في مناسبات كثيرة، أسمع الأدباء يردّدون عبارات مثل أن الكتابة هي قضية حياة أو موت، أو يعبرون عنها أنها همٌّ يوميّ، أو عملية نزف و احتراق، أو لوثة مقرونة بالجنون، ويذهب البعض إلى القول أنه يكتب بدمهِ، أشياء كثيرة من هذا القبيل، نفهم منها أن الكتابة عند عدد كبير من الكتّاب ليستْ ترفاً أو محض هواية، كما إنها ليست اشتغالاً نرجسياً، أو ممارسة فنية ثانوية، أو مغامرة خيال خصب.
وبصرف النظر عن مدى دقة تلك الأقوال، وما اذا كان الأدباء يعنونها فعلاً أم إنها محض تصريحات نارية تليق بأمزجة الكتاب المتحفزة، فإن تحوّل الكتابة من عملية ممتعة للكاتب والقارئ إلى عملية مؤلمة ودموية، أو من اشتغال يغلب عليه الترف والإسترخاء الى شيء آخر يشبه الإحتراق، هي برأيي مسألة تضرّ بالطرفين الكاتب والمتلقّي.
الكتابة اشتغال فنّي هدفه المتعة، أي إمتاع المتلقي، فضلاً عن إمتاع الكاتب نفسه عبر سكب أفكاره وصورهِ وخيالاته في نصوص ناضجة، شيّقة، ملهِمة. وهنا يبرز سوال هام وهو أين يضع الأدباء تلك الموهبة أو ذاك الإشتغال أو الحرفة أو اللوثة أو أي تسمية يصح اطلاقها على الكتابة في زحمة الأولويات الحياتية للكاتب؟
فلو كان للكاتب عائلة تحتاج إلى المال والرعاية، وربما ساعات العمل تمتد لأكثر من نصف اليوم، ولو كانت الكاتبة أمّاً أو راعيةً لأشخاص في معيتها، وربما تتطلب منها تلك الرعاية ساعات إضافية، فكيف سيمارس الأدباء طقوسهم في الكتابة، وهل سيكون جو المنزل مناسباً لمزاج الأديب؟
لقد سمعتُ قصصاً لأدباء وأديبات تنصلوا من كل ما يعيق عمليتهم الإبداعية. وشمل التنصّل هذا العائلة. القضية شخصية وذاتية ونسبية بكل تأكيد، لكنها تستدعي منا تساؤلاً حول سبب تحول الفن من وسيلة لجعل الحياة مقبولة ومستساغة إلى غاية بذاته.
يندفع البعض لتحقيق تلك الغاية في طريق وعرة تضطرهم للتضحية بالأشخاص والأشياء من حولهم وربما حتى التضحية بأنفسهم، لأن الفن وتحديداً الكتابة لم تعد وسيلة جمالية إنما هدفاً يحتاج الظفر به إلى قرابين.
إن هذا الالتباس لدى عدد غير قليل من الكتّاب يؤثر بوضوح حتى على جودة المنتج الأدبي، فالأمر يشبه أن يقوم أحدهم باللهاث المسعور من أجل الوصول للجنس أو الطعام، الهوس لا يختلف هنا سوى في المسميات، في حين أن الكاتب الحاذق يدرك أن الكتابة لا تعدو كونها شغف جمالي، وتحويلها إلى حاجة، قد تتسبب لنا ولمن حولنا بالتعاسة، وهذا قتل لماهيتها الأسمى.
وليس أدل على ذلك من قول فرناندو بيسوا(إن الأدب هو الطريقة الأكثر إمتاعاً لتجاهل الحياة)، فمهمتهُ إذن تخفّيف الأعباء لازيادتها.
أن الأدباء الذين يُولون حياتهم الشخصية اهتماماّ أكبر من اشتغالهم الأدبي، هم الأكثر سلامةً نفسية وبالتالي أكثر إبداعاً، لأن هذا الصنف من الأدباء هو الذي يكتب لتكون الحياة أجمل بالفن، فهو لن يُقلق من حوله، ولن تمرّ عليه تلك اللحظات الصعبة التي دفعت بعض الكتّاب إلى التعاسة أو الإنتحار. وفي كلّ الأحوال سيكون فنُّهم متقدماً، وراكزاً، تستشعر فيه نشوة الإنغماس في الحياة ولذة الاسترخاء في الكتابة، حيث تسعى لهم طائعة دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث وضلالة التخبّط.
إن الفن بكلّ صنوفه وتجلياته لايصمد أمام لحظة من لحظات الحياة الموغلة في الواقعية، لذا نحن ككتّاب وعند تصوير تلك اللحظة بطريقتنا الخاصة مخيرون في حياتنا الشخصية بين أن نعيشها بصدق مع من نُحب وبين أن يُصبح همّنا الوحيد هو كتابتها فحسب.
إنها مسألة أولويات، لكن برأيي من الخطأ الجسيم أن تتحول الكتابة من عملية إبداعية خلّاقة ملهِمة ممتعة إلى عملية إبداعية دموية حارقة جنونية.
وبصرف النظر عن مدى دقة تلك الأقوال، وما اذا كان الأدباء يعنونها فعلاً أم إنها محض تصريحات نارية تليق بأمزجة الكتاب المتحفزة، فإن تحوّل الكتابة من عملية ممتعة للكاتب والقارئ إلى عملية مؤلمة ودموية، أو من اشتغال يغلب عليه الترف والإسترخاء الى شيء آخر يشبه الإحتراق، هي برأيي مسألة تضرّ بالطرفين الكاتب والمتلقّي.
الكتابة اشتغال فنّي هدفه المتعة، أي إمتاع المتلقي، فضلاً عن إمتاع الكاتب نفسه عبر سكب أفكاره وصورهِ وخيالاته في نصوص ناضجة، شيّقة، ملهِمة. وهنا يبرز سوال هام وهو أين يضع الأدباء تلك الموهبة أو ذاك الإشتغال أو الحرفة أو اللوثة أو أي تسمية يصح اطلاقها على الكتابة في زحمة الأولويات الحياتية للكاتب؟
فلو كان للكاتب عائلة تحتاج إلى المال والرعاية، وربما ساعات العمل تمتد لأكثر من نصف اليوم، ولو كانت الكاتبة أمّاً أو راعيةً لأشخاص في معيتها، وربما تتطلب منها تلك الرعاية ساعات إضافية، فكيف سيمارس الأدباء طقوسهم في الكتابة، وهل سيكون جو المنزل مناسباً لمزاج الأديب؟
لقد سمعتُ قصصاً لأدباء وأديبات تنصلوا من كل ما يعيق عمليتهم الإبداعية. وشمل التنصّل هذا العائلة. القضية شخصية وذاتية ونسبية بكل تأكيد، لكنها تستدعي منا تساؤلاً حول سبب تحول الفن من وسيلة لجعل الحياة مقبولة ومستساغة إلى غاية بذاته.
يندفع البعض لتحقيق تلك الغاية في طريق وعرة تضطرهم للتضحية بالأشخاص والأشياء من حولهم وربما حتى التضحية بأنفسهم، لأن الفن وتحديداً الكتابة لم تعد وسيلة جمالية إنما هدفاً يحتاج الظفر به إلى قرابين.
إن هذا الالتباس لدى عدد غير قليل من الكتّاب يؤثر بوضوح حتى على جودة المنتج الأدبي، فالأمر يشبه أن يقوم أحدهم باللهاث المسعور من أجل الوصول للجنس أو الطعام، الهوس لا يختلف هنا سوى في المسميات، في حين أن الكاتب الحاذق يدرك أن الكتابة لا تعدو كونها شغف جمالي، وتحويلها إلى حاجة، قد تتسبب لنا ولمن حولنا بالتعاسة، وهذا قتل لماهيتها الأسمى.
وليس أدل على ذلك من قول فرناندو بيسوا(إن الأدب هو الطريقة الأكثر إمتاعاً لتجاهل الحياة)، فمهمتهُ إذن تخفّيف الأعباء لازيادتها.
أن الأدباء الذين يُولون حياتهم الشخصية اهتماماّ أكبر من اشتغالهم الأدبي، هم الأكثر سلامةً نفسية وبالتالي أكثر إبداعاً، لأن هذا الصنف من الأدباء هو الذي يكتب لتكون الحياة أجمل بالفن، فهو لن يُقلق من حوله، ولن تمرّ عليه تلك اللحظات الصعبة التي دفعت بعض الكتّاب إلى التعاسة أو الإنتحار. وفي كلّ الأحوال سيكون فنُّهم متقدماً، وراكزاً، تستشعر فيه نشوة الإنغماس في الحياة ولذة الاسترخاء في الكتابة، حيث تسعى لهم طائعة دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث وضلالة التخبّط.
إن الفن بكلّ صنوفه وتجلياته لايصمد أمام لحظة من لحظات الحياة الموغلة في الواقعية، لذا نحن ككتّاب وعند تصوير تلك اللحظة بطريقتنا الخاصة مخيرون في حياتنا الشخصية بين أن نعيشها بصدق مع من نُحب وبين أن يُصبح همّنا الوحيد هو كتابتها فحسب.
إنها مسألة أولويات، لكن برأيي من الخطأ الجسيم أن تتحول الكتابة من عملية إبداعية خلّاقة ملهِمة ممتعة إلى عملية إبداعية دموية حارقة جنونية.