هكذا نقل محمد البوزيدي المستغانمي الطريقة العلاوية من المغرب إلى الجزائر

(العلاويون يفسرون القرآن الكريم تفسيرا باطنيا)


يعتمد العلويون في تفسير القرآن على المذهب الباطني و يعتقدون أن كل القضايا محققة في عالم الغيب منذ الأزل و محققة بتوقيتها و بتوفر شروطها في علم الشهادة بما فيها قضايا الحرية و الاستقلال للشعوب المستعمرة و يستمد العلويون أورادهم من الفكر الشيعي، وبأفكارهم دخلوا في معارك مع التيار الإصلاحي خاصة فيما تعلق بقضية المذهب الخامس، كانت تعرف بالدرقاوية غربا و الشاذلية شرقا ، وعرفت الطريقة العلاوية في الجزائر على يد الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي الذي نقلها عن الشيخ محمد بن قدور الوكيلي في شمال المغرب، و تعلم على يديه الطريقة العلاوية أو كما سماها هو الطريق ( الاسم الأعظم) عندما كان في المغرب

بعد وفاة الشيخ الوكيلي عاد الشيخ البوزيدي إلى مسقط رأسه بمدينة مستغاتم ، و فيها اتصل بوجهاء المدينة ليلقنهم الطريقة الموصلة إلى الله أمثال الشيخ بن عودة بن سليمان الذي أصبح من مريديه و من مساعديه في نشر الطريقة ، كذلك الشيخ أحمد العلاوي الذي تولى مشيخة الطريقة بعد وفاة الشيخ البوزيدي و كان أحمد العلاوي قد ارتقى إلى أعلى المراتب الروحية على يد شيخه البوزيدي، و بدأ الإقبال على الطريقة يعرف توسعا لا مثيل له من المريدين، و بعد وفاة أحمد العلاوي خلفه تلميذه المقرب إليه " عدة بن تونس"، و بعد وفاة هذا الأخير خلفه ابنه محمد المهدي، كان الشيخ محمد المهدي يطمح لتأسيس جامعة و معهد لتعليم الدين والقرآن على الطريقة العلاوية و تكوين "جمعية الشبيبة الإسلامية العلاوية للتربية الروحية للشباب" و لكن الأقدار سبقته ليفاجئه الموت في 24 أفريل 1975 و لما يبلغ سن الخمسين من العمر، ليخلفه نجله الشيخ خالد بن تونس، و أضحت الطريقة العلاوية منذ سنة 1991 تنشط في إطار جمعية ثقافية تحت اسم جمعية الشيخ العلاوي للتربية و الثقافة الصوفية بمقرها الكائن بالزاوية العلاوية بمدينة مستغانم.

و تحليل الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية في مسألة "التبليغ" انطلق من تفسيرهم سورة الفتح معتمدين في ذلك على نموذج (رومان جاكبسون roman Jakobson ) الأدبية في نظريته التبليغية ، و المتأمل في كتم الله سرّ انتصار الشعب الجزائري على الاستعمار الفرنسي يتراءى له أن الشهداء كانوا "مغفلين" عندما قدموا نفسهم للموت مادام الله قد كتب على الوطن النصر و الاستقلال، و هو ما يؤكد أن العلويون يجحدون ضريبة "الدم" التي دفعها الشهداء، و السؤال يطرح نفسه حول القضية الفلسطينية مادام الاستقلال و النصر قضاءً و قدرا كما يدعون فما على الشعب الفلسطيني إلا أن يستسلم و يسلم الأقصى لليهود إلى أن يكتب لهم الله باسترجاعها، والمتصفح لكتابات الطرقيين العلاويين يلاحظ أنهم يميلون إلى الفرق "الشيعية" بترديدهم عبارة " قدس الله روحه" و هم يخاطبون إخوانهم و الأخطر من هذا كله أنهم يضعون أنفسهم في مرتبة " الصحابة" بترديدهم كذلك عبارة : (رضي الله عنه) في كل خطاباتهم اليومية، كما يعتقد العلاويون أن أوراد الشيخ سيدي عدة بن تونس هي بمثابة همزة الوصل بين العبد و ربه و عن طريقها يمكن الاتصال الروحي مع الله و قد يمكنه الورد من رؤية الله، و هو العارفين بشؤون التصوف و خطورته أن مثل هذه المعتقدات تدخل في باب الكفر و الإشراك بالله، بحيث يقولون أن من أراد رؤية الله عليه بالخلوة مع الصوم و تغميض البصر و جمع الحواس و تخييل الاسم و ملاحظة معناه عند جريه على اللسان و هكذا إلى أن تنقطع هواجس النفس و يطمئن فؤاد الذاكر و ترسم حروف الاسم في مخيلته فيأمره حينئذ بالخروج عن هذا المظهر خروجا روحيا، أي إلى ما وراء المادة.

يكشف العلاويون أن هذه الأوراد أخذوها عن الشيخ الروحي للطريقة العلاوية محمد بن الحبيب البوزيدي الشريف المستغانمي و قد أخذها هو عن أستاذه أبي المواهب محمد بن قدور الوكيلي، عن محمد بن عبد القادر الباشا و عن أبي يعزى المهاجي و هما عن الشيخ الدرقاوي ، عن..عن..عن أبي الحسن الشاذلي الذي أخذها بدوره عن الشيخ الشاشي عن إسحاق النهرجوري عن..عن.. المشيشي و عبد الرحمن العطار الزيات عن ..عن القزويني عن إبراهيم البصري كبير المتصوفين إلى أن يقول عن علي بن أبي طالب ، كما يجعلون شيوخهم وسطاء بينهم و بين الله و الاستغاثة به كما جاء في التذييل القائل: "بشيخك الشاذلي أبي الحسن يا رب أحفظنا و بالمشيش، و قد اتخذ الطرقيون العلاويون من التصوف " حزبًا" بقولهم في كل نهاية تذييل: " وارحم حزبنا و جميع المؤمنين" و هم عادة ما يسمون طريقتهم بحزب "الرحمن" في اعتقادهم أن سورة الرحمن نزلت فيهم، كما يصفون أنفسهم بأنهم باب الله و أن من أحبهم فقد أحب الله و هم بذلك يضعون أنفسهم في مرتبة الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، ويصف العلويون و على رأسهم الشيخ العلاوي جسد الرسول محمد صلى الله عليه و ملامحه و جمال تقاطيعه و كأنه رآه، فيقول في قصيدة له كتبها بالعامية:

لَحْيَة مْجَمّمة مَكْحُولَة شعر كْثِيفُ ** البياض في السْوادْ اختفى
مفجَّجْ الثنايا يلمع ريقُو لطيفْ ** ضلع الفَمْ حَمْر الشَفَّة
إذَا بْغِيتْ تعْرَفْ بَصْرُو** أدعجْ العيون فيهْ سْمُورَه
مهَذَّبْ الشفَرْ خافضْ نظْرُو ** طرفْ السْوَاد فيهْ حْمُورَه
مْزَجّجْ الحواجبْ ظهرُو ** نونين في الورق مسْطُورَه
رحب الجُبين عندي عبرو ** مكمول في الحسن و الصورة

يقول الدكتور يحي بعيطيش في كتابه: " دراسات في الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية" الطبعة الأولى الصادرة في 2009 المطبعة العلاوية، أن الشيخ أحمد العلاوي قد أدلى بدلوه في هذه التجربة في تطلعه في أنوار الذات المقدسة خاصة عند مخاطبته ربه أو عندما يهم بالكلام مع الله ، حيث يجسد الله في هيئة بشر ( امرأة) يصف لها شوقه و هيامه بها فيجعل من أسماء النساء و أشياء مثل ليلى و لبنى و الخمرة رموزا بالهيام بالجمال الإلهي و هو بذلك يساوي جمال البشر بجمال الإله و هو ضرب من الكفر و التمرد على الذات ألإلهية و من قصائده الغزلية يذكر المؤلف مجموعة منها: ( سقوني و قالوا لا تغن، يا معشوقة، عرفني محبوبي، يا ورقة الجوى، أرقني الغرام، تيهتني لبنى، و لولا ليلى، يا ساكن الحشا، دنوت من حبي ليلى..الخ)

الباطنية المنهج التفسيري للقرآن الكريم عند العلاويين

يفسر العلاويون القرآن الكريم تفسيرا "باطنيا" رمزيا و من ذلك عبارة " خلع النعلين" التي تشير إلى قصة موسى عليه السلام لما أمره الله تعالى أن يخلع نعليه في الآية الكريمة يقول تعالى: ( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس كوى..) الآية 12 من سورة طه فقد اعتبرها الصوفية خلعا للنفس و الوجود، أي التخلى عن النفس كلية من جهة و خلع الوجود بمحو العالم المحسوس من جهة أخرى، تقول الروايات أن الدعوة العلوية نشأت في اليمن على يد علي بن محمد الصليحي أبو الحسن مؤسس الدولة "الصليحية" و أحد ملوكها باليمن و"الباطنيون" ينتمون إلى القرامطة نسبة إلى إسماعيل القرمطي و يؤمنون بفكرة الحلول، حيث مالت هذه الفرقة إلى الانحراف و الكفر خاصة بعد ظهور "عبد الله بن ميمون القدّاح" الذي عمل عند جعفر الصادق ، و بعد وفاة إسماعيل ساق ميمون و شعبه الإمامة إلى محمد بن إسماعيل و آخرون إلى جعفر موسى الكاظم، و كان الباطنيون يفسرون القرآن حسب قانون المماثلة عند قولهم تعالى: ( مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، يخرج منهم اللؤلؤ و المرجان..الخ) في سورة الرحمن، فقالوا إن المقصود بالبحرين علي وفاطمة، و بالبرزخ محمد (ص) و باللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين.

أسس الشيخ بن عليوة صحيفة اسمها البلاغ و منذ صدور عددها الأول في 24 ديسمبر 1962 من مدينة مستغانم شنت جريدة البلاغ الناطق الرسمي للطرقيين العلويين حربها على رائد الإصلاح الشيخ عبد الحميد ابن باديس و الدفاع عن التصوف و الطرقيين من قبل مديرها عدة بن تونس، و من أيدوه من الكتاب التابعين لهم و حتى بعدما تولى إدارتها الأخضر عمروش عندما حول مقرها إلى العاصمة و سميت بالبلاغ الجزائري لأن أصحابها كانوا يعتمدون على المنهج التبليغي في تفسير القرآن و عليه سميت بالبلاغ، و كانت قد دخلت في صراع مع صحف "الإصلاحيين" منها صحيفة لسان الدين و المرشد و معارك مع صحف التيار المعاكس للإصلاحيين كالشهاب و الإصلاح و البصائر، و انتقل العداء بين الطرفين إلى حد تبادل السب و الشتم و التنابز بين الفريقين و أشياء أخرى لا يجيزها الدين و لا تقبلها المروءة خاصة بعد محاولة اغتيال الشيخ ابن باديس من قبل المدعو الشريف ميمان و هو ينتمي إلى الطريقة العلوية، دون أن تتبرأ جريدة البلاغ و أقلامها من الفعلة الشنيعة التي قام بها أحد تابعيها ، كما كانت لصحيفة البلاغ عداءات مع صحف أخرى وصلت الأمور إلى العدالة بخصوص قضية المذهب الخامس.

المراجع/

1) الذرة البهية في أوراد و سند الطريقة العلاوية لجامعه الشيخ سيدي عدة بن تونس قدس الله روحه الطبعة الرابعة 1987 المطبعة العلاوية
2) دراسات في الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية للدكتور يحي بعيطيش طبعة أولى 2009 المطبعة العلاوية
3) رسالة الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف للشيخ أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي الطبعة الثانية 1990 المطبعة العلاوية
4) صحف التصوف الجزائري من 1920 إلى 1955 للشيخ و الأستاذ محمد الصالح آيت علجت ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2007
5) كشف أسرار الباطنية و أخبار القرامطة و كيفية مذهبهم و بيان اعتقادهم للشيخ محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليماني المتوفي نحو 1077


إعداد علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى