ناجي ظاهر - ما الذي يجعل كاتب القصة مغمورًا؟

سؤال طالما طرحته على نفسي وانا ارى الى اولئك الكتّاب الذين يقضون اعمارهم متنقلين من فرح الكتابة.. كتابة القصة.. إلى يأس التجاهل والنسيان وقنوطه. حقًا ما الذي يجعل كاتبَ قصةٍ مجهولا مغمورًا وآخر معروفًا مشهورًا؟.. هناك في رأيي سلسلة متراصة من الاسباب. من الصعب الاحاطة بها وايرادها في مقالة عجلى.
قبل الشروع باجتهادي الخاص في الاجابة على هذا السؤال المقلق للكثيرين، اود ان اشير إلى سبب طرحي له، وهو ما ذكرني به الفيسبوك اليوم عمّا كتبته قبل سنوات عن الكاتب القصصي نجيب سوسان( 1930- 27-3-2011)، ابن عكا اولًا وحيفا ثانيًا. فهذا الكاتب قضى سحابة عمره يكتب القصة تلو القصة، ينجح في نشر هذه ويخفق في نشر تلك، ومع هذا يواصل الكتابة، وقد واصلها حتى يومه الاخير، وكان لي نصيبٌ في نشر بعض من قصصه. هذا من ناحية اما من ناحية اخرى، فإنني اتوقّع ان يكون ايرادي لما اود ايراده من اسباب مفيدًا لكتاب إخوة ما زالوا في بداية الطريق او آخرين امضوا سنواتٍ فيه متخبّطين قلقين وباحثين عن نقطة ضوء ترشدهم للخروج من متاهتهم القصصية، مع الاشارة إلى انني سأركز فيما يلي على الاسباب الداخلية، واتجاهل الخارجية لا سيما تلك التي تتعلق بترويج وسائل اعلام لهذا الكاتب القصصي او ذاك، فما يبقى في النهاية هو القصة الجميلة وهي المستهدفة هنا.
بالعودة إلى الكاتب المرحوم نجيب سوسان اجدني اورد الاسباب التالية التي ارى انها ابقته مغمورًا ولم تتح له امكانية الظهور وفرض وجوده ضمن قائمة كتاب القصة المجلّين في بلادنا. فأتساءل لماذا لم يأخذ هذا الكاتب مكانته الخاصة به بين أقرانه من الكتاب الذين تزامنت فترة وجوده مع فترة وجودهم؟.. وهاأندا أحاول أن اجتهد في تقديم الاسباب. من منطلق رأيي الشخصي بالطبع.
1-عدم التطور: يتصف المبدعون الحقيقيون من كتاب القصة في العادة بأنهم دائمو التقدم والتطور، فهم لا يتوقفون عند فترة واحدة من عمرهم الإبداعي وإنما يطورون أنفسهم ويتقدمون قدما وأمامًا. وهذا ما لم يفعله المرحوم فقد كتب منطلقًا من عقلية دوغمائية ترى الإبداع ضمن بوتقة واحدة لا ثانية لها، وعليه من يقرأ قصته الأولى ويقارنها بقصته الأخيرة يشعر على ما اعتقد، كما شعرت، انه لا فرق بين القصتين إلا في بعض الأحداث والحركات.
2-المحدودية الثقافية: بإمكان من يقرأ ما خلّفه نجيب سوسان من تراث قصصي، انه كان محدود الثقافة في المجال الأدبي عامة والقصصي خاصة، واعتقد أن قراءاته لم تتعد كتابًا او كتابين للكاتب العربي المصري إحسان عبد القدوس ومثلهما للكاتب الايطالي البيرتو مورافيا، ومثل هذه القراءة مهما كان المرء الكاتب مجتهدًا، لا يمكنها إيجاد كاتب حقيقي، ومعروف أن الثقافة الواسعة والاطلاع على المؤلفات الأدبية النظرية والتطبيقية ايضًا، تعتبر من أهم العلامات في حياة الإنسان الكاتب المبدع، ناهيك عن أننا من الصعب أن نعتبر إنسانًا كاتبًا مبدعًا دون أن يكون مثقفًا مطلعًا وعلى مستوى رفيع من الثقافة العميقة الغنية. وهو ما لم يتجلَّ في كتابات قاصنا المرحوم.
3-التوزُّع في المهام: اعتقد وأكاد اجزم أن المرحوم نجيب سوسان لم يتكرّس للأدب والكتابة وأنه اتخذ من هذين هواية يتلهى بهما في أوقات فراغه، لا تهمني الأسباب هنا، ما يهمني هو انه فضل لأسبابه الخاصة بالطبع، أن يعيش على هامش المتن الأدبي إذا صح التعبير ولم يتغلغل إلى أعماقه، فقد كان ينقطع عن الكتابة فترة ويعود إليها أخرى، لينشغل بالتالي بمهنته في كوي الملابس.. مع كل الاحترام لكل المهن الاجتماعية. صحيح انه يوجد الكثيرون أمثاله من القاصين المعروفين والعاملين في مهنة ما في عالمنا.. حتى هذه الفترة، إلا إنهم يختلفون عنه في أمر واحد هام جدًا هو إنهم تكرسوا للإبداع الأدبي، ووضعوه في أعلى سلم اهتماماتهم الحياتية اليومية.
رحم الله الراحل نجيب سوسان، فقد كتب خلال العشرات من السنين وأنتج ما لا يستهان به كميًا من الإبداع القصصي، إلا انه لم يأخذ مكانه الذي طمح إليه طوال فترة إنتاجه الأدبي..، وقد اجتهدنا في تفسير السبب الكامن وراء مثل هكذا حالة ووضع، ضمن محاولة منا تقديم قراءة خاصة لكاتبنا الراحل من ناحية، وضمن محاولة شخصية لتنبيه الغافلين السادرين في غفلتهم من ثانيًا.. مهما يكن الأمر كان المرحوم نجيب سوسان واحدًا من الكتاب الذين كتبوا وحاولوا.. ووُجدوا بهذا الشكل أو ذاك، ومن المؤكد أن ما اكتبه هنا لا يلغيه.. بقدر ما يطمح لتأكيد وجوده.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى