حوار مع الشاعر محمد الجلواح... كرامتي في بلدي وبروزي خليجياً مرهون بها... حوار أجراه - جعفر الديري:

سؤال كبير يتبادر الى أذهان المتابعين والمهتمين بالشعر الشعبي، سؤال يختصر الكثير من الاحباطات والملاحظات، وهو سؤال لا يختص بجيل الشباب فقط وانما يتعداهم الى أجيال أخرى، وهذا السؤال هو: لماذا اختفت أسماء شعرية كبيرة كان لها حضورها وابداعها على صفحات الصحف البحرينية وعلى المنابر الشعرية؟! وهل اصبح الشعراء الشباب في وضع لا يحسدون عليه يعانون أكثر مما عاناه شعراء الأجيال السابقة؟! والاجابة على هذا السؤال لا يمكن الالمام بها من دون المرور على تلك الأسماء والتحاور معها والتعرض لكل ما يشغلها... والشاعر الشاب محمد الجلواح وعلى رغم الفترة القصيرة التي طرق فيها باب الشعر الشعبي استطاع تحقيق حضور جيد في كتاباته، ولكنه وعلى حين غرة وهو في قمة عطائه اختار الابتعاد عن الساحة الأمر، الذي يخوله الدخول في حوار صريح واضح عن وضع الساحة الشعرية الشعبية محاولين الخروج معه ببصيص ضوء في عتمة هذا الموضوع الشديد التعقيد...

الوضع لا يبشر بخير

* لابد لي أن أسألك بداية عن عزوفك عن الساحة الشعرية الشعبية؟
- لا أكشف سرا اذا قلت إن وضع الساحة لا يبشر بخير، كذلك الأمر مع الصحف، فكيف يستطيع الشاعر المبدع تقديم مادة جيدة في هذا الجو المشوش؟! إنني أتردد كثيرا في طرح قصيدة جيدة تعبت عليها وعلى تهذيبها وأصبحت عزيزة عليّ على الصفحات الشعبية، وانني كشاعر من حقي البحث عن متنفس جيد للقصيدة الجيدة، من حقي أن توضع قصيدتي في مكان لائق بها، لا أن توضع مع ركام قصائد أخرى دون المستوى، وأنا لا أعني بكلامي أن الساحة لا يوجد بها الجيد، ولكن ما أراه أن الكثير من الأقلام متدنية المستوى بدأت تستفرد بالصحف والساحة الشعرية.

الأقلام والنجومية

* أية أقلام تعني؟
- أعني تلك الأقلام التي اتخذت من الشعر وسيلة للنجومية ولجمع أكبر عدد ممكن من المعجبات والمراهقات، أعني تلك الأقلام التي بدلا من أن تقدر المادة الجيدة تقدر المجاملات والمحسوبيات على حساب الشعر الجيد، ذلك أن ساحتنا للأسف وجراء هؤلاء المتملقين وصلت الى حال مزرية، فكيف يستطيع المبدع العطاء، وكيف لا يختار الابتعاد اذا كانت هذه الأقلام ستزاحمه؟

لا لمتابعة الناس

* ألا يمكن أن يكون الخلل منكم أنتم الشعراء المبتعدون؟ ألا يمكن أن يكون السبب في عدم طرحكم وفهمكم ما يطلبه جمهور القراء والمتابعين؟
- متى ما أصبح الشاعر تابعا لآراء الجمهور فلن يكون شاعرا، لأنه ببساطة سيتخلى عن قلبه ومشاعره ليصبح بوقا لهذا أو لتلك، فالشاعر كما أفهمه شاعر موقف وصاحب رسالة تقدم الجيد للناس، ويتعرض الى قضاياهم ومشكلاتهم، لا أن يتحول الى ارضاء شخص على حساب آخر، والمشكلة أن جزءا كبيرا من الجمهور ذو سطحية في التفكير ومعتاد على نمط واحد لا يريد الخروج عنه، فهو يفضل العواطف الاستهلاكية على المواضيع الانسانية الجادة، والسبب كما أفهمه هو الجري وراء المظاهر الأمر الذي جعله غير قادرا على تذوق الماده الجيدة، فماذا لو نشرت قصيدة عن الحجاب؟ هل ستحظى بجمهور غفير مستمع لها؟! مؤكدُ أن عدد من سيستحسنها لن يتجاوز أصابع اليد، إنني كشاعر جيد أحترم نفسي وفني أرفض أن أكون انسانا يجري وراء الشهرة على حساب الابداع، وأرفض أن أتخلى عن قناعاتي، مع أني أقدر الجمهور والمهم بالنسبة لي هو الحصول على المتابعين والمستمعين الجيدين والمقدرين لشعري، ولكن ان أحصل على عشرة متابعين جيدين خير لي من جمهور غفير يصفق لي اليوم ويذهب لغيري غدا، ومع ذلك يظل الجمهور عزيزا علي وأحاول خدمته بكل ما أستطيع فأنا لا أنتقد الجمهور بدافع السخرية أو التقليل ولكنني أتألم كثيرا حينما أجد شاعرا لا يقدم أي شيء فيحظى بكل الاهتمام، بينما أجد شعراء في الذروة لا أحد يقدرهم ولا يهتم بأمرهم، فعندما أطلب الانصاف من الجمهور أطلبه بدافع الحب والاحترام لهم.

الخلل بأصحاب الشأن

* فأنت تضع اللوم كاملا على الجمهور اذا؟
- لا أبدا، لا يمكنني إلقاء اللوم على الجمهور فالخلل ليس منهم ولكن الخلل في الناس اصحاب الشأن والمسئولين عن الثقافة في المملكة، أولئك الذين همشوا كل المبدعين فأصبح الفن الرخيص سيد الموقف، الذين أضاعوا ثروة ثقافية كبيرة بتصرفاتهم هذه، فالخلل راجع الى البنية التحتية للثقافة التي لم تؤسس على الجيد، وعلى استقطاب الفنون الراقية.

أين الاهتمام بالمبدعين

* وماذا عن جمعية الشعر الشعبي؟
- جمعية الشعر الشعبي جمعية نحبها ونحترمها على رغم كل شيء ولكنها جمعية تحوي الكثير من السلبيات والايجابيات ونحن لا نستطيع انكار ايجابياتها كما أننا لا نستطيع اخفاء سلبياتها، فما ألاحظه حقيقة - وأظن أن الكثير من الشعراء يتفقون معي عليه - أنه لا توجد سياسة واضحة لدى الجمعية لاستقطاب المبدعين واحتضانهم واعداد خطة مدروسة لابرازهم خليجيا، فالوضع الحاصل حاليا مجرد مجلس أسبوعي يجمع كل الشرائح المهتمة بالشعر الشعبي، من هذا الذي يتلمس خطواته الأولى، الى ذلك الذي أصبح صلب العود، فلا يوجد اهتمام خاص بالمبدعين من قبل الجمعية مع أن هؤلاء يحتاجون الى من يظهرهم ويزرع الثقة وينميها في أنفسهم ويحثهم على المواصلة، فاذا لم تقم الجمعية بهذا الدور فماذا تبقى لها اذا؟!

النقد ضروري جدا

* هل يعني هذا أنك تقف موقفا عدائيا من الجمعية؟
- أنا اؤكد هنا أنه لا توجد بيننا وبين جمعية الشعر الشعبي أية عداوة ولكن من حقنا الانتقاد وطرح وجهة نظرنا، أعطي مثالا واحدا فقط وهو الشاعر عبدالله حماد، هذا الشاعر المبدع الذي حاول توضيح وجهة نظره على صفحات الصحف والمجلات البحرينية وتعرض لنقد الساحة الشعرية وجمعية الشعر الشعبي، هل تم الأخذ بملاحظاته أم أنه أبعد عن جميع المشاركات وتم تهميشه؟! هذا مثال واحد! فكيف حال الشعراء الآخرين؟ فالنقد ضروري جدا والحياة الشعرية الشعبية تحتاج الى من يتعرض لها ويناقش جميع اشكالاتها.

التهميش مسؤولية الصحف

* وهل تضع اللوم أيضا على الصحف البحرينية؟
- ما أراه حقيقة، أن الصحف مسئولة بشكل كبير عن هذا التهميش، ويكفي النظر فقط الى تغطياتها للفعاليات والأمسيات الشعرية، لنعرف الى أي حد يستأثر الشاعر الضيف القادم من دول الخليج العربية بالاهتمام على حساب الشاعر البحريني المشارك في هذه الفعالية، أنظر كيف يتم الاهتمام به وتسليط الأضواء عليه، وكيف تحتفي به الصحف ووسائل الاعلام، بينما يبقى الشاعر البحريني مجرد ملق يقرأ قصائده ثم يذهب لحال سبيله من دون أن يكون له أي اهتمام مع أنه ابن البلد.

أين تاريخك الشعري

* فلماذا لا تحاولون الظهور خليجيا؟
- لأنه لا كرامة لشاعر في غير بلده، فلو حاول الشاعر البحريني تحقيق الانتشار عن طريق النشر في الصحف والوسائل الخليجية لكان السؤال الأول الذي سيواجه به: أين تاريخك الشعري على صفحات الصحف ووسائل الاعلام في بلدك، وصاحب الدورية الخليجي له الحق عندما يقول إنه لا يستطيع المغامرة باسمك، فما لم يحصل الشاعر المبدع على فرصته في الظهور في بلده لن يحصل عليها كذلك في أي بلد آخر، فكرامة الشاعر في الخليج مرهونة بكرامته في بلده فلو حظي في بلده بكل خير لما احتاج لغيرها.

المصدر: صحيفة الوسط البحرينية: العدد 638 - الجمعة 04 يونيو 2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى