وأنا أغادر زاوية النعيمي مسقط رأس والدي، وذاكرة طفولة مليئة بالحب والشغب، كنت أعيد رص ذكرياتي من جديد، أجدد الماضي بالحاضر، أعانق أفراح الأمس وأضمد جراحات اليوم، العودة إلى طفولتك من خلال مكان أو منزل أو أشخاص تعود بالزمن إلى تلك الفترة لتنعم بفرحها و شجنها و عمقها، وأنا أدخل الزاوية بعد سنين طوال، كنت أفتش في ذاكرتي هل لا تزال الأماكن هي هي، تلك الأزقة والحواري التي كنا نركض فيها من كل الاتجاهات دون كلل أو ملل، وحتى حين كان يحاصرنا الجوع أو العطش، لم نكن في حاجة للرجوع إلى البيت، فأي منزل هناك هو منزلنا ندلف بابه صارخين، فتحتوينا الأذرع بحضن كبير، لم نكن نسمع إلا لالة مريم أو سيدي سعيد او خالد او غيرهم، كان عيبا و عارا أن ينادينا أحد بغير لقب التشريف الذي لم يكن يعنينا بقدر ما كان يعنينا الحب الكبير والأنس، ها أنذا اعود سيدة راشدة محملة بطفولتي المدفونة في قاع الروح أتطلع لبلدتي الجميلة، مررت بمنزلنا لكن لم اتوقف عنده إلا لحظة، ومضيت، ما عدت أملك مفتاح بابه، فقد صار لعمي، مضيت حيث استقبلني بيت من بيوت الزاوية لأنعم أنا و رفيقاتي في السفر بحب منقطع النظير، هللوا لمقدمنا بكل الحب كان بيت أحد أحفاد جدنا السويدي حسن و زوجته هو مقر اقامتنا الذي قضينا بين ظهرانيهم اجمل الاوقات، ومن فوق سطح بيتهم كان الفضاء الرحب يعانق بصري، اراضي خضراء وأخرى لا تزال بكرا لم يلمسها محراث، ومن بعيد كان دوار اولاد خلف الله كما كان دائما معاليا هضبته في سمو وعنفوان رغم أن سكة الحديد قسمته إلى نصفين، كانت صافرات قطارات الفوسفاط كزغرودة تقطع صمت المكان وهدوءه، كم هو جميل رؤيته في وضح النهار وحتى حين يحل الليل تضيؤه أنوار الكهرباء وتزيده جمالا وبهاء، فلم يفسد جماله ليلا ذلك و إن كان قديما ضوء المصابيح والقناديل والشموع يمعك الاحساس بالهيبة، هكذا كنت اراه صغيرة وهكذا أراه وأنا على مشارف الزمن الذي اقتص من سنين عمري الكثير.
وكعادة أهل احمر النبلاء ما أن يسمع خبر وصولك حتى تبدأ بشائر الدعوات للاحتفاء بابنة البلدة واسرتها فكان بيت اخي وابن العم زعفات حسن واخوه عبدالرحيم واسرتيهما اول انطلاقة لي في الزاوية والتنقل بين ازقتها الضيقة التي لم تتغير رغم هذه السنين، فالزاوية لم تغير من جلدها، برغم بعض المنازل التي بنيت بالطرق الحديثة، لكن الغالبية حافظوا على شكلها قديما بالاحجار التي اعدوها من أرض الكرامة والعروبة ومن تربتها الشريفة، الحفاوة والحب والعناق والكل يعرف انك بنت هذا المكان، ولست مجرد ضيفة تؤدي واجب الزيارة، الحديث كان ذو شجون و الابتسامة و الضحكة كانت طعم الجلسات، إنها لحظات ثمينة اقتنصناها من الزمن ودوناها في قلوبنا بمداد المحبة والامتنان .
انتهت الرحلة ولكن لم ينته حلم اللقاء مرة أخرى ومرات. لكم كل الحب والتقدير و الامتنان.
وكعادة أهل احمر النبلاء ما أن يسمع خبر وصولك حتى تبدأ بشائر الدعوات للاحتفاء بابنة البلدة واسرتها فكان بيت اخي وابن العم زعفات حسن واخوه عبدالرحيم واسرتيهما اول انطلاقة لي في الزاوية والتنقل بين ازقتها الضيقة التي لم تتغير رغم هذه السنين، فالزاوية لم تغير من جلدها، برغم بعض المنازل التي بنيت بالطرق الحديثة، لكن الغالبية حافظوا على شكلها قديما بالاحجار التي اعدوها من أرض الكرامة والعروبة ومن تربتها الشريفة، الحفاوة والحب والعناق والكل يعرف انك بنت هذا المكان، ولست مجرد ضيفة تؤدي واجب الزيارة، الحديث كان ذو شجون و الابتسامة و الضحكة كانت طعم الجلسات، إنها لحظات ثمينة اقتنصناها من الزمن ودوناها في قلوبنا بمداد المحبة والامتنان .
انتهت الرحلة ولكن لم ينته حلم اللقاء مرة أخرى ومرات. لكم كل الحب والتقدير و الامتنان.