أشباح المدينة

لا صور تزين حائطي الذي تكسوه نظراتي، انتبهت فجأةً أن نوافذي بلا ستائر، والوجوه في ذاكرتي بلا ملامح، سقط بعضها رغماً عني وأسقطها البعض بإرادته، وضعت كل الأكاذيب التي سمعتها وقرأتها في فرن الحي.. حيث تحترق الأماني بعد أن اختفى الطحين من المدينة، فبات للجوع مذاقٌ آخر ينهش الجسد و يلتهم الروح.. يرسم مشهداً يشبه النحيب الهادىء على زمنٍ يتسم بالجحود..

تتهافت (العدسات) على التقاط الترهات، القلم يغني لصاحبه ويخرس في النازلات، أخبار الصحف رتيبةٌ لا جديد فيها.. حروب.. قتل.. مجاعة.. الكثير من (الإعلانات)، دموعٌ تنهمر بلا أعين، شمسٌ تبحث عن ضوئها، وعطشٌ يخنق معنى الحياة، القيد توأم للحرية، والحب تائه في غابة الشهوات، الزيف ٌ يتستر بالفن، لا شيء يشبهنا أو يشبه ذاته، الواقع يرتدي الأقنعة والأدب يكتب بقفازات، (يتعرى) أمام الجميع و (يخجل) من (لمس العورات)!!!..يتدثر (بالفراء).. يهرب إلى (الخيال).. يبتلع لسانه.. يقلم أظافره.. يتوارى خلف العبارات.. يبحث عن تصفيقٍ أجوف.. يستجدي جمهوراً يطرب.. لصمت المعنى والكلمات.. تربكه ثلاثة أحرف.. تلجمه كالتعويذات.. (غزة) وحدها الحقيقة وما تبقى.. أكذوبات..

المرايا تتكاثر.. الأرواح تتلاشى، والأجنحة عاجزة عن التحليق، البعض يبحث عن رداء، عن سقف، عن حضن، عن لقمةٍ يسد بها جوعه، البعض يبحث عن لحظةٍ لا شك فيها، عن أمانٍ وسط زحام الخوف، الجمهور يعتلي المسرح ليقوم بدور الممثل.. والممثل يبحث عن روايةٍ لا يختطف فيها الجمهور دوره، النقاد في كل مكان.. ولا أحد يسمع أو يرى الآخر.. المال يصنع الأخبار.. والأخبار تأتي بالمال، والجمهور يهتم بالمال لا الأخبار..

الأشباح لم تعد تخجل.. لا أحد منهم يتخفى.. يرقصون حفاةً في وضح النهار.. تمت مصادرة الليل والأحلام.. القمر منفي في سماءٍ أخرى.. الحبر والدم يسيلان من الكتب.. الأوراق المبعثرة تتطاير.. اختفت البيوت وبقيت الأبواب.. بات المساء أحمراً.. حيث لا صباح ولا مساء.. صرخات الرجال تلف أرجاء الأرض التي كستها حقولٌ من شعر نساء.. تتخفف من أنوثتها مع كل هجرة.. وتحتفظ بدموعها للحظة ظمأٍ أشد.. يولد الطفل محدقاً نحو البحر.. لا يبكي على شيء.. وكلما رسمته ريشةٌ كسرها.. أكلها من شدة جوعه.. وقفز من (لوحته) بحثاً عن شقيقه الذي لم يره في لوحةٍ أخرى.. لا يتحدّث إلى أحد.. ولا يفهمه أحد.. لا رصاص يقتله بعد أن ولد ميتاً.. يلتفت إلى عدسةٍ تترصد حزنه.. تنتظر منه دمعة.. فيبصق عليها ويمضي عابراً نحو مجهولٍ سيعود منه ذات يوم..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى