جوهر فتّاحي - الفلسفة.. قائد لا مقود..

إنّ الفلسفة كمسار معرفي تهدف إلى البحث عن الحقيقة وتحليل المفاهيم المجردة والتفكير النقدي الحر. غير أنّه عندما تستحوذ عليها كيانات سياسية مثل الأحزاب أو الدول، تفقد جوهرها الأساسي وتتحول إلى أداة في خدمة الأجندات السياسية لهذه الكيانات فتصبح تحت سيطرتها ويصبح سقف التفكير داخلها محدودا بما تسمح به المصالح السياسية الضيقة.

في هذا السياق، تتحول الفلسفة من فضاء معرفي حر يسمح بالتعبير والنقاش الفكري المفتوح، إلى إيديولوجيا جامدة مغلقة تسعى إلى فرض رؤى محددة وتقييد الأفكار المعارضة. هذه الإيديولوجيا الجامدة غالباً ما تتحول إلى أداة قمعية تستغلها السلطة لتبرير ممارساتها التعسفية، مثل سجن المعارضين وقمع الحريات وارتكاب الجرائم بحق من يخالفها. ويصبح الهدف من الفلسفة ليس البحث عن الحقيقة أو تشجيع التفكير النقدي، بل تبرير وتسويغ سياسات السلطة الحاكمة.

النظر إلى المثال التاريخي للماركسية يُظهر كيف تحولت من فلسفة نقدية تهدف إلى تحليل الرأسمالية وتقديم رؤية بديلة للمجتمع، إلى أداة سياسية بيد الأحزاب والدول التي ادعت تبنيها. ففقدت الماركسية مرونتها النظرية وتحولت إلى مجموعة من العقائد الجامدة التي تُستخدم لتبرير سياسات القمع والتسلط. وتحولت هذه الفلسفة إلى إيديولوجيا تُبرر باسمها كل أشكال القمع والاستبداد، وتمّ استخدامها لتبرير الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورية وقطع الرؤوس.

إن هذا التحول يشكل خطراً كبيراً على الفلسفة، إذ يفقدها قدرتها على التأمل الحر والنقد البناء. بدلاً من أن تكون الفلسفة قائدة للتفكير والمعرفة، تصبح مقيدة بقيود السياسة والمصالح الضيقة. وينعكس هذا بشكل سلبي على المجتمع ككل، حيث يُحد من الإبداع الفكري ويُقتل النقاش الحر وتُستبدل الأفكار البنّاءة بأفكار جامدة مغلقة تُكرس الاستبداد.

يجب أن تظل الفلسفة مستقلة عن الأطر السياسية والمصالح الضيقة للحفاظ على دورها الأساسي في تعزيز التفكير الحر والنقدي. إن استقلال الفلسفة هو الضمانة الوحيدة لبقاءها كمسار معرفي حر يسعى إلى الحقيقة ويعزز الإبداع والنقاش الفكري في المجتمع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى