يبدو أن أساليب الشرط في القرآن في حاجة إلى مزيد من الدراسات و الأبحاث حتى تتكشف بعض أسرارها وكوامنها التي لا زالت تلتحف ببعض الغموض. وإذا كان المفسرون بشكل عام لم يعطوا أساليب الشرط العناية اللائقة ، فإن اللافت للنظر أن البلاغيين أيضا في دراساتهم للإعجاز القرآني ، لم يتوقفوا كثيرا أمام الفروق بين بعض الأساليب مثل قوله تعالى : "وإن عدتم عدنا" وقوله : " وإن تعودوا نعد" ، وكذلك بين : ومن قتل مؤمنا خطأ" ، و : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا" ، فقد استعمل القرآن حرف الشرط إن + الفعل الماضي في بعض الآيات، واستعمل إن + الفعل المضارع في آيات أخرى ، وكذلك استعمل اسم الشرط من + الفعل الماضي ، ومن + الفعل المضارع . فهل ثمة فرق أو فروق بين الاستعمالين ، أم إننا يمكن أن ننهي تلك المسألة بجملة مريحة ونقول : إن كلا المعنيين أو الأسلوبين متساويان ، وأن أحدهما يمكن أن يحل مكان الآخر . ربما لهذا التشابه الظاهري لم يتوقف المفسرون والبلاغيون أمام تلك الظاهرة في كثير من آيات القرآن . لكن يبدو لي من خلال تعاملي مع آيات القرآن و أساليبه وتراكيبه وألفاظه استبعاد فكرة ترادف الألفاظ ، وتساوي الأساليب من هذا النوع, وأن ثمة أسرارا وراء ذلك التنوع في الاستعمال. وباستقراء آيات القرآن – وهي عملية ليست سهلة- وذلك لثراء (النص) القرآني بأساليب الشرط من ذلك النوع، يمكن أن نصل إلى نتيجة مفادها أن هناك نوعين من أساليب الشرط محل الدراسة ، ويمكن أن نقسمهما إلى قسمين :
أسلوب الشرط الحقيقي
أسلوب الشرط البلاغي
وهما مصطلحان أحسب أنهما غير مسبوقين في هذا المجال،فالحقيقي هو ما يركز على دلالة الحكم الشرعي أكثر من تركيزه على الدلالة البلاغية ، وهو النوع الذي يستعمل فيه الفعل الماضي مع أداة الشرط، أما البلاغي، فهو الذي تكون قيمته أو دلالته البلاغية أكثر أهمية أو وضوحا من دلالته الشرعية ، وهو النوع الذي يستعمل فيه الفعل المضارع مع أداة الشرط. وقبل الاستعاناة بالشواهد على ذلك ، أود أن أوضح أن المقصود بالقيمة البلاغية هو الهدف النفسي والوجداني لأسلوب الشرط من تحذير وتهديد للمخاطب أو تحفيز وتشجيع له. ولنبدأ أولا بذكر الأمثلة التي تدل على أن أسلوب الشرط المستعمل في الفعل الماضي يكون أقرب للحقيقة الشرعية من القيمة البلاغية مثل قوله تعالى : فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ، وقوله : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، وقوله : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وكذلك في قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وهكذا في كثير من الآيات. أما صيغة الفعل المضارع مع أداة الشرط ، فتبرز فيها القيمة البلاغية أكثر ، مثل قوله تعالى : وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت، فدلالة التهديد تتأرجح أو تتضح في هذا الأسلوب ، و كذلك في قوله : إن يكن منكم مائة صابرة يغلبو مئتين ، فدلالة الترغيب والتحفيز أيضا تفصح أو تحاول أن تفصح عن نفسها في الآية ، ومن الآيات التي تقترب من درجة الحسم في هذه الرؤية قوله تعالى :
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ، وقوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثلما قتل من النعم، فكلمة متعمدا ذكرت في الحالتين ، ومع ذلك فالدلالة في الآية الاولى هي الزجر والترهيب، أما في الآية الثانية ، فيتضح فيها فكرة الحكم الشرعي من القيمة البلاغية والنفسية.
ولاشك أن هناك آيات تثير الحيرة في بعض الأحيان، لكن بقليل من التأمل تطمئن النفس إلى دلالة أكثر من الأخرى : مثل قوله تعالى : ومن عاد فينتقم الله منه ، فتبدو فيها فكرة التهديد أيضا ، ومع ذلك فإن دلالة حكم الله الشرعي في الذي يعاود قتل الصيد في الحرم مرة الثانية ، بعد أن ارتكبه في المرة الأولى دون أن يرتدع ، لاشك أن جزاءه يكون أشد من الأولى ، فالآية هنا تكملة لآية ومن قتله منكم متعمدا.
وفي النهاية ، فإن هذه القضية في حاجة إلى مزيد من البحث والاستقراء والدراسة.
أسلوب الشرط الحقيقي
أسلوب الشرط البلاغي
وهما مصطلحان أحسب أنهما غير مسبوقين في هذا المجال،فالحقيقي هو ما يركز على دلالة الحكم الشرعي أكثر من تركيزه على الدلالة البلاغية ، وهو النوع الذي يستعمل فيه الفعل الماضي مع أداة الشرط، أما البلاغي، فهو الذي تكون قيمته أو دلالته البلاغية أكثر أهمية أو وضوحا من دلالته الشرعية ، وهو النوع الذي يستعمل فيه الفعل المضارع مع أداة الشرط. وقبل الاستعاناة بالشواهد على ذلك ، أود أن أوضح أن المقصود بالقيمة البلاغية هو الهدف النفسي والوجداني لأسلوب الشرط من تحذير وتهديد للمخاطب أو تحفيز وتشجيع له. ولنبدأ أولا بذكر الأمثلة التي تدل على أن أسلوب الشرط المستعمل في الفعل الماضي يكون أقرب للحقيقة الشرعية من القيمة البلاغية مثل قوله تعالى : فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ، وقوله : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، وقوله : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وكذلك في قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وهكذا في كثير من الآيات. أما صيغة الفعل المضارع مع أداة الشرط ، فتبرز فيها القيمة البلاغية أكثر ، مثل قوله تعالى : وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت، فدلالة التهديد تتأرجح أو تتضح في هذا الأسلوب ، و كذلك في قوله : إن يكن منكم مائة صابرة يغلبو مئتين ، فدلالة الترغيب والتحفيز أيضا تفصح أو تحاول أن تفصح عن نفسها في الآية ، ومن الآيات التي تقترب من درجة الحسم في هذه الرؤية قوله تعالى :
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ، وقوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثلما قتل من النعم، فكلمة متعمدا ذكرت في الحالتين ، ومع ذلك فالدلالة في الآية الاولى هي الزجر والترهيب، أما في الآية الثانية ، فيتضح فيها فكرة الحكم الشرعي من القيمة البلاغية والنفسية.
ولاشك أن هناك آيات تثير الحيرة في بعض الأحيان، لكن بقليل من التأمل تطمئن النفس إلى دلالة أكثر من الأخرى : مثل قوله تعالى : ومن عاد فينتقم الله منه ، فتبدو فيها فكرة التهديد أيضا ، ومع ذلك فإن دلالة حكم الله الشرعي في الذي يعاود قتل الصيد في الحرم مرة الثانية ، بعد أن ارتكبه في المرة الأولى دون أن يرتدع ، لاشك أن جزاءه يكون أشد من الأولى ، فالآية هنا تكملة لآية ومن قتله منكم متعمدا.
وفي النهاية ، فإن هذه القضية في حاجة إلى مزيد من البحث والاستقراء والدراسة.