المحامي علي ابوحبله - كابوس الحرب مع حزب الله يلقي بتبعاته على الجبهة الداخلية في إسرائيل

على وقع الخلاف المتعمّق وتبادل التصريحات الهجومية بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والمسئولين في «البيت الأبيض»، وصل، الخميس ، إلى واشنطن، فريق إسرائيلي على رأسه رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. وعلى الرغم من إلغاء الإدارة الأميركية اجتماعاً استراتيجياً كان مقرّراً مُسبقاً، بحضور الفريق الإسرائيلي، لنقاش الوضع على الجبهة الشمالية للكيان ومسألة إيران، إلا أن هنغبي وديرمر التقيا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان. وبحسب الخارجية الأميركية، فقد أكدت واشنطن رغبتها في " حلّ دبلوماسي للصراع الحالي، ولا نريد رؤية تصعيد على حدود إسرائيل ولبنان" . كما أشارت الوزارة، في بيانها، إلى أن " التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة سيسهم في خفض التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية" ، مضيفة «(أننا) نواصل العمل مع إسرائيل وقطر ومصر من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة" . كذلك، كشفت وسائل إعلام الاحتلال أن وزير الحرب، يوآف غالانت، سيزور الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.

التطورات باتت تلقي بظلالها على المنطقة برمتها وهناك خشيه حقيقية بتدحرج الحرب بين إسرائيل وحزب الله ، خصوصًا مع تزايد العمليات العسكرية في الضفة الغربية التي تصاعدت بشكل كبير، ناهيك عن الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة على الجبهة الشمالية مع لبنان التي تشهد اشتعالًا خلال الساعات الماضية، حيث أطلق الحزب مئات الصواريخ على إسرائيل ردًا على الضربات التي قامت بها القوات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، والتي أخذت سياقًا متدرجًا في التصعيد المقيد ضمن قواعد اشتباك، ولكنها تطورت الآن بشكل نوعي وغير مسبوق، مما ينذر بالذهاب إلى مواجهة شاملة ومفتوحة.

وهذا التصعيد يأتي مع الهجمات التي ينفذها الحوثيين على السفن التابعة للكيان الصهيوني في البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك الضربات التي توجّهها الجماعات المسلحة في العراق لأهداف في الداخل الإسرائيلي، وهنا تجدر الإشارة للضربات التي وجهتها إيران في ليلة 13/ 14 أبريل/ نيسان الماضي، الأمر الذي جعل إسرائيل تشعر بأنها محاطة بأعداء وتهديدات خطيرة ومتعددة على المستويين: الأمني والعسكري.

وهذا يعني أنّ إسرائيل تواجه وحدة الساحات ومجبره للتعامل مع عدة جبهات متعددة وساخنه وفي توقيت واحد مما بات يشكل خطرًا حقيقيًا وغير مسبوق على الأمن القومي الإسرائيلي أكثر من الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، وسيبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل في ضوء التطورات الجارية الذهاب إلى حرب مفتوحة وشاملة مع حزب الله، وهي عالقة في غزة دون تحقيق الأهداف؟، وهل تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية والشرعية القانونية لتوسيع دائرة النار في هذه الجبهة؟، وهل إسرائيل بمستطاعها اجتياح لبنان وإبعاد مقاتلي حزب الله إلى خلف الليطاني

إسرائيل باتت تدرك أن الحروب التي تخوضها بعد السابع من أكتوبر 2023 لم تعد نزهة كما الحروب السابقة وهناك تغير استراتيجي بعد الثبات والصمود لقوى المقاومة في غزه منذ ما يقارب تسعة أشهر وأن نجاح الردع الإسرائيلي في إدارة الحروب النظامية طوال الفترة الماضية لم يدم كثيرًا، خصوصًا أنها كانت تدير حروبًا مع جيوش نظامية بإستراتيجية مباشرة، والتي كان آخرها حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، والتي تعتبر آخر الحروب النظامية للجيش الإسرائيلي في المنطقة، حيث ركّز جيش الاحتلال على تطوير إمكاناته وقدراته العسكرية والتقنية والتكنولوجية بشكل كبير، ومخيف لكل من يحاول التفكير في مواجهة الكيان، وخاصة تطوير القوة الجوية، ومنظومات الدفاع الجوي، ومنظومات التنصت والمراقبة، والطائرات المسيرة، مما جعل الاحتلال يتمتع بمنظومة ردع قوية ومتكاملة.

ولكن هذا التفوق العسكري الحاسم لم يستمر طويلًا مع تطور أجيال الحروب، وصولًا إلى الجيلَين: الرابع والخامس، حيث ظهرت جماعات مسلحة في بلدان متعددة تعمل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بما تمتلك من قدرات بسيطة وبدائية، مثل: حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، حيث طوّرت هذه الجماعات المسلحة قدراتها العسكرية بشكل يواكب التطور العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها الاعتماد على التصنيع العسكري المحلي، حيث بدأت المواجهات العسكرية تتسع بين الجانبَين في حروب ومواجهات متعددة، وكان آخرها مع لبنان في عام 2006، ومع حماس في معركة "سيف القدس" في عام 2021، ومع سرايا القدس في معركة "الفجر الصادق" عام 2022.



لقد بدأت منظومة الردع الإسرائيلية تتآكل بعد أن كُسر حاجز الخوف، وسقطت نظرية الجيش الذي لا يقهر، حيث خاضت المقاومة الكثير من الحروب والمواجهات العسكرية المباشرة على الساحتَين: اللبنانية والفلسطينية، وآخرها ما يجري اليوم من حرب ضروس في قطاع غزة، وعلى الجبهة اللبنانية، بعد أن فشلت هذه المنظومة بما تمتلكه من قوات وقدرات عسكرية هائلة وترسانة كبيرة تعد الأولى بين دول المنطقة في الدفاع عن نفسها، فضلًا عن قدرتها على ردع خصومها.

لكنّ السؤال المركزي هو هل تستطيع "إسرائيل" إحداث تحول استراتيجي في صراعها مع حزب الله؟ وهل الظروف المحيطة بها في ظل التهديدات واستمرار الحرب على غزه يمكنها من فتح جبهة الشمال مع حزب الله

تؤكد كل القيادات العسكرية والسياسية بشكل مطلق أنه يجب إزالة تهديد حزب الله، ولا سيما كتيبة "الرضوان" عن الحدود الشمالية، وإبعاده إلى شمال نهر الليطاني، من أجل عودة أكثر من 70 ألف نازح إسرائيلي إلى مستوطناتهم في المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، بعد هروبهم منها على إثر القتال الدائر مع الحزب منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، والذين يخشون تكرار سيناريو عملية "طوفان الأقصى"، لكن بنسخة لبنانية.

المؤسسة العسكرية تدعم توجيه ضربه عسكريه لحزب الله بهدف استعادة قوة الردع واستعادة ثقة الشارع الإسرائيلي والإثبات بقدرة الجيش على حمايته، لكن "جيش" الاحتلال لم يعد كما كان قبل 7 أكتوبر، حيث تراجعت قوته في صنع قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي باتت تقديراته الإستراتيجية محل شك دائم، وعدم الثقة بها من المستوى السياسي هو السمة الغالبة عليها، ولذلك نشهد هجوماً متكرراً من قبل وزراء الحكومة في جلسات الكابينت على رئيس الأركان، هرتسي هليفي، خاصة بعد تسريبات الجلسة التي تعالت فيها أصوات كلٍ من الوزراء ميري ريغيف ودفيد امسالم وإيتمار بن غفير في وجه هليفي، من دون تدخلٍ من نتنياهو.

هذا الأمر وصفه الكاتب الإسرائيلي، بن كسبيت، بأن "الكابينت السياسي الأمني بات جبهة قتال ثامنة فتحت على الجيش"، ولكن الأخير يدرك أن معركة مع حزب الله في ظل حكومة نتنياهو وحلفائه لا توفر الظروف الموضوعية لتحقيق الانتصار، خاصة مع إدراك قادته أن شراسة تلك الحرب وقوتها ستكون أضعاف الحرب على غزة، وأن تداعياتها الإقليمية والدولية أكثر اتساعاً، وتتطلب قيادة سياسية واعية ومسئولة تمتلك الرؤية والإستراتيجية، وهذا الأمر مفقود لدى نتنياهو وحلفائه من "الصهيونية الدينية".

إضافة إلى احتياج الحرب إلى استعدادات ضخمة عسكرياً، في ظل استنزاف الحرب على غزة الكثير من القدرات التسلي حية والعسكرية، سيما أن جنود الاحتياط يدخلون شهرهم التاسع بعيداً عن عوائلهم وأعمالهم وحياتهم المدنية، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على قدراتهم القتالية، ناهيك بالتداعيات الاقتصادية لحرب غزة التي عدّت الأكثر تكلفة في تاريخ الحروب الإسرائيلية، والتي بلغت تكلفتها حتى الآن حسب التقارير الاقتصادية الإسرائيلية 500 مليار شيكل ولذلك فإن "الجيش" الإسرائيلي لا يمكنه فتح حرب جديدة مع حزب الله من دون ضوء أخضر أميركي كامل، والتزام واضح وقاطع بأن يقدم كل ما تحتاجه "إسرائيل" و"جيشها" سياسياً وأمنياً وعسكرياً ودبلوماسياً في سبيل تحقيق انتصار على حزب الله.

وهنا، من المهم تأكيد حقيقة سياسية أن "إسرائيل" رأس حربة مشروع استعماري غربي في المنطقة تقوده حالياً الولايات المتحدة الأميركية، وأن الغرب هو من صنع "إسرائيل" ويرعاها، وأنه لولا هذه الرعاية والحماية والدعم لما بقيت.

هذه الحقيقة السياسية والتاريخية مهمة لمعرفة اتجاهات مسارات التأثير ومقدار وزن اللاعبين المركزيين في صنع قرارات القضايا الاستراتيجية المشتركة بين "إسرائيل" وأميركا بشكل خاص والغرب الأوروبي بشكل عام، ناهيك بحساسية التوقيت لبايدن، الذي آخر ما يمكن أن يقبله هو أن تشتعل منطقة الشرق الأوسط بحرب جديدة، بكل ما تحمله من تأثيرات استراتيجية على مصالح بلاده، وخاصة الاقتصادية منها مع تحمل كلفه عاليه من الخسائر البشرية وهو ما حذر منه وزير الشؤون الدينية الإسرائيلية ويدخل في سياق تهيئة الجبهة الداخلية في إسرائيل وقد أخبر وزير الخدمات الدينية الإسرائيلية مايكل مالكيلي في مقابله جرت معه مساء الأربعاء في برنامج “الوطنيون” على القناة 14، حيث أخبرهم أنهم يستعدون لـ “سيناريوهات كبرى” في الشمال ، وأن “وزارة الخدمات الدينية المكلفة بالدفن تستعد هكذا سيناريو

وبعد أن ذكر بشكل عابر أنهم يستعدون لـ" سيناريوهات كبرى" ، سأله المضيفون عما يقصده بذلك. وأوضح مالكييلي أنه يجب عليهم الاستعداد لمثل هذه الأحداث بشكل عام. ولم يقتنع المضيفون بالتفسير، وسألوه عما إذا كانت هناك محادثات محددة حول التصعيد في الشمال ،وأخبرهم مالكييلي أنهم طلبوا المساعدة من الحكومة حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول في التحضير لعمليات الدفن الطارئة، موضحًا أنهم سيحتاجون إلى إبلاغهم حتى يتمكنوا من الاستعداد وأنهم يعقدون مثل هذه الاجتماعات الآن.

وعندما سُئل الوزير عما إذا كانت الوزارة تجهز نفسها لاحتمال حدوث حالات دفن جماعي بسبب حرب محتملة على الجبهة الشمالية، أجاب بالإيجاب، دون تفاصيل.

والأربعاء حذر الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله، من أن الحزب سيقاتل "بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا سقف" في حالة اندلاع حرب أوسع مع الاحتلال، وأنه لن يكون هناك مكان في إسرائيل آمن من هجمات حزب الله.

كما أشار الأمين العام لحزب الله اللبناني إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يخشى اقتحام المقاومة للجليل، وهذا احتمال قائم إذا فُرضت الحرب على لبنان.

ويأتي خطاب نصر الله بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي في بيان "الموافقة" على خطط عملياتية لهجوم في لبنان.

وجاء إعلان جيش الاحتلال بعيد نشر حزب الله اللبناني مقطعاً مصوراً مدته 9 دقائق و31 ثانية تحت عنوان "ما رجع به الهدهد" يتضمن مسحاً دقيقاً لمناطق بشمال فلسطين " إسرائيل "، في حين وصفته مصادر إسرائيلية بالخطير.

وقال الحزب اللبناني إن مقطع الفيديو صورته مسيّرات تابعة تمكنت من "تجاوز وسائل الدفاع الجوي للعدو، وعادت من دون أن تتمكن وسائله من كشفها".ومنذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تتبادل فصائل فلسطينية ولبنانية أبرزها "حزب الله" مع الجيش الإسرائيلي قصفاً يومياً أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

إن كابوس الحرب يلقي بظلاله على المكون المجتمعي الإسرائيلي و مستشار "الأمن القومي" الإسرائيلي السابق، إيال هولاتا، ينقل عن مسؤولين أميركيين تحذيراتهم للمتحمسين لحرب على جبهتين ضدّ حزب الله وحماس، في "إسرائيل"، من الضغط الهائل الذي قد يفرضه "السيناريو الكابوس" على موارد الكيان واقتصاده وخسائر بشريه

ونقل موقع "بلومبرغ" عن مستشار "الأمن القومي" الإسرائيلي السابق، إيال هولاتا، قوله إنّ أي حرب مع حزب الله ستكون أكثر فتكاً من الحرب الأخيرة في العام 2006، وأنّ عدد القتلى في "إسرائيل" قد يقترب من 15 ألفاً هذه المرة.

وأشار هولاتا إلى أنّ المسئولين الأميركيين حذروا الجنرالات والوزراء الإسرائيليين المتحمّسين لحربٍ على جبهتين ضدّ حزب الله وحماس، من الضغط الهائل الذي قد يفرضه مثل هذا السيناريو على موارد "إسرائيل" واقتصادها، ووصفه البعض بأنه "سيناريو كابوس لإسرائيل".

ولفت هولاتا إلى أنّ الشيكل الإسرائيلي، الذي ارتفع في شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، وسط إشارات إلى أن الحرب ستقتصر إلى حد كبير على غزة، بدأ يضعف مرة أخرى، معتبراً أنه من العملات الأسوأ أداءً في العالم حتى الآن هذا العام، حيث انخفض 3.5% مقابل الدولار.

وأكد تقرير نُشِرَ في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في السادس من الشهر الحالي، أنّ "إسرائيل تنظر إلى حزب الله بشكل مختلف عن حماس، باعتباره جيشاً مع تدريب متطور وترسانة من حوالي 150،000 صاروخ، بينما يخشى العديد من الإسرائيليين أن تستخف حكومتهم، مرة أخرى، بالتهديد المميت

لذلك، فإن كل الجهود الأميركية منصبة حالياً على منع تدحرج القتال في الجبهة الشمالية إلى حرب مفتوحة، وهذه الرسالة الأميركية ترسلها كل القيادات الأميركية إلى الإسرائيليين، وخاصة مجلس الحرب والقيادة العسكرية، وهذا يفسر التحذير الأميركي المبطن لنتنياهو ،رغم أن رغبة "إسرائيل" في الذهاب إلى الحرب المفتوحة على حزب الله، تصطدم بالكثير من معوقات القدرة السياسية والعسكرية الإسرائيلية حالياً، ما يشكل معضلة حقيقية أمام اتخاذ قرار الحرب، فإنه لا يمكن استبعاد ذلك السيناريو بشكل جازم، كون نوعية القيادة الإسرائيلية الحالية يغلب عليها العقل الأيديولوجي الديني المتطرف، ممزوجاً بالكثير من المصالح الشخصية السياسية، الذي يجعل قراراتها لا منطقية، ناهيك بأن المناخات الحالية السياسية والعسكرية مشحونة جداً لدرجة أن أي خلل في الميدان يمكن أن يكون شرارة اندلاع الحرب المفتوحة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى