قصيدة وناقدين..
* ليلى كو..
قصيدة “وقالت خطاي” للشاعر مصطفى الحاج حسين تعكس بعمق تجربة الشاعر مع مرارة الواقع وتفاصيل الوجود الممزق في وطن يعاني من الحرب والدمار، كما تُظهر تداعيات الغربة والتشظي على الفرد والوطن. من خلال هذه القصيدة، يعبر الشاعر عن الألم الجماعي والفردي، حيث أن الخيبات والهزائم لم تعد مجرد تجربة شخصية، بل باتت جزءًا من الكيان الجمعي لشعب يعاني من الغربة والموت على يد قوى خفية.
القصيدة تفتتح بصورة مباشرة للشاعر وهو يستمع إلى “خطاه” التي تمنعه من المضي قدما، لتصبح هذه الخطوات محورية في تجسيد التمزق الداخلي، والتوقف عن المضي في طريق مليء بالعثرات. في هذا التوقف، يبدو الشاعر وكأنه يواجه الأرض التي باتت بلا دروب، والزمان الذي اختفى فيه الأمل.
يستخدم الشاعر “الحطب” كرمزية لما تبقى من الكلمات التي لا تعيد إشعال النار، بل تقتصر على كونها عبئًا ثقيلًا في محاولة لإضاءة الظلام المحيط. هذه الكلمات التي باتت محبطة ليست سوى أداة للتدفئة النفسية في قصيدة تناضل على جمر المأساة.
ويتناول الشاعر أيضًا الصورة الرمزية للخراب الجغرافي، حيث “الجماجم” و”الخرائط المشرذمة” تنقل لنا صورة مريرة عن واقع تم تقسيمه وتفتيته. ويبرز هنا شعور بالغربة ليس فقط كجغرافيا، بل كحالة وجودية تفرض على الشاعر أن يبحث عن مكان له بين ركام الماضي وأحلام المستقبل الضائعة.
من خلال تصويره لسقوط “الضحكة التي ذبحتنا”، يقف الشاعر في موقف من التأمل الحزين على حال البلد، الذي أصبح يتقاذفه أعداء كُثر. كما يطرح مشهد العالم “المتحضر” الذي يتغذى على آلام الشعوب المقهورة، في إشادة لاذعة على التناقض بين ما يُسمى حضارة وما يتم تجاهله من واقع دموي.
القصيدة ليست فقط صرخة احتجاج، بل هي مرثية للأرض، للإنسان، وللكلمات التي كانت يومًا ما تملك القدرة على تغيير الواقع. هي إدانة للمجتمع الدولي الذي يتغاضى عن معاناة الشعوب تحت شعار “الحضارة”، وفي ذات الوقت هي دعوة للاحتجاج والمقاومة، ولو بالكلمات التي تصبح في النهاية أسلحة آخر ما تبقى من مقاومة.
وفي هذه النصوص، نرى أن الشاعر مصطفى الحاج حسين قد نجح في تجسيد معاناته ومعاناة شعبه بطريقة شاعرية مدهشة، إذ حوّل الألم والخيبة إلى كلمات قوية تقاوم النسيان، وتُذكرنا بحقيقة أن التغيير يحتاج إلى أكثر من مجرد قصيدة؛ يحتاج إلى جرح جماعي لا يمكن تجاهله.
ليلى كو..
=======================
## قصيدة: وقالت خطاي..
للشاعر والأديب السوري: مصطفى الحاج حسين.
محمد زكريّا حيدر
في المسافة التي تفصل بين موت البلاد، وحضور القصيدة.. يقف الشاعر (مصطفى الحاج حسين)، ليرفع ماتبقّى من صراخٍ، في حنجرةٍ تعبت من اللهاثِ خلفَ بلاد تنأى.
يطارد البلاد بالقصائد، ولكنَّ الكلمات
التي صارت حطباًلم تعد توقد في القصيدة ما يغري البلاد بالتّوقف عن الانهيار ما يغري القلب بالنكوص عن التشظّي.
حتى الغربة صارت تُهمة وتحتاج أن تختفي في نفقٍ يبحثُ عن الأسماءِ التي أضحت سرّية.
وعلى حدودِ الخرائط التي شرذمت
الوطن، فصار لعبة الأمم، بتنا لا نحارب إلّا بخيباتنا.. فهل تقودنا الخيانات إلى سياج الندى؟!.
ويبقى الشاعر يلهث بلهفتهِ العارمة،
طالباً إلى المدى أن يُفسح طريقاً لغُصّتهِ وقامة جرحه وهزائمه..
واحتضاره.
وحتى لا يبقى النداء فردياً تجد الشاعر يربط جرحه بجرحٍ جماعي، فهو سينادي على(جثثٍ تشبهه)، ليواجه معها قهقهات ذابحيه وقاتلي وطنه.
إنّه يقف بشموخِ ألمهِ يريد أن يحاصره الكراهية، التي تضغط على أنفاس البلاد... ويعجب للعالم (المتحضّر) الذي أصبح يقتات على استغاثات الضّعفاء.
صرخة الشّاعر شديدة الإيحاء.. تمرّ على الرّوح مرتدية أبهى الصّور وأكثرها عنفاً وجموحاً في تراكم صوري يؤدي إلى تشكيل لوحة ماتعة من الحضور التخييلي، الذي يتفاعل في وحدة القصيدة، ووحدة الألم ليعلن حضوره الأخّاذ.
محمد زكريا حيدر
سوري.. مقيم في الإمارات
***
(( وقالت خطايَ ))..
مصطفى الحاج حسين.
وقالت لي خطايَ توقّف
عنِ المجيءِ
فما عادَ للأرضِ دروبٍ
المسافاتُ تقوّضت في صدركَ
الكلامُ صارَ حطباً
تتدفأ عليه القصيدة
ويطلُّ من لهفتكَ
سحابٌ أسودٌ جائعٌ
يبتلعُ المدى ويطاردُ رؤاكَ
فيا أيّها المشظّى اتّئد
تجمّع في صحارى الدّمع
سنحفرُ لغربتنا نفقاً
يُودِي لاسمائنا
ونكتبُ على عثراتِ دمنا
أهازيجَ السّراب
ونرتّلُ على الجّماجمِ
خرائط البلاد المشرذمة
فيا أيّها الصّبح
تمسّك بأصابعِ خيبتي
لتقودكَ نحوَ سياج النّدى
قد تبصر حناياكَ
أخاديدَ لهفتنا النّادبة
وَسِّع أيّها المدى لغصّتي
ستعبر من هنا قامة جرحي
وتمرّ هزائمي كلّها
عبرَ هذا الرّكام
وينادي احتضاري في كلّ البلاد
على جثثٍ تشبهني
لنرسمَ على أبوابِ صرختنا
شكلَ الضّحكة التي ذبحتنا
وكانت تتقلّد سواد الضّغينة
بلدي تتقاذفها الكراهيّة
والعالم المتحضّر
يقتاتُ على استغاثاتنا
الطّازجة.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
* ليلى كو..
قصيدة “وقالت خطاي” للشاعر مصطفى الحاج حسين تعكس بعمق تجربة الشاعر مع مرارة الواقع وتفاصيل الوجود الممزق في وطن يعاني من الحرب والدمار، كما تُظهر تداعيات الغربة والتشظي على الفرد والوطن. من خلال هذه القصيدة، يعبر الشاعر عن الألم الجماعي والفردي، حيث أن الخيبات والهزائم لم تعد مجرد تجربة شخصية، بل باتت جزءًا من الكيان الجمعي لشعب يعاني من الغربة والموت على يد قوى خفية.
القصيدة تفتتح بصورة مباشرة للشاعر وهو يستمع إلى “خطاه” التي تمنعه من المضي قدما، لتصبح هذه الخطوات محورية في تجسيد التمزق الداخلي، والتوقف عن المضي في طريق مليء بالعثرات. في هذا التوقف، يبدو الشاعر وكأنه يواجه الأرض التي باتت بلا دروب، والزمان الذي اختفى فيه الأمل.
يستخدم الشاعر “الحطب” كرمزية لما تبقى من الكلمات التي لا تعيد إشعال النار، بل تقتصر على كونها عبئًا ثقيلًا في محاولة لإضاءة الظلام المحيط. هذه الكلمات التي باتت محبطة ليست سوى أداة للتدفئة النفسية في قصيدة تناضل على جمر المأساة.
ويتناول الشاعر أيضًا الصورة الرمزية للخراب الجغرافي، حيث “الجماجم” و”الخرائط المشرذمة” تنقل لنا صورة مريرة عن واقع تم تقسيمه وتفتيته. ويبرز هنا شعور بالغربة ليس فقط كجغرافيا، بل كحالة وجودية تفرض على الشاعر أن يبحث عن مكان له بين ركام الماضي وأحلام المستقبل الضائعة.
من خلال تصويره لسقوط “الضحكة التي ذبحتنا”، يقف الشاعر في موقف من التأمل الحزين على حال البلد، الذي أصبح يتقاذفه أعداء كُثر. كما يطرح مشهد العالم “المتحضر” الذي يتغذى على آلام الشعوب المقهورة، في إشادة لاذعة على التناقض بين ما يُسمى حضارة وما يتم تجاهله من واقع دموي.
القصيدة ليست فقط صرخة احتجاج، بل هي مرثية للأرض، للإنسان، وللكلمات التي كانت يومًا ما تملك القدرة على تغيير الواقع. هي إدانة للمجتمع الدولي الذي يتغاضى عن معاناة الشعوب تحت شعار “الحضارة”، وفي ذات الوقت هي دعوة للاحتجاج والمقاومة، ولو بالكلمات التي تصبح في النهاية أسلحة آخر ما تبقى من مقاومة.
وفي هذه النصوص، نرى أن الشاعر مصطفى الحاج حسين قد نجح في تجسيد معاناته ومعاناة شعبه بطريقة شاعرية مدهشة، إذ حوّل الألم والخيبة إلى كلمات قوية تقاوم النسيان، وتُذكرنا بحقيقة أن التغيير يحتاج إلى أكثر من مجرد قصيدة؛ يحتاج إلى جرح جماعي لا يمكن تجاهله.
ليلى كو..
=======================
## قصيدة: وقالت خطاي..
للشاعر والأديب السوري: مصطفى الحاج حسين.
محمد زكريّا حيدر
في المسافة التي تفصل بين موت البلاد، وحضور القصيدة.. يقف الشاعر (مصطفى الحاج حسين)، ليرفع ماتبقّى من صراخٍ، في حنجرةٍ تعبت من اللهاثِ خلفَ بلاد تنأى.
يطارد البلاد بالقصائد، ولكنَّ الكلمات
التي صارت حطباًلم تعد توقد في القصيدة ما يغري البلاد بالتّوقف عن الانهيار ما يغري القلب بالنكوص عن التشظّي.
حتى الغربة صارت تُهمة وتحتاج أن تختفي في نفقٍ يبحثُ عن الأسماءِ التي أضحت سرّية.
وعلى حدودِ الخرائط التي شرذمت
الوطن، فصار لعبة الأمم، بتنا لا نحارب إلّا بخيباتنا.. فهل تقودنا الخيانات إلى سياج الندى؟!.
ويبقى الشاعر يلهث بلهفتهِ العارمة،
طالباً إلى المدى أن يُفسح طريقاً لغُصّتهِ وقامة جرحه وهزائمه..
واحتضاره.
وحتى لا يبقى النداء فردياً تجد الشاعر يربط جرحه بجرحٍ جماعي، فهو سينادي على(جثثٍ تشبهه)، ليواجه معها قهقهات ذابحيه وقاتلي وطنه.
إنّه يقف بشموخِ ألمهِ يريد أن يحاصره الكراهية، التي تضغط على أنفاس البلاد... ويعجب للعالم (المتحضّر) الذي أصبح يقتات على استغاثات الضّعفاء.
صرخة الشّاعر شديدة الإيحاء.. تمرّ على الرّوح مرتدية أبهى الصّور وأكثرها عنفاً وجموحاً في تراكم صوري يؤدي إلى تشكيل لوحة ماتعة من الحضور التخييلي، الذي يتفاعل في وحدة القصيدة، ووحدة الألم ليعلن حضوره الأخّاذ.
محمد زكريا حيدر
سوري.. مقيم في الإمارات
***
(( وقالت خطايَ ))..
مصطفى الحاج حسين.
وقالت لي خطايَ توقّف
عنِ المجيءِ
فما عادَ للأرضِ دروبٍ
المسافاتُ تقوّضت في صدركَ
الكلامُ صارَ حطباً
تتدفأ عليه القصيدة
ويطلُّ من لهفتكَ
سحابٌ أسودٌ جائعٌ
يبتلعُ المدى ويطاردُ رؤاكَ
فيا أيّها المشظّى اتّئد
تجمّع في صحارى الدّمع
سنحفرُ لغربتنا نفقاً
يُودِي لاسمائنا
ونكتبُ على عثراتِ دمنا
أهازيجَ السّراب
ونرتّلُ على الجّماجمِ
خرائط البلاد المشرذمة
فيا أيّها الصّبح
تمسّك بأصابعِ خيبتي
لتقودكَ نحوَ سياج النّدى
قد تبصر حناياكَ
أخاديدَ لهفتنا النّادبة
وَسِّع أيّها المدى لغصّتي
ستعبر من هنا قامة جرحي
وتمرّ هزائمي كلّها
عبرَ هذا الرّكام
وينادي احتضاري في كلّ البلاد
على جثثٍ تشبهني
لنرسمَ على أبوابِ صرختنا
شكلَ الضّحكة التي ذبحتنا
وكانت تتقلّد سواد الضّغينة
بلدي تتقاذفها الكراهيّة
والعالم المتحضّر
يقتاتُ على استغاثاتنا
الطّازجة.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول