القدس......ملتقى الأنبياء (13) قدس صلاح الدين:
كما سمتها كارين، في هذه السطور عنيت الكاتبة بوصف القدس بعد استردادها من الصليبيين وكعادتها حرصت على التنظير المجرد.
القدس بين أيدي المسلمين كالأم التي غابت عن أبنائها ردحا من الزمن ثم عادت إليهم فهم يلوذون ويتمسحون بها كي تصطبغ بصبغتهم ويكونوا خير من يمثلها، فالقاضي الفاضل مستشار الفارس ابتدع جديدا في القدس ألا وهو الهبة أو الوقف الذي يتكفل الكثير من المشروعات الخيرية ومنه يتم الإنفاق على دارسين أو فقراء أو مرضى أو دفع دية أسرى الحرب….إلخ، حيث وهب حي المغاربة كاملا للإنفاق على الحجاج والفقراء وقام ببناء مدرسة تدرس المذهب المالكي، أما العادل بن عيسى سلطان دمشق فقد اتخذ من القدس مقرا دائما له وبنى مدرستين واحدة لتدريس المذهب الحنفي والأخرى لتعليم اللغة العربية.
وفي ذلك تقول كارين:
«ومنذ الأيام الأولى للتجربة الإسلامية في المدينة كانت العدالة والتراحم مركزيتين لمفهوم قداسة ذلك المكان، في حين لم يكن للعدالة والتراحم وجود ملموس في أورشاليم الصليبية، لكنهما لقيا اهتماما عظيما في قدس صلاح الدين»
الحملة الصليبية الخامسة:
بأمر البابا إينوسينت الثالث 1218م لمحاولة استعادة القدس الذي استردها منهم صلاح الدين، ولكن هذه المرة كانت الحملة عن طريق مصر حيث أنهم اكتسبوا خبرة أكثر من ذي قبل، فالسيطرة على مصر يضمن لهم القبض على فلسطين وامتلاك زمامها، فقرروا طرد المسلمين من مصر وإرساء قاعدة لهم هناك لإعادة غزو أورشاليم، فحطوا رحالهم في دمياط (مدينة مصرية تقع على ساحل البحر المتوسط) وعلى حد تعبير كارين فإن مجرد حلولهم في الشرق الأدنى كان كفيلا ببث الرعب بين المسلمين الذين ربطوا بين مذبحة 1099م التي أحدثوها بفلسطين عند حلولهم أول مرة رغم أن نجاحهم في تلك الحملة كان جزئيا ولم يتقدموا إلا قليلا فأمر حاكم دمشق والقائم على القدس بإزالة أسوار المدينة حتى لا يستطيع الصليبيون إرساء قواعدهم فيها ورغم محاولات أمراء المدينة بأن يعدل عن هذا القرار لأنهم قادرين على درء أي خطر محتمل ولكنه أصر وأشرف بنفسه على إزالتها وهنا استشعر الناس بعدم الأمان فأسرعوا فارين إلى مصر والكرك ودمشق وتم سحب الحامية العسكرية التي كانت تحمي المدينة، فأصاب المدينة الشحوب والأفول بعد الألق الذي كان.
الحملة الصليبية السادسة:
1229م أمر البابا مرة أخرى فريدريك الثاني إمبراطور أوروبا بقيادة حملة جديدة لتحرير فلسطين من أيدي المسلمين وهو الذي كان يسخر من خوف الأوروبيين من الأجنبي أو الإسلام على وجه الخصوص ولم يكن يحمل أي ضغينة تجاه الإسلام، فقد كان يتحدث العربية بطلاقة ويستمتع بمراسلة المفكرين والحكام المسلمين وكان يرى أن الحملات الصليبية مضيعة للوقت، ولكنه تحت ضغط البابا قاد الحملة إلى مصر وعرض على السلطان الملك الكامل أن يسلمه القدس خاصة في ظل الخلاف المحتدم مع أخيه سلطان دمشق.
(بالتالي لن يستطيع المسلمون مواجهة الصليبيين وهم جبهة مفككة، لذا حرصوا أن تظل مفككة حتى الآن.)
والمدينة لم يعد لها أسوار ففقدت قيمتها الاستراتيجية بالنسبة إليه، فوافق على العرض المقدم خاصة وأنه من الممكن أن يتخذ من فريدريك صديقا مقربا يعاضده ضد أخيه سلطان دمشق فوقع على معاهدة يافا 1229م ومفادها هدنة عشر سنوات وتسليم القدس والناصرة وبيت لحم للصليبيين ووعد فريديرك بعدم بناء أسوار للقدس وأمر بطرد اليهود والإبقاء على الحرم والرموز الإسلامية وممارسة المسلمين لعبادتهم، فغضب المسيحيون والمسلمون على حد سواء وعمت نوبات الغضب والتظاهر في العالم الإسلامي رفضا للمعاهدة وكان الخطباء يسبون الملك الكامل على المنابر وينعتونه بالخائن فقام بالدفاع عن نفسه بالقول أنه لم يفرط في المقدسات الإسلامية وإنها خاضعة لإشراف المسلمين كما أن المدينة من السهل إعادتها فيما بعد، ولكنه لم يستطع احتواء رفض المسلمين.
أما المسيحيون فقد اعتبروا عقد صفقة كهذه مع الكفار (المسلمون) يعد استهزاء بالدين كما صدمهم فكرة بقاء المسلمين بالمسجد الأقصى في مدينة مسيحية وعد هذا أمر لا يحتمل وأمر البابا حرمان فريديرك كنسيا ورفض أي قسيس تنصيبه فقام فريريدريك بوضع التاج على رأسه بنفسه عند القبر المقدس ثم سار إلى المسجد الأقصى وتحدث ضاحكا مع خدامه بالعربية وقام بضرب قسيس مسيحي تجرأ على دخول المسجد الأقصى بإنجيله ورفض أمر القاضي بمنع الآذان عند مروره وطلب أن يستمر الآذان كالمعتاد، فرأى الأوروبيون أن هذا سلوك خاطئ من محارب صليبي، فلما علم بتآمر جماعة فرسان المعبد (جماعة من المسيحيين المتعصبين، وهم فرقة مسلحة، ومنهم جيش الرب الذين يرافقون الجيوش في الحروب والمجاعات يمارسون التنصير)على قتله سارع بترك المدينة فقام جزارو عكا المسيحيون برشقه بنفايات وأحشاء الذبائح، وأصبحت قضية فلسطين حساسة جدا في العالم المسيحي لدرجة أن أي مسيحي يصادق مسلم أو يهون من شأن القدس كمدينة مسيحية يصبح عرضة للقتل.
بزوغ نجم المماليك:
لم يتوقف السجال العسكري بين المسلمين والمسيحيين، فكان لا يلبث أن يهدأ حتى يعود من جديد أثناء الهدنة، حتى بلغ الأمر أن علق المسيحيون الأجراس على المسجد الأقصى ووضعوا زجاجات الخمر على الصخرة ليحتفلوا بالقداس، فاندفع جيش من الخوارزميين الأتراك إلى فلسطين باستدعاء من سلطان مصر فقاموا بتحطيم دمشق وسحق القدس وقتلوا المسيحيين هناك وانتهكوا حرمة معابدهم بما في ذلك كنيسة القبر المقدس حتى تحولت المدينة التي كانت يوما ما عالمية إلى أطلال يتصاعد منها الدخان وهرب سكانها إلى المناطق الساحلية ولم يتبقى إلا بعض العباد من المسلمين والمسيحيين وعادت المدينة مرة أخرى لحكم الأيوبيين الذين كانوا في حالة من الفرقة والانقسامات فيما بينهم.
الحملة الصليبية الثامنة:
بقيادة لويس التاسع 1250م والتي منيت بالفشل حيث تم أسره بجيشه في مصر لعدة أشهر، وتم دفع دية كبيرة جدا ليفتدي بها نفسه، وفي هذه الأثناء انتهت الدولة الأيوبية وقامت دولة المماليك.
ولنا هنا وقفة:
فلسطين لم تنعم بالسلام إلا تحت القيادة الإسلامية، مثال ذلك عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، القيادة الإسلامية فقط هي التي اعترفت بالآخر واحترمت المخالف، كما رأينا من استعراض تاريخ المدينة فيما سبق، لا لشيء إلا لأنه الإنسان الذي كرمه الله.
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا 70) الإسراء
وهو ما يعني أن سلوكهم نابع من تربية إيمانية امتزجت بمكونهم فكان الانطلاق نحو الحق يسير وسلوك طبيعي لا افتعال فيه، حتى وهم يعلمون أن هذا المخالف لا يبطن لهم خيرا قط.
عدو اليوم هو عدو الأمس لأن القضية واحدة، قضية المسلمين الأم وهي فلسطين التي جعلها الله ترمومتر حراري دال على حالهم إيمانيا، فتحها عمر بن الخطاب المبشر بالجنة ووجد الآخر قد أجال المسجد الأقصى إلى مقلب للقمامة، وعندما حكم المدينة المسلمون لم يفعلوا بمقدسات الآخر كما فعل هذا الآخر بمقدساتنا.
أما بلوغهم الفتح فكان فقط لأنه التزم الناموس الإلهي، المنهج الذي سار عليه الأنبياء، وطوال السنوات الماضية كانت الأحداث تحقيقا لهذا الناموس، ذلك لأن الله لا يحابي أحدا كائنا من كان، فمن يسير على منهجه يمتلك مفاتحها ومن يحيد عنه يسلبه مفاتحها حتى ولو كانوا من أسرة واحدة، صلاح الدين الذي أصلح نفسه أولا ثم أصلح العوام الغارقين في الآثام ثانيا، وكأنه يعبد الأرض فيعيد عمارة النفوس الخربة قبل اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض، ومن نفس أسرته من حاد عن الناموس الإلهي فسلبت منه قيادة فلسطين.
عندما تهور الصليبيون وعلقوا الأجراس على المسجد الأقصى ووضعوا زجاجات الخمر على الصخرة لم يعيدوا الكرة مرة أخرى، ذلك لأن هذا السلوك وحد المسلمون ضدهم وجعلهم يستفيقوا وهذا ما لا يريدوه لذا لجأوا لأساليب أخرى بخلق طابور خامس، نخبة من بيننا لا يعنيهم المسجد الأقصى ولا الدين نفسه، متميعون في مواقفهم أو راسخون ضالعون في رفض الإسلام صراحة، فيخرج علينا التكويني الذي يكنى بالروائي الكبير والمثقف الكبير ليقول لنا أن المسجد الأقصى في الطائف وليس في فلسطين وعلى اثنين مليار مسلم أن يصدقوا هذا المكنى بالكبير ويكذبوا القرآن والسنة، فضلا عن الذين يكتبون طعنا في الإسلام فقط بشكل مباشر وغير مباشر ولا يتناولون غيره إلا بالاحترام والتبجيل!
وفي إعلام الرايات الحمر حدث ولا حرج، يهلون علينا، لا يتحدثون مثلما نتحدث وإنما يكاد يكونوا يصرخون بالطعن في الإسلام ورموزه ومقدساته، كأنهم يثبتون لأسيادهم الذين علموهم الكفر مدى إخلاصهم وولائهم لهم وتبرؤهم من الإسلام والمسلمين وإن تسموا بأسمائنا.
هؤلاء جميعا تم إعدادهم على مهل من الذين علقوا الأجراس على المسجد الأقصى.
وللحديث بقية إن شاء الله.
كما سمتها كارين، في هذه السطور عنيت الكاتبة بوصف القدس بعد استردادها من الصليبيين وكعادتها حرصت على التنظير المجرد.
القدس بين أيدي المسلمين كالأم التي غابت عن أبنائها ردحا من الزمن ثم عادت إليهم فهم يلوذون ويتمسحون بها كي تصطبغ بصبغتهم ويكونوا خير من يمثلها، فالقاضي الفاضل مستشار الفارس ابتدع جديدا في القدس ألا وهو الهبة أو الوقف الذي يتكفل الكثير من المشروعات الخيرية ومنه يتم الإنفاق على دارسين أو فقراء أو مرضى أو دفع دية أسرى الحرب….إلخ، حيث وهب حي المغاربة كاملا للإنفاق على الحجاج والفقراء وقام ببناء مدرسة تدرس المذهب المالكي، أما العادل بن عيسى سلطان دمشق فقد اتخذ من القدس مقرا دائما له وبنى مدرستين واحدة لتدريس المذهب الحنفي والأخرى لتعليم اللغة العربية.
وفي ذلك تقول كارين:
«ومنذ الأيام الأولى للتجربة الإسلامية في المدينة كانت العدالة والتراحم مركزيتين لمفهوم قداسة ذلك المكان، في حين لم يكن للعدالة والتراحم وجود ملموس في أورشاليم الصليبية، لكنهما لقيا اهتماما عظيما في قدس صلاح الدين»
الحملة الصليبية الخامسة:
بأمر البابا إينوسينت الثالث 1218م لمحاولة استعادة القدس الذي استردها منهم صلاح الدين، ولكن هذه المرة كانت الحملة عن طريق مصر حيث أنهم اكتسبوا خبرة أكثر من ذي قبل، فالسيطرة على مصر يضمن لهم القبض على فلسطين وامتلاك زمامها، فقرروا طرد المسلمين من مصر وإرساء قاعدة لهم هناك لإعادة غزو أورشاليم، فحطوا رحالهم في دمياط (مدينة مصرية تقع على ساحل البحر المتوسط) وعلى حد تعبير كارين فإن مجرد حلولهم في الشرق الأدنى كان كفيلا ببث الرعب بين المسلمين الذين ربطوا بين مذبحة 1099م التي أحدثوها بفلسطين عند حلولهم أول مرة رغم أن نجاحهم في تلك الحملة كان جزئيا ولم يتقدموا إلا قليلا فأمر حاكم دمشق والقائم على القدس بإزالة أسوار المدينة حتى لا يستطيع الصليبيون إرساء قواعدهم فيها ورغم محاولات أمراء المدينة بأن يعدل عن هذا القرار لأنهم قادرين على درء أي خطر محتمل ولكنه أصر وأشرف بنفسه على إزالتها وهنا استشعر الناس بعدم الأمان فأسرعوا فارين إلى مصر والكرك ودمشق وتم سحب الحامية العسكرية التي كانت تحمي المدينة، فأصاب المدينة الشحوب والأفول بعد الألق الذي كان.
الحملة الصليبية السادسة:
1229م أمر البابا مرة أخرى فريدريك الثاني إمبراطور أوروبا بقيادة حملة جديدة لتحرير فلسطين من أيدي المسلمين وهو الذي كان يسخر من خوف الأوروبيين من الأجنبي أو الإسلام على وجه الخصوص ولم يكن يحمل أي ضغينة تجاه الإسلام، فقد كان يتحدث العربية بطلاقة ويستمتع بمراسلة المفكرين والحكام المسلمين وكان يرى أن الحملات الصليبية مضيعة للوقت، ولكنه تحت ضغط البابا قاد الحملة إلى مصر وعرض على السلطان الملك الكامل أن يسلمه القدس خاصة في ظل الخلاف المحتدم مع أخيه سلطان دمشق.
(بالتالي لن يستطيع المسلمون مواجهة الصليبيين وهم جبهة مفككة، لذا حرصوا أن تظل مفككة حتى الآن.)
والمدينة لم يعد لها أسوار ففقدت قيمتها الاستراتيجية بالنسبة إليه، فوافق على العرض المقدم خاصة وأنه من الممكن أن يتخذ من فريدريك صديقا مقربا يعاضده ضد أخيه سلطان دمشق فوقع على معاهدة يافا 1229م ومفادها هدنة عشر سنوات وتسليم القدس والناصرة وبيت لحم للصليبيين ووعد فريديرك بعدم بناء أسوار للقدس وأمر بطرد اليهود والإبقاء على الحرم والرموز الإسلامية وممارسة المسلمين لعبادتهم، فغضب المسيحيون والمسلمون على حد سواء وعمت نوبات الغضب والتظاهر في العالم الإسلامي رفضا للمعاهدة وكان الخطباء يسبون الملك الكامل على المنابر وينعتونه بالخائن فقام بالدفاع عن نفسه بالقول أنه لم يفرط في المقدسات الإسلامية وإنها خاضعة لإشراف المسلمين كما أن المدينة من السهل إعادتها فيما بعد، ولكنه لم يستطع احتواء رفض المسلمين.
أما المسيحيون فقد اعتبروا عقد صفقة كهذه مع الكفار (المسلمون) يعد استهزاء بالدين كما صدمهم فكرة بقاء المسلمين بالمسجد الأقصى في مدينة مسيحية وعد هذا أمر لا يحتمل وأمر البابا حرمان فريديرك كنسيا ورفض أي قسيس تنصيبه فقام فريريدريك بوضع التاج على رأسه بنفسه عند القبر المقدس ثم سار إلى المسجد الأقصى وتحدث ضاحكا مع خدامه بالعربية وقام بضرب قسيس مسيحي تجرأ على دخول المسجد الأقصى بإنجيله ورفض أمر القاضي بمنع الآذان عند مروره وطلب أن يستمر الآذان كالمعتاد، فرأى الأوروبيون أن هذا سلوك خاطئ من محارب صليبي، فلما علم بتآمر جماعة فرسان المعبد (جماعة من المسيحيين المتعصبين، وهم فرقة مسلحة، ومنهم جيش الرب الذين يرافقون الجيوش في الحروب والمجاعات يمارسون التنصير)على قتله سارع بترك المدينة فقام جزارو عكا المسيحيون برشقه بنفايات وأحشاء الذبائح، وأصبحت قضية فلسطين حساسة جدا في العالم المسيحي لدرجة أن أي مسيحي يصادق مسلم أو يهون من شأن القدس كمدينة مسيحية يصبح عرضة للقتل.
بزوغ نجم المماليك:
لم يتوقف السجال العسكري بين المسلمين والمسيحيين، فكان لا يلبث أن يهدأ حتى يعود من جديد أثناء الهدنة، حتى بلغ الأمر أن علق المسيحيون الأجراس على المسجد الأقصى ووضعوا زجاجات الخمر على الصخرة ليحتفلوا بالقداس، فاندفع جيش من الخوارزميين الأتراك إلى فلسطين باستدعاء من سلطان مصر فقاموا بتحطيم دمشق وسحق القدس وقتلوا المسيحيين هناك وانتهكوا حرمة معابدهم بما في ذلك كنيسة القبر المقدس حتى تحولت المدينة التي كانت يوما ما عالمية إلى أطلال يتصاعد منها الدخان وهرب سكانها إلى المناطق الساحلية ولم يتبقى إلا بعض العباد من المسلمين والمسيحيين وعادت المدينة مرة أخرى لحكم الأيوبيين الذين كانوا في حالة من الفرقة والانقسامات فيما بينهم.
الحملة الصليبية الثامنة:
بقيادة لويس التاسع 1250م والتي منيت بالفشل حيث تم أسره بجيشه في مصر لعدة أشهر، وتم دفع دية كبيرة جدا ليفتدي بها نفسه، وفي هذه الأثناء انتهت الدولة الأيوبية وقامت دولة المماليك.
ولنا هنا وقفة:
فلسطين لم تنعم بالسلام إلا تحت القيادة الإسلامية، مثال ذلك عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، القيادة الإسلامية فقط هي التي اعترفت بالآخر واحترمت المخالف، كما رأينا من استعراض تاريخ المدينة فيما سبق، لا لشيء إلا لأنه الإنسان الذي كرمه الله.
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا 70) الإسراء
وهو ما يعني أن سلوكهم نابع من تربية إيمانية امتزجت بمكونهم فكان الانطلاق نحو الحق يسير وسلوك طبيعي لا افتعال فيه، حتى وهم يعلمون أن هذا المخالف لا يبطن لهم خيرا قط.
عدو اليوم هو عدو الأمس لأن القضية واحدة، قضية المسلمين الأم وهي فلسطين التي جعلها الله ترمومتر حراري دال على حالهم إيمانيا، فتحها عمر بن الخطاب المبشر بالجنة ووجد الآخر قد أجال المسجد الأقصى إلى مقلب للقمامة، وعندما حكم المدينة المسلمون لم يفعلوا بمقدسات الآخر كما فعل هذا الآخر بمقدساتنا.
أما بلوغهم الفتح فكان فقط لأنه التزم الناموس الإلهي، المنهج الذي سار عليه الأنبياء، وطوال السنوات الماضية كانت الأحداث تحقيقا لهذا الناموس، ذلك لأن الله لا يحابي أحدا كائنا من كان، فمن يسير على منهجه يمتلك مفاتحها ومن يحيد عنه يسلبه مفاتحها حتى ولو كانوا من أسرة واحدة، صلاح الدين الذي أصلح نفسه أولا ثم أصلح العوام الغارقين في الآثام ثانيا، وكأنه يعبد الأرض فيعيد عمارة النفوس الخربة قبل اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض، ومن نفس أسرته من حاد عن الناموس الإلهي فسلبت منه قيادة فلسطين.
عندما تهور الصليبيون وعلقوا الأجراس على المسجد الأقصى ووضعوا زجاجات الخمر على الصخرة لم يعيدوا الكرة مرة أخرى، ذلك لأن هذا السلوك وحد المسلمون ضدهم وجعلهم يستفيقوا وهذا ما لا يريدوه لذا لجأوا لأساليب أخرى بخلق طابور خامس، نخبة من بيننا لا يعنيهم المسجد الأقصى ولا الدين نفسه، متميعون في مواقفهم أو راسخون ضالعون في رفض الإسلام صراحة، فيخرج علينا التكويني الذي يكنى بالروائي الكبير والمثقف الكبير ليقول لنا أن المسجد الأقصى في الطائف وليس في فلسطين وعلى اثنين مليار مسلم أن يصدقوا هذا المكنى بالكبير ويكذبوا القرآن والسنة، فضلا عن الذين يكتبون طعنا في الإسلام فقط بشكل مباشر وغير مباشر ولا يتناولون غيره إلا بالاحترام والتبجيل!
وفي إعلام الرايات الحمر حدث ولا حرج، يهلون علينا، لا يتحدثون مثلما نتحدث وإنما يكاد يكونوا يصرخون بالطعن في الإسلام ورموزه ومقدساته، كأنهم يثبتون لأسيادهم الذين علموهم الكفر مدى إخلاصهم وولائهم لهم وتبرؤهم من الإسلام والمسلمين وإن تسموا بأسمائنا.
هؤلاء جميعا تم إعدادهم على مهل من الذين علقوا الأجراس على المسجد الأقصى.
وللحديث بقية إن شاء الله.