تقديم :
الاشتغال على الرواية كجنس أدبي ،يبقى من الناحية النقدية أمرا ليس باليسير ، يظل محفوفا بمجوعة من الاكراهات لعل أهمها ،أنه جنس يقوم على التجريب .ولعل هذا الاخير ما يجعل "عملية النقد كمن يسير على الزجاج " كما عبر على ذلك استاذنا الناقد محمد يوب ذات تدوينة..وهذا التجريب هو ما يضمن لهذا الجنس هامشا كبيرا من الابداعية ،إن على مستوى البناء أو على مستوى التيمات الحاضرة في المتن المدروس.
ولعل" سقوط المرايا "للكاتبة مريم بن بخثة يبقى إنجازا روائيا ذا صبغة متميزة خاصة على مستوى البناء..
في البدء كانت العتبة :
يعتبر العنوان عتبة فارقة في النص الروائي ، ولعل "سقوط المرايا" كعنوان يحيل على سقوط متعدد استنادا الى المضاف اليه (المرايا) الذي جاء بصيغة الجمع ، بمعنى أن سقوطا متكررا سيكون أفقا للرواية .إن التيمات المتداولة في الرواية كانت عنوانا للسقوط إن على المستوى الاخلاقي اوالديني او الاداري اوالعائلي... وبكلمة واحدة إنه سقوط قيميّ تمظهر في اشكال مختلفة ،وإن غلب جانب منها على آخر..
إن الكاتبة افردت لهذا المنجَز الروائي عتبات اخرى من العناوين الفرعية بلغت( 25)عنوانا تتوزّع بين السؤال الذي تمت الاجابة عليه كما في الفصل 14 " من يُلام أنا أم هي أم الأقدار ؟ " (ص90) ، او جاءت على شكل صياغة حكمية تلخص بلغة مكثفة ما ورد في الفصل من أحداث ، وهي في الغالب تبقى منحصرة فيما يرتبط بالذات من تمزّق بين القيمي والعائلي ، إنها بكلمة واحدة عناوين تنحصر بين السؤال المباشر والحكمة المستخلصة من واقع الأحداث.
الملاحظ ان هذه العتبات كانت عناوين لفصول لم تتجاوز الصفحتين او تلاث صفحات في الغالب ،لعل اطولها بلغ 9 صفحات كما في الفصل المعمون ب( حين يمْتلكك الخوف تعلّم ان تصنع لك ملاذا)(ص55) والفصل المعنون ب (كلما ا شعرت بالانكسار عد الى حضنك كي تتقوى)(ص39) الذي بلغ 10صفحات .إن مرد هذا الانتقال السريع من فصل لآخر ، في نظري ، يعود إلى ذلك الضغط النفسي الذي عانته الكاتبة وهي ترصد هذه الاحداث التي تعلن أنهاكانت بمثابة ورطة إذ تقول : "وأجدني مفرغة منهوكة القوى ،وإن كان عقلي وذاكرتي ما زالا محمومين من الانفعال بالأحداث ، ويصرّ عقلي تحليل الاحداث وطرح الاسئلة .اجد نفسي لأول مرة متورّطة في كتابة رواية ، متورطة بكل الاشكال وتضارب الحقائق وتضارب المشاعر ومحاولة ان اصل الى عمق الشخصيات " (ص39)..
إذن الكتابة الابداعية ورطة والقراءة النقدية ورطة مضاعفة...
تشتغل في رواية الكاتبة مريم بن بخثة مجموعة من البني يمكن رصدها كما يلي :
1- بنية السؤال
يحضر السؤال في هذا المنجز الروائي بكثافة، إذ لا يخلو فصل من سيل من الأسئلة الحارقة المرتبطة بمعاناة الذات ممثلة في الشخصيتين الاساسيتين ( سمير و نعيمة) الى جانب الساردة ولعل حضور السؤال بصيغة (هل؟) و (كيف؟)بقوة يفسر ذلك النزوع الى تعليق الجواب في الغالب...
إن عملية احصائية بسيطة قادتني الى رصد 197 سؤالا في رواية تنطلق فعليا من( ص 19)الى( ص 128) اي ما يعادل 109 صفحة ، مما يؤشر حسابيا أن تيمة السؤال كانت مهيمنة بقوة يحرّكها الذاتي متداخلا بالاخلاقي وبالديني وبالعائلي و بالأدبي ، لأن سؤال الكتابة كان حاضرا بقوة في بداية الرواية في الفصل الاول المعنون ب (الحبل السري) او في الفصل الرابع المعنون ب (غواية)، حيث نجد الكاتبة تشرك شخوصها في الاحداث التي تعيشها ، وكيف أنها احيانا تتماهى معها او تحاكمها .تقول : "وجدتني كل يوم اتقمّص شخصية كل بطل في الرواية للمحاولة ترجمة إحساسه وشعوره وحتى دوافعه..من بداية الحكاية كنت ادين نعيمة واعتبرها قد تعمّدت رحيلها ،إلا أن سمير يرفض ان يعتقدها كذلك ..هكذا كان ردّه " (ص39).
إن الكاتبة تشرك ،بهذا التوجه الكتابيّ، قارئها في فعل الكتابة او لنقل محنة الكتابة .
2- بنية الفضاء
يشتغل الفضاء في "سقوط المرايا" بشكل ثنائي بين المغرب ومصر وبينهما كان الفضاء الازرق دافعا الى انكتاب الرواية وولادة حياة زوجية بين سمير المصري وبين نعيمة المغربية.
فمصر هي ارض الانطلاق ،تعرفنا عليها من خلال سمير وهو يرصد جوانب من الحياة المصرية وبعض الاماكن المهمة في القاهرة ، وهو يعقد مقارنة بينها وبين الدار البيضاء هذا الفضاء الذي كان عابرا في النص ، لكن فضاءين سيلعبان دورا محوريا في النص، جرادة التي وصفت على لسان نعيمة : " أنت التي صنعت مومياء بجسد بشري حي ، لكن لا يملك شيئا سوى هذا الهواء الممزوج برائحة فحمك المندس تحت ظلالك "(ص46)، إنها المدينة السجن " تتناسلين لتخلقي جيلا من العبيد" (ص48).
في مقابل هذا المدينة/السجن سيظهر فضاء آخر اساسي في النص هو تزنيت هذه المدينة التي كانت حاضنا لتلك العلاقة بين سمير المصري ونعيمة المغربية ، ولعل تزنيت كانت مجالا للاحتفاء اكتر لان الكاتبة افردت لها قصيدة تحمل ذات العنوان ..ولا ننسى أن هناك فضاءات عابرة كالبيضاء والرباط وابن سليمان لم تعكس بالنسبة الى البطل الا طيبة المغاربة التي جعلته يعتبر المغرب بلده الثاني بامتياز.
3- بنية الزمان
يتحرّك الزمان في "سقوط المرايا" بين تاريخين محدّدين بدقة وهما 26 دجنبر2008 و 14 ماي من نفس السنة ، والحصيلة ستة أشهر . هذه المدة هي التي عرفت تناسل الحكايات العائدة الى الماضي ، ماضي عائلة نعيمة والضغط النفسي التي كانت تعيشه ، وكيف تعرفت عبر النت على سمير المصري ، وكيف ستفر من قهر الأخ من جرادة الى تزنيت ،أي أن زمن القصة هو ستة أشهر فيما زمن الحكي امتد عبر حياة الشخصيتين الرئيستين نعيمة وسمير.
4- بنية الشخوص :
تطالعنا "سقوط المرايا" بشخوص بخلفيات متناقضة ، فأحمد شخصية سادية متسلّطة دمّرت حياة كل المحيطين بها سواء ذكورا أو إناثا برغم المستوى المادي والثقافي للعائلة ، فهذا الرجل الابن الثاني ذو الحظوة الخاصة من الابوين وخاصة من أمه ،سيتمكن بقسوة من فرْض سجن كبير على الجميع ،شتت اسراً ؛ إذ تسبب في طلاق الاخت وحرمان ابنيها من حضن والدهما ، وجنون أخت أخرى ، فيما الابن الاكبر عبد الكريم اعتزل الحياة وهام في خلوة دينية قادته الى الإفتاء ، لكن نعيمة تبدو شخصية ثائرة لكنها ظلت حبيسة القلق والخوف بشكل مرضياً مما جعل اختفاءها لغزاً محيراً . أما شخصية سمير فتذكرنا بالأبطال الاسطوريين في شجاعة ناذرة لتخليص المظلوم من ظلمه بتضحية كبيرة كان ثمنها غاليا ، وهو التضحية بالوظيفة والأسرة والأولاد ، لكنه يصطدم بهجر ملغز من نعيمة وبلا وداع .
لعل الخوض في هذا السوط المتوالي لهذه المرايا مرتبط بسقوط مرآة العشق وهو ما عبرت عنه الرواية في اغلب الفصول ، بالنظر الى خيبة الامل التي عاشها سمير بعد تضحيته من اجل انقاذ نعيمة من عذاب اخ ساديّ .مرآة أخرى سقطت وكان ضحيتها سمير ايضا حينما سقطت مرآة الصداقة وهو يعيش فشلا ذريعا لمشروع الشراكة مع اصدقائه رغم تحذير والده من ضرورة الفصل بين الصداقة والتجارة.
الى جانب هذا السقوط الشخصي رصدت الرواية سقوطا ترتدي لبوس عاما ،يتمثل في سقوط مرآة الادارة وهي تعيش على الرشوة كما ورد في (ص71)" ادهن السير يسير. كانت وسيلة الابتزاز هي غايتهم ونفض جيوبي ، حتى فهمت أن حالنا نحن العرب متشابه لا يتغيّر في اي مكان والفساد مستشر في هياكلنا الادارية حتى النخاع ".
ويأتي الدور على سقوط مرآة العائلة والعرف والدين بالنظر الى التحكم اللإنساني الذي تعيشه بعض الاسر بحكم العرف الذي يعطي للذكر سلطة مطلقة في تدبير حياة الآخرين خصوصا الاناث منهم..
سقوط آخر تجرنا اليه الرواية وهو سقوط سورة المدينة في حايتنا ، المدينة بتناقضاتها حتى لكأنها تصبح سجنا :"استغربت حينها كيف نقفل علينا داخل مدن ونظن انها محور الكون كلّه، تسكننا مدننا وتعلمنا أن لا ننظر الى غيرها ،أو أننا نحن من نعتقل انفسنا داخلها خوفا من الخروج كالجنين الملتصق بمشيمة رحم أمه لا يودّ مغادرتها " (ص53).
هذا السقوط كان مبطّنا بمسحة نقدية ولردت في رسائل وجهتها نعيمة الى من يهمه الامر :
-الى الاخ :" بلا وداع أرحل لأنه في شرعك لا حقّ لنا بالخروج عن سربك ، عن طوعك ،لأنك لا تجيد إلا لغة السوط ، هذا السوط الذي حفر تاريخه على جسدي .أنا الان حرّة ، كما كنت أحب ، حرّة كما أرادني الله " (ص49).
-الى الاخت رشيدة :"رشيدة أوقفي هاتفك ودعيني بسلام ن اتركيني اتحرر من القيود التي أنت مكبلة بها...لن أحدو حدوك ،لن استسلم وأعود الى الزنزانة .. " ( ص59 ).
-إلى الام : " انا راحلة يا امي بلا وداع ، لأنك كنت ستعيدينني الى سجن وسجان صنعتهما بيدك كآلهة الجاهلية وصرت تتعبدين في محرابه " (ص49).
-إلى الاخ المتديّن : " هل سنة الحياة وما تعلمته من الدين يلزمك ان تنزوي ولا تبادر حتى بالنصح والتوجيه ؟غريب امرك أخي أين أنت من الدين وأين نحن من كوننا مسلمين .. شتّان بين ادعاء الدين والاعتقاد شتّان أخي " (ص 49).
بقي أن أشير الى ان اللغة التي استعملتها الكاتبة كانت لغة مشحونة بكمية كبيرة من الانفعالات سواء على مستوى التعبير السردي او الشعري ، اما التعبير العاميّ فقد ورد محتشما بشكل كبير.
وبكلمة واحدة اقول إن الكاتبة مريم بن بخثة قد خلقت في هذا المنجز الروائي في" سقوط المرايا " تصورا ابداعيا جديدا ساءل الممارسة السردية وطرق انكتابها وهي تتجاوب بشكل كبير بينها وبين شخوص روايتها ، بل اكثر من ذلك تدعو الى اشراك القارئ في الاجابة علة مجموعة من الاسئلة المرتبطة بعملية الكتابة ككل.
مصطفى امزارى
الاشتغال على الرواية كجنس أدبي ،يبقى من الناحية النقدية أمرا ليس باليسير ، يظل محفوفا بمجوعة من الاكراهات لعل أهمها ،أنه جنس يقوم على التجريب .ولعل هذا الاخير ما يجعل "عملية النقد كمن يسير على الزجاج " كما عبر على ذلك استاذنا الناقد محمد يوب ذات تدوينة..وهذا التجريب هو ما يضمن لهذا الجنس هامشا كبيرا من الابداعية ،إن على مستوى البناء أو على مستوى التيمات الحاضرة في المتن المدروس.
ولعل" سقوط المرايا "للكاتبة مريم بن بخثة يبقى إنجازا روائيا ذا صبغة متميزة خاصة على مستوى البناء..
في البدء كانت العتبة :
يعتبر العنوان عتبة فارقة في النص الروائي ، ولعل "سقوط المرايا" كعنوان يحيل على سقوط متعدد استنادا الى المضاف اليه (المرايا) الذي جاء بصيغة الجمع ، بمعنى أن سقوطا متكررا سيكون أفقا للرواية .إن التيمات المتداولة في الرواية كانت عنوانا للسقوط إن على المستوى الاخلاقي اوالديني او الاداري اوالعائلي... وبكلمة واحدة إنه سقوط قيميّ تمظهر في اشكال مختلفة ،وإن غلب جانب منها على آخر..
إن الكاتبة افردت لهذا المنجَز الروائي عتبات اخرى من العناوين الفرعية بلغت( 25)عنوانا تتوزّع بين السؤال الذي تمت الاجابة عليه كما في الفصل 14 " من يُلام أنا أم هي أم الأقدار ؟ " (ص90) ، او جاءت على شكل صياغة حكمية تلخص بلغة مكثفة ما ورد في الفصل من أحداث ، وهي في الغالب تبقى منحصرة فيما يرتبط بالذات من تمزّق بين القيمي والعائلي ، إنها بكلمة واحدة عناوين تنحصر بين السؤال المباشر والحكمة المستخلصة من واقع الأحداث.
الملاحظ ان هذه العتبات كانت عناوين لفصول لم تتجاوز الصفحتين او تلاث صفحات في الغالب ،لعل اطولها بلغ 9 صفحات كما في الفصل المعمون ب( حين يمْتلكك الخوف تعلّم ان تصنع لك ملاذا)(ص55) والفصل المعنون ب (كلما ا شعرت بالانكسار عد الى حضنك كي تتقوى)(ص39) الذي بلغ 10صفحات .إن مرد هذا الانتقال السريع من فصل لآخر ، في نظري ، يعود إلى ذلك الضغط النفسي الذي عانته الكاتبة وهي ترصد هذه الاحداث التي تعلن أنهاكانت بمثابة ورطة إذ تقول : "وأجدني مفرغة منهوكة القوى ،وإن كان عقلي وذاكرتي ما زالا محمومين من الانفعال بالأحداث ، ويصرّ عقلي تحليل الاحداث وطرح الاسئلة .اجد نفسي لأول مرة متورّطة في كتابة رواية ، متورطة بكل الاشكال وتضارب الحقائق وتضارب المشاعر ومحاولة ان اصل الى عمق الشخصيات " (ص39)..
إذن الكتابة الابداعية ورطة والقراءة النقدية ورطة مضاعفة...
تشتغل في رواية الكاتبة مريم بن بخثة مجموعة من البني يمكن رصدها كما يلي :
1- بنية السؤال
يحضر السؤال في هذا المنجز الروائي بكثافة، إذ لا يخلو فصل من سيل من الأسئلة الحارقة المرتبطة بمعاناة الذات ممثلة في الشخصيتين الاساسيتين ( سمير و نعيمة) الى جانب الساردة ولعل حضور السؤال بصيغة (هل؟) و (كيف؟)بقوة يفسر ذلك النزوع الى تعليق الجواب في الغالب...
إن عملية احصائية بسيطة قادتني الى رصد 197 سؤالا في رواية تنطلق فعليا من( ص 19)الى( ص 128) اي ما يعادل 109 صفحة ، مما يؤشر حسابيا أن تيمة السؤال كانت مهيمنة بقوة يحرّكها الذاتي متداخلا بالاخلاقي وبالديني وبالعائلي و بالأدبي ، لأن سؤال الكتابة كان حاضرا بقوة في بداية الرواية في الفصل الاول المعنون ب (الحبل السري) او في الفصل الرابع المعنون ب (غواية)، حيث نجد الكاتبة تشرك شخوصها في الاحداث التي تعيشها ، وكيف أنها احيانا تتماهى معها او تحاكمها .تقول : "وجدتني كل يوم اتقمّص شخصية كل بطل في الرواية للمحاولة ترجمة إحساسه وشعوره وحتى دوافعه..من بداية الحكاية كنت ادين نعيمة واعتبرها قد تعمّدت رحيلها ،إلا أن سمير يرفض ان يعتقدها كذلك ..هكذا كان ردّه " (ص39).
إن الكاتبة تشرك ،بهذا التوجه الكتابيّ، قارئها في فعل الكتابة او لنقل محنة الكتابة .
2- بنية الفضاء
يشتغل الفضاء في "سقوط المرايا" بشكل ثنائي بين المغرب ومصر وبينهما كان الفضاء الازرق دافعا الى انكتاب الرواية وولادة حياة زوجية بين سمير المصري وبين نعيمة المغربية.
فمصر هي ارض الانطلاق ،تعرفنا عليها من خلال سمير وهو يرصد جوانب من الحياة المصرية وبعض الاماكن المهمة في القاهرة ، وهو يعقد مقارنة بينها وبين الدار البيضاء هذا الفضاء الذي كان عابرا في النص ، لكن فضاءين سيلعبان دورا محوريا في النص، جرادة التي وصفت على لسان نعيمة : " أنت التي صنعت مومياء بجسد بشري حي ، لكن لا يملك شيئا سوى هذا الهواء الممزوج برائحة فحمك المندس تحت ظلالك "(ص46)، إنها المدينة السجن " تتناسلين لتخلقي جيلا من العبيد" (ص48).
في مقابل هذا المدينة/السجن سيظهر فضاء آخر اساسي في النص هو تزنيت هذه المدينة التي كانت حاضنا لتلك العلاقة بين سمير المصري ونعيمة المغربية ، ولعل تزنيت كانت مجالا للاحتفاء اكتر لان الكاتبة افردت لها قصيدة تحمل ذات العنوان ..ولا ننسى أن هناك فضاءات عابرة كالبيضاء والرباط وابن سليمان لم تعكس بالنسبة الى البطل الا طيبة المغاربة التي جعلته يعتبر المغرب بلده الثاني بامتياز.
3- بنية الزمان
يتحرّك الزمان في "سقوط المرايا" بين تاريخين محدّدين بدقة وهما 26 دجنبر2008 و 14 ماي من نفس السنة ، والحصيلة ستة أشهر . هذه المدة هي التي عرفت تناسل الحكايات العائدة الى الماضي ، ماضي عائلة نعيمة والضغط النفسي التي كانت تعيشه ، وكيف تعرفت عبر النت على سمير المصري ، وكيف ستفر من قهر الأخ من جرادة الى تزنيت ،أي أن زمن القصة هو ستة أشهر فيما زمن الحكي امتد عبر حياة الشخصيتين الرئيستين نعيمة وسمير.
4- بنية الشخوص :
تطالعنا "سقوط المرايا" بشخوص بخلفيات متناقضة ، فأحمد شخصية سادية متسلّطة دمّرت حياة كل المحيطين بها سواء ذكورا أو إناثا برغم المستوى المادي والثقافي للعائلة ، فهذا الرجل الابن الثاني ذو الحظوة الخاصة من الابوين وخاصة من أمه ،سيتمكن بقسوة من فرْض سجن كبير على الجميع ،شتت اسراً ؛ إذ تسبب في طلاق الاخت وحرمان ابنيها من حضن والدهما ، وجنون أخت أخرى ، فيما الابن الاكبر عبد الكريم اعتزل الحياة وهام في خلوة دينية قادته الى الإفتاء ، لكن نعيمة تبدو شخصية ثائرة لكنها ظلت حبيسة القلق والخوف بشكل مرضياً مما جعل اختفاءها لغزاً محيراً . أما شخصية سمير فتذكرنا بالأبطال الاسطوريين في شجاعة ناذرة لتخليص المظلوم من ظلمه بتضحية كبيرة كان ثمنها غاليا ، وهو التضحية بالوظيفة والأسرة والأولاد ، لكنه يصطدم بهجر ملغز من نعيمة وبلا وداع .
لعل الخوض في هذا السوط المتوالي لهذه المرايا مرتبط بسقوط مرآة العشق وهو ما عبرت عنه الرواية في اغلب الفصول ، بالنظر الى خيبة الامل التي عاشها سمير بعد تضحيته من اجل انقاذ نعيمة من عذاب اخ ساديّ .مرآة أخرى سقطت وكان ضحيتها سمير ايضا حينما سقطت مرآة الصداقة وهو يعيش فشلا ذريعا لمشروع الشراكة مع اصدقائه رغم تحذير والده من ضرورة الفصل بين الصداقة والتجارة.
الى جانب هذا السقوط الشخصي رصدت الرواية سقوطا ترتدي لبوس عاما ،يتمثل في سقوط مرآة الادارة وهي تعيش على الرشوة كما ورد في (ص71)" ادهن السير يسير. كانت وسيلة الابتزاز هي غايتهم ونفض جيوبي ، حتى فهمت أن حالنا نحن العرب متشابه لا يتغيّر في اي مكان والفساد مستشر في هياكلنا الادارية حتى النخاع ".
ويأتي الدور على سقوط مرآة العائلة والعرف والدين بالنظر الى التحكم اللإنساني الذي تعيشه بعض الاسر بحكم العرف الذي يعطي للذكر سلطة مطلقة في تدبير حياة الآخرين خصوصا الاناث منهم..
سقوط آخر تجرنا اليه الرواية وهو سقوط سورة المدينة في حايتنا ، المدينة بتناقضاتها حتى لكأنها تصبح سجنا :"استغربت حينها كيف نقفل علينا داخل مدن ونظن انها محور الكون كلّه، تسكننا مدننا وتعلمنا أن لا ننظر الى غيرها ،أو أننا نحن من نعتقل انفسنا داخلها خوفا من الخروج كالجنين الملتصق بمشيمة رحم أمه لا يودّ مغادرتها " (ص53).
هذا السقوط كان مبطّنا بمسحة نقدية ولردت في رسائل وجهتها نعيمة الى من يهمه الامر :
-الى الاخ :" بلا وداع أرحل لأنه في شرعك لا حقّ لنا بالخروج عن سربك ، عن طوعك ،لأنك لا تجيد إلا لغة السوط ، هذا السوط الذي حفر تاريخه على جسدي .أنا الان حرّة ، كما كنت أحب ، حرّة كما أرادني الله " (ص49).
-الى الاخت رشيدة :"رشيدة أوقفي هاتفك ودعيني بسلام ن اتركيني اتحرر من القيود التي أنت مكبلة بها...لن أحدو حدوك ،لن استسلم وأعود الى الزنزانة .. " ( ص59 ).
-إلى الام : " انا راحلة يا امي بلا وداع ، لأنك كنت ستعيدينني الى سجن وسجان صنعتهما بيدك كآلهة الجاهلية وصرت تتعبدين في محرابه " (ص49).
-إلى الاخ المتديّن : " هل سنة الحياة وما تعلمته من الدين يلزمك ان تنزوي ولا تبادر حتى بالنصح والتوجيه ؟غريب امرك أخي أين أنت من الدين وأين نحن من كوننا مسلمين .. شتّان بين ادعاء الدين والاعتقاد شتّان أخي " (ص 49).
بقي أن أشير الى ان اللغة التي استعملتها الكاتبة كانت لغة مشحونة بكمية كبيرة من الانفعالات سواء على مستوى التعبير السردي او الشعري ، اما التعبير العاميّ فقد ورد محتشما بشكل كبير.
وبكلمة واحدة اقول إن الكاتبة مريم بن بخثة قد خلقت في هذا المنجز الروائي في" سقوط المرايا " تصورا ابداعيا جديدا ساءل الممارسة السردية وطرق انكتابها وهي تتجاوب بشكل كبير بينها وبين شخوص روايتها ، بل اكثر من ذلك تدعو الى اشراك القارئ في الاجابة علة مجموعة من الاسئلة المرتبطة بعملية الكتابة ككل.
مصطفى امزارى