عندما نسمع عبارة "تعديل حكومي"، بصفةٍ عامة، تتبادر للأذهان، أشياءُ كثيرة يمكن تلخيصُها في كون حكومة من الحكومات :
-سقطت بموجب ملتمس الرقابة une motion de censure تقدَّمت به المعارضة وسانده جزءٌ من الأغلبية البرلمانية،
-رئيس الحكومة قدَّم استقالته أو أحزابٌ سياسية انسحبت من الأغلبية الحكومية،
-استقالة جماعية لكل الوزراء أو لجزءٍ منهم
-اعتراف الحكومة بفشلها في تدبير الشأن العام، طبقا للبرنامج الذي دافعت عنه أثناء الحملات الانتخابية أو دافعت عنه أمام البرلمان.
بالنسبة لهذا البلد السعيد، سقوط الحكومة بموجب ملتمسٍ للرقابة الذي نصَّ عليه الدستور، لكنه لم يُفعَّل إلى يومنا هذا. لماذا؟
لسببٍ بسيط هو أن أحزابَنا السياسية ليست لها الجرأة الكافية للجوء إلى هذا الإجراءَ الدستوري والديمقراطي. بل إن أحزابَنا السياسية مستعدة لتسلُكَ كل السُّبل، المشروعة وغير المشروعة، من أجل الوصول إلى السلطة. وعندما تصل إلى السلطة، تحاول، بكل الوسائل، أن تبقى فيها. ولهذا، فالشعورُ بالمسؤولية ليس من خِصالِ أحزابنا السياسية. وعليه، فإن أحزابَنا السياسية، بسبب عدم شعورها بالمسؤولية السياسية، فلن تجرؤَ على إسقاط نفسها بنفسها.
بل إنها لن تجرؤَ على تقديم استقالة لا جماعية ولا فردية. لماذا؟ لأنه، من غير المنطقي، أن حزبا سياسياً أو سياسياً استمات من أجل الوصول إلى السلطة، مستعدٌّ لمغادرتِها عن طواعية. والدليل على ذلك أن كثيرا من الوزراء، بحكم فشلهم في تدبير أمور قٍطاعهم الوزاري، كان من المفروض أن يقدِّموا استقالتَهم من مناصِبهم. لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا. وحتى أولئك الذين هدَّدوا باستقالتِهم من مناصبهم لم يفعلوا. أما ما يُثير الانتباهَ، هو أنه، لم يسبق لرئيس حكومة، بعد دستور 2011، أن قدَّمَ استقالتَه، شعوراً بالمسؤولية السياسية.
أمام هذه المُعطيات المخالِفة لأخلاقيات السياسة éthique politique، فما هو الحال بالنسبة لما هو متعارفٌ عليه ب"التَّعديل الوزاري"؟
التَّعديل الوزاري أو ما يُسمَّى خطأً، أحيانا، بالتَّعديل الحكومي، هو التَّغييرُ الجزئي للتَّركيبة الحكومية قبل نهاية ولايتِها. فلماذا عَنوَنتُ هذه المقالة ب"التَّعديل الوزاري، في هذا البلد السعيد، خُدعة سياسية لا أقل ولا أكثر". وبالضبط، لماذا هذا التعديل خُدعة سياسية؟
عندما نسمع أن الحكومةَ، المُنثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما يتبادر لأذهانِنا هو أن الخط السياسي الذي اتبعته الحكومة لم يكن ناجعا، وبالتالي، يجب تصحيحُه أو التَّخلي عنه كلِّياً وتعويضُه بخط سياسي جديد.
وعندما نسمع أن الحكومة، المنبثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما نفكِّر فيه كذلك وفي حينِه، هو أن بعض الوزراء أُسيءَ اختيارُهم ليكونوا وزراء، وبالتالي، اختيارُهم هذا أدى إلى فشلهم في تدبير الشأن العام الخاص بقطاعِهم الوزاري، أي أنهم فشلوا في تنزيل السياسات العمومية التي تمَّ تعيينُهم من أجل تنفيذها.
وعندما نسمع أن الحكومة، المنبثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما يروج في ذهنِنا هو أن بعضَ الوزراء أخلُّوا بمسئوليتِهم السياسية وانشغلوا بأمور لا علاقةَ لها لا بتدبير الشأن العام ولا بتنزيل السياسات العمومية أو أساؤوا التدبيرَ المالي لقطاعهم الوزاري أو قاموا بأمورٍ مُخالِفة للقانون…
وما بجعلني أقول بأن التَّعديل الوزاري خُدعة سياسية، هو أن رئيسَ الحكومة، أو أي وزير شمله التَّعديل، لا يُعطيان ولم يُعطِيا أيَّ توضيحٍ، للرأي العام المغربي، يبيِّن، من خلالِه، الأسباب الحقيقية التي أدَّت إلى التَّعديل الوزاري. ما يعرفُه الرأيُ العام هو أن إسماً جديداً سيحلُّ محلَّ الإسم السابق وانتهى الأمرُ. فعوض أن يكونَ التَّعديلُ ناتجا عن سُخط المواطنين على غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية وتراجع ما يُسمى بالطبقة المتوسطة classe moyenne، فالموطنون رأوا في هذا التَّعديل، فقط، فعلا ميكانيكياً تمثَّلَ في تعويض وجوهٍ قديمة بوجوهٍ جديدة، دون أن يطرأَ أيُّ تغييرِ على الخط السياسي.
وتغيير الوجوه مع إبقاءِ الخط السياسي على ما هو عليه، لن يحلَّ أزمات المواطنين. ولن يستجيبَ لبصيص الأمل الذي يعلِّقه المواطنون على التَّعديل الوزاري بمعناه النبيل. بل الأغلبية الساحقة من هؤلاء المواطنين لا يروا في التعديل الوزاري إلا تقسيما جافا للكعكة السياسية بين أحزاب الأغلبية. تعديلٌ يستجيب، فقط، للمصالح الضيقة الحزبية intérêts étroits partisans، ولا علاقةَ له بطموحات الشعب المغربي.
الواقع السياسي للبلاد هو الذي يفرض نفسَه في المشهد السياسي. وهذا الأخير فاسدٌ حتى النخاع. وفسادُه آتٍ من فساد الأحزاب السياسية. والحزبُ السياسيُّ المُحبُّ لبلده ويريد لها الخيرَ، من واجبه أن يحاربَ الفساد السياسي، ثم الفساد الاجتماعي، علماً أن هذا الأخير نتيجة حتمِية للفساد السياسي.
أليس "التَّعديل الوزاري" خُدعةً سياسيةً؟ علما أن السياسةَ، في هذا البلد السعيد، كلُّها خُدَعٌ!
-سقطت بموجب ملتمس الرقابة une motion de censure تقدَّمت به المعارضة وسانده جزءٌ من الأغلبية البرلمانية،
-رئيس الحكومة قدَّم استقالته أو أحزابٌ سياسية انسحبت من الأغلبية الحكومية،
-استقالة جماعية لكل الوزراء أو لجزءٍ منهم
-اعتراف الحكومة بفشلها في تدبير الشأن العام، طبقا للبرنامج الذي دافعت عنه أثناء الحملات الانتخابية أو دافعت عنه أمام البرلمان.
بالنسبة لهذا البلد السعيد، سقوط الحكومة بموجب ملتمسٍ للرقابة الذي نصَّ عليه الدستور، لكنه لم يُفعَّل إلى يومنا هذا. لماذا؟
لسببٍ بسيط هو أن أحزابَنا السياسية ليست لها الجرأة الكافية للجوء إلى هذا الإجراءَ الدستوري والديمقراطي. بل إن أحزابَنا السياسية مستعدة لتسلُكَ كل السُّبل، المشروعة وغير المشروعة، من أجل الوصول إلى السلطة. وعندما تصل إلى السلطة، تحاول، بكل الوسائل، أن تبقى فيها. ولهذا، فالشعورُ بالمسؤولية ليس من خِصالِ أحزابنا السياسية. وعليه، فإن أحزابَنا السياسية، بسبب عدم شعورها بالمسؤولية السياسية، فلن تجرؤَ على إسقاط نفسها بنفسها.
بل إنها لن تجرؤَ على تقديم استقالة لا جماعية ولا فردية. لماذا؟ لأنه، من غير المنطقي، أن حزبا سياسياً أو سياسياً استمات من أجل الوصول إلى السلطة، مستعدٌّ لمغادرتِها عن طواعية. والدليل على ذلك أن كثيرا من الوزراء، بحكم فشلهم في تدبير أمور قٍطاعهم الوزاري، كان من المفروض أن يقدِّموا استقالتَهم من مناصِبهم. لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا. وحتى أولئك الذين هدَّدوا باستقالتِهم من مناصبهم لم يفعلوا. أما ما يُثير الانتباهَ، هو أنه، لم يسبق لرئيس حكومة، بعد دستور 2011، أن قدَّمَ استقالتَه، شعوراً بالمسؤولية السياسية.
أمام هذه المُعطيات المخالِفة لأخلاقيات السياسة éthique politique، فما هو الحال بالنسبة لما هو متعارفٌ عليه ب"التَّعديل الوزاري"؟
التَّعديل الوزاري أو ما يُسمَّى خطأً، أحيانا، بالتَّعديل الحكومي، هو التَّغييرُ الجزئي للتَّركيبة الحكومية قبل نهاية ولايتِها. فلماذا عَنوَنتُ هذه المقالة ب"التَّعديل الوزاري، في هذا البلد السعيد، خُدعة سياسية لا أقل ولا أكثر". وبالضبط، لماذا هذا التعديل خُدعة سياسية؟
عندما نسمع أن الحكومةَ، المُنثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما يتبادر لأذهانِنا هو أن الخط السياسي الذي اتبعته الحكومة لم يكن ناجعا، وبالتالي، يجب تصحيحُه أو التَّخلي عنه كلِّياً وتعويضُه بخط سياسي جديد.
وعندما نسمع أن الحكومة، المنبثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما نفكِّر فيه كذلك وفي حينِه، هو أن بعض الوزراء أُسيءَ اختيارُهم ليكونوا وزراء، وبالتالي، اختيارُهم هذا أدى إلى فشلهم في تدبير الشأن العام الخاص بقطاعِهم الوزاري، أي أنهم فشلوا في تنزيل السياسات العمومية التي تمَّ تعيينُهم من أجل تنفيذها.
وعندما نسمع أن الحكومة، المنبثقة عن صناديق الاقتراع، ستخضع لتعديل وزاري، ما يروج في ذهنِنا هو أن بعضَ الوزراء أخلُّوا بمسئوليتِهم السياسية وانشغلوا بأمور لا علاقةَ لها لا بتدبير الشأن العام ولا بتنزيل السياسات العمومية أو أساؤوا التدبيرَ المالي لقطاعهم الوزاري أو قاموا بأمورٍ مُخالِفة للقانون…
وما بجعلني أقول بأن التَّعديل الوزاري خُدعة سياسية، هو أن رئيسَ الحكومة، أو أي وزير شمله التَّعديل، لا يُعطيان ولم يُعطِيا أيَّ توضيحٍ، للرأي العام المغربي، يبيِّن، من خلالِه، الأسباب الحقيقية التي أدَّت إلى التَّعديل الوزاري. ما يعرفُه الرأيُ العام هو أن إسماً جديداً سيحلُّ محلَّ الإسم السابق وانتهى الأمرُ. فعوض أن يكونَ التَّعديلُ ناتجا عن سُخط المواطنين على غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية وتراجع ما يُسمى بالطبقة المتوسطة classe moyenne، فالموطنون رأوا في هذا التَّعديل، فقط، فعلا ميكانيكياً تمثَّلَ في تعويض وجوهٍ قديمة بوجوهٍ جديدة، دون أن يطرأَ أيُّ تغييرِ على الخط السياسي.
وتغيير الوجوه مع إبقاءِ الخط السياسي على ما هو عليه، لن يحلَّ أزمات المواطنين. ولن يستجيبَ لبصيص الأمل الذي يعلِّقه المواطنون على التَّعديل الوزاري بمعناه النبيل. بل الأغلبية الساحقة من هؤلاء المواطنين لا يروا في التعديل الوزاري إلا تقسيما جافا للكعكة السياسية بين أحزاب الأغلبية. تعديلٌ يستجيب، فقط، للمصالح الضيقة الحزبية intérêts étroits partisans، ولا علاقةَ له بطموحات الشعب المغربي.
الواقع السياسي للبلاد هو الذي يفرض نفسَه في المشهد السياسي. وهذا الأخير فاسدٌ حتى النخاع. وفسادُه آتٍ من فساد الأحزاب السياسية. والحزبُ السياسيُّ المُحبُّ لبلده ويريد لها الخيرَ، من واجبه أن يحاربَ الفساد السياسي، ثم الفساد الاجتماعي، علماً أن هذا الأخير نتيجة حتمِية للفساد السياسي.
أليس "التَّعديل الوزاري" خُدعةً سياسيةً؟ علما أن السياسةَ، في هذا البلد السعيد، كلُّها خُدَعٌ!