جمعة الحبّ
أصبح يومُ الجمعةِ مختلفاً في الربيع العربي.... فهناك جمعةُ الغضب وجمعة الرّحيل وجمعة الكفاح وجمعة الرياح وجمعة الويل والثبور وعظائم الأمور .... وغيرها .
وكنا نتلقى إشاراتِ كلّ جمعةٍ وتعليماتها عبرَ المواقع الالكترونية ثم ننطلق كالقطيع .... ننادي بشعاراتٍ مستوحاة من التسمية التي أطلقت على ذلك اليوم ... ولا ناقة لنا فيها ولا جمل... فنغضبْ إذا كنا في جمعة الغضب ... ونصبرْ ونعضُّ على الجراح إذا كنا في جمعة الصبر والثبات ... وقد نموتُ - بكل بساطة – إذا سمّوها جمعة الموت!.. من أين تأتي هذه المسمّيات لأيام الجمعة .. ومن هو الذي يحرّكنا ؟؟؟
- وماذا سيكون اسمُ الجمعةِ القادمة يا أبي؟
همسَ ابني الصغير خائفاً وقد تمسّك بثيابي خشية أن يلتقطهُ أحدٌ ما.
- لا أدري يابني ... ما زلنا في يوم الاثنين وما زالت الجمعة بعيدة.
وفي المساء .. بحثتُ في المواقع الالكترونية علّني أستشفّ شيئاً عن الجمعة القادمة ...
نعم أصبحنا سجناء البيوت ... لكننا والحمد لله نتجوّل بحرية حول العالم أسرع بكثير من جدنا ابن بطوطة ... فنتمرجحُ بين القنوات الفضائية حول الكرة الأرضية ... أو نغوصُ في الصفحات الالكترونية لنقرأ مايجري في بقاعِ الأرض.. والأجملُ من ذلك أننا نعبّر بحرّية ونعطي رأينا فيما يجري في بلاد الواق الواق.
ليس هذا فقط .. أنت الآن ياصديقي تستطيع أن تشتمَ وتلعن بل وتقاتل (بشكلٍ إلكتروني) !
اشكر ربك يا أخي.. فأنت الآن وفي خضمّ معركتك الالكترونية ... حيث تحتدمُ السّجالات المكتوبة وتتضاربُ الكلمات المقروءة على الصفحات الالكترونية .. يمكنك إذا ما تذكرت محبوبتك أن تنتقل وبسرعة إلى مواقع ما يسمى (بالدردشة أو الفرفشة) فتفتح صفحتها الشخصية وتكحّل ناظريك بصورتها وتتمتع بالحديث معها كما تشاء ... مع متابعتك لحربك الطاحنة..
وليس هذا فحسبْ .... بل أصبح من المستبعد أن تُساق إلى الجندية الإجبارية لتذود عن حمى الوطن ... لا داعي لذلك ... يمكنك الآن أن تتطوّع في جيش الوطن الالكتروني فتداهم صفحات الأعداء وتغلقها .. وتنشر ما يبيّض صفحة وطنك من أفلامٍ ومدوّنات ... وتفضح ما يسوّد صفحات العدى فتشلّ حركتهم وتفرّق شملهم ...
لنلتفت الآن إلى الدعواتِ الكثيرة الواردة إلينا حول يوم الجمعةِ القادم ... يا للعجب إنهم يطلقون عليها جمعة الحبّ !؟
نعمْ ... وسوف ينطلق جميع العشاق في مدينتي .. وما أكثرهم في وطني ... ينطلقون إلى ميدان المحبة ... حسب التوقيت المتفق عليه ... شباب ٌ مندفعون بعواطفهم الجياشة المكبوتة والمقيدة بجنازير الدّين والعرف والتقاليد ...
وهناك سيلتقون بالمتظاهرات اللواتي أكثرنَ من التزيّن والتجمّل قبل أن يسرنَ باتجاه ميدان المحبة ..
وقفت القنوات الفضائية تصوّر المظاهرتين اللتين تجوبا الشوارع في المدينة وتزداد أعداد كل منها باطّرادٍ عجيب..
لم يحملوا لافتاتٍ مندّدةٍ بالنظام أو شعاراتٍ مطالبةٍ بشيء ما.. لم يحملوا أعلاماً لأي فريقٍ سياسي أو حزبٍ ما .. بل رفعوا باقاتٍ من أغصان الزيتون والأزاهير المتنوعة التي يحفلُ بها وطننا الحبيب ...
ووقفت الأمّهات على الشرفاتِ ينثرنَ على المتظاهرين والمتظاهرات الأرز وأوراق الورد ... ورأيت دموعاً في عيون بعضهن .. وعندما سألت إحداهنّ عن السبب قالت :
-إني أودّع ابنتي .. ستتزوج اليوم من أحد المتظاهرين في ميدان المحبة .. وقد لا أراها بعد ذلك فقد يخطفها ملاك الحب إلى عالمه المسحور.
وفي ميدان المحبة تزاحم العشاق وسدّوا كل المنافذ .. هتفوا للحب .. وتبادلوا القبل وباقاتِ الوردْ .. وامتلأت أرجاءُ الميدان بآهاتهم وزفراتهم .... كانوا سعداءَ وكأنهم في الجنة .. وانتشرت حلقات الدبكة والرقص الفولكلوري في عرس ٍ وطنيّ بامتياز....
ثم أحاط بهم رجال الأمن ورجال الدين لتيسير أمورهم .. وتزويج من رضي بالزواج منهم .. لاخلافات دينية ولا طائفية.. المهم أن تحمل الهوية الوطنية ... ووُزّعت لهم المحابس الذهبية مجاناً.. وكانت هدية كل عروسين مفتاح شقة جاهزة للسكن قرب ميدان المحبة....
وما هي إلا ساعة حتى انفضّت التظاهرة بسلام .. وعاد الشباب إلى بيوتهم مكللين بأثواب السعادة والرضا ...
لم يحطّموا نافذة أو يحرقوا سيارة .. بل على العكس قاموا بتنظيف الميدان وشطفه بماء الورد!
قال لي ابني :
- أما من اعتصامٍ تالٍ للمظاهرة كالعادة؟
قلت:
- نعم سيعتصم كل عروسين في منزلهما الجديد في شهر العسل.. إنها معجزة من معجزات الربيع العربي !
******************
أصبح يومُ الجمعةِ مختلفاً في الربيع العربي.... فهناك جمعةُ الغضب وجمعة الرّحيل وجمعة الكفاح وجمعة الرياح وجمعة الويل والثبور وعظائم الأمور .... وغيرها .
وكنا نتلقى إشاراتِ كلّ جمعةٍ وتعليماتها عبرَ المواقع الالكترونية ثم ننطلق كالقطيع .... ننادي بشعاراتٍ مستوحاة من التسمية التي أطلقت على ذلك اليوم ... ولا ناقة لنا فيها ولا جمل... فنغضبْ إذا كنا في جمعة الغضب ... ونصبرْ ونعضُّ على الجراح إذا كنا في جمعة الصبر والثبات ... وقد نموتُ - بكل بساطة – إذا سمّوها جمعة الموت!.. من أين تأتي هذه المسمّيات لأيام الجمعة .. ومن هو الذي يحرّكنا ؟؟؟
- وماذا سيكون اسمُ الجمعةِ القادمة يا أبي؟
همسَ ابني الصغير خائفاً وقد تمسّك بثيابي خشية أن يلتقطهُ أحدٌ ما.
- لا أدري يابني ... ما زلنا في يوم الاثنين وما زالت الجمعة بعيدة.
وفي المساء .. بحثتُ في المواقع الالكترونية علّني أستشفّ شيئاً عن الجمعة القادمة ...
نعم أصبحنا سجناء البيوت ... لكننا والحمد لله نتجوّل بحرية حول العالم أسرع بكثير من جدنا ابن بطوطة ... فنتمرجحُ بين القنوات الفضائية حول الكرة الأرضية ... أو نغوصُ في الصفحات الالكترونية لنقرأ مايجري في بقاعِ الأرض.. والأجملُ من ذلك أننا نعبّر بحرّية ونعطي رأينا فيما يجري في بلاد الواق الواق.
ليس هذا فقط .. أنت الآن ياصديقي تستطيع أن تشتمَ وتلعن بل وتقاتل (بشكلٍ إلكتروني) !
اشكر ربك يا أخي.. فأنت الآن وفي خضمّ معركتك الالكترونية ... حيث تحتدمُ السّجالات المكتوبة وتتضاربُ الكلمات المقروءة على الصفحات الالكترونية .. يمكنك إذا ما تذكرت محبوبتك أن تنتقل وبسرعة إلى مواقع ما يسمى (بالدردشة أو الفرفشة) فتفتح صفحتها الشخصية وتكحّل ناظريك بصورتها وتتمتع بالحديث معها كما تشاء ... مع متابعتك لحربك الطاحنة..
وليس هذا فحسبْ .... بل أصبح من المستبعد أن تُساق إلى الجندية الإجبارية لتذود عن حمى الوطن ... لا داعي لذلك ... يمكنك الآن أن تتطوّع في جيش الوطن الالكتروني فتداهم صفحات الأعداء وتغلقها .. وتنشر ما يبيّض صفحة وطنك من أفلامٍ ومدوّنات ... وتفضح ما يسوّد صفحات العدى فتشلّ حركتهم وتفرّق شملهم ...
لنلتفت الآن إلى الدعواتِ الكثيرة الواردة إلينا حول يوم الجمعةِ القادم ... يا للعجب إنهم يطلقون عليها جمعة الحبّ !؟
نعمْ ... وسوف ينطلق جميع العشاق في مدينتي .. وما أكثرهم في وطني ... ينطلقون إلى ميدان المحبة ... حسب التوقيت المتفق عليه ... شباب ٌ مندفعون بعواطفهم الجياشة المكبوتة والمقيدة بجنازير الدّين والعرف والتقاليد ...
وهناك سيلتقون بالمتظاهرات اللواتي أكثرنَ من التزيّن والتجمّل قبل أن يسرنَ باتجاه ميدان المحبة ..
وقفت القنوات الفضائية تصوّر المظاهرتين اللتين تجوبا الشوارع في المدينة وتزداد أعداد كل منها باطّرادٍ عجيب..
لم يحملوا لافتاتٍ مندّدةٍ بالنظام أو شعاراتٍ مطالبةٍ بشيء ما.. لم يحملوا أعلاماً لأي فريقٍ سياسي أو حزبٍ ما .. بل رفعوا باقاتٍ من أغصان الزيتون والأزاهير المتنوعة التي يحفلُ بها وطننا الحبيب ...
ووقفت الأمّهات على الشرفاتِ ينثرنَ على المتظاهرين والمتظاهرات الأرز وأوراق الورد ... ورأيت دموعاً في عيون بعضهن .. وعندما سألت إحداهنّ عن السبب قالت :
-إني أودّع ابنتي .. ستتزوج اليوم من أحد المتظاهرين في ميدان المحبة .. وقد لا أراها بعد ذلك فقد يخطفها ملاك الحب إلى عالمه المسحور.
وفي ميدان المحبة تزاحم العشاق وسدّوا كل المنافذ .. هتفوا للحب .. وتبادلوا القبل وباقاتِ الوردْ .. وامتلأت أرجاءُ الميدان بآهاتهم وزفراتهم .... كانوا سعداءَ وكأنهم في الجنة .. وانتشرت حلقات الدبكة والرقص الفولكلوري في عرس ٍ وطنيّ بامتياز....
ثم أحاط بهم رجال الأمن ورجال الدين لتيسير أمورهم .. وتزويج من رضي بالزواج منهم .. لاخلافات دينية ولا طائفية.. المهم أن تحمل الهوية الوطنية ... ووُزّعت لهم المحابس الذهبية مجاناً.. وكانت هدية كل عروسين مفتاح شقة جاهزة للسكن قرب ميدان المحبة....
وما هي إلا ساعة حتى انفضّت التظاهرة بسلام .. وعاد الشباب إلى بيوتهم مكللين بأثواب السعادة والرضا ...
لم يحطّموا نافذة أو يحرقوا سيارة .. بل على العكس قاموا بتنظيف الميدان وشطفه بماء الورد!
قال لي ابني :
- أما من اعتصامٍ تالٍ للمظاهرة كالعادة؟
قلت:
- نعم سيعتصم كل عروسين في منزلهما الجديد في شهر العسل.. إنها معجزة من معجزات الربيع العربي !
******************