لم أقرأ لأحمد العارضة ديوانه الأول ولكني قرأت له ديوانه الثاني "خلل طفيف في السفرجل" الصادرة طبعته الأولى عن دار الفارابي في العام ٢٠٢٢ الذي تأخر إصداره على ما يبدو ثلاثة عشر عاما، فالإهداء موقع بتاريخ ٢٠٠٩، ولا أعرف سبب هذا التأخر. أيعود إلى سوق الشعر في زمن الرواية أم إلى أحمد نفسه مانحا نفسه المزيد من الوقت لإعادة النظر في القصائد.
عنوان الديوان الثالث هو "درج إلى القمر"، وإذا ما كان الشاعر انتهى من كتابة قصائد الديوان الثاني في ٢٠٠٩ ، فإن بين الديوانين مسافة زمنية واضحة تدفع القاريء إلى إمعان النظر في قصائد الديوانين، ليلحظ الفرق بينهما من حيث الموضوعات والشكل. هل يعد الديوان الثالث امتدادا للديوان الثاني أم أنه مختلف عنه وبالتالي يشكل قفزة في مسيرة الشاعر. هذا سؤال سيهتم به دارسو الشعر والشاعر بغض النظر عن مراعاة الشاعر السجين منذ عشرين عاما وأكثر.
إن جامل النقاد ولم يرغب أحمد في المجاملة، فأغلب الظن أنه سيكرر صرخة محمود درويش التي صرخها وهو في حيفا قبل أن يغادرها "أنقذونا من هذا الحب القاسي"، وإن لم يجامل النقاد فقد يقسون قليلا ويقولون - على الأقل أنا هنا - إن عالم أحمد في الديوانين يكاد يكون متقاربا من حيث الموضوع والشكل أيضا، بل ومن حيث تأثره بشاعرين كبيرين من شعراء الشعر العربي في القرنين الأخيرين، وهما محمود درويش ومظفر النواب. كأن شعر هذين هما إنجيل أحمد وقرآنه على صعيد الموضوع والأسلوب.
فعلى صعيد الموضوع يتغنى أحمد بفلسطينيته، وتحديدا بكونه لاجئا طرد جده من بلدهم يازور، وبكونه نشأ في مخيمات اللجوء بما ترفد به شخصيته من شعور بالنفي ووسم بصفة اللاجيء ، وهذا كله يجعل حلم العودة إلى يافا ويازور حلمه الأساس الرئيس ، الحلم الذي من أجله قاوم منتميا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية. ويتكرر دال اللاجيء ومشتقاته في أكثر من قصيدة أبرزها قصيدة "لاجيء".
ولأن أحمد كتب أكثر قصائده في السجن، فإن البعد عن العائلة وندرة التقائه بها شكل لديه هاجسا مهما، فظل يكتب عن الأم وعن الجدة التي كانت حكاياها عن البلاد أشبه بحليب الطفولة الذي ترضعه الفلسطينيات للأبناء والأحفاد، ويخصص للجدة قصيدة "فاتحة الجدة رابعة" يخاطبها فيها كما خاطب درويش أمه في قصيدته " تعاليم حورية".
وإن كان المخيم حضر في أشعار أحمد دحبور ومحمود درويش وغيرهما، فإنه يحضر ثانية في أشعار حفيدهما الشعري، فالمخيم ما زال هو المخيم، بل إن أوضاعه تسوء يوما بعد يوم.
على صعيد بناء القصيدة فإن قصائد "درج إلى القمر" تراوح بين غنائية درويش وسردية النواب. أحيانا تبرز الروح الغنائية في قصيدة وفي قصيدة ثانية تغلب روح السرد. كأنك تقرأ تارة قصيدة درويشية وطورا قصيدة نوابية، وقد كتب أحمد في رثاء النواب قصيدة تتناص مع أشعار الأخير هي قصيدة "في رثاء شيخ البحارين" التي تذكر قاريء النواب بقصيدته الشهيرة "بحار البحارين"، كما أن بعض اسطرها - قصيدة أحمد - أسطر نوابية بامتياز، فمن يقرأ قول أحمد:
"هذا الذي كقصيدة
تهجو البذاءة بالبذاءة"
ولا يتذكر تصدير مظفر لبعض قصائده "بعضكم سيقول بذيئة . لا بأس. أعطوني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه".
ويعمد أحمد إلى أن تكون قصائده ذات بناء، مستفيدا من جهود محمود درويش وأمل دنقل في بناء القصيدة . إن قاريء أشعار الأخيرين يلحظ مدى اهتمامهما ببناء قصائدهما، ويبدو أن هذا أصاب أحمد بالعدوى، فجهد أن يكتب القصيدة الدائرية الشكل أو الحلزونية الشكل التي تتشكل من مقاطع يبدأ كل مقطع بالعبارة نفسها كما في قصيدة "لاجيء" المذكورة التي تتكون من مقاطع يبدأ كل مقطع منها بدال "لاجيء". بل إن القصيدة نفسها تبدأ بسطر:
"لاجيء
مذ حدثوني عن بلادي في بلادي"
وتنتهي بالسطرين:
"سأعيش لاجيء
وأموت لاجيء".
ولأن أحمد يقبع في السجن فإنه يحزن لما يحدث في الوطن المحاصر وما تتعرض له بعض أجزائه من حصار ومضايقات وهجومات وقصف وتدمير، وهكذا يكتب لغزة قصيدة "أبتثية غزة" يأتي فيها على الثمن الذي لا بد من دفعه من أجل العودة واستعادة الوطن بما فيه يافا ويازور. إن حلم العودة حلم ملح تتكرر الكتابة عنه في غير قصيدة كما هو حال دال اللاجيء.
وأن كان لا بد من اقتراح فأتمنى أن يقرأ أحمد أشعار ناظم حكمت التي كتبها وهو في السجن، وأن يقرأ أيضا قصائد شعراء المقاومة الفرنسية مثل لويس اراغون وبول ايلوار وغيرهما، فلعله يكتب لنا عن عالم السجن وينوع في أساليب كتابته وبتحرر من سطوة درويش والنواب.
هناك مقولة نقدية لأصحاب المنهج النفسي تنص "لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا" وعليه فعلينا ألا نغفل أن الشاعر سجن شابا يافعا وعاش ظروفا ثقافية صعبة قد لا توفر له إمكانية تطوير نفسه شعريا كما ينبغي.
وفي الختام فإنني أتمنى أن يقرأ الديوان شاعر ما ليلحظ إن كان هناك خلل عروضي في بعض القصائد وأن يدققه مدقق لغوي فثمة أخطاء نحوية واملائية لا تخفى.
٣١ / ٨ / ٢٠٢٣
عادل الاسطة
---------------------------
- مقدمة لمجموعة شعرية للأسير أحمد تيسير العارضة
عنوان الديوان الثالث هو "درج إلى القمر"، وإذا ما كان الشاعر انتهى من كتابة قصائد الديوان الثاني في ٢٠٠٩ ، فإن بين الديوانين مسافة زمنية واضحة تدفع القاريء إلى إمعان النظر في قصائد الديوانين، ليلحظ الفرق بينهما من حيث الموضوعات والشكل. هل يعد الديوان الثالث امتدادا للديوان الثاني أم أنه مختلف عنه وبالتالي يشكل قفزة في مسيرة الشاعر. هذا سؤال سيهتم به دارسو الشعر والشاعر بغض النظر عن مراعاة الشاعر السجين منذ عشرين عاما وأكثر.
إن جامل النقاد ولم يرغب أحمد في المجاملة، فأغلب الظن أنه سيكرر صرخة محمود درويش التي صرخها وهو في حيفا قبل أن يغادرها "أنقذونا من هذا الحب القاسي"، وإن لم يجامل النقاد فقد يقسون قليلا ويقولون - على الأقل أنا هنا - إن عالم أحمد في الديوانين يكاد يكون متقاربا من حيث الموضوع والشكل أيضا، بل ومن حيث تأثره بشاعرين كبيرين من شعراء الشعر العربي في القرنين الأخيرين، وهما محمود درويش ومظفر النواب. كأن شعر هذين هما إنجيل أحمد وقرآنه على صعيد الموضوع والأسلوب.
فعلى صعيد الموضوع يتغنى أحمد بفلسطينيته، وتحديدا بكونه لاجئا طرد جده من بلدهم يازور، وبكونه نشأ في مخيمات اللجوء بما ترفد به شخصيته من شعور بالنفي ووسم بصفة اللاجيء ، وهذا كله يجعل حلم العودة إلى يافا ويازور حلمه الأساس الرئيس ، الحلم الذي من أجله قاوم منتميا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية. ويتكرر دال اللاجيء ومشتقاته في أكثر من قصيدة أبرزها قصيدة "لاجيء".
ولأن أحمد كتب أكثر قصائده في السجن، فإن البعد عن العائلة وندرة التقائه بها شكل لديه هاجسا مهما، فظل يكتب عن الأم وعن الجدة التي كانت حكاياها عن البلاد أشبه بحليب الطفولة الذي ترضعه الفلسطينيات للأبناء والأحفاد، ويخصص للجدة قصيدة "فاتحة الجدة رابعة" يخاطبها فيها كما خاطب درويش أمه في قصيدته " تعاليم حورية".
وإن كان المخيم حضر في أشعار أحمد دحبور ومحمود درويش وغيرهما، فإنه يحضر ثانية في أشعار حفيدهما الشعري، فالمخيم ما زال هو المخيم، بل إن أوضاعه تسوء يوما بعد يوم.
على صعيد بناء القصيدة فإن قصائد "درج إلى القمر" تراوح بين غنائية درويش وسردية النواب. أحيانا تبرز الروح الغنائية في قصيدة وفي قصيدة ثانية تغلب روح السرد. كأنك تقرأ تارة قصيدة درويشية وطورا قصيدة نوابية، وقد كتب أحمد في رثاء النواب قصيدة تتناص مع أشعار الأخير هي قصيدة "في رثاء شيخ البحارين" التي تذكر قاريء النواب بقصيدته الشهيرة "بحار البحارين"، كما أن بعض اسطرها - قصيدة أحمد - أسطر نوابية بامتياز، فمن يقرأ قول أحمد:
"هذا الذي كقصيدة
تهجو البذاءة بالبذاءة"
ولا يتذكر تصدير مظفر لبعض قصائده "بعضكم سيقول بذيئة . لا بأس. أعطوني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه".
ويعمد أحمد إلى أن تكون قصائده ذات بناء، مستفيدا من جهود محمود درويش وأمل دنقل في بناء القصيدة . إن قاريء أشعار الأخيرين يلحظ مدى اهتمامهما ببناء قصائدهما، ويبدو أن هذا أصاب أحمد بالعدوى، فجهد أن يكتب القصيدة الدائرية الشكل أو الحلزونية الشكل التي تتشكل من مقاطع يبدأ كل مقطع بالعبارة نفسها كما في قصيدة "لاجيء" المذكورة التي تتكون من مقاطع يبدأ كل مقطع منها بدال "لاجيء". بل إن القصيدة نفسها تبدأ بسطر:
"لاجيء
مذ حدثوني عن بلادي في بلادي"
وتنتهي بالسطرين:
"سأعيش لاجيء
وأموت لاجيء".
ولأن أحمد يقبع في السجن فإنه يحزن لما يحدث في الوطن المحاصر وما تتعرض له بعض أجزائه من حصار ومضايقات وهجومات وقصف وتدمير، وهكذا يكتب لغزة قصيدة "أبتثية غزة" يأتي فيها على الثمن الذي لا بد من دفعه من أجل العودة واستعادة الوطن بما فيه يافا ويازور. إن حلم العودة حلم ملح تتكرر الكتابة عنه في غير قصيدة كما هو حال دال اللاجيء.
وأن كان لا بد من اقتراح فأتمنى أن يقرأ أحمد أشعار ناظم حكمت التي كتبها وهو في السجن، وأن يقرأ أيضا قصائد شعراء المقاومة الفرنسية مثل لويس اراغون وبول ايلوار وغيرهما، فلعله يكتب لنا عن عالم السجن وينوع في أساليب كتابته وبتحرر من سطوة درويش والنواب.
هناك مقولة نقدية لأصحاب المنهج النفسي تنص "لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا" وعليه فعلينا ألا نغفل أن الشاعر سجن شابا يافعا وعاش ظروفا ثقافية صعبة قد لا توفر له إمكانية تطوير نفسه شعريا كما ينبغي.
وفي الختام فإنني أتمنى أن يقرأ الديوان شاعر ما ليلحظ إن كان هناك خلل عروضي في بعض القصائد وأن يدققه مدقق لغوي فثمة أخطاء نحوية واملائية لا تخفى.
٣١ / ٨ / ٢٠٢٣
عادل الاسطة
---------------------------
- مقدمة لمجموعة شعرية للأسير أحمد تيسير العارضة