علجية عيش - هل كانت بلاد البربر كلها دوناتية؟

الحركة الدوناتية ودورها في مواجهة الإمبراطورية الرومانية

في دراسة لباحثين جزائريين

الحديث عن الدوناتية يعود نسبة إلى الأب دونا النقريني الذي يعد أهم شخصية دينية مسيحية أمازيغية جزائرية ، فالأب دونا مات شهيدا دفاعا عن الشعب الأمازيغي في مواجهة الإستعمار الروماني، حيث مات في سجون روما باسبانيا سنة 355م، قبل ميلاد خصمه القديس أوغسطين الروماني و اليد اليمنى للاستعمار الروماني بنوميديا و موريتانيا أي بالمغرب الكبير، والأب دونا من مواليد مدينة نقرين جنوب تبسة، في هذه الفترة كان صراع بين الرومان والمسيحيين منذ دخولهم المغرب عن طريق مصر و المشرق، عندما مات الإمبراطور الروماني خلفه الإمبراطور قسطنطين الذي رفع شعار التسامح سنة 307م، وقام الإمبراطور بتعيين الأسقف كوسيليوس الذي تعاون مع محاكم التفتيش، رفض المسيحيون تواجده و أن يتولى قيادة المسيحية، حيث جمع الأب دونا سبعين أسقفا نوميديا قدموا وثيقة رفضهم لهذا الأسقف.

من هذه الحادثة نشأ المذهب الدوناتي، إلا أن الأسقف الذي كانوا يصفونه بالخائن تم تثبيته بقرطاج ووقعت حرب دموية سقط فيها العديد من المسيحيين النوميديين، في الجانب الثقافي كانت لغة الدوناتيين هي الفينيقية أي الكنعانية العربية، والفينيقية حسبما أفاد به الدكتور عثمان سعدي في إحدى دراساته هي لغة الحضر و الدواوين والعبادات ، لكنها كانت محاطة بلهجات أمازيغية شفوية وكلاهما ينتميان إلى أرومة واحدة هي العروبية و ظلت قائمة 17 عشر قرنا كلغة فصحى بالمغرب، و هذا يعني أن الرومان الذين سيطروا على المغرب ( المغرب الكبير) منذ 146 سنة ق.م فشلوا في فرض لغتهم وثقافتهم الرومانية على سكان المغرب الأمازيغ، وأمام إصرار الدوناتيين على الدفاع عن هويتهم اضطر قسطنطين سنة 321م إلى إصدار تعليمات بوقف عمليات القمع ضد الدوناتيين، و أطلق الأب دونا صرخته : " الله أرسل المسيح لإنصاف المستضعفين".

ازدادت شعبية الأب دونا فكان ملاحقا أمرت الإمبراطورية الرومانية باعتقاله و نقله إلى اسبانيا حيث سجن في سجون الرومان و مات هناك في السجن سنة 355م، و في هذا قامت الإمبراطورية الرومانية بنهب ممتلكات الفلاحين الأمازيغ حيث قامت ما أطلق عليها بثورة الدائرين ضد الإقطاع من أجل استعادة أراضهم و توحد الفلاحون الأمازيغ مع الدوناتيين، استعان الدكتور عثمان سعدي دراسته ببعض ما جاء به المؤرخون و منهم المؤرخة الفرنسية أوديت فانييه في دراسة نشرتها سنة 1926 عن الدوناتية و كيف كان الكولون الرومان يحولون السادة إلى عبيد و يستولون على مخازن حبوب الفلاحين الأمازيغ، استمرت الدوناتية إلى أن تحولت إلى مذهب شعبي جماهيري، أعيد له الإعتبار بعد مجيئ الإمبراطور يوليان ابن أخت الإمبراطور قسطنطين، لكن الدوناتيين المخلصين استمروا في نضالهم و كفاحهم ضد الإمبراطورية الرومانية فقاموا بثورات و دعموا ورات عديدة منها ثورة فيرموس البربري، و لما جاء القديس أوغسطين وجد بلاد البربر كلها دوناتية، فوقف ضد الدوناتيين بعد أن وصفهم بالهراطقة، و اعتبر الدوناتية هرطقة وأهلها خارجون عن القانون، و دار جدال بين المذهبين حين أمر بعقد مناظرة جمع فيها 565 أسقفا ، منهم 279 أسقف دوناتي و 286 أسقف كاثوليكي، و اشترط في المناظرة أن الطرف الذي ينتصر في الجدال بين المذهبين سيعمم مذهبه في أفريقيا.

كانت الكفة في صالح الدوناتيين، لكن امبراطور قرطاج بالتواطؤ مع أوغسطين اعتقل الأساقفة الدوناتيين في 26 جوان 411م، و بقرار امبراطوري حُلَّ المذهب الدوناتي و صودرت كنائسه وممتلكاته لصالح الكاثوليك، حيث أصبح الدوناتيون في تيمقاد و شرشال يمارسون طقوسهم في سرية تامة إلى أن مات أوغسطين في عنابة مدافعا عن الإستعمار الروماني، في حين انضم الدوناتيون إلى الوندال، أما عن البحوث و الدراسات التي تركها الأب دونا يذكر الدكتور عثمان سعدي كتاب بعنوان: " الروح القدسية" تحدث عنه بعض رجال الكاثوليك، الذين كشفوا أن أوغسطين قام بحرق سائر الكتب الدوناتية، رغم محاولات كل من غودانتيوس أسقف تيمقاد و بيتليانس أسقف مدينة سيرتا ( عاصمة النوميديين) ، لكنها باءت بالفشل ، يشار أن كل مؤلفات الدوناتية كتبت بالفينيقية و اللاتينية.

نأتي الآن إلى ما قاله الدكتور قادة جليد أستاذ الفلسفة بجامعة وهران متقاعد في محاضراته التي ارتكزت على دور الشخصيات الأمازيغية و الثورات في بلاد المغرب الكبير ( المغرب العربي) انطلاقا من مملكة أوراس النمامشة، يقول الدكتور قادة جليد أن ثورة الدوارين لم يكتب عنها الجزائريون و ظل تاريخها مطمورا، و من الشخصيات التي تحدث عنها الدكتور قادة جليد الملكة رويا و هي أمازيغية دوناتية حاربت الإستعمار، كذلك الملكة داهيا وهي ملكة أوراس النمامشة التي لقبها العرب بالكاهنة، لأنها كانت تقوم بطقوس قبل خوض أي معركة، و كانت ترابط في مكان محدد هو هضبة ثازينت جنوب مدينة تبسة، و كان جميع البربر لها مطيعون، قامت معركة بينها و بين جيش المسلمين و انتصرت عليه بعد أن جمعت ثمانين من الأسرى العرب لكنها لم تلحق بهم أذى بل حاورتهم و اكتشفت تطابقا بين عادات العرب و عادات البربر، و يقال أن من بين الأسرى يمنيين، و لغياب ترجمان يترجم اللغة البربرية إلى العربية أطلقت سراح جميع الأسرى وأرسلتهم إلى الجيش الإسلامي بلا فدية، ماعدا أسير واحد هو خالد بن يزيد العبسي الذي طلبت منه أن يعلم ابنيها اللغة العربية و تعاليم الإسلام و أمرت ولديها أن يعتنقا الإسلام، حسب الدكتور قادة جليد ظلت الدوناتية حركة وطنية أمازيغية قاومت الإستعمار الروماني ثم الفرنسي و هي تحتاج إلى فتح نقاش حولها بين المفكرين و الأكاديميين، خاصة و أنه في كل تحوّل تاريخي كل شيء يتغير إلا الشكل الثقافي الذي يمارس نوعا من المقاومة وهذا يحتاج إلى وعي ثقافي و التسلح بمناهج جديدة ، و قال أن طمس الحقائق التاريخية يعتبر انغلاقا دوغماتيا واقترح الخروج من الجدال السياسي والإيديولوجي والتفكير في الجانب المعرفي و التاريخي و غرسه في أذهان الأجيال.

ورقة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى