المستشار الدكتور محمد عبدالفتاح عمار - حكايات الفلاح الفصيح... دولت فهمى التى لا يعرفها احد... المرأة التى ضحت بشرفها من اجل مصر

فى شهر مارس من كل عام تهل علينا نسائم ثورة 19 المجيدة والتى اشترك فيها الشعب المصرى بكل اطيافه شبابا وشيوخا رجالا ونساء واطفالا ومسلمين ومسيحين امة واحدة ووطن واحد وللاسف كثيرون مما دفهوا حياتهم فى هذه الثورة كالعادة لم يتوقف التاريخ عندهم كثيرا فالتاريخ يتوقف لدى من يجيدون فن الشهرة ويتقنون صناعة الامجاد الوهمية فى الكثير من الاحيان وبطلة اليوم هى سيدة عظيمة تسمى دولت فهمي سيدة مصرية من قرية أبو عزيز في المنيا. انتقلت للعيش في القاهرة وعملت بالتدريس حتى وصلت الى ناظرة مدرسة الهلال الأحمر القبطية للبنات. وبجانب عملها بالمدرسة، كان لها دورا كبيرا في ثورة 1919 حيث كانت تعمل مع التنظيم السري للثورة والذي أطلق عليه اليد السوداء. وكان عملها السري سبباً أساسياً في أن أحداً لم يعرف من هي دولت فهمي، فقد كان العمل كله يتم في سرية تامة وهذا ما وجدته فى الكثير من مذكرات اعضاء التنظيم السرى فلم يذكروا اى دور لهم ولا افعالهم واكتفوا فى الغالب بذكر تفاصيل عامة وكانت دولت تقوم بطباعة المنشورات وتوزيعها وتشترك فى المظاهرات وقام التظيم باغتيال الضباط الانجليز لارهاب المحتل المغتصب وكان الثوار يعتبرون كل من يقبل الوزارة خائنا ومتعاونا مع الانجليز ومنهم محمد سعيد و يوسف وهبه ومحمد توفيق نسيم وكلفوا طالبا اسمه عبد القادر شحاته باغتيال محمد شفيق باشا قبل ان يكون وزيراً للأشغال و الحربية والزراعة فقرر التنظيم السري قتله وكلف عبد القادر شحاتة بذلك. كان شحاتة شاباً في الحادي والعشرين من عمره وكان له دور في أعمال ثورية سابقة مثل طبع المنشورات وإشعال الثورة في المنيا. في اليوم الثاني والعشرين من فبراير عام 1920 قام عبد القادر شحاتة بتنفيذ العملية متنكراً في ملابس عامل العنابر. جاء زميل له وسلمه القنبلة ومسدسان ولكن بعد ان رمى القنبلة لم يمت الوزير. هرب شحاتة الا انه قبض عليه واثناء التحقيق اعترف نتيجة التعذيب وحينما ارادوا ان يعرفوا اين كان يبيت قبل عملية الاغتيال وحتى لا ينكشف امر التنظيم ارسل له خطاب بان سيدة اسمها حكمت فهمى ستتقدم للشهادة وبالفعل اخبر المحققين بذلك فأصدر النائب العام على الفور أمرا بالقبض على "دولت فهمى" فذهب إليها اللواء "رسل" باشا ـ الحكمدار، و"إنجرام بك" وكيل الحكمدار وقبضا عليها، وجاءت إلى "النيابة" مكبلة بالحديد..
ويصف "عبد القادر شحاته" لقاءه و"دولت فهمى" فى حضور "النائب العام" فيقول:
"..ودخلت سيدة حسناء إلى غرفة النائب العام، وقبلتنى وهى تنادينى "يا حبيبى، يا حبيبى"، واعترفت بأننى أبيت فى بيتها وأننى عشيقها!
وذهل النائب العام والحكمدار ووكيل الحكمدار، وحاول الإنجليز أن يغروا "دولت" لتمتنع عن الشهادة، ورفضت، رغم التهديد، وفشلت السلطات العسكرية البريطانية مرة أخرى فى معرفة الجهاز السرى..
وبعد أربع سنوات قضاها "عبد القادر شحاته" فى السجن، صدر عفو عنه بوساطة من "سعد زغلول" ـ رئيس الحكومة ـ لدى "الملك فؤاد" الذى حاز لقب "ملك" بموجب "دستور 1923"، وخرج عبد القادر من السجن إلى الحرية وتم تعيينه فى "بنك التسليف" ولم ينس "دولت فهمى" التى افتدته بحياتها، فقال عنها فى مذكراته:
".. ولم أر "دولت فهمى" منذ أن قبلتنى فى غرفة النائب العام، فى شهر فبراير 1920، وبحثت عنها فى كل مكان، وسألت عنها زعماء الجهاز السرى، فطلبوا منى أن لا أسأل عنها، وأصررت على السؤال عنها، لقد كانت تعيش معى كل هذه السنوات فى زنزانتى، أحسست أننى أحبها، وأننى لابد أن أتزوجها، وأخيرا علمت أن أهلها قتلوها عندما عرفوا ـ من التحقيق ـ أننى بت معها فى بيتها قبل الحادث، أنا الذى لم أرها إلا فى غرفة النائب العام.
اما بقية القصة فللاسف وللمصادفة الغربية ان دولت التى كان ينظر لها الجميع على انها قديسة كان سكرتير التحقيق من قريتها فاتصل باشقائها واخبرهم وحضر اخوها واصطحبها بحجة مرض والدتهم وفى رواية اخرى ان اخوتها حضروا الى المدرسة وطلبوا منها أن تصحبهم الى المنيا ليعزوا فى خالتها التى داسها قطار سكة حديد خاصة أن اليوم التالى كان يوم جمعة والمدرسة فى اجازة ورحبت دولت بالفكرة وسافرت معهم فى قطار الصعيد الذى يتحرك فى الليل من محطة القاهرة، وعندما وصل القطار الى محطة المنيا ركبوا عربة الى القرية ثم اقترحوا على دولت أن يذهبوا مباشرة الى قبر خالتهم ليقرأوا الفاتحة. وقف أشقائها بخشوع أمام القبر، مع دولت ثم
قاموا بذبحها.
رحم الله دولت فهمى رمز الوطنية والشرف وجدير بالذكر ان التلفزيون المصرى اعد عنها سهرة تلفزيونية عام 1987، شارك فيها المخرجة إنعام محمد علي، والسيناريست عصام الجنبلاطي بتقديم سهرة تلفزيونية بعنوان: دولت فهمي التي لم يعرفها أحد من بطولة ممدوح عبد العليم وسوسن بدر كما ظهرت فى فيلم كيرة والجن ولكن انا شخصيا لى تحفظات بل رفض مطلق على الشخصية التى ظهرت فى الفيلم اذ صورها انها كانت تعرف عبد القادر شحاته وتربطهما قصة حب على غير الحقيقة فكأن ما قدمته السيدة من تضحية كانت لدافع شخصى وليس بدافع الوطنية وهذا تزييف للتاريخ مرفوض ولا يصح تجاوز الاحداث بهذه الصورة الفجة
رحم الله دولت فهمى وكل من خدم واخلص لهذا الوطن العزيز الغالى ولعن الله كل من هان هانت عليه عزته وشرفه وخانه بثمن بخس

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

نصوص في : ملفات خاصة

أعلى