علاقتهم بالإسماعيلية - تشيعهم - دعوتهم إلى الإمام المنتظر
يقول كازنوفا المستشرق الفرنسي الكبير ما معناه:
(أنني على أتم الثقة من أراء أخوان الصفا هي برمتها أراء الإسماعيلية. ومحور هذه الآراء هو الاعتقاد بعودة الإمام الذي سوف يملأ الأرض سعادة، وقدر اتهم القرامطة والحشاشون من قبل أعدائهم بالكفر، لكن ليس لهذه التهمة ظل من الحقيقة. فان الرسالة الجامعة، وهي خلاصة هذه الفرق، ليس فيها شيء من ذلك. فمذهبالإسماعيليةوما تفرع منه هي في اصلها بريئة من كل ما نسب أليها، واكرر القول هنا بأن النزعة التي تسود أراءالإسماعيليةهي الاعتقاد بوحدة الكون (البانتيزم). وهو مذهب يقاوم الإلحاد وإنكار الخالق مقاومة عنيفة.
(والنتيجة التي انتهيت إليها هي أن هذه المذاهب هي مثل من أمثلة التاريخ التي تبين كيف أن المذهب يكون نقياً، ولكن في أيدي ذوي الأطماع يصبح آلة للفتك والتدمير) (نيكلسن ص371)
نقلنا هذه القطعة عن المستشرق الفرنسي لكي نبين أننا لا نسيء إلى إخوان الصفا إذ نسبهم إلىالإسماعيلية، ولكن ما هي طبيعة هذه النسبة وما هو مقدارها؟ هذا ما يجيب عنه اولياري بقوله (هناك ما يغري بالظن أن حركة الإخوان حركة إصلاح من جانب بعضالإسماعيليةالذين أرادوا الرجوع إلى تعاليمالإسماعيلية القديمة) وأل ما يلحظ من أوجه الشبه بين الإسماعيلية وإخوان الصفا الأسلوب الذي جروا عليه في نشر دعوتهم والدعاية لمذهبهم وهو أسلوبالإسماعيلية المعهود - أسلوب التدرج في بث الفكرة والتلطف في عرضها على الناس. فأخوان الصفا كل الإسماعيليةيوصون (بأنه ينبغي لمن حصلت له هذه الرسائل من إخواننا الكرام أن يدفع منها إلى كل من يستحق ما يقرب من فهمه، وما يعلم انه يصلح له أو يليق بمرتبته أولا فأولا. فكلما ارتفعت نفسه في العالم إلى درجة درجة وانتهت إلى مرتبة في المعرفة رقي إلى ما بعدها ورفع إلى ما يتلوها (ج 4 ص288).
ومن أبوب التشابه بين الجماعتين اتفاقهما اتفاقا كليا في مذهب الحلول. فهو في رسائل الإخوان كما في تعاليمالإسماعيليةالمحور الذي تدور حوله هذه الرسائل والتعاليم.
ووجه آخر من اوجه التشابه هو تفسير القرآن تفسيرا غير ما يدل عليه ظاهر اللفظ. وهذا الأسلوب هو أسلوب الباطن الذي جرى عليه الشيعة ومن تفرع منهم. واليك ما يقوله إخوان الصفا في هذا الشان: -
(واعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهي الألفاظ المقروءة المسموعة، ولكن لها تأويلات خفية باطنة: وهي المعاني المفهومة المعقولة. . . وفي استعمال أحكامها الظاهرة صلاح للمستعجلين في دنياهم، وفي معرفتهم أسرارها الخفية صلاح لهم في أمر معادهم.) (ج4 ص189).
هذه بعض اوجه الشبه بينالإسماعيليةوإخوان الصفا من حيث المعتقد وطرائق النشر والدعاية. على أن ثمة وجهين آخرين للشبه بينهما: هما التشيع لآل البيت والدعوة إلى الإمام المنتظر أو المهدي. أما أمر التشييع فظاهر من قولهم: -
(ومن الناس طائفة ينسبون إلينا أجسادهم وهم براء منا ويسمون أنفسهم العلوية وما هم من العلويين، ولكنهم في اسفل السافلين لا يعرفون من امرنا إلا نسبة الاجساد، ولا من القرآن إلا اسمه، ولا من الإسلام إلا رسمه (ج4 ص195). وهم لا يذكرون الإمام إلا مقرونا بأفخم النعوت كقولهم (وأيضا من الآراء الفاسدة رأي من يرى أن بارئه وألهه روح القدس قتله اليهود. . وهكذا أيضا حكم من يرى ويعتقد أن الإمام المنظر الفاضل الهادي مختف لا يظهر من خوف المخالفين) (ج4 ص76 - 87).
ومثله قولهم: (واعلم يا أخي أن أقوى ما يكون فعل إبليس في دور الشهر (دور الشهر في مصطلحات الشيعة هو الزمن الذي لا يكون فيه إمام. وهو الفترة بين الإمام الواحد والذي يليه). وذلك لأن حجة الله على أرضه وخليفته على عباده يكون مختفيا مستوراً، وأن كانتأنواره تضيء في نفوس العارفين به) (ج4 ص355).
ما تقدم لا يدع مجالا للشك في تشيع إخوان الصفا وإيمانهم بالإمام المنتظر. ولكن لنا أن نسأل هل وقف إخوان الصفا عند حد النظر من الإيمان بالإمام المنتظر أو هم تخطوا ذلك إلى بث الدعوة له والتعريف به؟ نعتقد أن في القطعة التالية إيضاحا لذلك وذلك حيث يقولون: -
(وقد أخذناك أيها الأخ لأمر فيه قربة إلى الله تعالى ونصرة للدين. فكن واثقاً بما اخترناك، وسر على بركة الله وحسن توفيقه، متوكلا عليه في نصرته وتأييده إلى أخ من إخواننا الفضلاء، وتلطف في الوصول إليه وبشره بما ألقيناه من الأسرار في شأنه.: وعرفه بان إخوانه الذين وجهوك إليه لهم مجلس يجتمعون فيه يتذاكرون العلوم ويتحاورون الأسرار. فتذاكروا يوماً فيما بينهم من حوادث الأيام وتغييرات الزمان وما تدل عليه دلائل القرآن من تغيير شرائع الدين والملل، وتنقل الملك والدول، من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد، ومن أهل بيت إلى أهل بيت وقد اعتبرنا بهذه الوجوه التي ذكرناها حتى عرفنا (صاحب الأمر) بصفاته والسنة والشهر الذي يكون فيه الحادث (ج4 ص224 - 25).
ما تقدم لا يدع مجالا للريب في أغراض إخوان الصفا السياسية، وهي نشر الدعوة وأعداد الأفكار لظهور أحد المهديين.
مجلة الرسالة - العدد 40
بتاريخ: 09 - 04 - 1934
يقول كازنوفا المستشرق الفرنسي الكبير ما معناه:
(أنني على أتم الثقة من أراء أخوان الصفا هي برمتها أراء الإسماعيلية. ومحور هذه الآراء هو الاعتقاد بعودة الإمام الذي سوف يملأ الأرض سعادة، وقدر اتهم القرامطة والحشاشون من قبل أعدائهم بالكفر، لكن ليس لهذه التهمة ظل من الحقيقة. فان الرسالة الجامعة، وهي خلاصة هذه الفرق، ليس فيها شيء من ذلك. فمذهبالإسماعيليةوما تفرع منه هي في اصلها بريئة من كل ما نسب أليها، واكرر القول هنا بأن النزعة التي تسود أراءالإسماعيليةهي الاعتقاد بوحدة الكون (البانتيزم). وهو مذهب يقاوم الإلحاد وإنكار الخالق مقاومة عنيفة.
(والنتيجة التي انتهيت إليها هي أن هذه المذاهب هي مثل من أمثلة التاريخ التي تبين كيف أن المذهب يكون نقياً، ولكن في أيدي ذوي الأطماع يصبح آلة للفتك والتدمير) (نيكلسن ص371)
نقلنا هذه القطعة عن المستشرق الفرنسي لكي نبين أننا لا نسيء إلى إخوان الصفا إذ نسبهم إلىالإسماعيلية، ولكن ما هي طبيعة هذه النسبة وما هو مقدارها؟ هذا ما يجيب عنه اولياري بقوله (هناك ما يغري بالظن أن حركة الإخوان حركة إصلاح من جانب بعضالإسماعيليةالذين أرادوا الرجوع إلى تعاليمالإسماعيلية القديمة) وأل ما يلحظ من أوجه الشبه بين الإسماعيلية وإخوان الصفا الأسلوب الذي جروا عليه في نشر دعوتهم والدعاية لمذهبهم وهو أسلوبالإسماعيلية المعهود - أسلوب التدرج في بث الفكرة والتلطف في عرضها على الناس. فأخوان الصفا كل الإسماعيليةيوصون (بأنه ينبغي لمن حصلت له هذه الرسائل من إخواننا الكرام أن يدفع منها إلى كل من يستحق ما يقرب من فهمه، وما يعلم انه يصلح له أو يليق بمرتبته أولا فأولا. فكلما ارتفعت نفسه في العالم إلى درجة درجة وانتهت إلى مرتبة في المعرفة رقي إلى ما بعدها ورفع إلى ما يتلوها (ج 4 ص288).
ومن أبوب التشابه بين الجماعتين اتفاقهما اتفاقا كليا في مذهب الحلول. فهو في رسائل الإخوان كما في تعاليمالإسماعيليةالمحور الذي تدور حوله هذه الرسائل والتعاليم.
ووجه آخر من اوجه التشابه هو تفسير القرآن تفسيرا غير ما يدل عليه ظاهر اللفظ. وهذا الأسلوب هو أسلوب الباطن الذي جرى عليه الشيعة ومن تفرع منهم. واليك ما يقوله إخوان الصفا في هذا الشان: -
(واعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهي الألفاظ المقروءة المسموعة، ولكن لها تأويلات خفية باطنة: وهي المعاني المفهومة المعقولة. . . وفي استعمال أحكامها الظاهرة صلاح للمستعجلين في دنياهم، وفي معرفتهم أسرارها الخفية صلاح لهم في أمر معادهم.) (ج4 ص189).
هذه بعض اوجه الشبه بينالإسماعيليةوإخوان الصفا من حيث المعتقد وطرائق النشر والدعاية. على أن ثمة وجهين آخرين للشبه بينهما: هما التشيع لآل البيت والدعوة إلى الإمام المنتظر أو المهدي. أما أمر التشييع فظاهر من قولهم: -
(ومن الناس طائفة ينسبون إلينا أجسادهم وهم براء منا ويسمون أنفسهم العلوية وما هم من العلويين، ولكنهم في اسفل السافلين لا يعرفون من امرنا إلا نسبة الاجساد، ولا من القرآن إلا اسمه، ولا من الإسلام إلا رسمه (ج4 ص195). وهم لا يذكرون الإمام إلا مقرونا بأفخم النعوت كقولهم (وأيضا من الآراء الفاسدة رأي من يرى أن بارئه وألهه روح القدس قتله اليهود. . وهكذا أيضا حكم من يرى ويعتقد أن الإمام المنظر الفاضل الهادي مختف لا يظهر من خوف المخالفين) (ج4 ص76 - 87).
ومثله قولهم: (واعلم يا أخي أن أقوى ما يكون فعل إبليس في دور الشهر (دور الشهر في مصطلحات الشيعة هو الزمن الذي لا يكون فيه إمام. وهو الفترة بين الإمام الواحد والذي يليه). وذلك لأن حجة الله على أرضه وخليفته على عباده يكون مختفيا مستوراً، وأن كانتأنواره تضيء في نفوس العارفين به) (ج4 ص355).
ما تقدم لا يدع مجالا للشك في تشيع إخوان الصفا وإيمانهم بالإمام المنتظر. ولكن لنا أن نسأل هل وقف إخوان الصفا عند حد النظر من الإيمان بالإمام المنتظر أو هم تخطوا ذلك إلى بث الدعوة له والتعريف به؟ نعتقد أن في القطعة التالية إيضاحا لذلك وذلك حيث يقولون: -
(وقد أخذناك أيها الأخ لأمر فيه قربة إلى الله تعالى ونصرة للدين. فكن واثقاً بما اخترناك، وسر على بركة الله وحسن توفيقه، متوكلا عليه في نصرته وتأييده إلى أخ من إخواننا الفضلاء، وتلطف في الوصول إليه وبشره بما ألقيناه من الأسرار في شأنه.: وعرفه بان إخوانه الذين وجهوك إليه لهم مجلس يجتمعون فيه يتذاكرون العلوم ويتحاورون الأسرار. فتذاكروا يوماً فيما بينهم من حوادث الأيام وتغييرات الزمان وما تدل عليه دلائل القرآن من تغيير شرائع الدين والملل، وتنقل الملك والدول، من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد، ومن أهل بيت إلى أهل بيت وقد اعتبرنا بهذه الوجوه التي ذكرناها حتى عرفنا (صاحب الأمر) بصفاته والسنة والشهر الذي يكون فيه الحادث (ج4 ص224 - 25).
ما تقدم لا يدع مجالا للريب في أغراض إخوان الصفا السياسية، وهي نشر الدعوة وأعداد الأفكار لظهور أحد المهديين.
مجلة الرسالة - العدد 40
بتاريخ: 09 - 04 - 1934