د. حسن حنفي - عبدالجبار الرفاعي: الطريق الثالث

تعرفت على شاب عراقى فى مقتبل العمر في حوزة قم، يجتهد ويفكر فى مدينة الاجتهاد والتفكير. حوّل بيته إلى مكتبة، وحصير غرفه إلى منتدى فكري وقاعات للاستقبال والدراسة، على طريقة العلماء القدماء. هو وأسرته يستقبلون الطلاب. لا فرق بين منزل وجامعة، بين طعام الجسد وطعام الروح. هو فقيه وعالم من علماء التراث، منفتح على قضايا العصر، مثل عديد من العلماء فى قم الذين يحملون همّ نشر التراث... كما تزخر قم بعديد من مراكز الأبحاث لتربية العلماء الشبان، إقامة ودراسة،كما كان الحال فى تراثنا القديم، حتى أروقة الأزهر القريبة العهد. لا يحتاج العلم إلى دولة ترعاه، أو مؤسسة تسانده، بل يكفى أن يتطوع عالم بمفرده بكل ذلك، على سنة القدماء أو ما يسمى قطّاعا خاصا أو مؤسسات ثقافية للمجتمع المدنى. فالعلم هو الدولة، والدولة صرح يشيده العلماء. بدأت الأعداد الأولى لمجلته “قضايا إسلامية معاصرة” فى الصدور، تنبئ بمضمونها واتجاهها، الطريق الثالث الذى يتجاوز السلفيين والعلمانيين. وتفتح صفحاتها إلى عديد من المفكرين الجدد الذين يمثلون هذا التيار، فى شكل حوارات معهم أو مقالات منهم، واضحة ومفهومة، وقادرة على إقناع القراء بما تريد… فقد آن الأوان لتطوير الفكر الإصلاحى، من الخطاب الأخلاقى الوعظى إلى الخطاب العلمى التحليلى. هو عراقى مهاجر إلى حوزة قم، بعد أن حُكم عليه بالإعدام فى بغداد، أيام حكم الاستبداد السابق، ومطاردة العلماء والقادة الوطنيين. لم تكن الهجرة إلى باريس أو لندن للنضال من بُعد، بل كانت إلى قم مدينة العلم والثورة، والقريبة إلى بغداد… وصدرت الأعداد الأولى لمجلة “#قضايا_إسلامية_معاصرة”، وكأننى أقرأ نفسى، لا فرق بين شيعة وسنة. تحمل نفس الهموم، قضايا “التراث والتجديد”، متجاوزة ما كان يصدر فى العالم الإسلامى، فى الكويت، أو فى ماليزيا. تحمل همومًا ثقافية، وإن لم تشر صراحة إلى العراق أو إيران أو الثورة الإسلامية… تم تحويل “قضايا إسلامية معاصرة” من قم إلى بغداد، وعودة مؤسسها إلى موطنه الأصلى، شجاعة كبيرة فى جو العراق بعد نهاية الاستبداد، حيث الاحتلال مازال جاثما بطريقة أو بأخرى، وما يهدد العراق من مخاطر التجزئة. فالتحرر الحقيقى لا يأتى فقط عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال، أو مقاومة التجزئة الطائفية والعرقية، بين الشمال الكردى والوسط السنى والجنوب الشيعى، بل يأتى عن طريق العمل الثقافى على الأمد الطويل، وإعادة تفسير التوحيد بما يحقق وحدة العراق، والعدل بما يحقق العدالة الاجتماعية، والنبوة والمعاد كبعد للتاريخ بين الماضى والمستقبل، والإيمان والعمل هو الحاضر والتأثير فيه. ولا يكفى فقط إعادة قراءة العقائد، بل أيضا الأحكام الشرعية، وإعطاء الأولوية للمعاملات على العبادات. تستطيع “قضايا إسلامية معاصرة” أن تكون منبرا للحوار الوطنى بين مثقفى العراق وعلمائه، وليس فقط بين ساسته. فالثقافة السياسية لها الأولوية على العمل السياسى. شارك عبد الجبار الرفاعى فى أعمال الجمعية الفلسفية المصرية فى مؤتمرها بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية، وهو أحد أعضائها البارزين. بسبب اضطهاد الإسلاميين وسجنهم وتعذيبهم، فارتدوا معظمهم سلفيين محافظين.
الكل ينادى بالحل الثالث، وضرورة تجاوز الاستقطاب، لكن الواقع لا أحد يريده أو يفهمه، لأنه لا يطالب بالسلطة مطلب الفريقين المتنازعين. ويعمل على الأمد الطويل، التغيير الثقافى، والانتقال إلى مرحلة تاريخية جديدة. يتهمه العلمانيون بالإسلامية المتخفية، ويتهمه الإسلاميون بالعلمانية المتخفية. ليس له منبر يستطيع التحدث من خلاله. مازال تيارًا فكريًا يتمثله بعض المثقفين. وهو بعيد عن الوسطية التى تنتهجها التيارات الإسلامية المحافظة، لأنه يتطلب أحيانًا الثورة والتطرف فى أخذ حقوق الفقراء من أموال الأغنياء، وحقوق المستضعفين من نهب المستكبرين. لا يتعامل مع نظم سياسية، حتى لا يفقد استقلاله، ويظل تيارًا فكريًا يخاطب المثقفين، لإعادة بناء الثقافة الشعبية. هذا ما تمثله “قضايا إسلامية معاصرة” بإشراف وتوجيه عبد الجبار الرفاعى. وهو يمثل تيارا تنويريا فى العراق وإيران. وقد أصبح هذا التيار شائعًا كموضوع دراسة فى الماجستير والدكتوراه. كيف يمكن تحويل اجتهادات فردية فى بغداد والقاهرة إلى تيار فكرى، له مفكروه وطلابه وأنصاره وتأثيره؟ فمازال الاستقطاب بين التيارين الكبيرين، الإسلامى والعلمانى شديدًا… فمازال المنطق السائد هو منطق “إما… أو” على النقيضين، وليس منطق “معًا” أو “سويًا”، تحت تأثير حديث الفرقة الناجية، ووجود الحق من جانب واحد... الكل ينادى بالحل الثالث، وضرورة تجاوز الاستقطاب، لكن الواقع لا أحد يريده أو يفهمه، لأنه لا يطالب بالسلطة مطلب الفريقين المتنازعين. ويعمل على الأمد الطويل، التغيير الثقافى، والانتقال إلى مرحلة تاريخية جديدة. يتهمه العلمانيون بالإسلامية المتخفية، ويتهمه الإسلاميون بالعلمانية المتخفية. ليس له منبر يستطيع التحدث من خلاله. مازال تيارًا فكريًا يتمثله بعض المثقفين. وهو بعيد عن الوسطية التى تنتهجها التيارات الإسلامية المحافظة، لأنه يتطلب أحيانًا الثورة والتطرف فى أخذ حقوق الفقراء من أموال الأغنياء، وحقوق المستضعفين من نهب المستكبرين. لا يتعامل مع نظم سياسية، حتى لا يفقد استقلاله، ويظل تيارًا فكريًا يخاطب المثقفين، لإعادة بناء الثقافة الشعبية. هذا ما تمثله “قضايا إسلامية معاصرة” بإشراف وتوجيه #عبدالجبار_الرفاعى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى