محمد فتحي المقداد - إضاءة على كتاب "فتنة التخييل" للقاص والناقد عبدالكريم المقداد

بلا شكٍّ بأنّ الكتابة عملٌ شاقٌّ، والكتابة النقديّة بحاجة المواهب وقُدرات استقراء أي نصٍّ مهما كانت وجهته الأدبيّة والفكريّة. النّاقد قارئ بصير مُثقَل بمعارف قريبة من الأدب، وبعيدة عنه بآنٍ واحد، والأصعب في إعادة تدوير معارفه لتوظيفها من جديد، لتكون منصّة موطّئة لخدمة النصّ الأدبيّة.
وفي رحاب كتاب "فتنة التخييل" للكاتب الأديب "عبد الكريم المقداد"، لا يمكننا تجاوز عتبة العنوان، ودلالاته الغارقة والمستغرِقَة في لُجّة الأدب، وبمقاربة بسيطة كاشفة المفهوم مصطلح "التخييل" القديم في فترة العصر العباسيّ، لنعرف سبب اختيار المقداد لهذه الكلمة مسبوقة بكلمة "فتنة" التي جاءت من الافتتاح الجماليّ للتخييل.
بداية ولفهم كلمة "التخييل" لا بد من الرجوع لمعجم اللغة، لتكوين صورة واضحة حول الكلمة، للوقوف على المعاني الدّقيقة التي تشكّل مصطلح التخييل على ضوئها: (خَيَل: خال الشيء يخال خَيْلاً، وخَيْلَه, ويُكْسَران، و خاَلاً، وخَيَلاناً، مُحرّكةً، وَمخِيلَة ومَخَالَةً وخَيْلولة: ظنّه).
والتخييل عند "الراغب الأصبهاني": (التخيُّل: تصُّور خَيَال الشيء في النفس، وأصل الخيال القوّة المجرّدة كالصورة المتصوّرة في المنام وفي المرآة وفي القلب، ثم استُعمل في صورة كلّ أمر مُتصوَّر، وفي كل دقيق يجري مجرى الخيال). وقد وردت الآية: (يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى) من الإبهام وحرف رؤى الجماهير وتضليلها عن الحقيقة الإقرار حالة الكذب والدجل، ونزع حالة اليقين والإيمان.، و"التخييل" عند العالم والفيلسوف "ابن سينا" بأنّ: (الشعر يستعمل التخييل، والخطابة تستعمل التصديق). ومن منظور الآية في معرض سياقها عن سحرة فرعون، وفتنة النّاس، تتكامل رؤية الكاتب "عبد الكريم المقداد" مقاربة لرؤيته لسبب اختيار كلمة "فتنة" مع كلمة "التخييل"، ومرّت الكلمة بأطوار عديدة عبر العصور لتصبح مصطلحًا بدلالاته ومفاهيمه، حتى يمكن أن نطلق عليها نظرية من ضمن منهج "عبد القاهر الجرجاني" النقديّ، أو جزءًا من نظرية "النظم" عنده.
وفي العودة للكاتب" المقداد" حيث يعتبر العلاقة فيما بين الكاتب والقارئ بأنها: (ميثاق تخييلي يوجب على القارئ أن يعلم أن المحكي هو قصة خيالية دون أن يعني ذلك أنها مجرد كذب، إن المؤلف يوهمنا فقط أنه يقدم لنا إثباتًا صحيحاً، إننا نقبل الميثاق التخييل، ونتظاهر بأننا نعتقد أن ما يُروى لنا وقع فعلاً). وهكذا (يؤلف هذا العقد ميثاقاً ضمنياً يحلق الروائي بموجبه في سماوات التخييل، فينطق الحيوان، ويُنبت للحذاء لسان، ويحوّل الإنسان إلى حشرة، ويتواصل مع الكائنات الفضائية... إلخ).
وباستعراض لمادّة الكتاب فقد تم تقسيم الكتاب إلى استهلالية جاء بمثابة المقدمة، والفصل الأول كان إضاءات نقدية لتجربة الكتابة الروائية لأربعة عشر من كُتاب الرواية في دولة الكويت، وهم: إسماعيل فهد إسماعيل، وليلى العثمان، وسليمان الشطي، وطالب الرفاعي، وحمد الحمد، وبثينة العيسى، ووليد الرجيب، ومبارك بن شافي، ومنى الشافعي، وعالية شعيب، وعبدالله البصيص، وميس العثمان، وبسام المسلم، وناصر الظفيري.
أما الفصل الثاني، فقد رصد الكاتب فيه بعض التقنيّات المُستخدَمة المُشترَكة والمُنفرِدة عند الكُتّاب بما يُعزِّز فكرة التخييل وفتنته؛ ليكون العنوان عتبة مُفضية للقراءات النقديّة التي اِختارها مادّة لكتابه.
بلا شكّ أنّ كتاب "فتنة التخييل" إضافة نقديّة مُتميّزة وازنة بدراستها الفنيّة والتقنيّة على محمل مستويات اللّغة والتصوير الفني، كما أنّه جزءٌ من تاريخ الأدب العربيّ عُمومًا، واِسْتكمالًا للمشروع النقديّ على السّاحة الأدبيّة عربيًا، وفرادة الكتاب بتخصُّصه بجزئيّة وخُصوصيّة السّاحة الروائيّة الكُويتيّة، وسيأتي زمان ليكون وثيقة تاريخيّة لمرحلة من حياة المجتمع العربي في الكويت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى