علاء اللامي - تراثيات.. ثلاث نساء ومآثر تاريخية كثيرة

أم خالد القسري: أم الوالي الأموي المسيحية تحذره من سفك دماء المسلمين!
لم يصلنا اسمها، وخالد ابنها هو حاكم بني أمية على اليمن ثم على العراقين "الكوفة والبصرة"، وكان جلادا بطاشا دمويا يبز الحجاج الثقفي في وحشيته. من جرائمه انه قبض على التابعي سعيد بن جبير في مكة وأرسله مخفورا الى الحجاج فقتله، و ذبح بيده العالم والفيلسوف المسلم الجعد بن درهم (صاحب نظرية نفى الصفات عن الذات الإلهية)، ذبحه تحت منبر المسجد الجامع في البصرة يوم عيد الأضحى. وعنه، قال الفقيه السني الحنفي محمد زاهدي الكوثري من أهل القرن الثاني عشر الهجري إن (خالد القسري وصمة عار في تاريخ الإسلام)، ومع ذلك فعلماء الوهابية المعاصرون يترحمون عليه ويعتبرونه بطلا (من أبطال الإسلام) ولهم العديد من الفيديوهات في ذلك و تميز بين الباحثيين الإسلاميين الباحث المنصف د. عدنان إبراهيم فاعتبره مجرما شريرا / تجد رابط فيديو د. إبراهيم في خانة أول تعليق.
أرسل القسري رسالة إلى أمه - وكانت قد ظلت على دينها - يدعوها فيها إلى الإسلام، فردت عليه برسالة ترفض فيها دعوته، وتحذره من سفك الدماء الذي يقوم به لأنه أعظم من أي جريمة أخرى، و ختمت رسالتها بقولها (اعلم يا بني، أنني قرأت في كتاب الله - تقصد الإنجيل – أنه من عمل كبيرة (جريمة كبيرة كالقتل) اسود ثلث قلبه ، فإن عاد - إلى الكبيرة- اسود ثلثا قلبه ، فإن عاد - ثالثة - اسود قلبه كله. ومن عمل الشيء وهو يراه حسناً فقد خاس ( تغير و فسد ونتن ). واعلم يا بني أن كل ذنب مع الدم إمم) و"إمم = شيء تافه لا يكاد يذكر، تعني أن كل ذنب قياسا إلى القتل وسفك الدم شيء يسير ولا يكاد يذكر.
وتخبرنا مصادر التراث أن خالد القسري انتهى نهاية دموية تليق به، فقد حبسه خليفته الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد أن أمر بضربه وتعذيبه، وتورد المصادر لذلك سببين محتملين. الأول هو أن ابن خالد كان قد التحق بالخوارج " الشراة" ولم يستطع منعه، والثاني هو أن القسري كان قد بدد أو سرق من أموال الخراج ما قيمته ألف ألف (أي مليون بلغة ذلك العصر، ولم يحددوا إن كانت من الدرهم أو الدنانير وأرجح الدراهم) وكان عاجزا عن تسديدها لخليفته، ثم باع الخليفة الأموي واليه السجين – خالد القسري - إلى يوسف بن عمر الثقفي ابن عم الحجاج، والبعض يخطئ فيحسبه أباه ، و هو مجرم بطاش كابن عمه، باعه له بمبلغ طائل قدرته بعض المصادر بخمسة ملايين درهم (وهي أول حادثة يباع فيها أسير أو سجين من العرب كما قال القسري نفسه للخليفة مستعطفا)، فأخذه يوسف الثقفي إلى الكوفة وعذبه حتى الموت ثم دفنه في مكان مجهول فيما يبدو انه ناتج عن ثأر قبلي أو تنافس على الحكم بين المجرمَين.
في خانة أول تعليق ثمة رابط لفيديو يتكلم فيه الباحث الإسلامي المنصف د.عدنان ابارهيم عن الجعد بن درهم ومأساة قتله من قبل حاكم بني أمية خالد القسري. فصول عن المرأة ص 90 / هادي العلوي ، ومصادر تراثية أخرى.
أروى الحرة الصليحية:
هي أروى بنت أحمد الصليحي ولدت في مدينة خزار في اليمن، زوجة المكرم الصليحي، حاكم الدولة الاسماعيلية في اليمن والتي نالت رضا الدولة الفاطمية في مصر في زمن المستنصر بالله الفاطمي الذي أقرها على حكمها للبلاد. أصيب زوجها المكرم بالفالج وأصبح عاجزا عن الحركة، فاستمرت تحكم وتدير الدولة في الحرب والسلام بدلا منه، و بعد وفاته خلفه على الحكم ابن عمه سبأ بن أحمد فاستمرت تحكم باسمه، وحاول الخليفة المستنصر بالله الفاطمي التقريب و الربط بين الحرة وسبأ فطلب منهما أن تزوجا ففعلا. وحين توفي سبأ اتخذت الحرة من منطقة ذو جبلة الحصينة عاصمة ومركزا لحكمها و استولت على عدة ولايات و مناطق واسعة من البلاد واستمرت في الحكم و كانت تدير اجتماعات مجلس يضم الوزراء والمستشارين، و كان خطباء الجمعة يخبطون باسمها بعد ذكر الخليفة الفاطمي والحاكم الصليحي المكرم وسبأ من بعده، فيقول الخطيب (اللهم أدم أيام الحرة الكاملة السيدة كافلة المؤمنين). لقبت الحرة ببلقيس الصغرى – تيمنا ببلقيس ملكة سبأ القديمة – واختلفت مع نجيب الدول الموفد من الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي فساندها الناس وجهاء وزعماء البلاد كافة فعاد نجيب الدولة الى مصر بسفينته وغرقت فيه فمات بها. دام حكم أروى الحرة أربعين عاما وتوفيت وهي في السادسة والثمانين، سنة 569 هجرية/ 1138وتعتبر صاحبة أطول فترة حكم رأسته امرأة بعد الملكة البريطانية فيكتوريا. وبوفاتها طويت صفحة الدولة الصليحية الاسماعيلية الفاطمية في اليمن لعدم وجود من يملأ مكانها من بين الأمراء الذكور في الأسرة الحاكمة. دفنت في مسجد يحمل اسمها في منطقة ذو جبلة و قد أصبح مزارا لعامة الناس في عصرنا.
كلمة إنصاف بحق هند بنت عتبة أم معاوية:
كمؤرخ وباحث يحترم نفسه وقارئه، دأب الراحل هادي العلوي على أن يقول ويكتب ما قد يتحرج البعض منه لاصطدامه بالسائد الأكاديمي أو الإعلامي الديني والطائفي . ومن ذلك الذي قد يفاجئ البعض ملاحظته التاريخية المنصفة حول شخصية هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية – السفيانية.
فهند بنت عتبة ذات صفحة سوداء في عموم التراث الإسلامي - وهي تستأهل ذلك من وجهة النظر المعيارية الأخلاقية لا من وجهة النظر البحثية المحايدة - بعد ان التصقت بها جريمتها بحق الشهيد حمزة عم النبي، وبفعل أمومتها لمعاوية وابنه يزيد. ولكنها وبخلاف ما ترسخ في الرأي العام العربي الإسلامي المعادي لبني أمية قديما وحديثا، ولعموم التراث الإسلامي في الكتابات الإستشراقية و اللبرالية المتغربنة حديثا، لم تكن هند بنت عتبة مجرد امرأة عاهرة وبليدة كما يقول أعداؤها التقليديون وبعض الباحثين المستشرقين بل كانت صانعة ملوك كبار بمقاييس التاريخ.
في هذا الصدد يكتب أبو الحسن العلوي بهذا الصدد (لما توفي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهو يقود أحد جيوش الفتح جاء المعزون إلى أمه هند بنت عتبة فقال لها أحدهم: إنا لنرجو أن يكون لمعاوية خلفا منه. فقالت: وهل مثل معاوية يكون خلفاً من أحد؟ والله، لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أيها شاء (وتعني أنه قائد عظيم في عينيها، و لو رمي في ما يشبه كيس اليانصيب وقد جمعت فيه العرب كلها لخرج هو أولا من أيها يشاء. ع ل).
وقيل لها: إن عاش معاوية – وأرجح ان المقصود حين كان طفلا - لساد قومه. فقالت لهم: ثكلتهُ إن لم يسد إلا قومه!)، ويضيف العلوي (هذا يعني أن هنداً كانت تعد ابنها ليحكم العالم – وليس العرب المسلمين فقط. ع ل-! وهذه ليست طموحات عاهرة كالتي تحدث عنها سلمان رشدي في آياته شيطانية).صفحات عن المرأة ص 89 / هادي العلوي ومصادر تراثية أخرى.





* عن العالم الجديد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى