عمليةُ التفكير وظيفةُ العقل، العقلُ لا غير هو الحاكمُ على صوابِ أو خطأ نتائجِ أيِّ تفكير. لا العلم ولا اللاهوت ولا الأدب ولا الفن يضع حدودًا للعقل، لا يضع الحدودَ للعقل إلا العقل، إن كانت للعقل حدود. أيةُ محاولةِ نفي للفلسفة تتضمن التدليلَ على حضورِ الفلسفة في النفي مثلما تحضر في الإثبات. نفيُ #الفلسفة ضربٌ من التفلسف، حتى الغزالي الذي حاول في "تهافت الفلاسفة" نفيَ الفلسفة أخفق،كما اعترف تلميذه أبو بكر ابن العربي بقوله: "شيخنا أبو حامد بلع الفلسفة، وأراد أن يتقيأها فما استطاع". الفلسفةُ لا تموت ولن تموت مادام هناك إنسانٌ يتساءل الأسئلةَ الكبرى حول المبدأ والغاية والمصير، ولا يجد جوابًا لها… التشديدُ على #العلم، واختزالُ العقل والمعقولات والتفكير بحدوده، يشاكس العقلَ الفلسفي، وينتهي إلى افتقار العلم إلى إجاباتٍ لأسئلته الحائرة ومشكلاته العويصة، وكلِّ ما لا يجد له حلًّا في فضائه وسياقاته وحدوده. تختنق المعرفةُ حين توضع في الفضاء الذي يخضع لحدود العلم الطبيعي ومجاله الحسّي خاصة، وحين تعتمد مقاييسَه وأدواته التجريبية ووسائله ومنطقه ولغته وأحكامه. تلك هي أدلجة العلم عندما يتحول العلمُ إلى "أيديولوجيا علموية" تعطّل العقلَ الفلسفي. حدود العلم الطبيعي وحقله يتمثلان في كلّ شيء في الطبيعة والكون المادي، الفلسفة لا حدودَ لها، بوصفها فعلَ تفكير عقلي يتجاوز الظواهر للبحث في حقيقة العلم وماهية المعارف والموجودات… الفيلسوف يجيب عن سؤالِ المبدأ والمصير، والحياة والموت، وغيرها من الأسئلة الوجودية الكبرى، ويجيب عن كلِّ سؤال خارج العلم بالمعنى التجريبي. لا نهاية للفلسفة، يظلّ الإنسانُ يتفلسف مادامت الحياةُ والموت، وما دامت الأسئلةُ الوجودية التي لا تجيب عنها العلوم. العلم غير الميتافيزيقا، كلُّ سؤال وجواب ميتافيزيقي بالإثبات أو النفي هو تفلسف خارج حقل العلم. عندما يقدّم أحدُ علماء الطبيعية أجوبةً عقلية للأسئلة الوجودية الكبرى، ينتقل تفكيرُه من حقل العلم إلى حقل الفلسفة بهذه الأجوبة. علاقةُ الفلسفة باللاهوت ديناميكية، فمثلما يتغذّى ويتجدّدُ اللاهوتُ بالفلسفة تتغذّى الفلسفةُ وتتسعُ آفاقُها وتتنوّعُ حججُها بالسؤال اللاهوتي. السؤالُ اللاهوتي يبحثُ عن يقينيات لا يظفر بها مهما توالدت الأجوبةُ وتواصلت الاستدلالات، إنه سؤالٌ مفتوح، وكلُّ سؤال مفتوح مَنجمٌ ثمين للتفلسف.كلّما ابتعد اللاهوتُ عن الفلسفة وقع فريسةَ تفشِّي اللامعقول وتغوّل الأوهام. لا يضع اللاهوتَ في حدوده ويمنع تغوّلَ الأوهام إلا الفلسفة، ولا يتجدّد اللاهوتُ إلا عندما يعيد النظرَ في الحقيقة الدينية ويتأملها بعيون فلسفية. لا تداوي الفلسفةُ جروحَ الروح والقلب، العقل الفلسفي مشاغب لمن يمتلك قدرةً ذهنية على إيقاظه بالتساؤل العميق حتى في البداهات.التاريخ والواقع يشهدان بأن الأذكياء جدًّا والعباقرة تعذِّب وعيَهم الأسئلةُ الوجودية الكبرى التي لا جواب نهائي لها، حياة كثير من الفلاسفة كانت تقلقها الأسئلة وتوالدها المتواصل من الإجابات….