كان الشفق يا صديقي يغيب مثل أملي في تلك الأمسية الشتوية القارسة البرودة، تمشيتُ فيها قليلا لعلّي أمسح عن جبيني بعضاً من تعب السنين، لعلّي أستريح من كآبة الغربة، ربما لعلّي أفيق.
تمشّيتُ وحيداً بلا رفيق، فلا رفقاء هنا، تمشيتُ غريب الملمح واللون، فلا أحد يشبهني هنا وكأنهم كتبوا على جبهتي "منبوذ". كنتُ مثل جبل وسط الصحراء تصفعه الرياح من كل جانب، كنتُ منسياً مثل قرية أبيد أهلها، مثل قطاعٍ محاصر، مثل قناة تعبر فيها سفن الأعداء، كنتُ أجنبياً.
كنتُ متكئا على أريكة العِزّ وبيدي عصى الشرف ملفاً جراحي بأسلاك من حديد، كنتُ أُحارب حتى الرمق الأخير، كنتُ رغم الخذلان شامخا، رغم قسوة المحن كنتُ أزحف إلى الأمام حيث شواطئ الفناء.
كان مساء لن أنساه تذكرتك فيه يا صديقي وتذكرت بمقولتك تلك "إذا اغتربت ستفتقد أشياء كثيرة و ستترك خلفك كل شيء، تخيل أنك ستبكي للعزّة والشرف كما تبكي بائعة الهوى لعذريتها ... ستتألّم كأمٍ قُصفَ رضيعها ... سيلين قلبك مع الذكرى، سيذوب كالثلج ...
ستشتاق إلى هذا الشارع الضيق رغما عن قذارته، إلى الضياع والعطالة، إلى كنبات القهوة رغما عن بؤس أزمنتها الغابرة ... ستفتقد إلى أمور كنت تحسبها تافهة وأناساً طالما لم تعطهم اهتماما .... البسمات على جبين الفقراء، الترحيب عند ماسح الأحذية، الفكاهة عند بائع الفول السوداني، الموسيقى تُعزف في الأفراح، مفاجاتٌ من العيار الثقيل في صحف الصباح، اللعنات تنهال على رؤوس الحكّام، الأحلام تُعدم شنقاً حتى الموت، الجيال تَشبُّ بلا اكتراث، السعادة تُشترى بأبخس ثمن بضحكة صديق أو بلمّة أهل لأنها بسهولة تباع رغم مِحَنِهِ في الوطن".
كنتَ صادقاً وكذّبتك، أخبرتك أنني كالحجر لن أتذكر.
تمشّيتُ وحيداً بلا رفيق، فلا رفقاء هنا، تمشيتُ غريب الملمح واللون، فلا أحد يشبهني هنا وكأنهم كتبوا على جبهتي "منبوذ". كنتُ مثل جبل وسط الصحراء تصفعه الرياح من كل جانب، كنتُ منسياً مثل قرية أبيد أهلها، مثل قطاعٍ محاصر، مثل قناة تعبر فيها سفن الأعداء، كنتُ أجنبياً.
كنتُ متكئا على أريكة العِزّ وبيدي عصى الشرف ملفاً جراحي بأسلاك من حديد، كنتُ أُحارب حتى الرمق الأخير، كنتُ رغم الخذلان شامخا، رغم قسوة المحن كنتُ أزحف إلى الأمام حيث شواطئ الفناء.
كان مساء لن أنساه تذكرتك فيه يا صديقي وتذكرت بمقولتك تلك "إذا اغتربت ستفتقد أشياء كثيرة و ستترك خلفك كل شيء، تخيل أنك ستبكي للعزّة والشرف كما تبكي بائعة الهوى لعذريتها ... ستتألّم كأمٍ قُصفَ رضيعها ... سيلين قلبك مع الذكرى، سيذوب كالثلج ...
ستشتاق إلى هذا الشارع الضيق رغما عن قذارته، إلى الضياع والعطالة، إلى كنبات القهوة رغما عن بؤس أزمنتها الغابرة ... ستفتقد إلى أمور كنت تحسبها تافهة وأناساً طالما لم تعطهم اهتماما .... البسمات على جبين الفقراء، الترحيب عند ماسح الأحذية، الفكاهة عند بائع الفول السوداني، الموسيقى تُعزف في الأفراح، مفاجاتٌ من العيار الثقيل في صحف الصباح، اللعنات تنهال على رؤوس الحكّام، الأحلام تُعدم شنقاً حتى الموت، الجيال تَشبُّ بلا اكتراث، السعادة تُشترى بأبخس ثمن بضحكة صديق أو بلمّة أهل لأنها بسهولة تباع رغم مِحَنِهِ في الوطن".
كنتَ صادقاً وكذّبتك، أخبرتك أنني كالحجر لن أتذكر.