محمد عبدالقادر - سيسامنيس.. مستشار الزمالك.

نحن أمام رواية آثر كاتبها إلا أن يكشف لنا مواطن الفساد في بعض ممن ينتمون إلى فئة يراها الجميع منزهة عن الخطأ، بل ويذهب البعض إلى أن يسمي من ينتسب إليها " ظل الله في الأرض"، وحري بمن يعمل بها أن يكون كذلك؛ تلك فئة القضاة، إلا أننا قد ننسى أنهم بشر، وأن البشر بطبعه خطّاء.

1731622504798.png

لقد ارتدى الكاتب بنجاح منقطع النظير ثوب الطبيب النفسي العالم ببواطن النفس البشرية، وغاص بعمق في شخصية قاضٍ هو نموذج للفساد، بينما يرى في نفسه العظمة مجسدة، ولا يجد فيما يرتكب من موبقات غضاضة، ولم يجد بداخله ضميرا ينهاه ، ولا رادعا يردعه، فقد دانت له الدنيا ، وأتته مقبلة فامتلك المال والنفوذ والجاه والسلطان ووجد في حصانة منصبه ملاذا، وفي نظرة العامة لمنصبه وجاء، فتعددت جرائمه بقدر ما تعددت علاقاته النسائية التي أغضبت زوجته وحق لها أن تغضب، بل أفقدتها الرغبة في الحياة أصلا، وهو في سبيل ذلك يرتدي القناع تلو القناع، فهو الخائن لزوجته رغم حبه لها، وهو المحرض على القتل، وهو المرتمي في أحضان الساقطات، والمتعامل مع القوادات، وهو المتآمر على أبناء بلدته دون رادع أو ضمير، ثم هو المبتز لسائقه الذي تاب بعد جريمة قتل ارتكبها إرضاء له فسعى لإفساد توبته بل لدفعه لارتكاب أخرى ، وهو لص الآثار، ثم هو القاضي الجليل المتزن المرهوب الجانب الذي لا يشق له غبار الذي يجلس على منصة القضاء شامخا كما تفخر به ابنته، إنه الشيطان بعينه.
ورغم ان رب العالمين قد إبتلاه بالحرمان من أغلى أمنية له وهي إنجاب الولد ليرث ثرواته التي لا يقدر على إحصائها إلا أنه لم يجد في ذلك سببا للتقرب من الله والدعاء وتعديل سلوكه علّ الله يمنحه الولد وهو على ذلك لقدير.
لقد استطاع الكاتب أن يصور لنا أبعاد تلك الشخصية من خلال سرد محكم وحوارات رائعة، وتمكن دون عناء من أن يدفعنا لكراهته.
لم يشأ الكاتب أن يُظلِم كافة جوانب الرواية فوضع لنا بصيصا من نور في شخص المربية العجوز التي ربته أم عمرو والتي يناديها ب "أمنا الغالية"، وهي تمثل صوت العقل الدافئ الذي يرتاح إليه والتي هي دائمة الدعاء له رغم أنه لا يعمل بنصائحها .
- لاتخلو كتابة الكاتب من نظرة فلسفية ضمنها روايته، وجسدها حوار الزوجة مع نفسها ص 72

لقد قدم لنا الكاتب أحمد عبد الله اسماعيل في روايته "سيسامنيس" وجبة دسمة من السرد الراقي، والحوارات التي تخدم النص، وتزيد القارئ رغبة في اكمال قراءة الرواية حتى نهايتها، ناهيك عن قدرته الفائقة في وصف الشخصيات والأماكن بصورة تجعلك وكأنك تراها رأي العين.
شكرا للكاتب الكبير وأعتبر نفسي قد حققت مكسبا بقبولي دعوته، وقراءتي للنص، وننتظر منه الكثير.
=============
الشاعر والروائي اللواء/ محمد عبد القادر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى