أعدتُ هذه الايام قراءتي للعمل الادبي المسرحي الشعري الخالد" فاوست"، لشاعر الماني المرموق، يوهان فولفغانغ غوته، وذلك بعد قراءتي الاولي لها بنحو الثلاثين عاما، السبب في اعادتي لهذه المسرحية يعود لعدد من الاسباب اشير إلى اهمها، اولا: اعادة " المركز القومي- المصري- للترجمة، طباعتها (عام2014)، ضمن مشروعه المبهر " ميراث الترجمة"، ثانيًا: حصولي، قبل ايام، على نسخة من هذه الترجمة، ثالثا: محبتي للعودة إلى اعمال ادبية تعتبر من الامهات في الآداب العربية والاجنبية ورغبتي في اعادة قراءتها في فترات متباعدة للتمعن والاكتشاف. ولعل هذه مناسبة لان اذكّر الاخوة القراء بأهمية مثل هذه العودة الى الكتب الامهات بين الحين والآخر.. وكلما سنحت الفرصة.
يُعتبر غوته ( 1749-1832).. مؤلف هذا العمل الادبي المُعجز، من أبرز الاسماء الادبية المتداولة في العالم، حتى هذه الايام، درس القانون بناء على رغبة والده المقتدر، الا ان الادب اجتذبه واستولى على اهتمامه وساعده في تجسيد محبته هذه للأدب والشعر خاصة، العديد من الامور لعل ابرزها اقامته في دوقية فايمار الالمانية جنبًا إلى جنب في قصر حاكمها الذي اعجب به ايما اعجاب ومنحه كل الامكانيات للكتابة والابداع، وادى هذا الاعجاب لان يبرز اكثر فاكثر، ولأن يرتبط بشخصيات ادبية لها اهميتُها الخاصة في الادب الالماني والادب الاجنبي بصورة عامة مثل هيردر وشيلي، وقد ترجمت معظم اعمال غوته الادبية الى العديد من لغات العالم بما فيها اللغة العربية، ويشار في هذا السياق ان غوته اتقن العديد من اللغات، واطلع على العديد من الاعمال الادبية العربية القديمة المترجمة الى الالمانية، وهو صاحب كتاب يُذكّر بشرقنا هو" الديوان الشرقي" اضافة الى العديد من المؤلفات التي يمكن الاطلاع عليها عبر كبسة بسيطة على محرك البحث العالمي " غوغل".
كما يعتبر غوته بشهادات الكثيرين من النقاد والباحثين العالميين، قامةً ادبية شامخة تنتصب الى جانب الكاتب المسرحي الانجليزي وليام شكسبير بجدارة واستحقاق.
اتصف غوته في ابداعه الادبي بعدم التحدُّد والتخصص الذي مكّن أبناء جلدته من الالمان من الابداع وتقديم الكثير من الانجازات ذات النجاعة والفائدة للعالم، وكان واسع الرؤية بعيد الافق، ولعل مسرحيته هذه تقدم صورة لشخصه المبدع، فقد كتبها وعمل على تجويدها، خلال حوالي الثلاثين عاما من عمره، واتمها في اخريات ايامه، ليبهر بها القراء في العديد من اللغات التي تمت ترجمتها اليها، وقد تكون هذه مناسبة لان اشير الى ان هذه المسرحية ترجمت اكثر من مرة الى العربية.. نفذ احداها المفكر الوجودي العربي المصري عبد الرحمن بدوي.
تدور احدث هذه المسرحية حول الحق والباطل، وتُفتتحُ بِرهانٍ بين الله وابليس حول شخصية الدكتور فاوست المعروفة بتقواها ووقوفها الى جانب الحق مهما كلف الامر وبلغ الثمن، وتتنامى عبر لقاء يتقصده ابليس مع الدكتور فاوست.. الدكتور يبدو متعبا، فما ان يقترح عليه ابليس ان يمتعه ويسره بمباهج الحياة حتى يوافق من فوره، وتتصاعد المسرحية حتى يمكّن ابليس فاوست من التعرف على فتاة هامَ بها من النظرة الاولى، وتنتهي المسرحية بأن تقع هذه الفتاة في الخطيئة، فتطعم اثنين، حسب تعبير جميل يرد في المسرحية، أي تحمل من الدكتور فاوست، بعد ان تقتل امها بناء على اقتراح منه.. ليخلو لهما هما الاثنين معا الجو، بعدها يأتي اخوها متحديا، مدافعا عن شرفه، فيلقى حتفه، وتقتل هذه الفتاة ابنها فلذة كبدها، ضمن محاولة للتخلص من العار، لتجد نفسها مُدمرةً، وتنتهي المسرحية بعودة الدكتور فاوست إلى شخصيته الاولى، ليتمرد على ابليس، وليعاود سيرته الاولى مع الحق والى جانبه.. وضد الباطل الذي اغراه به ابليس، فكان ما كان.
يتضح من هذا الموجز، الاكثر من شديد لهذا العمل الادبي الرائد، انه يتغلغل إلى أعمق اعماق الوجود الانساني، بل ان بعضا من النقاد رأوا فيه ما يُذكر بأحداث وردت في العهد القديم من التوراة مثل قصة ايوب، على ان اهمية هذه المسرحية تنبع من اكثر من سبب، فهي تتضمن العديد من الحوارات المدهشة في عمقها، ومما اذكره بكثير من الاهتمام، مقولة ان النساء يفضلن الرجل المؤمن لأنه ينصاع لهن بصورة عامة. اضافة الى هذا هناك مشاهد مدهشة في حال قراءتها ومشاهدتها ايضا، وتكتسب هذه المسرحية اهمية خاصة من انها وصفت اوروبا في الفترة التي سبقت الثورة الفرنسية وإبانها، ومما يشار اليه في هذا السياق ان غوته كان معجبا بشخصية نابليون، الامر الذي دفع الكثيرين الى انتقاده، الا ان المانيا كما يرد في مقدمة الترجمة العربية موضوع حديثنا، كانت مقسمة الى عشرات وربما المئات من الدوقيات، اي لم تكن المانيا القوية التي سيعرفها العالم فيما بعد.
تعتبر مسرحية فاوست رغم شهرتها العالمية، عصية على الفهم، وقد يكون حكم مدام ستايل عليها هو الاصدق، فقد قالت :" ان هذه القصة تضطرك الى التفكير في كل شيء والى ان تفكر في امر آخر.. فوق كل شيء".
نفذ الترجمة العربية موضوع حديثنا المثقف العربي المصري محمد عوض محمد، بلغة راقية، وقد شعرت بان هذا الُرقي احدث فجوة ما بين الروح الشعرية لهذا العمل الادبي، وبين قارئها، انا على الاقل، الا انني ما لبثت ان تراجعت عن هذا الاحساس، كون العمل الادبي، أي عمل، يُعتبر في مُجمله عملًا افتراضيا، ومما يلفت النظر ان الاغاني التي وردت في المسرحية جاءت موزونة موقعة، الامر الذي قد يسهل انتاج هذه المسرحية واخراجها باللغة العربية. يقول الدكتور طه حسين في تقديمه لهذا العمل الادبي، انه عندما ترجم الشاعر الفرنسي جيرار دي نيرفال مسرحية فاوست واطلع عليها صاحبها غوته، الذي اتقن الفرنسية ايما اتقان، اعرب غوته عن رضاه التام من ترجمتها، ويضيف انه لو قيض لغوته ان يطلع على ترجمة محمد عوض محمد لها لأعرب عن رضى مماثل، فقد تمثل مترجم فاوست الى العربية الحالة التي كتب ضمنها غوته فاوسته، وقام بترجمتها معتمدًا على اتقانه للغتين التي ترجم عنها وتلك التي ترجم اليها وهي.. العربية هنا.
يُعتبر غوته ( 1749-1832).. مؤلف هذا العمل الادبي المُعجز، من أبرز الاسماء الادبية المتداولة في العالم، حتى هذه الايام، درس القانون بناء على رغبة والده المقتدر، الا ان الادب اجتذبه واستولى على اهتمامه وساعده في تجسيد محبته هذه للأدب والشعر خاصة، العديد من الامور لعل ابرزها اقامته في دوقية فايمار الالمانية جنبًا إلى جنب في قصر حاكمها الذي اعجب به ايما اعجاب ومنحه كل الامكانيات للكتابة والابداع، وادى هذا الاعجاب لان يبرز اكثر فاكثر، ولأن يرتبط بشخصيات ادبية لها اهميتُها الخاصة في الادب الالماني والادب الاجنبي بصورة عامة مثل هيردر وشيلي، وقد ترجمت معظم اعمال غوته الادبية الى العديد من لغات العالم بما فيها اللغة العربية، ويشار في هذا السياق ان غوته اتقن العديد من اللغات، واطلع على العديد من الاعمال الادبية العربية القديمة المترجمة الى الالمانية، وهو صاحب كتاب يُذكّر بشرقنا هو" الديوان الشرقي" اضافة الى العديد من المؤلفات التي يمكن الاطلاع عليها عبر كبسة بسيطة على محرك البحث العالمي " غوغل".
كما يعتبر غوته بشهادات الكثيرين من النقاد والباحثين العالميين، قامةً ادبية شامخة تنتصب الى جانب الكاتب المسرحي الانجليزي وليام شكسبير بجدارة واستحقاق.
اتصف غوته في ابداعه الادبي بعدم التحدُّد والتخصص الذي مكّن أبناء جلدته من الالمان من الابداع وتقديم الكثير من الانجازات ذات النجاعة والفائدة للعالم، وكان واسع الرؤية بعيد الافق، ولعل مسرحيته هذه تقدم صورة لشخصه المبدع، فقد كتبها وعمل على تجويدها، خلال حوالي الثلاثين عاما من عمره، واتمها في اخريات ايامه، ليبهر بها القراء في العديد من اللغات التي تمت ترجمتها اليها، وقد تكون هذه مناسبة لان اشير الى ان هذه المسرحية ترجمت اكثر من مرة الى العربية.. نفذ احداها المفكر الوجودي العربي المصري عبد الرحمن بدوي.
تدور احدث هذه المسرحية حول الحق والباطل، وتُفتتحُ بِرهانٍ بين الله وابليس حول شخصية الدكتور فاوست المعروفة بتقواها ووقوفها الى جانب الحق مهما كلف الامر وبلغ الثمن، وتتنامى عبر لقاء يتقصده ابليس مع الدكتور فاوست.. الدكتور يبدو متعبا، فما ان يقترح عليه ابليس ان يمتعه ويسره بمباهج الحياة حتى يوافق من فوره، وتتصاعد المسرحية حتى يمكّن ابليس فاوست من التعرف على فتاة هامَ بها من النظرة الاولى، وتنتهي المسرحية بأن تقع هذه الفتاة في الخطيئة، فتطعم اثنين، حسب تعبير جميل يرد في المسرحية، أي تحمل من الدكتور فاوست، بعد ان تقتل امها بناء على اقتراح منه.. ليخلو لهما هما الاثنين معا الجو، بعدها يأتي اخوها متحديا، مدافعا عن شرفه، فيلقى حتفه، وتقتل هذه الفتاة ابنها فلذة كبدها، ضمن محاولة للتخلص من العار، لتجد نفسها مُدمرةً، وتنتهي المسرحية بعودة الدكتور فاوست إلى شخصيته الاولى، ليتمرد على ابليس، وليعاود سيرته الاولى مع الحق والى جانبه.. وضد الباطل الذي اغراه به ابليس، فكان ما كان.
يتضح من هذا الموجز، الاكثر من شديد لهذا العمل الادبي الرائد، انه يتغلغل إلى أعمق اعماق الوجود الانساني، بل ان بعضا من النقاد رأوا فيه ما يُذكر بأحداث وردت في العهد القديم من التوراة مثل قصة ايوب، على ان اهمية هذه المسرحية تنبع من اكثر من سبب، فهي تتضمن العديد من الحوارات المدهشة في عمقها، ومما اذكره بكثير من الاهتمام، مقولة ان النساء يفضلن الرجل المؤمن لأنه ينصاع لهن بصورة عامة. اضافة الى هذا هناك مشاهد مدهشة في حال قراءتها ومشاهدتها ايضا، وتكتسب هذه المسرحية اهمية خاصة من انها وصفت اوروبا في الفترة التي سبقت الثورة الفرنسية وإبانها، ومما يشار اليه في هذا السياق ان غوته كان معجبا بشخصية نابليون، الامر الذي دفع الكثيرين الى انتقاده، الا ان المانيا كما يرد في مقدمة الترجمة العربية موضوع حديثنا، كانت مقسمة الى عشرات وربما المئات من الدوقيات، اي لم تكن المانيا القوية التي سيعرفها العالم فيما بعد.
تعتبر مسرحية فاوست رغم شهرتها العالمية، عصية على الفهم، وقد يكون حكم مدام ستايل عليها هو الاصدق، فقد قالت :" ان هذه القصة تضطرك الى التفكير في كل شيء والى ان تفكر في امر آخر.. فوق كل شيء".
نفذ الترجمة العربية موضوع حديثنا المثقف العربي المصري محمد عوض محمد، بلغة راقية، وقد شعرت بان هذا الُرقي احدث فجوة ما بين الروح الشعرية لهذا العمل الادبي، وبين قارئها، انا على الاقل، الا انني ما لبثت ان تراجعت عن هذا الاحساس، كون العمل الادبي، أي عمل، يُعتبر في مُجمله عملًا افتراضيا، ومما يلفت النظر ان الاغاني التي وردت في المسرحية جاءت موزونة موقعة، الامر الذي قد يسهل انتاج هذه المسرحية واخراجها باللغة العربية. يقول الدكتور طه حسين في تقديمه لهذا العمل الادبي، انه عندما ترجم الشاعر الفرنسي جيرار دي نيرفال مسرحية فاوست واطلع عليها صاحبها غوته، الذي اتقن الفرنسية ايما اتقان، اعرب غوته عن رضاه التام من ترجمتها، ويضيف انه لو قيض لغوته ان يطلع على ترجمة محمد عوض محمد لها لأعرب عن رضى مماثل، فقد تمثل مترجم فاوست الى العربية الحالة التي كتب ضمنها غوته فاوسته، وقام بترجمتها معتمدًا على اتقانه للغتين التي ترجم عنها وتلك التي ترجم اليها وهي.. العربية هنا.