المحامي علي ابوحبله - إسرائيل تخوض معركة "البقاء"

تقف إسرائيل اليوم في أحد المفترقات المصيرية الأكثر حسماً. من نواحٍ كثيرة، يُعدّ وضعها اليوم أسوأ بكثير من عام 1967، عندما سيطر على الجميع خوف الزوال وحفر سكان تل أبيب الحفر الدفاعية بانتظار الحرب المقتربة. وهو أسوأ أيضاً من عام 1973 الذي اقتربت فيه الهزيمة العسكرية بشكل مثير للقلق. وفي ظل غياب حوار استراتيجي جوهري، وفي ظل تصورات إستراتيجية وجي وسياسية مختلفة وغريبة أصحبت سائدة، يقترب من إسرائيل خطر لا تشخصه، وفي الواقع، هي تستعد منذ أعوام للحرب غير الصحيحة.

في ضوء هذا الواقع، وهذا المستوى من الحوار الخادع، لا عجب في ألا تحظى المعاني الإستراتيجية الحقيقية للحرب على غزه بالفهم والتحليل العميق من قبل قادة الكيان الصهيوني الذين في غالبيتهم يدركون مخاطر وتداعيات الحرب وأن لا جدوى من استمرارها وأن تغذية الصراع واستمرار الحرب وتوسع رقعتها سيكون له نتائج وتداعيات غير محمودة العواقب على إسرائيل وأمنها وحتى وجودها

بعد أيام ، تحل الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى وتدخل الحرب عامها الثاني وقد أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث في العالم. والقول إنَّ ما بعد السابع من تشرين الأول من العام الفائت ليس كما قبله ليس من باب رفع الشعارات الرنانة، إذ إنه يستند إلى وقائع ميدانية وحقائق قيد التشكل، فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تتوقف بعد، ولا يبدو أنها ستتوقف كذلك في الأمد المنظور، في ظل تعنت "إسرائيل" بقيادة بنيامين نتني اهو وائتلافه اليميني المتطرف ، الذي يرفض الاذعان لقرارات الشرعية الدولية المتمثل في قرارات مجلس الأمن وتوصية محكمة العدل الدولية وجميعها تدعوا لوقف الحرب والتوصل لصفقة تبادل الأسرى لكن إصرار نتني اهو وإمعان حكومته بتحقيق أهداف الحرب في الإجهاز على القطاع المحاصر عبر مواصلة جرائم القتل والإبادة، بصرف النظر عن أي كلام معلن أو أي مطالبات إسرائيلية بضرورة عقد صفقة لعلّها تعيد المحتجزين الإسرائيليين إلى ذويهم وتوقف الحرب.

ومع مرور عام على الحرب وفي ظل الإخفاق الإسرائيلي لا بد من استعراض التغيرات في داخل الكيان الإسرائيلي وتتمثل في :-

أولاً :- لأول مره في تاريخ إنشاء الكيان الصهيوني تخوض "إسرائيل" هذه المرة أطول حرب في تاريخها وهي حرب متعددة الجبهات ، ولأن أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة صعبة المنال في ظل ثبات وصمود الشعب الفلسطيني ومواجهته مخططات التهجير والترحيل ألقسري رغم الحصار وحرب التجويع ، فقد أصبحت الحرب أقرب إلى حرب استنزاف طويل الأمد ، والوصف هنا للجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك الذي يرى أن استمرار الحرب كما يريد ويشتهي نتنياهو سيؤدي إلى انهيار "إسرائيل"، لا إلى هزيمة حماس. ويستند بريك إلى معطيات عدة، منها ما هو ميداني ومنها ما هو اقتصادي، ولكن الأخطر هو ما يتعلّق بالمجتمع الإسرائيلي.وهو المتغير الثاني .

ثانيا :- إن معركة طوفان الأقصى كشفت عن حقيقة وبنية المجتمع الإسرائيلي ، فأظهرت المجتمع الإسرائيلي العنصري المنقسم على نفسه، ما ينبئ بمؤشرات جدية لحرب أهلية داخل المجتمع الاستيطاني ، وهذا الواقع دفع العديد من المسؤوليتين الإسرائيليين إلى دق ناقوس الخطر، وعلى رأسهم إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وقادة وجنرالات عسكريين . وما مشاهد التظاهرات والتحشيد ضد بنيامين نتنياهو سوى دليل على مشهد الصراعات الداخلية وقد باتت أكثر وضوحا ، وخصوصاً في ظل رفض اليمين المتطرف أي محاولة لرأب الصدع ولملمة الصفوف والدعوة لتشكيل حكومة وحده وطنيه رفضها رئيس الحكومه وعدها بـ"الدعوة غير المسئولة والمتعاونة مع دعاية حماس واليسار المتطرف".

ثالثاً، دفعت عملية طوفان الأقصى بالصراعات السياسية-العسكرية إلى الواجهة، فكانت الذريعة-الهدية لليمين المتطرف لإعادة فتح ملف الهوية العسكرية لجيش الاحتلال. كان لافتاً تقاذف المسؤوليات والتهم بعد السابع من أكتوبر بين المستويين السياسي والعسكري.

وكان التصويب على إخفاقات الاستخبارات والجيش الإسرائيلي من قبل كل من إيتمار بن غفير وسموترتش بمنزلة اللازمة التي تتكرر مع كل تطور ميداني. أما الغاية، فكانت الدفع باتجاه تقديم الاستقالات ليبنى على الشيء مقتضاه.

وباتت الساحة الإسرائيلية لأول مرة تشهد الاستقالات تتوالى، فبعد استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، الأنظار تتجه إلى رئيس الأركان هرتسي هاليفي، لقطع الطريق عليه ومنعه من الإشراف على أي تعيينات جديدة في "الجيش". وعليه، يأتي في السياق تساؤل المحلل العسكري آيال عليما: "من يحل مكان الضباط الذين يستقيلون أو ينهون مهامهم؟ ومن هي الجهة التي ستتولى مهمة الإشراف على التعيينات العسكرية الجديدة؟".

الجواب عن هذا التساؤل أصبح أوضح من ذي قبل، فاليمين المتطرف يتطلع إلى الإشراف عبر وزرائه على التعيينات الجديدة، وبالتالي تغيير هوية "الجيش" بشكل جوهري؛ فبعد الوصول إلى السلطة أتت التعديلات القضائية لتلتحق بها المؤسسة العسكرية، وهكذا يكتمل فلك الصهيونية الدينية وتحقيق حلم إسرائيل اليهودية الأصولية المتطرفة وتوسعة وتغذية الصراعات بحيث حقا باتت إسرائيل ووفق العديد من المحللين أن إسرائيل تخوض معركة " البقاء " ، فـ "إسرائيل" التي قدّمت نفسها "علمانية" في بدايات التشكل تلفظ أنفاسها، واليوم الكلمة لإسرائيل الدينية المتشددة بصورتها الفاقعة. لذا، وجب دراستها وقراءتها وفق كل المتغيرات فاليمين المتطرف وصل إلى السلطة هذه المرة ليحكم ويتحكم في كل مفاصل الكيان وهاجسه مواصلة الضم والتوسع وتداعيات ذلك على أمن وسلامة المنطقة وإذكاء الحرب الدينية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى