المحامي علي ابوحبله - انتخابات أمريكية مفصلية وساخنة في ظل أزمة عميقة

كتب المحامي علي ابوحبله


عودة الرئيس الأمريكي السابق للسباق الرئاسي سابقه في تاريخ الولايات المتحدة في ظل محاكمات قضائية.. إدانات في قضايا جنائية.. وأسئلة حول قدرات الرئيس الذهنية الذي هو أيضاً مرشح رئاسي..

محاولة اغتيال.. وتنحي متأخر للرئيس بإيدن من السباق كي تحل مكانه نائبته التي قد تصبح أول سيدة تشغل منصب رئاسة الولايات المتحدة ، وحقيقة القول لا توجد انتخابات رئاسية في التاريخ الأمريكي حفلت بكل هذه الأحداث الدراماتيكية والمفاجآت السياسية والقضائية التي تشكل كل مفاجأة منها حدثاً قد يغير نتيجة الانتخابات الأكثر سخونة منذ عقود.

وبالرغم من أن حكومات العالم تنتظر نتيجة الانتخابات كي تستعد للسياسات المحتمل أن ينتهجها الرئيس القادم في يناير المقبل 2025، إلا أن نتيجة هذه الانتخابات سوف تكون الأكثر تبايناً في الرؤى بين مرشح الحزب الديمقراطي ومرشح الحزب الجمهوري على نحو لم يحدث مع أي انتخابات أمريكية على مدار عشرات السنوات.

وتكمن أهمية المشهد في حمى التنافس بين الديمقراطيون والجمهوريين أنه يلخص أزمة الحزبين السياسيين المهيمنين على الرئاسة خلال عمر الجمهورية الأمريكية

يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع يوم غد الثلاثاء الخامس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لانتخاب الرئيس الأمريكي المقبل للبلاد. وبما أن الشخص الذي يجلس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض له تأثير كبير على حياة الناس داخل وخارج الولايات المتحدة، تحظى هذه الانتخابات بالاهتمام ويتابع الجميع نتائجها.

وكما هو معروف، يهيمن على النظام السياسي في الولايات المتحدة حزبان فقط، وإلى أحدهما ينتمي كل رؤساء أمريكا في العصر الحديث ، فالحزب الديمقراطي هو الحزب السياسي الليبرالي، وهو الذي تتحدد أجندته إلى حد كبير من خلال الدفع من أجل الحقوق المدنية، وشبكة الضمان الاجتماعي واسعة النطاق، واتخاذ تدابير لمعالجة التغير المناخي.

وهو حزب المرشحة الرسمية عن الديمقراطيين كامالا هاريس، وذلك عقب إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في يوليو تموز الماضي.

أما الحزب الجمهوري، فهو الحزب السياسي المحافظ في الولايات المتحدة. ويعرف أيضا باسم الحزب القديم الكبير، ومن أبرز مايدعو له منذ زمن، خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة، والحق في حيازة السلاح، وتشديد القيود على الهجرة والإجهاض.

وبصرف النظر عن المرويات التاريخية، أو الأصح بضرورة النظر إليها، تتجه الأنظار غدا الثلاثاء لمعرفة من الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأن بين المرشحين، أو بالأصح بين المرشح، وبين المرشحة، في سباق شديد التقارب لا يبدو أنه سينتهي مع انتهاء التصويت، ولن تقتصر مفاعيله على معرفة خليفة الرئيس جوزيف بايدن في البيت الأبيض، فهناك الكثير الذي سيترتب على هذا الموسم السياسي المختلف والمشبّع بظواهر لم تكن مألوفة على الأقل منذ نهاية الحرب الأهلية قبل 160 سنة.

مساء يوم الثلاثاء في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، تسدل الستارة على الفصل الأخير من مسلسل الانتخابات الطويل جدًا، والذي يستغرق قرابة سنة كاملة بين أول تصويت حزبي في الانتخابات التمهيدية، وبين الاقتراع المباشر في حوالي أقل من 100 ألف مركز انتخابي في الولايات الأمريكية الخمسين والعاصمة واشنطن والأقاليم التابعة للسيادة الأمريكية في المحيطين الأطلسي والهادئ. والملفت أن عدد مراكز الاقتراع انخفض حوالي النصف منذ العام 2018 حين كان العدد يتجاوز الـ 200 ألف، وذلك في انعكاس واضح لأكثر التحولات الجذرية في السلوك الميداني للمحافظين الذين دأبوا منذ انتخاب باراك أوباما كأول رئيس غير أبيض ومن أصل غير أوروبي عام 2008 على محاولة الحد من مشاركة الملونين والأقليات والمهاجرين المجنسين في التصويت لأن الغالبية العظمى منهم تؤيد الليبراليين، ولذلك عمدت الولايات التي يحكمها الجمهوريون إلى زيادة متطلبات التسجيل للانتخابات والتصويت، خصوصًا تكساس وفلوريدا وولاية الجنوب، ومن ذلك ابراز وثائق تثبت الجنسية ومكان الإقامة بطريقة تستهدف فئات معينة من الناخبين. على سبيل المثال يمكن لمن يدلي بصوته أن يستخدم رخصة حمل سلاح فردي كوثيقة لكن لا يمكن لطالب أن يستخدم بطاقته الجامعية! أما الأبرز فكان تخفيض مراكز الاقتراع في المدن الكبيرة وفي الأحياء ذات الكثافات الملونة والمهاجرة، وهو ما تضاعف بشدة بعد خسارة ترامب في انتخابات 2020.

يُقدر عدد الذين سيشاركون في الانتخابات الراهنة بأكثر من 160 مليون شخص، أي ما يعادل 70 في المئة من مجموع البالغين والذي يقارب الـ 255 مليونًا. يشير هذا الرقم بحد ذاته إلى استثنائية اللحظة التاريخية التي تعيشها أمريكا التي لم تكن نسبة المشاركين في انتخاباتها تتجاوز الـ 50 في المئة الّا في حالات نادرة جدًا.

أدلى 63.320 مليون أمريكي بأصواتهم عبر التصويت المبكر أو بالبريد وهو رقم قابل لتجاوز نصف عدد الناخبين الإجمالي. وتزيد التقارير الأولية من عدم اليقين في النتيجة المرتقبة، ففي حين تشير الاستطلاعات إلى تقارب إلى ما دون الواحد في المئة بين هاريس وترامب، خصوصًا في الولايات السبع المتأرجحة الولاء، لا تبتعد نسب الأصوات المبكرة عن ذلك، فهي على المستوى الوطني حتى الآن 41 في المئة ديمقراطيون، 40 في المئة جمهوريون، و19 في المئة مستقلون وآخرون. أما في الولايات المتأرجحة فيتأرجحون؛ ففي نيفادا واريزونا وجورجيا وكارولينا الشمالية يتقدم الجمهوريون بما يتراوح بين نقطة واحدة وعشر نقاط، أما في بنسلفانيا وميشيغن فيتقدم الديمقراطيون بأكثر من عشر نقاط، فيما يحتل المستقلون المركز الأول في ولاية ويسكنسون.

مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة تبدو هذه الأرقام مشجعة لترامب، لكن معاينة بسيطة تبدد هذه المقارنة. ففي انتخابات 2020 وحين كانت استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال خسارة ترامب بفارق كبير يصل إلى أكثر من سبع نقاط مئوية، شن الرئيس السابق هجومًا غير مسبوق على النظام الانتخابي وخصوصًا التصويت المبكر، سواء مباشرة أو عبر البريد. استثمر ترامب وحملته في المشهدية أكثر من الحقيقة. تم الإيعاز إلى أنصاره بالتصويت بوم الانتخابات فقط، وفي المناخ الذي كان وباء «كورونا» يحتله، وكانت وراء تلك الحيلة الإعلامية «قطبة» مخفية ابتدعها أقرب مستشاري ترامب وأكثرهم كاريكتورية روجر ستون، المصّر على اعتمار القبعة الفيكتورية حتى اليوم، وترتكز على مشهدية تقوم على تقديم أعداد الذين يدلون بأصواتهم يوم الانتخاب على الأصوات المبكرة التي يتم احتسابها فورًا، لأن ذلك يخلق فارقًا يمكن التلاعب بالمشاعر فيه والإيحاء بأن شيئًا من تلاعب ما، تم في مكان ما، للوصول إلى نتيجة ما، وتلك أبجديات نظرية المؤامرة. لكن فشل ترامب في الانقلاب على نتائج انتخابات 2020 دفعت حملته هذه السنة إلى تغيير الخطة وحث مناصريها إلى التصويت المبكر.

لن تكون انتخابات هذه السنة شبيهة بما سبقها. فقبل الاقتراع بثلاث سنوات، أعلن ترامب أن النتيجة مزورة سلفًا. بالمناسبة، عندما حاز على تزكية الحزب الجمهوري عام 2016 ولم يكن واثقًا من الفوز، عمد عبر أزلامه وقنواته إلى تعميم الشك بالنظام الانتخابي عبر إعلانه مقولة «أوقفوا السرقة» (Stop the Steal) لكنه بعد وصوله إلى البيت الأبيض، استساغ أكاذيبه وأعطاها زخمًا رسميًا، وعمم ولا يزال رفضه للنتائج التي لا يعترف بها إن لم تكن لصالحه. واستبق انتهاء الاقتراع قبل أن يبدأ بأسابيع بإعلان حالات تزوير هائلة لم يقدم أي دليل جدي على أي واحد منها.

في هذه الانتخابات تحتل قضيتان كبريان موقع الصدارة. في الجانب الجمهوري لا تتقدم أية مسألة على الهجرة غير النظامية. هذه قضية خلافية باهرة، تتقاطع فيها مصالح ومشاعر الشريحة الأكثر ميولًا للمحافظين. ففي حين توفر الهجرة غير النظامية معظم الأيدي العاملة الرخيصة، والتي لا تتطلب تأمينات ولا ضمانات من المزارع والمصانع الكبيرة التي يتبرع أصحابها بالملايين للجمهوريين، يتبنى الجمهوريون سياسة لفظية قوامها رفض المهاجرين غير المسجلين حرصًا على فرص عمل لا يريدها الأمريكيون! هي لعبة ألسنية تتبادلها النخب اليمينية عبر الأطلسي لأنها تعرف جيدًا أن بلادها تحتاج إلى اليد العاملة الأجنبية، وفي هذه الحال العالم ثالثية، لتقوم بأعمال لا يريدها بيض أوروبا، لكنها لا تريد الاعتراف بهم حتى لا تعترف بحقوقهم كبشر في دخل كافٍ، ولا تقاعد ولا أي حقوق.

في المقابل، يقدم الليبراليون مسألة مستقبل الديمقراطية في أمريكا على ما عداها. هم يرون أن ترامب الذي جاء إلى السياسة من عالم آخر لا يمت إلى السياسة أو الشأن العام بصلة، ليس سوى شخصية كاريكاتورية تنتمي إلى أوروبا في أوائل القرن العشرين، وتحاول أن تنعش في نفوس الأمريكيين البيض ذوي الأصول الأوروبية تلك الروح التي اجتاحت أوروبا قبل قرن كامل من الزمن، دون الإتيان على ذكر أن تلك الإيديولوجيا أودت بأوروبا والعالم إلى التهلكة، ليس مرة واحدة بل مرتين. والحال أن لدى الليبراليين الكثير مما يقولونه في هذا المضمار. أمريكا أمة من المهاجرين، هذا كلام صحيح لكل أمريكي إن لم يكن من السكان الأصليين (الذين يطلق عليهم زورًا اسم الهنود الحمر). استهل ترامب حملته الانتخابية عام 2015 بالتصدي للمهاجرين من المكسيك. وصفهم بصراحة بأنهم مجرمون وسفاحون ومغتصبون، وقال إن دولتهم ترسلهم إلى أمريكا عمدًا لتفسدها، بدون أن يذكر أن أكثر من ثلث أمريكا الحالية كان جزءًا من المكسيك.

ثم أن ترامب أساء في حملته الانتخابية الأولى ولا يزال إلى من كل هو غير أوروبي وغير أبيض. كان أول قراراته التنفيذية منع سفر مواطني سبع دول إسلامية، ست منها عربية إلى أمريكا، وبعدها وصف الدول التي يريد مواطنوها الهجرة إلى أمريكا بأقذع الأوصاف وتساءل علنًا عن سبب عدم رغبة شباب اسكندينافيا بذلك. وفي المنقول عمن تعاملوا معه من مساعدين ومقربين أنه أقرب إلى الفاشية الموسولينية (التي يثملها في حركاته وإيماءاته) وإلى النازية الهتلرية، كما في مشروع (2025) (ProJet 2025) الذي أعده عشرات من مساعديه والذين عملوا معه لسنوات. يمثل ترامب بالنسبة للديمقراطيين أسوأ تحدٍ لهم منذ الاستقلال عن بريطانيا. هو يريد أن يكون ملكًا في دولة عافت الملكية في عزّها، وهو يريد أن يكون الفوهرر (الأب القائد) في بلاد لا تؤمن بالأوصياء، لكن شرائح وازنة منها تعتقد بأنه الوصي.

الثوابت في الولايات المتحدة على المحك، في ضوء التعارض الكبير بين الرؤى التي يحملها مرشحا الرئاسة، في إطار العديد من القضايا، وهو الأمر الذي يبدو ممتدا بين الكيفية التي يمكن أن تتعاطى بها واشنطن مع القضايا الدولية المثارة، مرورا بالعلاقة مع الحلفاء، وحتى الأوضاع في الداخل نفسه، في ظل تغييرات كبيرة طغت على المشهد الأمريكي خلال السنوات الماضية، أبرزها حالة الاستقطاب الحاد، والانقسام الكبير، وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى الاختلاف الجذري في الحياة السياسية في أمريكا منذ بزوغ نجم الرئيس السابق، والمرشح الحالي للرئاسة دونالد ترامب، في انتخابات 2016، والتي حقق فيها فوزا تاريخيا على منافسته آنذاك هيلاري كلينتون، على عكس ما آلت إليه التوقعات والاستطلاعات لشهور طويلة سبقت التصويت.

وأن الحديث عن ثوابت السياسة الأمريكية، يدفع نحو مناقشة العديد من القضايا المتداولة ، ويمكن تلخيصها في مسارات ثلاثة، بدءً من مستقبل الديمقراطية في الداخل الأمريكي، مرورا بالعلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط، وما يرتبط بالمنطقتين من قضايا، تحمل أهمية كبيرة، ذات تداعيات على شعوب العالم بأسره، بالإضافة إلى إدارة العلاقة مع خصوم أمريكا، وعلى رأسهم روسيا والصين، في ضوء ما تحقق لهما من نجاح كبير خلال السنوات الماضية، باعتبارهما قوى فاعلة في النظام الدولي، وبالتالي يمكنهما المشاركة في صناعة القرار العالمي، خاصة فيما يتعلق بالأزمات الدولية الراهنة.

هذه المحاور هي محل خلاف وتصل إلى حد التناقض الصريح بين مرشحي الرئاسة الأمريكية، وهو ما يمثل بعدا جديدا في الانتخابات المقبلة، حيث كانت بمثابة ثوابت غير قابلة للنقاش، ومحلا للاتفاق بين الأحزاب، التي يمثلها كافة المرشحين، خلال كافة المناسبات السابقة، وهو ما يعكس طبيعة المنافسة، التي وإن كانت تبدو تقليدية كونها تقتصر على الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، إلا أنها تمثل في واقع الأمر صراعا بين تيار السياسة التقليدية في واشنطن، وتمثله كامالا هاريس، بحكم التزامها بما تفرضه عليها الأجندة الحزبية، بالإضافة إلى كونها شغلت منصب نائب الرئيس الأمريكي في الإدارة الحالية، وهو ما يجعلها مثقلة بالتزامات وربما أخطاء لم تقترفها بنفسها، وإنما تتحمل مسؤوليتها بحكم منصبها، من جانب، وتيار آخر يحمل قدرا من الثورية السياسية، ذات الطبيعة الشعبوية، ويمثله دونالد ترامب، ربما يمثل الحزب الجمهوري، ولكنه في واقع الأمر يمثل نفسه، حيث يبقى متمردا على العديد من الرؤى التي يتبناها الحزب، وهو ما يبدو في انتقاداته الكبيرة لأسلافه من الجمهوريين.

ثورية ترامب تجلت في العديد من المشاهد، ربما أبرزها سياساته التي تبناها في ولايته الأولى، والتي اعتمدت نهجا قائما على تكسير الثوابت، إلى حد التشكيك في الديمقراطية الأمريكية، عندما خسر أمام الرئيس جو بايدن، قبل 4 سنوات، وتحريضه لنائبه آنذاك مايك بنس، بعدم الاعتراف بما آلت إليه نتائج الصناديق، بل تشجيعه لخروج أنصاره إلى مقر الكونجرس لمنع الإعلان عن فوز غريمه الديمقراطي في يناير 2021، وهو ما يمثل مساسا بما يمكننا تسميته بأحد أهم "مقدسات" السياسة الأمريكية، ولذا كان انتصار بايدن في الانتخابات الأخيرة، في نظر الكثيرين، بمثابة طوق النجاة لديمقراطية أمريكا، قبل أن يواصل ترامب هوايته في كسر الثوابت مجددا بالترشح لمرة ثالثة، بعدما فشل في الحصول على ولاية ثانية، في الانتخابات الماضية، وبالتالي يصبح الرهان على هاريس هذه المرة باعتبارها امتدادا للتيار المؤمن بالإرث الديمقراطي لأمريكا.

نهج ترامب يتعارض مع أعراف السياسة في واشنطن، ليس فقط في الانقلاب على الثوابت العريضة للأمة، وإنما امتدت إلى النهج الذي أدار به إدارته، وهو ما يبدو في حجم الإقالات والاستقالات التي شهدتها الحكومة الأمريكية، خلال الفترة من 2017، وحتى 2021، وهي سنوات ولايته الأولى، حيث توالي أكثر من شخص على المنصب الواحد، وهو ما يمثل استثناءً مهما في عمل الإدارات المتواترة خلال عقود طويلة من الزمن، وهو الأمر الذي يقدم صورة جديدة للسياسة الداخلية، تقوم في الأساس على مركزية صناعة القرار في يد الفرد، وهو الرئيس، مما يتعارض مع أصول الديمقراطية، والتي تمنح مساحة معتبرة في صناعة القرار لمسؤولي الإدارة.




والمفارقة المثيرة للانتباه، تتجلى في كون الرؤى التي يتبناها ترامب تحظى بشعبية كبيرة، وهو ما يبدو في تصاعد حظوظه، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن قطاعا كبيرا من الأمريكيين بات يمثل قاعدة كبيرة لتلك الأفكار التي يتبناها الرئيس السابق، حتى إذا ما فشل في دخول البيت الأبيض مجددا، بدليل الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في أعقاب فشله في الانتخابات الماضية وما نجم عنها من اشتباكات، تجلت في ذروتها في مشهد اقتحام الكونجرس، بينما تبقى هاريس، باعتبارها المدافع عن التيار التقليدي، القائم على حماية الثوابت، تقديم رؤية من شأنها تحقيق قدر من التحديث على تلك الثوابت، أو بالأحرى "إصلاح"، خاصة مع تغير المعطيات سواء في الداخل الأمريكي، أو الخارج.

وهنا يمكننا القول بأن الانتخابات الأمريكية تعكس اختلافا كبيرا في طبيعة الصراع، والذي بات متجاوزا للأحزاب السياسية في صورتها التقليدية، والتي شهدت تراجعا كبيرا، في السنوات الماضية، نحو الثوابت التي تمثل أساسا اعتمدت عليه الولايات المتحدة في بناء نفوذها وصناعة هيمنتها، منذ الأربعينات من القرن الماضي، خلال حقبة الحرب الباردة، عبر تعميم تجربتها القائمة على الديمقراطية على حلفائها ثم عززته في حقبة الهيمنة الأحادية، عبر تصديرها إلى العالم، وهو ما بدا في محاولات فرضها على العديد من المناطق العالم، من خلال العديد من الأدوات، بدءً من الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية، وصولا إلى السقوط في مستنقع الحروب العسكرية، وهو ما كلف واشنطن مليارات الدولارات خلال العقود الماضية، وهو ما سمح إلى حد كبير في رواج الأفكار الجديدة التي يعتنقها ترامب في مقابل الديمقراطية المتطرفة.

صحيفة " نيويورك تايمز " اعتبرت الأحد ، أن الأجواء السياسية في الولايات المتحدة “غير مواتية” لفوز محتمل لمرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية نائبة الرئيس كامالا هاريس، كما يتصوّر كثيرون، في إطار موجة غضب عالمية وتراجع ثقة في الأحزاب الحاكمة بالدول المتقدمة دفعت إلى “نزعة تغيير”.

وقالت الصحيفة الأمريكية، أمس السبت، إنه من الإنصاف القول إن هذه الحملة الانتخابية “لم تجرِ بسلاسة كما توقع الديمقراطيون”، بغض النظر عما سيحدث في يوم الانتخابات، الثلاثاء المقبل.

وذكرت أنه في أعقاب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، بدا أن الرئيس السابق دونالد ترمب قد هُزم، ورغم أنه ربما يخسر في نهاية المطاف، لم يُستبعد ترمب أو “يُقصى”، كما توقع البعض عقب الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، أو إثر عدد من القضايا الجنائية المرفوعة ضده، أو حتى بعد إلغاء قرار “رو ضد وايد” (الذي يحمي حق الأمريكيات في الإجهاض) بواسطة قضاة عيّنهم هو نفسه في المحكمة العليا.

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن الرئيس جو بايدن هو من أقصاه الناخبون في انتخابات عام 2024، وليس “المُدان”، الذي حاول قلب نتائج الانتخابات السابقة.

وأضافت الصحيفة، أن السبب وراء استمرار ترمب في المنافسة، هو ببساطة أن “الأجواء السياسية الوطنية ببساطة، ليس مواتية لفوز ديمقراطي، كما قد يتصور الكثيرون”.

ويواجه الديمقراطيون تحديات في هذه الانتخابات، إذ أظهر آخر استطلاع أجرته “نيويورك تايمز” بالتعاون مع “سيينا كولديج”، أن 40% فقط من الناخبين يوافقون على أداء بايدن، بينما قال 28% منهم، إن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.

ولم يسبق لأي حزب أن احتفظ بالبيت الأبيض في ظل استياء عدد كبير من الأمريكيين على البلاد أو على الرئيس. وتظهر استطلاعات رأي أن التحدي الذي يواجه الديمقراطيين “أعمق من ذلك”، فللمرة الأولى منذ عقود، أصبح الجمهوريون متساويين أو متقدمين في نسبة الانتماء الحزبي على مستوى البلاد ، وتُظهر استطلاعات أيضاً تفوق الجمهوريين في معظم القضايا الأساسية، باستثناء الديمقراطية وحقوق الإجهاض، وفق “نيويورك تايمز”.

وتوقعت “نيويورك تايمز”، أن تكون الهيمنة الليبرالية المستمرة منذ فترة طويلة على السياسية الأمريكية “في طريقها إلى الانحسار، أياً كانت نتيجة الانتخابات” ورجحت الصحيفة أن فقدان الديمقراطيين تفوقهم في الانتماء الحزبي، وتنامي التفوق الجمهوري في بعض القضايا يشير إلى امتلاك الجمهوريين فرصة كبيرة للفوز في هذه الانتخابات.




وقالت “نيويورك تايمز” إن ذلك سيكون التفسير “الأكثر منطقية” إذا فاز ترمب، وليست شعبيته السياسية، أما إذا خسر، فستكون تصرفاته خلال أحداث 6 يناير 2021، وقرار المحكمة العليا بإلغاء حكم “رو ضد ويد”، هما السبب في خسارته انتخابات “كانت في متناول يده”.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى