عندما نقول إن البحثَ العلمي رافعةٌ من رافعات التنمية، فهذا معناه أن هذا البحثَ يُساهم في التنمية الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، وذلك من خلال تحويل نتائجِه إلى قيماتٍ مٌضافةٍ، تساهم، هي الأخرى، في خلق الثروة. ويتمثَّل هذا التَّحويلُ في خلق المقاولات التي، بدورها، تخلق مناصبَ الشغل.
والبحث العلمي، في العالم الإسلامي عامةً والعالم العربي خاصةً، لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف مَن بيدهم الأمر. بل إنه لا يحظى بالأولوية في السياسات العمومية. والدليل على ذلك، أن الباحثين العرب المرموقين لا يعيشون في البلدان العربية. بل يعيشون في بلدان المهجر حيث اهتمام السلطات بالبحث العلمي واضحٌ وضوحَ الشمس.
العالَم الإسلامي، بما في ذلك الدول العربية، يُنفق في مجال الشؤون الدينية أموالا طائلة تفوق بكـثير ما يتمُّ إنفاقُه على البحث العلمي. وما يُثير الانتباهَ هو أن جزأً مهمّا من هذا الإنفاق لا قيمةَ مُضافة له، بمعنى أنه إنفاق لا يخلق الثروة.
وحتى لا يكون هناك خلطٌ في الأمور، ما أقصد ب"البحث العلمي"، هو البحث العلمي الذي تدور أطوارُه أو أشغالُه داخلَ أو خارجَ المختبرات، والذي تعود نتائجُه بالنفع على المجتمع والبلاد. أي البحث العلمي الذي هو، في حد ذاته، قيمة مضافة تُساهم في خلق الثروة ومناصب الشغل، وبالتالي، في تقدُّم البلاد وازدهارها.
وهنا، لا تفوتني الفرصة لأثيرَ الانتباهَ إلى أن الغالبيةَ العظمى من الأساتذة الباحثين والباحثين، في العالم العربي، يُمارسون البحثَ العلمي، فقط وحصريا، من أجل نشر نتائج أبحاثهم في الدوريات والمجلات المُحكَّمة périodiques et revues indexés. أما تثمين valorisation هذه النتائج، أي إعطاءُها قيمةً اقتصادية وتجارية، فلا يدخل في ثقافة لا القطاعات الوزارية المعنية ولا الجامعات ولا المؤسسات البحثية. بل لا يدخل حتى في السياسات العمومية الخاصة بالبحث العلمي، أو السياسات العمومية الخاصة بالعلوم والتِّكنولوجيا.
ولهذا، فإن الأبحاثَ العلمية التي وصلت نتائجُها إلى مرحلة التَّثمين، قليلةٌ جدا، إن لم نقل نادرة. علما أن هذا النوع من الأبحاث الذي يصل إلى مرحلة التَّثمين، غالبا ما يكون القطاع الخاص شريكا في تمويله، وهو الشيءُ الذي قد يُسهِّل مرحلةَ التَّثمين.
والدول العربية مجتمعة تُنفق بالكاد 1% من ناتجها الداخلي الخام produit intérieur brut PIB على البحث العلمي، بينما إسرائيل وحدها تُنفق 4,7% على هذا البحث من ناتِجها الداخليالخام. وبالطبع، كلما ارتفع الناتِج الداخلي الخام، كلما زاد الإنفاقُ على البحث العلمي حجماً. ونسبة 1%، التي يُخصِّصها العالمُ الإسلامي للبحث العلمي، لا تُغني ولا تُسمن من جوع. لماذا؟
لأن ما يُقارب 90% من هذا الإنفاقَ تذهب لأجور الباحثين. ونسبة 10% المتبقِّية، لا يمكن، على الإطلاق، أن تضمنَ بحثا علميا من المستوى العالي، ومرتبطا وملتصقا بقضايا التنمية الاجتماعية، الاقتصادية والتكنولوجية. بل إن هذا الإنفاقَ الضعيفَ يُفرز بحثا علميا لا وقعَ له لا على التنمية باختلاف أنواعها، ولا على سير الرَّكب العالمي لإنتاج المعرفة العلمية. إن هذا الرَّكبَ يخطو خطواتٍ جبَّارة إلى الأمام، سواءً وُجِدت البلدان الإسلامية والعربية أو غائبة عن الساحة العلمية. لماذا؟
لأن الأبحاث العلمية، ذات القيمة العالية المُضافة، تُنجز في البلدان الغربية، وعلى رأسها، البلدان الأنجلوساكسونية pays anglo-saxons، وفي الصين وبلدان جنوب شرق آسيا ككوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغفورة... وقد يُضاف إلى هذه المجموعات تركيا وإيران حيث البحث العلمي يحظى باهتمامٍ نوعي من طرف المسؤولين.
ولهذا، فإذا اختفت البلدان العربية من خارطة العالم، لن يطرأ أي تغيير على سير الرَّكب العلمي والتِّكنولوجي. لماذا؟ لأن بلدانَ العالم العربي لا وجودَ لها أو تكاد في عالم إنتاج العلم والتكنولوجيا من مستوى عالي، واللذان، بدورهما، يساهمان في خلق الثروة. والأسباب التي كانت وتكون وراء غياب البلدان العربية عن الساحة العالمية لإنتاج العلم والتِّكنولوجيا، كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال :
أولا، غياب الإرادة السياسية القوية التي تعتبر البحثَ العلمي رافعةً من رافعات التنمية.
ثانيا، لا داعيَ للقول أن بعض البلدان العربية ومن ضمنها المغرب، رغم غياب هذه الإرادة، قد ترسم سياساتٍ عموميةً لتمويل البحث العلمي. لكن، في غياب هذه الإرادة، فإن هذا التَّمويل لا يغيِّر شيئا في واقع هذا البحث.
ثالثا، التمويل نفسُه يعتبر ضعيفا، بمعنى أن جزأً كبيرا منه، كما سبق الذكر، يذهب لأجور الباحثين والأساتذة الباحثين، بينما الجزء المتبقيِّ لا يكفي لسدِّ حاجيات المختبرات التَّجهيزية وتلك التي تُستهلك يوميا.
رابعا، رغم توفُّر التَّمويل الضعيف، فإن تعبئَتَه للاستفادة منه تخضع لشروط تعجيزية، ومن ضمنها المراقبة المالية القبلية التي تفرضها وزارات المالية على الجامعات ومؤسسات البحث…
ومن أهم الأسباب التي تحول دون ازدهار البحث العلمي في البلدان العربية، هناك عدم اهتمام القطاع الخاص بالبحث العلمي وضعفُ مساهمته في تمويل هذا البحث.
وعدم اهتمام القطاع الخاص بالبحث راجع إلى كونه قطاعا يبني استثماراته على الربح السريع، وبالتالي، ليست له نظرة استشرافية لما قد يُوفِّره له البحث العلمي من فرصٍ للنجاح.
غير أن التجربة بيَّنت وتُبيِّن بوضوح أن البلدانَ التي نجح نظامُها الوطني للبحث العلمي في أداء مهامه المتمثِّلة في خلق الثروة، هي البلدان التي يساهم فيها القطاع الخاص في تمويل هذا البحث بنِسَبٍ عالية. فمثلا، في اليابان وكوريا الجنوبية قد تصل نسبة تمويل البحث العلمي من طرف القطاع الخاص إلى أكثر من 70% بينما في الولايات المتَّحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، تفوق هذه النسبة 50%. وهكذا يصبح القطاع الخاص هو المحرِّك الأساسي للنٌّظُم الوطنية للبحث العلمي.
والبلدان التي يساهم فيها القطاع الخاص بنِسبٍ عالية وضعت استراتيجياتٍ تشجِّع القطاع الخاص على الاهتمام بالبحث العلمي والمساهمة في تمويله. تتمثَّل هذه الاستراتيجيات في استفادة القطاع الخاص من تحفيزات ضريبة incitations fiscales.
في غياب إرادةٍ سياسيةٍ واضحة المعالم، فإن القطاعَ الخاص لا يهتمُّ لا بالبحث العلمي ولا بتمويلِه ولا بالتَّحفيزات الضريبية. كما سبق الذكرُ، ما يهم هذا القطاع، هو أن تُذرَّ عليه استثماراتهُ أرباحا وفي أسرع وقتٍ ممكنٍ.
والبحث العلمي، في العالم الإسلامي عامةً والعالم العربي خاصةً، لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف مَن بيدهم الأمر. بل إنه لا يحظى بالأولوية في السياسات العمومية. والدليل على ذلك، أن الباحثين العرب المرموقين لا يعيشون في البلدان العربية. بل يعيشون في بلدان المهجر حيث اهتمام السلطات بالبحث العلمي واضحٌ وضوحَ الشمس.
العالَم الإسلامي، بما في ذلك الدول العربية، يُنفق في مجال الشؤون الدينية أموالا طائلة تفوق بكـثير ما يتمُّ إنفاقُه على البحث العلمي. وما يُثير الانتباهَ هو أن جزأً مهمّا من هذا الإنفاق لا قيمةَ مُضافة له، بمعنى أنه إنفاق لا يخلق الثروة.
وحتى لا يكون هناك خلطٌ في الأمور، ما أقصد ب"البحث العلمي"، هو البحث العلمي الذي تدور أطوارُه أو أشغالُه داخلَ أو خارجَ المختبرات، والذي تعود نتائجُه بالنفع على المجتمع والبلاد. أي البحث العلمي الذي هو، في حد ذاته، قيمة مضافة تُساهم في خلق الثروة ومناصب الشغل، وبالتالي، في تقدُّم البلاد وازدهارها.
وهنا، لا تفوتني الفرصة لأثيرَ الانتباهَ إلى أن الغالبيةَ العظمى من الأساتذة الباحثين والباحثين، في العالم العربي، يُمارسون البحثَ العلمي، فقط وحصريا، من أجل نشر نتائج أبحاثهم في الدوريات والمجلات المُحكَّمة périodiques et revues indexés. أما تثمين valorisation هذه النتائج، أي إعطاءُها قيمةً اقتصادية وتجارية، فلا يدخل في ثقافة لا القطاعات الوزارية المعنية ولا الجامعات ولا المؤسسات البحثية. بل لا يدخل حتى في السياسات العمومية الخاصة بالبحث العلمي، أو السياسات العمومية الخاصة بالعلوم والتِّكنولوجيا.
ولهذا، فإن الأبحاثَ العلمية التي وصلت نتائجُها إلى مرحلة التَّثمين، قليلةٌ جدا، إن لم نقل نادرة. علما أن هذا النوع من الأبحاث الذي يصل إلى مرحلة التَّثمين، غالبا ما يكون القطاع الخاص شريكا في تمويله، وهو الشيءُ الذي قد يُسهِّل مرحلةَ التَّثمين.
والدول العربية مجتمعة تُنفق بالكاد 1% من ناتجها الداخلي الخام produit intérieur brut PIB على البحث العلمي، بينما إسرائيل وحدها تُنفق 4,7% على هذا البحث من ناتِجها الداخليالخام. وبالطبع، كلما ارتفع الناتِج الداخلي الخام، كلما زاد الإنفاقُ على البحث العلمي حجماً. ونسبة 1%، التي يُخصِّصها العالمُ الإسلامي للبحث العلمي، لا تُغني ولا تُسمن من جوع. لماذا؟
لأن ما يُقارب 90% من هذا الإنفاقَ تذهب لأجور الباحثين. ونسبة 10% المتبقِّية، لا يمكن، على الإطلاق، أن تضمنَ بحثا علميا من المستوى العالي، ومرتبطا وملتصقا بقضايا التنمية الاجتماعية، الاقتصادية والتكنولوجية. بل إن هذا الإنفاقَ الضعيفَ يُفرز بحثا علميا لا وقعَ له لا على التنمية باختلاف أنواعها، ولا على سير الرَّكب العالمي لإنتاج المعرفة العلمية. إن هذا الرَّكبَ يخطو خطواتٍ جبَّارة إلى الأمام، سواءً وُجِدت البلدان الإسلامية والعربية أو غائبة عن الساحة العلمية. لماذا؟
لأن الأبحاث العلمية، ذات القيمة العالية المُضافة، تُنجز في البلدان الغربية، وعلى رأسها، البلدان الأنجلوساكسونية pays anglo-saxons، وفي الصين وبلدان جنوب شرق آسيا ككوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغفورة... وقد يُضاف إلى هذه المجموعات تركيا وإيران حيث البحث العلمي يحظى باهتمامٍ نوعي من طرف المسؤولين.
ولهذا، فإذا اختفت البلدان العربية من خارطة العالم، لن يطرأ أي تغيير على سير الرَّكب العلمي والتِّكنولوجي. لماذا؟ لأن بلدانَ العالم العربي لا وجودَ لها أو تكاد في عالم إنتاج العلم والتكنولوجيا من مستوى عالي، واللذان، بدورهما، يساهمان في خلق الثروة. والأسباب التي كانت وتكون وراء غياب البلدان العربية عن الساحة العالمية لإنتاج العلم والتِّكنولوجيا، كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال :
أولا، غياب الإرادة السياسية القوية التي تعتبر البحثَ العلمي رافعةً من رافعات التنمية.
ثانيا، لا داعيَ للقول أن بعض البلدان العربية ومن ضمنها المغرب، رغم غياب هذه الإرادة، قد ترسم سياساتٍ عموميةً لتمويل البحث العلمي. لكن، في غياب هذه الإرادة، فإن هذا التَّمويل لا يغيِّر شيئا في واقع هذا البحث.
ثالثا، التمويل نفسُه يعتبر ضعيفا، بمعنى أن جزأً كبيرا منه، كما سبق الذكر، يذهب لأجور الباحثين والأساتذة الباحثين، بينما الجزء المتبقيِّ لا يكفي لسدِّ حاجيات المختبرات التَّجهيزية وتلك التي تُستهلك يوميا.
رابعا، رغم توفُّر التَّمويل الضعيف، فإن تعبئَتَه للاستفادة منه تخضع لشروط تعجيزية، ومن ضمنها المراقبة المالية القبلية التي تفرضها وزارات المالية على الجامعات ومؤسسات البحث…
ومن أهم الأسباب التي تحول دون ازدهار البحث العلمي في البلدان العربية، هناك عدم اهتمام القطاع الخاص بالبحث العلمي وضعفُ مساهمته في تمويل هذا البحث.
وعدم اهتمام القطاع الخاص بالبحث راجع إلى كونه قطاعا يبني استثماراته على الربح السريع، وبالتالي، ليست له نظرة استشرافية لما قد يُوفِّره له البحث العلمي من فرصٍ للنجاح.
غير أن التجربة بيَّنت وتُبيِّن بوضوح أن البلدانَ التي نجح نظامُها الوطني للبحث العلمي في أداء مهامه المتمثِّلة في خلق الثروة، هي البلدان التي يساهم فيها القطاع الخاص في تمويل هذا البحث بنِسَبٍ عالية. فمثلا، في اليابان وكوريا الجنوبية قد تصل نسبة تمويل البحث العلمي من طرف القطاع الخاص إلى أكثر من 70% بينما في الولايات المتَّحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، تفوق هذه النسبة 50%. وهكذا يصبح القطاع الخاص هو المحرِّك الأساسي للنٌّظُم الوطنية للبحث العلمي.
والبلدان التي يساهم فيها القطاع الخاص بنِسبٍ عالية وضعت استراتيجياتٍ تشجِّع القطاع الخاص على الاهتمام بالبحث العلمي والمساهمة في تمويله. تتمثَّل هذه الاستراتيجيات في استفادة القطاع الخاص من تحفيزات ضريبة incitations fiscales.
في غياب إرادةٍ سياسيةٍ واضحة المعالم، فإن القطاعَ الخاص لا يهتمُّ لا بالبحث العلمي ولا بتمويلِه ولا بالتَّحفيزات الضريبية. كما سبق الذكرُ، ما يهم هذا القطاع، هو أن تُذرَّ عليه استثماراتهُ أرباحا وفي أسرع وقتٍ ممكنٍ.