يستمد المكتشف سلطته من اكتشافه، ويستمد المخترع سلطته من اختراعه، ويستمد الفيلسوف سلطته من كتابه الأساسي ومجموعة كتبه، ويستمد العالم سلطته من كتبه في حقل تخصصه، ويستمد الروائي سلطته من أشهر رواياته ومجموعة أعماله، ويستمد الشاعر سلطته من شعره، ويستمد الرسام سلطته من لوحاته الشهيرة ومجموعة أعماله، ويستمد المؤلف الموسيقي سلطته من مؤلفاته الموسيقية، وهكذا يستمد كل كاتب مبدع سلطته من أعماله.
الكتابة سلطة الكاتب، وسلطة يوظفها السياسي وأحيانًا يحتكرها، وسلطة يستعملها رجل الدين، ويمكن أن يستعملها كلُّ إنسان. ذلك ما يدعو بعض الناس ممن يفتقرون لأدنى مؤهلات الكاتب للإسراف في كتابة المقالات والكتب الهزيلة. احتراف الكتابة غير متاح لكلِّ إنسان، تحتاج هذه الصنعة إلى تكوين معرفي وثقافي وأدبي ثري يتواصل سنوات طويلة، وتمارين شاقة على الكتابة، وذكاء يؤهل الإنسان أن يكون كاتبًا، وإلى شخصيّة مثابرة صبور، قادرة على تحمل الوحدة، وحريصة على استثمار الوقت، وعدم تضييعه في علاقات طفيليّة وفوضوية. تبعًا لسلطة الكتابة يُستعمل الكتاب أداةَ سلطة، وإن لم يكن مَن يمتلك الكتاب كاتبًا. تكوين مكتبة لا يحتاج إلى كلّ ذلك، يمكن حتى للإنسان الأمي أن يشتري الكتب من المكتبات كما يشتري أية سلعة أخرى من السوق، إن كان يمتلك الأموال اللازمة لذلك. المكتبة تستمدّ سلطتها من الكتاب، وهذا ما يدعو رجال السلطة وبعض الوجهاء لتكوين مكتبات، تكون أحيانًا ضخمة، بل يلجأ رجال السلطة لإطلاق أسمائهم وأسماء عوائلهم على مكتبات الدولة الوطنية للاستحواذ على رأس المال الثقافي بوصفه رصيدًا للسلطة السياسيّة. جرى توظيف الكتابة بوصفها أداة أساسية للسلطة، وكونها أداةً لتمكين السلطات السياسية والعسكرية والدينية من الحكم. السلطة تكتب مدونتَها على وفق طريقتها في التسلط، وما ترسمه من حدود للهيمنة على حياة ومصائر المحكومين، ومن خلال هذه المدونة تستمدّ شرعيتَها وانصياع الشعب لها، وتنتسب هذه الشرعيةُ في الحكومات الثيوقراطية عبر التاريخ دائمًا إلى السماء. فئةُ الكتّاب تكتسب مكانةً إضافية بعملها في الكتابة تتفوق بها على غيرها من فئات المجتمع. تجاوزت الكتابة ُ كونَها حرفةً فنية إلى كونها مؤسسة تضفي قوة وهالة على الكاتب، وتمنحه سلطة ممارستها. يرى الأنثروبولوجي الشهير كلود ليفي شتراوس في رحلته إلى قبائل النامبيكوارا، بأن الكتابة (ظهرت، لكن ليس كما قد يتبادر إلى الذهن، نتيجة لتعلمٍ جاد، فقد تمت استعارة رمزها، بينما ظلت حقيقتها غريبة، لغاية اجتماعية أكثر منها فكرية. لم يكن المقصود هو المعرفة والحفظ والفهم، بل زيادة الهيبة والسلطة، لفردٍ، أو وظيفة على حساب الغير)(1)، ويضيف أيضاً: (وبهذا اكتشف أحد أهالي العصر الحجري، أن وسيلة الفهم العظمى، حتى إذا لم تُفهم، يمكن لها أن تستخدم لغايات اخرى. وعلى كل فطوال آلاف السنين، وحتى الآن (2) في جزء كبير من العالم، وجِدتْ الكتابة كمؤسسة في مجتمعات لا يستطيع أفرادها في أغلبيتهم ممارستها)…
الكتابة سلطة الكاتب، وسلطة يوظفها السياسي وأحيانًا يحتكرها، وسلطة يستعملها رجل الدين، ويمكن أن يستعملها كلُّ إنسان. ذلك ما يدعو بعض الناس ممن يفتقرون لأدنى مؤهلات الكاتب للإسراف في كتابة المقالات والكتب الهزيلة. احتراف الكتابة غير متاح لكلِّ إنسان، تحتاج هذه الصنعة إلى تكوين معرفي وثقافي وأدبي ثري يتواصل سنوات طويلة، وتمارين شاقة على الكتابة، وذكاء يؤهل الإنسان أن يكون كاتبًا، وإلى شخصيّة مثابرة صبور، قادرة على تحمل الوحدة، وحريصة على استثمار الوقت، وعدم تضييعه في علاقات طفيليّة وفوضوية. تبعًا لسلطة الكتابة يُستعمل الكتاب أداةَ سلطة، وإن لم يكن مَن يمتلك الكتاب كاتبًا. تكوين مكتبة لا يحتاج إلى كلّ ذلك، يمكن حتى للإنسان الأمي أن يشتري الكتب من المكتبات كما يشتري أية سلعة أخرى من السوق، إن كان يمتلك الأموال اللازمة لذلك. المكتبة تستمدّ سلطتها من الكتاب، وهذا ما يدعو رجال السلطة وبعض الوجهاء لتكوين مكتبات، تكون أحيانًا ضخمة، بل يلجأ رجال السلطة لإطلاق أسمائهم وأسماء عوائلهم على مكتبات الدولة الوطنية للاستحواذ على رأس المال الثقافي بوصفه رصيدًا للسلطة السياسيّة. جرى توظيف الكتابة بوصفها أداة أساسية للسلطة، وكونها أداةً لتمكين السلطات السياسية والعسكرية والدينية من الحكم. السلطة تكتب مدونتَها على وفق طريقتها في التسلط، وما ترسمه من حدود للهيمنة على حياة ومصائر المحكومين، ومن خلال هذه المدونة تستمدّ شرعيتَها وانصياع الشعب لها، وتنتسب هذه الشرعيةُ في الحكومات الثيوقراطية عبر التاريخ دائمًا إلى السماء. فئةُ الكتّاب تكتسب مكانةً إضافية بعملها في الكتابة تتفوق بها على غيرها من فئات المجتمع. تجاوزت الكتابة ُ كونَها حرفةً فنية إلى كونها مؤسسة تضفي قوة وهالة على الكاتب، وتمنحه سلطة ممارستها. يرى الأنثروبولوجي الشهير كلود ليفي شتراوس في رحلته إلى قبائل النامبيكوارا، بأن الكتابة (ظهرت، لكن ليس كما قد يتبادر إلى الذهن، نتيجة لتعلمٍ جاد، فقد تمت استعارة رمزها، بينما ظلت حقيقتها غريبة، لغاية اجتماعية أكثر منها فكرية. لم يكن المقصود هو المعرفة والحفظ والفهم، بل زيادة الهيبة والسلطة، لفردٍ، أو وظيفة على حساب الغير)(1)، ويضيف أيضاً: (وبهذا اكتشف أحد أهالي العصر الحجري، أن وسيلة الفهم العظمى، حتى إذا لم تُفهم، يمكن لها أن تستخدم لغايات اخرى. وعلى كل فطوال آلاف السنين، وحتى الآن (2) في جزء كبير من العالم، وجِدتْ الكتابة كمؤسسة في مجتمعات لا يستطيع أفرادها في أغلبيتهم ممارستها)…