شريط الفيديو المذكور في الأسطر الأولى.
لقد ذكرني بتلك الأعمال وما كتبته عنها، ولكنه ذكرني أكثر وأكثر بالترجمة العربية لرواية هرتسل والصور المرفقة بها، وقد بلغ عددها ٤٦ صورة.
الصورة تذكر بالصورة، وصورة ما كان عليه معبر رفح قبل الحرب وما آل إليه، كما في الشريط، تستحضر الصور التي أرفقتها، بقصد، الجهة المسؤولة عن الترجمة العربية لرواية هرتسل.
من الصور التي زينت بها الترجمة:
- صورة لميناء يافا سنة ١٨٩٨، وثانية لباخرة ثيودور هرتسل في ميناء حيفا، وثالثة لمدينة القدس، ورابعة لمظاهرة شارك فيها عرب ويهود كتب تحتها «من مظاهر الأخوة اليهودية - العربية في هذه البلاد»، و٣ صور لنساء عربيات في مؤتمر نسائي، وصورة لإحدى رياض الأطفال في قرية الطيبة، وصورتان متقابلتان: منظر عام لمرج يزراعيل قبل استيطانه والعفولة المدينة التي نشأت في قلب المرج بعد استيطانه، وصور لكنيس وكنيسة (البشارة في الناصرة) والمعبد البهائي عباس في حيفا وصورة لمسجد السلام، وكتبت عبارة من الرواية «ولكن الكنس والمساجد والكنائس تقوم جنباً إلى جنب، وصورة لمستنقع كتب تحتها: تجفيف مستنقعات الحولة و»من الذي جفف المستنقعات؟»، وصورتان متقابلتان؛ الأولى لغور الأردن جنوب بحيرة طبرية كما كان عليه في سنة ١٩٠٩، والثانية للمكان نفسه كما هو عليه في ١٩٦٦، وكتب تعليق نصه «أن كبار السن من بينكم يعرفون ما كان عليه منظر هذا المكان قبل ٢٠ سنة»، وصورة للميناء الجديد في أسدود وصورة لاستخراج النحاس بالقرب من خليج إيلات، وثلاث صور لتل أبيب في ١٩٠٩، حيث تم وضع حجر الأساس لها، وصورة لبلديتها في ١٩١٠ بجانب خزان الماء الأول، وصورة لها سنة ١٩٦٧، وصورة لترعة في مشروع المياه القطري وكتب فوقها «لقد صنع إيمان مهندسي الماء هذه العجائب»، وصورتان لشارع في القدس؛ الأولى وهو مقفر والثانية وهو مزدهر - أي قبل الاستيطان وبعده.
وكان القصد من وراء إدراج الصور هذه هو تأكيد الفكرة الصهيونية المتعلقة بتحويل فلسطين من أرض قفراء جرداء صحراوية إلى جنة وإظهار أن اليهود يعمرون ما خربه العرب.
منذ بداية الحرب الدائرة حالياً، وتدمير٧٠ بالمائة وأكثر من قطاع غزة، أخذ بعض الغزاويين يعرضون صوراً لمدينتهم كما كانت عليه قبل ٧ أكتوبر وأخرى لما صارت إليه بعد التاريخ المذكور!
كان القطاع عامراً مزدهراً حافلاً بالحياة وحوله الجيش الإسرائيلي بسلاحه البري والبحري والجوي إلى مكان لا تصلح الحياة فيه.
شريط الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام العبرية لصيرورة معبر رفح هو نقض للرواية الصهيونية كلها على مدار مائة وعشرين عاماً، وهو يدحض الأكذوبة التي حفلت بها أدبياتهم.
على مدار ٧٦ عاماً جعلت إسرائيل حياة الفلسطينيين جحيماً ولم تكتفِ بتدمير قراهم وتهجيرهم، بل واصلت ملاحقتهم في المنافي لتواصل تدمير ما بنوه هناك وبلا رحمة.
عندما تبدي صفية زوجة سعيد. س في رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» دهشتها مما رأته من عمران وزراعة يرد عليها زوجها:
«- كان بإمكاننا أن نجعلها أفضل بكثير».
وقد عمر أهل قطاع غزة، منذ خروج المحتلين في ٢٠٠٥، القطاع فبنوا، على الرغم من الحصار، المباني وأقاموا المشافي والجامعات والأبراج وشقوا الطرق وزرعوا المساحة الضيقة وصدروا الورود والأزهار.
معبر رفح وما كان عليه قبل أربعين يوماً وما فعلته به الدبابات والطائرات الإسرائيلية خلالها، كما بدا في شريط الإعلام العبري، خير شاهد على تحويل فلسطين إلى جنة - أي والله.
( الأربعاء والخميس والجمعه ١٩ و ٢٠ و ٢١ / ٦ / ٢٠٢٤ )
دفاتر الأيام الفلسطينية ٢٣ / ٦ / ٢٠٢٤
عادل الاسطة

***




==================
36- تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : فإن الخيام تستدعي الخيام "بيتنا في المخيم"



.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى