علجية عيش - مالك بن نبي دعا إلى "كومنولث إسلامي" و إعادة النظر في "الخلافة" و"الإمامة"

مالك بن نبي شخّص الوضعية السائدة في العالم الإسلامي و قال:
فشل المسلمين سببه غياب قيادة حكيمة ترسم لهم خطة سيرهم



منذ ستين سنة (60) أو أكثر، نادى مفكر جزائري إلى وحدة المسلمين وبناء اتحاد إسلامي، وكأن وحي نزل عليه وأخبره بما سيحدث في القرن الجديد من ثورات وانقلابات على الأنظمة، وحروب طائفية وما إلى ذلك من الفوضى سواء كانت سياسية ودينية، إنه الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي رحمه الله، الذي وضع فكرته في تشكيل"كومنولث إسلامي"، وسلم مشروعه إلى الأستاذ عمر مسقاوي، لطبعه على الآلة الراقنة، والكومنولث وثيقة تاريخية بدا فيها العالم الإسلامي يشهد تطورات تجعله بين موقفين أو قرارين. إما أن يقوم بثورة عربية إسلامية تاريخية، أو يستجيب لثورة تأتيه من الخارج في غياب قيادة حكيمة ترسم لهم خطة سيره، لعل العالم الإسلامي يصحوا ويضع حدا للنزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية ولا يتخذ الأصولية سبيلا لها ويجعل خريطة خاصة به
462642963_1349021486476585_5828696627850106705_n.jpg
وقد شبّه مالك بن نبي المسلم بالطفل الذي يقلد الأصوات التي لا يفهمها ويقلد سلوك الكبار الذين حوله، وأراد مالك بن نبي بذلك ضرورة التخطيط للعالم الإسلامي وبناء وحدته الروحية، أي جعل المسلمين بمختلف أجناسهم وجنسياتهم في إطار واحد، وكان مالك بن نبي يدرك أن العالم الإسلامي يجتاز فترة تحول ومن هنا نجمت فكرة "التكيف" التي تحدث عنها، بحكم أن المادة تحظى في العالم المخطط بمرتبة القيمة العليا، ويبني مالك بن نبي فكرته على نظرية السيكولوجية الصبيانية القائلة بأن "الطفل لا يرى في العالم أفكارا بل أشياء"، ويرى مالك بن نبي أن المسلم جاهل بعالم الضرورات، وبفعل تقلباته التاريخية تدخل في حياته وحذره بضرورات غير حقيقية، وجعل منه إنسانا ممزقا من جراء التناقض، غير أن هذا الجيل الإسلامي الجديد سعى إلى محاربة فوضى الأفكار والأشياء ليخرج من حالة الفوضى التي أوصلته إلى مرحلة الغثيان، بعدما أدرك أنه كان ضحية مجتمع لم يقدم له الضمانات الضرورية لاكتماله الاجتماعي، لدرجة أن الغرب وثل إلى قناعة أن الإسلام أصبح شيئا فات أوانه، مما أدى ببعض المسلمين إلى الارتداد عن الإسلام واعتناق المسيحية، ووقف مالك بن نبي على هذه الاستنتاجات من خلال محاوراته مع طلبة وشباب صينيين، وآخرون من موريتانيا، ومكمنه هذه الحوارات من تشخيص داء المجتمع الإسلامي، والوضعية السائدة في العالم الإسلامي.

من هنا انبثقت فكرة "كومنولث إسلامي"، والمقصود بهذه الفكرة معرفة أكثر بالعالم الإسلامي أووضع تصميم خاص لهذا العالم الإسلامي، وهذا يتعين أخذ بعين الاعتبار عددا معينا من المعطيات العضوية والضرورية المنطقية، واعتمد مالك بن نبي في وضع هذا المفهوم على النموذج البريطاني الذي وضعه ملك انجلترا ، وصوت عليه مجلس العموم البريطاني في 11 ديسمبر 1931 لمواجهة الوضع الاقتصادي العالمي غداة الحرب العالمية الأولى، وبخاصة بعد الانطلاق الصناعي الياباني، إلا أن مالك بن نبي لم يشخص كومنولث إسلامي في ملك أو رئيس جمهورية، وإنما في فكرة هي "الإسلام" ممثلة في مُجَمَّعٍ دائم يجسم الإرادة الجماعية للعالم الإسلامي ويمثل مصالحه العامة، كما ربط مالك بن نبي وجه المقارنة بين النموذجين، بحيث يتمثل الكومنولث البريطاني في مجموعة دول، لها نفس المشاكل السياسية، بينما الكومنولث الإسلامي يتكون من مجموعة شعوب تتفق على مبادئ أساسية لاستدراك تأخرها.

نحو إعادة النظر في الخلافة والإمامة
وبالرغم من التقلبات التاريخية، فلا جدال في أن العالم الإسلامي ومن وجهة نظر مالك بن نبي قد احتفظ بوحدته الروحية، لكنها لم تقم بدورها الكامل، لأن إرادة العالم الإسلامي الجماعية لم تتشكل بعد، وقد تنبأ مالك بن نبي لهذا الخطر، جعله يطالب بإعادة النظر في الخلافة والإمامة معًا، وتحديد مفهوم كل واحدة منها على حدا، من الناحية القانونية والدينية والتاريخية، دون إهمال أوإغفال ما تحمله عبارة " الأمة" من تنوع من حيث السياسة والجغرافية والجنس، قبل أن يشير أن هذه المفاهيم تقلصت في الواعية المسلمة.
ويرى مالك بن نبي أن الكومنولث لا يمكن بالضرورة أن يُعَرَّفَ ك "اتحاد فدرالي" بين العوالم الإسلامية إلا بمؤتمر إسلامي يقوم بدور الهيئة التنفيذية للإتحاد، بعدما حدد هذه العوالم الإسلامية وهي: (العالم الإسلامي الأسود والإفريقي، العالم الإسلامي العربي، العالم الإسلامي الأوروبي، العالم الإسلامي الإيراني، العالم الإسلامي الماليزي، والعالم الإسلامي الصيني المنغولي)، ولم يغفل مالك بن نبي في وضع "تخطيطا" يتعين تجنبه للعوالم الإسلامية، وهو التخطيط الذي تنطلق فيه هذه العوالم من النقطة المركزية، لأن ذلك ينتهي بتفرقها وتشتيتها، والعمل بالتخطيط الصحيح وهو أن تلتقي العوالم الإسلامية في النقطة المركزية، وهذا من اجل تحقيق الإرادة الجماعية الإسلامية، ويكون الكومنولث بمثابة الحجر الأساسي لهذه الإرادة.

كتب أحد الكتاب الجزائريين وهوالأستاذ محمد نسيب: "لو شققنا رؤوس بعض المسلمين المعاصرين المنتسبين إلى الإسلام لوجدناه مليئا بالماء، لا بالمخ، فالمخ سُرِقَ منهم وهرب إلى ما وراء البحار حيث يستغل ويستثمر وينتج ويبدع ويخترع ويجدد"، فلا شك في أن سبب تفوق الغرب على الشرق هواستعمال عقولهم وتحريك أفكارهم واستثمار مواهبهم وطاقتهم الفكرية والروحية وهوما لم يستثمره المسلمون، وخسروا بذلك حلمهم في بناء دولة قوية قوامها الإسلام ودستورها القرآن، بدليل أن الصراع بين النظم العربية والحركات الإسلامية يعود إلى نقطة الصفر بعد مخطط الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، والمساس بشرعيته، وما يحدث كذلك مع التيار الإخواني في الجزائر، وكما في السودان وسوريا التي تحولت منطقتها إلى نقطة تهديد خارجية، فما تزال تلك الصور الرهيبة المفزعة التي تعرض على القنوات الفضائية كل يوم من صور القتيل والتعذيب وبكاء الأطفال وعويل النساء والمناظر الأليمة المحزنة والمذابح والمجازر تهز مشاعر المسلمين في وقت سكتت فيه ألسنة الأنظمة العربية، وحتى الأحزاب الإسلامية وكأن ما يحدث رواية هزلية يتفرجون على أبطالها ويتمتعون بأحداثها، فقد مسخ إنسان هذا العصر، وتجرد من صفاته الآدمية وقيمه الدينية، لا يفكر في الغد ولا يخطط للمستقبل
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى