مصطفى فودة - قراءة فى رواية "الستات" للكاتب الأستاذ مصطفى نصر...

يطالعنا غلاف رواية الستات بتصميم طارق راضى على رسم نصفى لامرأة من الخلف وكلمة ستات مرسومة بحدود جسمها الخارجى، وترتدى حذاءً بكعب عالٍ وبنعل أحمر من أسفل وتسير المرأة بطريقة مغرية وبجوارها سيارة خضراء وخلفية من اللون الوردى والأخضر، ويعطى الغلاف إنطباعا بإغراء الأنوثة وتطلعها إلى الغنى والثراء، كما يشير العنوان الستات إلى إقبالنا على عالم النساء وحكاياته وهذا بالفعل ما عبرت عنه الرواية ، وقد صدرت عام 2020 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى مئة وسبع وستين صفحة .
تقوم الرواية على بنية توالد الحكايات وتداخلها على طريقة ألف ليلة وليلة مع تعدد شخصياتها الكثيرة والتى قد تثقل أسماءهم الكثيرة ذاكرة القارئ .
تنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام القسم الأول هو بنات فردوس وتشغل أكثر من تلثى الرواية 96 صفحة ،والقسم الثانى بيت ليلى عزيز36 صفحة ،والقسم الثالث بيت انشراح 35 صفحة ، يتناول القسم الأول حكايات بنات فردوس وهن إخلاص وخيرية وصبرية وصعودهن من الفقر إلى الغنى والثروة مع تفاوت حظوظهن، حيث تبدأ الرواية ببداية موفقة وبأسلوب مشهدى بديع "تخرج خيرية من بيتها القصير، تصعد الدرجتين المصنوعتين من الطوب الجيرى لتصل إلى أرض الحارة، تتبعها أختها صبرية تسيران حتى الجبل الترابى الذى يعلوالحارة ... تخرجان من بيتهما القصير المتهالك، وتصعدان فوق الجبل الترابى، لمنطقة أكثر رقيًا، يتابعونهما بنهم واهتمام ، يندهشان لأن كل هذا الجمال يسكن فى بيتهما القصير المتهالك" ص6 وهى بداية فنية موفقة تصور فقرهما وجمالهما بإيجاز ودون كلمات مسهبة، كما تشير إلى صعودهما فيما بعد من الفقر إلى الثراء والثروة، وبالفعل صعدت خيرية من موظفة صغيرة فى"بيوت الأزياء الراقية"ثم موظفة مهمة بشركة الورق وأصبحت ثرية بفضل زواجها من نائب مدير الشركة والذى يعمل أيضا مع مقاول كبير، ورغم زواجها ظل حبها الجنونى لعبد القادر لاعب كرة قدم وقد حاولت الزواج منه من قبل دون جدوى، كما صعدت صبرية من عاملة فى محل بيع حقائب السيدات وكانت مغرمة بالرقص إلى أن أصبحت أهم راقصة فى مصر باسم صابرين وقد نافست الراقصة نجوى فؤاد كما رقصت فى كثير من الأفلام السينمائية، عن طريق شخصية كمال الذى لعب فى حياتها دورا كبيرًا فى وصولها إلى الشهرة والثراء الكبير، أما إخلاص فكانت أقلهن حظًا إذ تزوجت وأنجبت طفلين ثم طلقت من زوجها بعد محاولة تسميمه بعد زواجه من أخرى ولفقرها اضطرت لعرض نفسها لطالبى المتعة، ثم عاشت بطفليها مع أختها صبرية الراقصة المشهورة وفى خدمتها لتصرف على ولديها .
وتناول القسم الثانى بيت "ليلى عزيز" وتعمل سكرتيرة لرئيس شركة الورق وزميلة خيرية ونجوى بمدرسة (الطائفة الإسرائيلية) واللاتى تعلمن فيها وأجدن اللغة الفرنسية التى فتحت لهن أفاقا كبيرة للعمل، وقد تنافست ليلى وخيرية فى حب اللاعب عبد القادر صديق أخيها وزميله فى النادى واستطاعت ليلى لجذبه إليها تعيينه معها بشركة الورق كمشرف على الفرق الرياضية ثم ألغى عقده فيما بعد عند تعيين رئيس شركة جديد
وتناول القسم الثالث بيت انشراح وابنتها البيضة والأخوان محمد ومحمود وهما تاجران للورق اغتنيا فى أزمة الحرب العالمية الثانية وقد اشتريا بيتا رغم مشاكسة سكانه وخاصة انشراح التى اشتهرت بالشراسة والمشاكسة، وذلك لإعجاب محمد بالبيضة ابنة انشراح وقد تزوج منها عن طريق سميرة وقد أثرت مشاكسة أمها على علاقتهما فترك لها البيت وبمشورة من سميرة أيضا تزوج من أخت زوجة أخيه، فاضطرت البيضة زوجته الاولى للعودة إليه مرة أخرى طائعة له بابنها منه، وقد انتقمت انشراح بمساعدة ابنتيها من سميرة "بوضع الشطة فى أحشائها"حفاظا على صورتها ومكانتها فى المنطقة وحتى لا يتجرأ عليها أحد.
تناولت الرواية خطًا سرديًا آخر بالقسم الأول من الرواية عن علاقة المصريين بالمغاربة مثل الحاج التونسى صاحب عمارة قريبة من شارع التويج الذى استقبل الحبيب بورقيبة أثناء لجوئه لمصر وطرد الفرنسيين له وما تفرع عنها من حكاية فاطمة الشيخ الممرضة وعلاقتها ب"عبد ربه الفوَّال"رئيس دولة معزول أثناء علاجه بالمستشفى وتعرض وجهها للتشويه وفقدت إحدى عينيها أثناء تواجدها معه بسيارته أثناء محاولة إغتياله حيث نجا هو وسائقه بالقفز من السيارة ، كذلك تناولت الرواية علاقة اليهود بالمصريين فى ذلك الوقت مثل يعقوب وزوجته سارة اللذين لم ينجبا فتبنيا نجوى التى هاجر أهلها إلى إسرائيل وتركوها لهما فربياها حتى كبرت وقد عزما على تزويجها من سيد عامل عنده وكتب لها الشقة وله المحل قبل سفرهما إلى كندا عقب ثورة يوليو ولكنها رفضته فى أول الأمر لحبها لفهمى شقيق صديقتها خيرية إلا أنها وافقت أخيرا على الزواج من سيد الذى حول الدكان إلى مطعم سمك كبير بالأسكندرية، كذلك شخصية الخواجة ينى الذى يعتير نفسه مصريا ويضيق بلقب الخواجة فيقول"أنا مصرى مثلكم، لا داعى لكلمة خواجة "ص91 وقد أصيب بحالة إكتئاب حادة وبكاء عقب هزيمة 67 ثم أراد الدخول فى الإسلام إلا أنه مات قبل ذلك ، ويعمل ينى موزع سجائر لدى فيكتور اليهودى صاحب مصنع كينا وصاحب توكيل بيع السجائر فى حى بحرى وابنه نيقولا الذى رفضت نجوى الزواج منه وهى حكايات تبين علاقة اليهود المقيمين بمصر وبالمصريين قبل الثورة وبعدها بقليل حتى تأزمها عقب العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956، وقد تناول الكاتب هذه العلاقة بتوسع كبير فى روايته يهود الإسكندرية .
هناك شخصيات عميقة ودرامية بالرواية مثل شخصية صبرية التى أصبحت راقصة مشهورة وأختها خيرية وزميلتها ليلى عزيز ونجوى المتبناة من اليهودى وشخصية فاطمة الشيخ وعلاقتها برئيس دولة معزول والتى انتهت بالتشويه وشخصية سيد الموظف الصغير والذى انتهى مديرا كبيرا بشركة الورق وعلاقاته النسائية المتعددة وانتهت حياته أثناء سيره بالشارع، كذلك شخصية سميرة التى" يزعمون أنها شبقة ولا تشبع ولا ترتوى"ص53 وقد تزوجت من المعلم متولى العملاق ثم تسببت بشبقها فى مرضه وإيداعه المستشفى"لقد أمرضت زوجها الذى كان أقوى من الثوروأودعته المستشفى"ص52 ، ثم أقامت علاقة جنسية مع حسن بن فردوس صبى زوجها فى المحل حتى مرض وأودع المستشفى أيضا، ثم مع الخواجة ينى حتى وفاته بسب إفراطه فى العلاقة معها حسبما قرر الطبيب التركى ،كان لسميرة علاقات كثيرة بأسر أهل بحرى فهى تطوف عليهم بحقيبتها الجلدية السوداء لتزويق النساء وجلى شعر وجوههن وأجسادهن ، كما تقوم بالسعى والتوفيق بين النساء والرجال للزواج فى مقابل هبات مالية وهدايا ، فقد توسطت فى زواج البيضة ومشترى البيت التى تقيم فيه ، وعندما ساءت العلاقة بينهما أشارت بزواجه من أخت زوجة شقيقه وقد إنتقمت منها انشراح بمساعدة ابنتيها بوضع الشطة فى أحشائها .
استخدم الكاتب ألقابا مع أسماء بعض الشخصيات لوصفها بطريقة مكثفة وموجزة مثل "خميس بقرة" زوج انشراح لوصف ضعف شخصيته وإنسياقه لزوجته، وابنتها البيضة وذلك لبياضها وجمالها ،"فاطمة الشيخ" لأن أبيها كان يقرأ القرآن فى المدافن على الموتى ، كما وظف أيضا بعض الصفات الخارجية للشخصية للتعبيرعنها مثل انشراح الطويلة العريضة التى عبرت عن قوتها وسيطرتها ، كذلك وصف المعلم متولى بأنه "عملاق وجهه ممتلئ، وجسده عريض، وطوله باسق"ص50 للتعبير عن قوته الجسمانية والجنسية ، كما تناولت الرواية بعض المظاهرالشعبية مثل الزار وربط الرجال والعفاريت والجن ومزاعم اتصالهم بالبشر وغيرها من الخرافات الشعبية المنتشرة فى البيئة الشعبية كما تناولت بعض الأمثال الشعبية .
التزم الكاتب باللغة العربية الفصحى المبسطة فى السرد، وكان الحوار أكثره بالفصحى المبسطة وكان موفقا فى ذلك، وجاءت بعض الحوارات القليلة باللهحة العامية وقد كانت رشيقة مثل :
- خليكوا شاهدين يا جماعة . ص137
- فوتى فى الأول على أختك نبوية وزوجها حسنى" 138
- البيت خايخ وآيل للسقوط . ص139
- الحق يا فهمى أخيك . ص58
غير أن بعض الحوارات باللغة العربية الفصحى كانت غير موفقة لاستخدام الكاتب صيغة القسم بالفصحى فكانت ثقيلة وغير مناسبة على لسان الشخصية مثل صاحت خيرية : هذا ماكنت أخشاه، سميرة أضاعت زوجها، والدور على أخينا حسن، والله لأضربنها فى الحارة وأفضحنها "ص58
كما كان استخدام صيغة المثنى بالفصحى فى الحوار غريبا وغير معهود به مثل
- قال متولى لزوجته : لا تنزلى فسوف يضربانك .
- صدقانى لا شأن لى بما حدث لأخيكما .ص59
، وكان من الأفضل استخدام اللغة الفصحى اليسيرة التى أطلق عليها توفيق الحكيم اللغة الثالثة أو اللهجة العامية فى الحوار خاصة أنه استخدمها برشاقة فى بعض الحوارات فى الرواية، وهى هنات قليلة جدا لا تقلل من فنية وروعة الرواية ومتعتها ، كما تنم عن مقدرة فنية عالية للكاتب .
May be an illustration

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى