عاشور زكي وهبة - قراءة انطباعية في القصة القصيرة (قطاري) للقاصة السورية المبدعة صديقة علي

أولًا: النصّ قطاري


كان من الصعب على عجوز مثلي أن يجثو على ركبتيه، وبالرغم من ذلك، أذعنت لطلب حفيدي، ورحت أعيد له قطاره إلى السكة، وأصفرّ:

تووووت ..توووت ..
وكانت ضحكته البراقة تنسيني وجعي، بل عمري، أدور وأدور مع قطاره حتى كدت أن أحجبه عن ناظريه، وبلحظة توقف القطار فهمس لي معترضا ببراءة
-هذا قطاري ..أين قطارك ؟
شعرت بأن حبلا أحاط بعنقي ..

كان قطاري من علب السردين ؟
-يؤكل ؟
-لا لا كيف اشرح لك ؟
-لا تشرح ..اذهب وآتني به.
ضاق الحبل على عنقي، أختنق قمت اتكئ على كتف صغيري ورحت أستجدي نسمات من النافذة تخفف من الحرقة.
-هو بعيد ..بعيد جدا.
سألني من خلفي

لم لم تحضره معك.وأنشغل باللعب ولم ينتظر ردي .

كانت يد أبي تشدني بعنف وأمي تولول ..من بعيد قادمة من حقل الزيتون -هل وجدته اليهود دخلوا دارنا؟… أجبني ان كنت تسمعني.
راح أبي يخلص يدي من قطاري، الذي أتباهى بطوله أمام أصحابي، فهوكان مولعا بأكل السردين، وأنا مولع بربط العلب إلى بعضها البعض بسلك معدني، فتصير قاطرات .. أحمّلها بثمار العنب وقد أشحن فيها حبات الزيتون ،وأملأ بعضها ماء وترابا.

صراخ أبي وهدير الطائرة جعلني أشعر بالخطر، فبسرعة أقنعني بأن ننزع حجرة كبيرة من جدار الحاكورة، ونواري خلفها القطار لحين عودتنا فما هي إلا أيام نلجأ فيها إلى الجبل ثم نعود. لكننا لم نتوقف عند الجبل فاستمر رحيلنا الى أن انتهينا من شمالنا، وصرنا من سكان الجنوب، ولازال قطاري يناديني، ..لأجد أمي تبسمل فوق رأسي.

اشتر له قطارا يعوضه عم تركه

لا يوجد شيء يعوض ماتركناه
كان جواب أبي قاسيا، لدرجة أن نشيج أمي آلمني.
بعد أشهر لحق بنا عمي، فسألته بلهفة هل مازال جدار حاكورتنا قائما .. رد بلا مبالاة حزينة

نعم اطمئن لم يبق غيره.
ومن ذلك اليوم غاب عن أحلامي.

(ترشيحا يا ركن الجبل ومزينة برجالها واللي يحاربنا نحاربه وبالسيف نقطع شاربه).
تحيط ساعده الصغيرة بساقي ويشدها اتجاه صدره

جدي جدي من هي ترشيحا .. وشارب من ستقطع …
أنظر إليه من أعلى، وعلى خده المكتنز تسقط دمعتي.
صديقة علي11/7/2020
ثانيًا: القراءة الانطباعية

العنوان: ( قطاري)
هل هو قطار العمر؟!
جدّ يداعب ويلاعب حفيده بقطار معدني أو بلاستيكي يسير بالريموت أو الكهرباء لا يهم! فليس مذكور نوعه.
يجتهد الجد في اللعب ليرى بريق ويسمع رنين ضحكة الحفيد الجميلة.. لدينا مثل في مصر يقول:” أغلى الوِلد وِلد الوِلد”. أي أن الأجداد يحبون أحفادهم أكثر من حبهم لأولادهم الذين من صلبهم المباشر.

ولم لا؟! أليس هؤلاء الأحفاد يحملون أسماءهم ويلقبون بهم؟!
يتذكر الجد قطاره المصنوع يدويًا من علب السردين في قريته (ترشيحا) الواقعة في شمال سوريا.. وكيف أنه كان طفلا مبتكرًا حيث صنع قطاره البسيط عن طريق إعادة تدوير خلّاقة لعلب السردين التي يحب الأب التهامها ويربطها سويًا حتى أضحى يمتلك أفخم قطار في البلدة. ولم لا؟!
ألم يصنعه بيديه المبدعتين؟!
ولم ينتظر أحدًا يشتري له قطارًا معدنيًا مستوردًا ربما من بلاد الأعداء!
القصة مليئة بالأحزان والأشجان تحكي هجرة أسرة قروية كاملة فاقدة الديار والثمار بعد الاحتلال الإسرائيلي للبلدة واضطرارهم للنزوح من الشمال السوري إلى الجنوب بعد حرب هدمت الحرث والنسل والديار ولم يبق إلا الحاكور!

رغم أني لم أعرف معنى هذا الحاكور وكان من الأفضل ذكر معناه لأنها كلمة عامية سورية أكيد يوجد بديل لها سواء كان فصيحًا أو عاميًا في بلاد العرب الأخرى.
ولا أعلم هل القرية(ترشيحا) تقع في سوريا أو فلسطين.. وكلنا في الوجع عرب!
وماذا عن الحرب الأهلية والطائفية الطاحنة بعد ( فتنة) الربيع العربي السوري ؟!
هذه الحرب التي أجج أوارها دول الجوار الأقليمي ( تركيا وإيران )وبالطبع إسرائيل لتهلك وتدمر الجيش والشعب والأخضر واليابس.. وتفتت الدول إلى دويلات مهرولة للتطبيع وطلب الدعم من الأعداء لقتل الأخوة في الوطن والدين!

على الرغم من عدم ذكر الحرب الحالية بين أبناء الوطن السوري الحبيب؛ لكن شبحها يحوم في القصة يقول:” ما أشبه الليلة بالبارحة! “
دومًا أنتظر قراءة قصص قصيرة للمبدعة السورية صديقة علي.. تشعر بصدق المشاعر وتتقمص إحدى شخصيات القصة وتجعلها من لحم ودم وليس حبرًا على ورق.
أدام الله نبضها وإبداعها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى