د. عاطف الدرابسة - هولوكوست البيجر...

أتوقَّع أنَّ هذا المقالَ لن يصمدَ طويلاً على صفحتي ؛ فقد يتعرَّضُ للحجبِ أو التَّحييد أو تفجيرِ الموقع برسالة مفخَّخة ، فأيُّ رأي ينتقدُ اسرائيل أو الصهيونية يُعدُّ عداءً للسَّاميَّة التي اختصرها العالمُ باليهوديَّة ، لذلك يأتي هذا المقالُ اختباراً لحريَّة الرأي أولاً ، واختباراً لإدارة الفيسبوك ثانياً ، وتحديَّاً منهجيَّاً للصهيونيَّة ، ورسالةً للاعتدالِ اليهودي ، وسؤالاً عن فلسفة الإبراهيميَّة واتِّجاهاتها ، واحترازاً أقولُ : إنٌَ العربَ السَّاميِّين كانوا أوَّل المُتعاطفين مع اليهودي إبَّان المحرقة ؛ أي قُبيل عام ١٩٤٨م ، ثمُّ تحوَّل هذا التَّعاطف إلى عداءٍ صارخٍ بُعيد عام ١٩٤٨م حينما مارس اليهودُ وداعمُوهم من قوى الاستعمار إذَّاك فعلَ الهولوكوست بعرب فلسطين الكنعانيَّة تاريخيَّاً ، والعربيَّة معاصرةً وحاضراً ، ففُرِض على العالم عموماً ، والعالم العربيِّ خصوصاً دولةً بالقوَّةِ والإرهابِ ، فشرعتْ عصاباتُها بالتَّنكيلِ بأصحاب الأرضِ وفقَ نسخةً من الهولوكوست النَّازي ، وتبنَّتْ تلك الدَّولةُ المُصطنَعة الرُّؤية النَّازيَّة ، حين شرعتْ تُمارِس طقوسَ المحرقة في الشَّعب الفلسطيني .


والتَّاريخُ هنا متَّصل ، فالصهيونيَّة تُقيم طقوسَ الهولوكوست في (غزَّة) بشكلٍ أكثرَ إرعاباً وإرهاباً ووحشيَّةً ؛ إذ أحرقت الأرض والحجر والشَّجر والإنسان بأسلحةٍ وأدواتٍ ذواتِ تِقنيَّات عالية ، لا يزال العقلُ العربي قاصراً على فهمها .
وقد تجلَّتْ هذه التِّقنيات التي تستندُ على الذَّكاءِ الاصطناعيِّ بما حصل في لبنان قبل ثلاثةِ أيَّامٍ ؛ أي يومي الثلاثاء والأربعاء ، حيث عُصِفَ لبنانُ بأمواجٍ من التَّفجيرات التي خلَّفت وراءها آلاف الجرحى والقتلى - أو لنقُل بمُصطلحِهم الجديد - حيَّدتْ ما يزيدُ عن أربعةِ آلاف من الشَّباب اللٌُبناني .
والواقعُ أنَّ مفهومَ التَّحييدِ مفهومٌ متواضع إزاء ما حصل ، والصَّواب أن نقولَ إنَّ اسرائيل قد مارست فعلَ الحرقِ ، ولكن بأسلوبٍ عالي التِّقنية ، يستندُ إلى مُخرجات الذَّكاء الاصطناعي ، فقد التقطتْ كاميراتُ الشَّوارعِ صوراً حيَّة لمئاتِ الضَّحايا من الشَّباب وهم يتساقطون كما تتساقط الفراشاتُ حول أضواء المصابيحِ .
كنتُ أظنُّ أنَّ المحارقَ تحتاجُ إلى أفران ، وكنتُ أظنُّ أنَّ (Playstation and PUBG) مجرد ألعابٍ مُتخيَّلة ، ابتكرها العقل البشري لتحفيز الخيال ، وكنتُ أظنُّ أنَّ ميدانها وساحاتِها شاشات الأجهزةِ الذَّكية ، وأنَّ شخصيَّاتِها وهميَّة ، بيدَ أنَّني شاهدتُها في لبنانَ فعلاً وواقعاً ، حيث تحوَّلت أجهزةُ البيجر إلى قنابلَ تحرقُ آلافَ الشَّباب ، أو تُعطِّل حياتَهم إمَّا ببترِ الأعضاء وإمَّا بالعمى ، وأنا هنا أغبِطُ مَن يُصابُ بالعمى حتى لا يرى القادم من أشكالِ الحرقِ ، وتحوُّلات الهولوكوست .
والأمرُ اللافتُ للنَّظر أنَّ العالمَ بلا نظر ، كأنَّه وُلِد أكمه ؛ فحين أصغيتُ إلى ما تمخَّض عن اجتماع مجلس الأمن أمس ، أدركتُ كم هو العالم أعمى ، وكم هو العربيُّ السَّامي الشَّرقي رخيص ، وكم هي الصُّهيونيَّة مُهيمنة ومُسيطرة على عقلِ هذا العالمِ ، وعلى وعيه ، فتظهرُ كأنَّها هي الضَّحية ، ويظهر حزبُ الله ، وحماس ، والمقاومون الضُّعفاء ، الذين لا حول لهم ولا قوَّة هم الجلَّادون والإرهابيُّون والنازيُّون ، وإنَّني على يقين بأنَّ طقوس الهولوكوست التي يُمارسها نتنياهو وجيشه لا تسعى إلى تحقيق الأهداف التي أعلنها ، كتحريرِ الأسرى أو عودة المستوطنين ، وإنَّما وراء الأكمة ما وراءها ، فثمَّة أهدافٌ كان الأجدى بنتنياهو أن يُعلنها دون خداعٍ أو مواربة أو تضليلٍ ، ففي زلَّة لسانٍ له قال : إنَّ هذه الحرب ستُغيِّر المنطقة والعالم .
ويبدو لي أنَّ هذا التغيير آتٍ ، غير أنَّه آتٍ على هيئة محرقةٍ أو هولوكوست الذكاء الاصطناعي ، الذي يتعامل مع العرب كأنَّهم حيوانات صالحةٌ للشِّواء ، ولعلَّني لا أُجانب الصَّواب إذا ما قلتُ إنَّ الحرق والشِّواء هو الفكر الموازي لمعنى (هشوآء) بالعبريَّة .
ألسنا ساميِّين ؟
هامش : ستأتي لحظةٌ يكون فيها احتراقُ فلسطين وغزة ولبنان وووو ... لعبة جديدة من ألعاب الذَّكاء الاصطناعي ، تُولد على أثرها الامبراطوريَّة الإبراهيميَّة .

د.ع /\

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى