سعيد فرحاوي - عندما تتمرد الشخصيات في الكتابة السردية... بديعة الراضي نموذجا. .

زنوبا لم تنكسر و الساردة لم تنهزم والكلاب مازالت على حالها تبحث عن القيم الهاربة من جحيم الموت الذي نحياه كل يوم، وبدون توقف. ربما هذه العبارات، جعلتني هذه المرة، ان أواكب هذا النوع من الكتابة وانا املك الحافز القوي الذي اهلني بأن أخرج من الفكر السردي كما تعلمته من عند كبار علماء السرد لأتيه مع بديعة الراضي، من زاوية نظر، تفتش عن المخفي في خطابها المليء بالمشفرات. سأعلنها أمام الملأ، أنه عندما واكبت ماتكتب هذه الروائية من كتابات مليئة بالأسئلة المكثفة بقلق دال على عمق امرأة لها موقع محدد في وجود تحباه معا فذاك معناه انني أتابع مشروعا محددا بنسقيته العامرة، تلك التي جعلت بديعة الراضي تشدني من جهة، كما أن الرابط المشترك بكوننا معا ننتمي إلى المجتمع المهمش، والذي أهلنا ان نخترق المجهول لنضع ارجلنا في المكان الصحيح بالمنهج الصحيح، كلها مساع حددت المشترك بيننا فكان سببا قرب الفهم بيننا، كما عمق الجرح الذي ورثناه نحن معا عندما اتفقنا ان نؤسس الجسر الكبير لنسهل المرور، كما عمقنا التجاوز لنعلن لكل التائهين الفاشلين الباحثين عن الحلم السهل بالطريقة العرجاء أننا هناك اخترنا شرط الاستقرار.
إيمانا منا بكوننا نتقاسم الأفق البعيد برؤى متقاربة، سلكنا فكر الممارسة التي قادتنا ان نكون معا في قافلة متحركة تؤمن بأن الطريق مازال طويلا والعمل شاقا والاختيار يلزمنا ان نستمر بتفس الأسئلة التي استنبطناها من واقع مريض يقذف الشرارات بفهم سهل وبسيط، مما سهل لهم القول ان هناك غايات ما مجهولة كانت السبب الرئيسي في المتناول التي تعاهدنا معا ان ينجز وبشدة، في جسد الكتابة الهادفة، الصامتة والهادئة.
هذه الأرضية رأيتها ضرورية كمنطلق لافهم مع زنوبة الشخص المخاطب في رواية بديعة الراضي التي اختارت لها من الأسماء ( لماذا هدمنا الجسر).،منها تشد الرحال لتعرف ماهية الكلاب ومساعيها، وكيف تحولت لتصبح بنباحها أصواتا تحيل على عدة مخفيات أرادت الروائية بأسئلة القبح ان تناقش قضايا كبرى، تنجلي بسرعة اكبر من سرعة الضوء لتنبش في مجالات مهمة على راسها حياة وطن يلزمها ان تحكي وبدون توقف. هذا المسعى فرض عليها ان تستهل كتابتها بكلام دال على الرفض، تقول:
(يؤنسني يا زنوبا نباح الكلاب في أوقات متأخرة من الليل، وعادة في الصباح الباكر وفي أحيان أخرى في مختلف الأوقات....)..
كلمة يؤسفني دالة وبشدة على رفض محدد وواضح، لكن هذه المرة رفضها صوت الكلاب الذي لم يتوقف، جعلها تغير الصيغةالقديمة، لتجعل من القبح عنوانا لممارسة الوطن في عمق البهاء والجمال، كما تقول في مختلف الأوقات. وهي إشارات تستدعي البحث عن ماهية هذه الكلاب، كما تتطلب معرفة من تكون،؟، ولماذا رفضت بنباحها؟ ، ولماذا تحقق الهدف باعتماد إشارات صوت النباح الذي لم يتوقف، فكان أ ٨ساس و مصدر الازعاج؟ مما دفع الساردة ان تتعجل في خطابها لتعلن موقفها بوضوح تام حين قالت:يؤسفني يا زنوبة.
بعدها تذهب بعيدا لتحديد مرجعية الأسف الذي الح عليها ان تخاطب الشخصية المحور، موضوع الخطاب /زنوبة،محددة بأسلوب النداء الدال على الصوت الصارخ الرافض المزعج، قائلة، يؤسفني يا زنوبة ان مصدر أسفي هو صوت الكلاب الذي لم يتوقف عن الصياح.
اسئلتها اللصيقة بموضوع الأسف تزلمنا ان نبحث عن ماهية النباح الصادر عن كلاب عابرة، فرضت على الساردة ان تستدعي شخصية متخيلة اسمها زنوبة، من خلالها ترسل عدة رسائل برموز جد مكثفة؟
أسئلة أخرى فرعية نراها مهمة، حددناها فيما يلي:
_من تكون زنوبة هذه؟ وما نوع النباح الذي تتكلم عنه الساردة؟ ومن هم الكلاب الفعليون الذين تقصد الساردة في خطابها السردي المطروحة أمامنا.؟؟
أسئلة مهمة والإجابة عنها يعني اننا فهمنا صيغ هذا المقطع المشفر المليء بالدلالات المتمفصلة. .
عندما قالت '(،الكلب الذي يعوي وهو يغازل كلبته المدللة اصبح مألوفا لدى مسامعي..)..
الكلب المقصود في خطاب بديعة الراضي هو كلب مألوف وعادي، له عشيقة يلتقي بها ليلا يمارس حقه في الحياة شانه باقي الكائنات. لكن بمجرد ان اصبح النباح مصدر ازعاج الساردة، وسببا ملحا في تقديم رسالة مشفرة لزنوبة بصفتها الشخصية المعنية في الخطاب.جعل من هذ النباح والكلاب ماءات مغايرة، ما حدد ناهياتها هو ما جاء في آخر رسالتها عندما قالت'
(فتشت تلك الليلة في نصوص لم أنشرها، فقفزت إلى نظراتي عناوين مختلفة ،مددت يدي لألتقط كراسة ظلت في الجانب الأيسر من مكتبي ، كان العنوان مكتوبا بالبنط العريض،إنها مسرحية " الجلاد" ، أعدت قراءتها ،تأبطت الكراسة وخرجت من جديد نحو صخور المحيط ورماله أتفقد الكلاب ونباحها ، لم يكن النباح نباحا ولم تكن هناك كلاب، هي فقط شخوصي خرجت من أوراقها للبحث عن مخرج كي يجسدها على الركح..).
أصبحت الكلاب شخصيات خارجة من نص الكتابة، هاربة من جحيم البوح لتؤدي رسالة مغايرة عن تلك التي كان من المفروض ان تقوم بها/أداء دور سردي، لتصبح كائنا مشوشا، مما يحيل على هموم الكتابة التي ترافق الكاتبة في كل المجالات، كتابة تحياها في كل الأوقات وبكل المشاعر، حتى الجانب النفسي لم يسلم من شخوصها الماردين الهاربين من سلطتها الحكائية.
فتكون بذلك قد انتجت خطابا سرديا أعطى الحرية لكل الشخوص بأن تمارس حقها. على كافة المستويات، وهي سمة يمكن أن نخلص من خلالها إلى نوع الجنس الأدبي السردي الحديث التي تسعى بديعة الراضي إنجازه، مما يجعلها تختلف وتتمرد عن السرد التقليدي القديم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى