السعيد عبدالغني - هل الشعراء برجوازية صغيرة وعملاء الثورة المضادة

تتأسس الفلسفة على دراسة التراث متمثلا في الميثولوجيا أو الأدب أو الفلسفات السابقة، أيا كانت الطريقة المستخدمة في دراسته.
يتم بناء المشاريع الفلسفية على أبحاث وتأويلات لهذا التراث يتم الدخول منها لرؤية العالم وفهمه. لكن أي تراث؟ كيف يتم الاختيار من هذا التراث؟ هل يدخل في الإختيار الآداب، الشعر والفن؟
طرق تناول مالارميه
طرق التفكير تختلف بين الفلاسفة على حسب الايدلوجيات سواء الدينية أو الفكرية أو السياسية. يؤثر في اختلاف طريقة الاختيار للنصوص أو الشخصيات التي تُناسب طريقة التفكير، لإنتاج معرفة يريد إيصالها، حتى لو كانت نفيا لما هو راسخ.
نجد اهتمام بالغ بالشاعر الفرنسي مالارميه بتحليل بسيط للانتقاء من التراث الأوروبي. يتم مناقشته من زوايا مختلفة، ليس من خلال دراسة الأدب والشعر وتاريخهما وأهميته كعتبة حداثية فقط، لكن من خلال الفلسفة بأنواعها.
من سارتر الفيلسوف الماركسي وأحد مؤسسي الوجودية وتحليله من خلال ربط الأدب بالسياسة، لأهمية السياسية للشاعر في كتابه "مالارميه، شاعر العدم"، و آلان باديو ورولان بارث وجاك رانسيير وفوكو ودريدا ودولوز.. في مقالات متعددة كثيرة.
كل منهم يقتبس من نصوصه، ينتقي، يركز على بعضها لأسباب أيدلوجية أو حاجته لاستثارة معاني منه. تلك طبيعة التأويل والبحث والتركيب لكل مشروع وأدلته وقوته. ليس بالضرورة أن يكون الاهتمام لتمجيده أو التقليل منه، بل لإثارته مناطق فلسفية، في شعره ونثره أو وجوده.
سارتر وشاعر العدم
اهتم سارتر بالعديد من الشعراء والروائيين في فرنسا من جان جينيه ل فلوبير وأفرد لهم كتبا كاملة "القديس جينيه: الممثل والشهيد 1952" وكتاب "أبله العائلة" عن فلوبير الذي تجاوز الألفي صفحة وكتاب "مالارميه شاعر العدم".
يتناول مالارميه بنقد وتحليل ماركسي مبني على تشريح ظروفه الاجتماعية، وإرجاع اختياراته الجمالية وموضوعاته الفنية لذلك. التحليل المبني على علاقة الذات وبيئتها، تأثير ذلك عليها اجتماعيا، بفلسفته الوجودية المتفائلة على عكس الوجوديين الآخرين من كامو وهيدجر.
" بعدما اعتبرها فلسفة تفاؤلية على عكس من قالوا إنها فلسفة تشاؤمية، هي العكس في صميمها تضع الإنسان مواجها لذاته حرا يختار لنفسه ما يشاء وأن يحقق إرادته ويواجه مسؤولياته والتزاماته" [1]
من خلال بعض العناصر الرئيسية:
1. انتمائه لحركة الفن للفن" البرناسية "
2. الشعراء بورجوازية صغيرة، وعملاء الثورة المضادة
3. آثار إلحاد القرن التاسع عشر على الشِعر والشعراء
4. التشاؤم والتعالي
حركة الفن للفن " البرناسية "
انتمى مالارميه لحركة الفن للفن" البرناسية " الداعية لاعتبار الأدب غاية في حد ذاته. تمتنع الحركة عن استعمال الفن لعلاج القضايا الاجتماعية والسياسية. بينما يوظِف سارتر الشاعر أو الكاتب كفاعل سياسي، يُعطي الغاية للفن في التغيير السياسي.
هذا النقد لمالارميه بالخصوص بعيدا عن أعضاء الحركة الآخرين مثل لوكونت دو ليزي، لأنه أكثرهم تنظيرا واعتناقا لمفاهيم الحركة.
الشعراء برجوازية صغيرة، وعملاء الثورة المضادة
يجادل سارتر في تحليله للقرن التاسع عشر أن العلم ألغى التسلسل الهرمي الذي تعتمد عليه الأرستقراطية والبرجوازية والسلطة الدينية من خلال مساواته لجميع الناس، و تأكيده على إمكانية نقل الحقيقة.
يعتبر الشعراء بورجوازية صغيرة، تنزع إلى تمييز نفسها عن الشعب و البرجوازية المعروفة، على الرغم من تنازلها المشترَك مع البروليتاريا عن التعبير عن أفكارها، واتفاقها مع البرجوازية المعروفة في التعالي.
آلية التمييز
1. الحرمان الذي تفرضه على ذاتها، والمحرمات التي تثيرها.
2. الرفض الشامل الذي ينفي رغباتهم الشخصية، رفض تحديد أنفسهم بالسمات الفردية الواقعية لشخصيتهم، احتقار الجماهير.
يُعلِق سارتر ساخرا ببعض المجازات المقتبسة من مالارميه وغيره في أنحاء الكتاب كله حتى تظن أنه شاعر، ليسخر من برجوازيتهم
" مهتم بشكل خاص بالحفاظ على النظام، لأنه لن يكون قادرا على الاستماع إلى همهمات عبقريته بينما قبضة من حديد لم تُهدئ الضجيج في الخارج." [2]
يصفه في منطقة أخرى بأنه عميل" مضاد" للثورة التي حدثت سنة ١٩٤٨ وأسقطت الملكية، وعرّت البرجوازية والشعراء. البرجوازية التي منحته الحياة وغذّته، ينادي بآلياتها في ضرورة منع نشر التعليم" هناك شيء واحد انتشر مع نشر التعليم الابتدائي وهو الجريمة" [3]
في محاولة لمقاومة ما يُهدِد تفوق البرجوازية، وحصر الجمال بعيدا، كما يعلق سارتر ساخرا" كان الشعراء يترددون فقط على الشعراء" تحويل الجمال مبدأ انتقائي جديد، في متناول بعض الأشخاص المميزة فقط.
آثار إلحاد القرن التاسع عشر على الشِعر والشعراء
انهارت قيمة الشعراء مع الإلحاد فقد أخذوا قيمتهم من الله سابقا، قصائدهم تم تقييمها أنها وحي و إلهام. ساوى العلم الطبقات جميعها بدون أفضلية وراثية أو منتخبة، نزع تمييزهم كشعراء وبرجوازية.
" يفقد الشعر موضوعَيه التقليديين: الإنسان والله. رأوا الفكرة الإلهية تتضاءل فجأة، انطفأت الأضواء السماوية وأصبحت الحقيقة الأفلاطونية وهما. فقدوا كل شيء: قبل أن يتمكنوا من فهم هذه الخدعة: الموضوع الرئيسي لتأملاتهم الشعرية، وضمانة عبقريتهم، ورُتبتهم ووسائل عيشهم. حتى ذلك الحين، يبدو لهم الشعر الجميل حدث مطلق، يهز العالم المعقول" [4]
دخل الإلحاد في ايدلوجيتهم الفنية، غياب المطلق الجمالي والأخلاقي، ولم ينتهي في ندائهم واستحضارهم للإله في قصائدهم. أصبحت قيمتهم مرهونة بالناس، الذين يحتقروهم، فجعلوا تشاؤمهم موضوعهم الجديد الأكبر
التشاؤم والتعالي
يحلل تعاليهم من خلال آثار الإلحاد، البشر صور مادية تافهة و متساوية وبذلك لا يجدوا أنفسهم مميزين. " لقد حول لاهوتهم السلبي معاناتهم وعدم رضاهم إلى علامات اختيار، مما سمح لهم بالحفاظ على هامش من التعالي على مدى الحياة." [5]
يحافِظ التشاؤم على كونهم ضحية، يٌشعِرهم بوجود مقدس مختبيء فيهم، يجعل الحياة في الخارج مُهينة" الموافقة على الحياة لن تكون أكثر من تدنيس مقدساتنا". أدوات كثيرة أخرى للتشاؤم مِن تحويل المرض لإمتياز، استعمال الزهد لتمييز ذواتهم بالحرمان، تأديب جسدهم، الذي يريد قتل العامل فيه، الكتابة بلغة غير مفهومة.
المراجع:
1. الفن والجمال في الفلسفة الوجودية سارتر (نموذجا) محبوب أميرة، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر أكادمي، جامعة قاصدي مرابح ورقلة، الجزائر
2. Mallarmé, or the Poet of Nothingness By Jean-Paul Sartre Ernest Sturm (Translator)Penn State University Press (June 10, 1991)
3. Guillemin Henri. Le coup du 2 dècembre Editions Gallimard (28 décembre 1951)
Mallarmé, or the Poet of Nothingness By Jean-Paul Sartre Ernest. 4 Sturm (Translator)Penn State University Press (June 10, 1991)
Mallarmé, or the Poet of Nothingness By Jean-Paul Sartre Ernest 5. Sturm (Translator)Penn State University Press (June 10, 1991)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى