من أخطاء فيكتور هيغو هو أنه اعتبر التقدم ذا مُنحنى خطي، يسير دوما نحو الأحسن. ونحن نعلم أن المجتمعات مثلها مثل الدول، لا تمشي دوما نحو الأفضل. قد تتطور ظروفها المادية من دون أن تتطور بنيتها الذهنية، بل قد تتراجع تحت عوامل متعددة.
أذكر ذلك بمناسبة تصريح رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران من أننا لا نحتاج شعراء ولا فلاسفة. أذكر ذلك وأستحضر سياسيا من طراز خاص، هو المرحوم الحسن الثاني، الذي كان الشعر مؤنسه والاستشهاد به ديدنه، والحكمة جليسته. في أكتوبر من سنة 1996 استقبل في القصر الملكي بالدار البيضاء ثلة من الطلبة المتفوقين، وألقى عليهم خطابا مرتجلا، كان مما ورد فيه، أن المعرفة التقنية وحدها لا تكفي، ولا بد من ثقافة تسندها، واستشهد بحالتين، الأولى لإنشتين الذي كان إلى جانب اختصاصه في الفيزياء فيلسوفا لا يُشق له غبار وعاشقا للشعر، والمثال الثاني للشاعر الفرنسي بول فاليري الذي كان رياضيا، وقد شفع الملك الراحل قوله، بأنه لم يكن يعرف عن بول فاليري تمكنه من الرياضيات إلا بأخَرِة. وختم بالقول، ما معناه، جيلنا حارب أشخاصا، وجيلكم سيحارب ظواهر، ومنها الفقر والجهل، ولذلك فمعركتكم أعقد.
شتان بين هذا القول، وقول يُلقي بالشعر والشعراء والفلسفة عرض الحائط.
نحسب أن الغرب هو نتاجه المادي فحسب، والحقيقة أنه لا يمكن أن نفصل إنجازاته العلمية والتكنولوجية عن عمق الثقافي سواء أكان فلسفيا أم إبداعيا. الإنسان الغربي ليس البخار وحده، ولا الطاقة، ولا الكهرباء، ولا الكومبيتر، فقط، بل هو هوميروس وأرسطو، وأفلاطون والقديس أغسطين وتوماس الأكويني وهوبز. هي ذات البنية الذهنية.. ولا تزال أكبر رسالة علمية في المنظومة الأنجلوساكسونية PHD تحيل إلى دبلوم التأهيل الفلسفي، أيا كان الاختصاص.
نعم إذا كان الشعر “الدخول والخروج في الهدرة”، والفلسفة “تعمار السوارج”، فهذا مرفوض، وهو مرفوض في الشعر وفي الفلسفة، وفي السياسة كذلك، ولكن الشعر والأدب عموما هو تعبير عن وعي، وهو ضمير، وهو الأمر الذي جعل أبا تمَّام يقول:
وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشعرُ ما درى - ولاةُ الأمورِ مِن أينَ تُؤتى المكارمُ
وقد صنع الشاعر ييتس بشعره لإخوته الإيرلنديين ما لم تقم به جحافل من المناضلين، وكتائب من المقاتلين، وذات الشيء يقال عن محمود درويش، وهو الأمر الذي جعل كنيسيت “الكيان الصهيوني” يجتمع ليتناقش في أمر قصيدة من قصائد محمود درويش. وهؤلاء الذين انتصروا في الحروب التي خاضوها، وطوعوا محيطا صعبا، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والإيديولوجية، كانوا عاشقين للشعر، على معرفة ودراية بالفكر والفلسفة.
أما الفلسفة التي يُهزأ بها، فغايتها هي إسباغ معنى على الوجود والبحث عن ماهيته، أو مثلما عرّفها نيتشه، هي وضع حد للإسفاف Nuire à la bêtise. أفَلسَنا نحتاج إلى جحافل من كتائب تعيننا على الحد من الإسفاف والقضاء على الابتذال وقد عم في البر والبحر؟
للإنجليز مقولة مأثورة إبان المرحلة الاستعمارية، وهي أنهم لو خُيروا ما بين الهند وشكسبير لاختاروا شكسبير على الهند. وحينما يدرك العرب أن الأبراج الحقيقة هي أبراج العلم والفكر والإبداع، يمكن أن يكون شعبا ككل الشعوب. وحينما يتذوق ولاة أمرهم الشعر والفلسفة، بل حينما يتكلمون لغتهم من دون أن يلحنوا، ويحافظون على سلامتها، آنذاك يمكن أن نأخذهم مأخذ الجد. ويكفي أن نُذكرهم بهذه المقولة من تراثهم: “الناس أعداء ما جهلوا”. ولا بأس أن يجهلوا، وأن يعادوا ما يجهلون، ولكن البأس كل البأس أن يعمموا الجهل ويجعلوه فضيلة، بشتى الأسباب وبأوهى المسببات.
وصدق المتنبي إذ يقول:
وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ = طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا
أذكر ذلك بمناسبة تصريح رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران من أننا لا نحتاج شعراء ولا فلاسفة. أذكر ذلك وأستحضر سياسيا من طراز خاص، هو المرحوم الحسن الثاني، الذي كان الشعر مؤنسه والاستشهاد به ديدنه، والحكمة جليسته. في أكتوبر من سنة 1996 استقبل في القصر الملكي بالدار البيضاء ثلة من الطلبة المتفوقين، وألقى عليهم خطابا مرتجلا، كان مما ورد فيه، أن المعرفة التقنية وحدها لا تكفي، ولا بد من ثقافة تسندها، واستشهد بحالتين، الأولى لإنشتين الذي كان إلى جانب اختصاصه في الفيزياء فيلسوفا لا يُشق له غبار وعاشقا للشعر، والمثال الثاني للشاعر الفرنسي بول فاليري الذي كان رياضيا، وقد شفع الملك الراحل قوله، بأنه لم يكن يعرف عن بول فاليري تمكنه من الرياضيات إلا بأخَرِة. وختم بالقول، ما معناه، جيلنا حارب أشخاصا، وجيلكم سيحارب ظواهر، ومنها الفقر والجهل، ولذلك فمعركتكم أعقد.
شتان بين هذا القول، وقول يُلقي بالشعر والشعراء والفلسفة عرض الحائط.
نحسب أن الغرب هو نتاجه المادي فحسب، والحقيقة أنه لا يمكن أن نفصل إنجازاته العلمية والتكنولوجية عن عمق الثقافي سواء أكان فلسفيا أم إبداعيا. الإنسان الغربي ليس البخار وحده، ولا الطاقة، ولا الكهرباء، ولا الكومبيتر، فقط، بل هو هوميروس وأرسطو، وأفلاطون والقديس أغسطين وتوماس الأكويني وهوبز. هي ذات البنية الذهنية.. ولا تزال أكبر رسالة علمية في المنظومة الأنجلوساكسونية PHD تحيل إلى دبلوم التأهيل الفلسفي، أيا كان الاختصاص.
نعم إذا كان الشعر “الدخول والخروج في الهدرة”، والفلسفة “تعمار السوارج”، فهذا مرفوض، وهو مرفوض في الشعر وفي الفلسفة، وفي السياسة كذلك، ولكن الشعر والأدب عموما هو تعبير عن وعي، وهو ضمير، وهو الأمر الذي جعل أبا تمَّام يقول:
وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشعرُ ما درى - ولاةُ الأمورِ مِن أينَ تُؤتى المكارمُ
وقد صنع الشاعر ييتس بشعره لإخوته الإيرلنديين ما لم تقم به جحافل من المناضلين، وكتائب من المقاتلين، وذات الشيء يقال عن محمود درويش، وهو الأمر الذي جعل كنيسيت “الكيان الصهيوني” يجتمع ليتناقش في أمر قصيدة من قصائد محمود درويش. وهؤلاء الذين انتصروا في الحروب التي خاضوها، وطوعوا محيطا صعبا، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والإيديولوجية، كانوا عاشقين للشعر، على معرفة ودراية بالفكر والفلسفة.
أما الفلسفة التي يُهزأ بها، فغايتها هي إسباغ معنى على الوجود والبحث عن ماهيته، أو مثلما عرّفها نيتشه، هي وضع حد للإسفاف Nuire à la bêtise. أفَلسَنا نحتاج إلى جحافل من كتائب تعيننا على الحد من الإسفاف والقضاء على الابتذال وقد عم في البر والبحر؟
للإنجليز مقولة مأثورة إبان المرحلة الاستعمارية، وهي أنهم لو خُيروا ما بين الهند وشكسبير لاختاروا شكسبير على الهند. وحينما يدرك العرب أن الأبراج الحقيقة هي أبراج العلم والفكر والإبداع، يمكن أن يكون شعبا ككل الشعوب. وحينما يتذوق ولاة أمرهم الشعر والفلسفة، بل حينما يتكلمون لغتهم من دون أن يلحنوا، ويحافظون على سلامتها، آنذاك يمكن أن نأخذهم مأخذ الجد. ويكفي أن نُذكرهم بهذه المقولة من تراثهم: “الناس أعداء ما جهلوا”. ولا بأس أن يجهلوا، وأن يعادوا ما يجهلون، ولكن البأس كل البأس أن يعمموا الجهل ويجعلوه فضيلة، بشتى الأسباب وبأوهى المسببات.
وصدق المتنبي إذ يقول:
وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ = طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا