يأتي كتاب " النساء والمعرفة الدينية، مواضيع للقول أم ذوات فاعلة؟" في سياق مشروع فكري تشرف عليه د. أمال قرامي، قصد إنتاج معرفة نقدية ووعي فكري بالقضايا التي تخص وتهم النساء في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية و الدينية والثقافية والجندرية...
وذلك على أرضية معرفية فكرية و إبستمولوجية متحررة وفاعلة ومستقلة، بعيدا عن التماهي والتكريس للبراديغم الأبوي الاستبدادي الذكوري الذي ساد طويلا، وغطى على حق وأحقية النساء في الحضور والفعل والتناول النقدي، إلى حد النقض وبناء الأسس الفلسفية والمعرفية للتفكيك والنقد والتجاوز.
هكذا يجد القارئ نفسه أمام كتاب ثري في أبحاثه ومقالاته العلمية المثيرة للأسلة العميقة والتفكير النقدي. خاصة، أنها حاولت، قدر الإمكان، أن تقدم تحليلا ونقدا لخطابات دينية لمجموعة من الدعاة/الداعيات اللواتي قمن بإنتاج معرفة دينية أيديولوجية أبوية متحيزة للنظام الأبوي الذكوري، الغارق في العنصرية والطائفية والتمييز الجندري والاجتماعي والديني. وهي خطابات تحمل في حقيقتها المعرفية توجهات وخلفيات سياسية تجمع بين التغلب والاستبداد السياسي والديني، والتفكيك الاجتماعي الديني الثقافي للنسيج المجتمعي. إنها خطابات سلطوية تسلطية ترتبط موضوعيا بالأنظمة السياسية الاستبدادية السائدة، من خلال، مقاومتها للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ورفضها للتغيير السياسي، والعداء والكراهية للقيم الإنسانية، بذريعة تنسيبها واختزالها في الحضارة والقيم الغربية" الكافرة": الحرية، المساواة، الديمقراطية...
وانتصارها للقهر والأحادية الفكرية والسياسية والدينية، والتراتبية الهرمية على مستوى توزيع السلطة والمعرفة والثروة. كما اتجهت خطابات الداعيات إلى تطبيع قيم الاستبداد والقهر والتراتبية الاجتماعية والجندرية. وفرض الانغلاق والتسلط والجمود في البنى الاجتماعية والثقافية والدينية، إلى جانب السمع والطاعة و التبعية للفكر السلفي الماضوي، باعتباره الحقيقة الصحيحة الناجزة والنهائية والمطلقة، الحاملة لقيم دينية شرعية، في التكريم والفضل والتمييز والخير و العدالة الإلهية المفعمة بالقداسة والخلاص في الدنيا والآخرة.
لم يكن صدفة أن يتقدم بحث د. أحمد العدوي ترتيب المقالات،لأسباب علمية تتوخى تسليط الضوءعلى ما تضمنه خطاب الداعيات من منطلقات ومرجعيات وآليات التماهي والتكريس للفكر الديني الماضوي، كغطاء أيديولوجي سياسي، متورط في وحل الصراع السياسي الاجتماعي الدنيوي للسطو على السلطة والدولة والثروة...
وهذه الأضواء التنويرية تساعد على فهم الجذور التاريخية الاجتماعية الدينية والثقافية التي أسست وسيدت وفرضت تأويلا قهريا وتسلطيا للنصوص الدينية. الشيء الذي ولد فكرا وخطابا ومتخيلا ديني جمعي، طارد ولافظ، استبعادي اقصائي للإنسان كمشروع وجودي إنساني. خاصة، للنساء، كذوات حرة فاعلة مستقلة. وبالتالي حرمانهن من التحكم في زمام المصير، وهدر حقهن في الاختيارات، كأسلوب حياة ونمط وجودي في الحرية والكرامة و تكافؤ الفرص والمساواة، وفي العلاقة بالمعرفة، والمكانة الاجتماعية والإمامة والرياسة والخطابة والدراية...
وهذا ما حاولت مقالات هذا الكتاب تحليله ونقده، معرية الخلفيات السياسية المقنعة بالدين، والمؤسسة لخطاب الداعيات، في تمفصل وتكامل جدلي بين منطلقات وآليات الخطاب الدعوي، والتوجه والرؤى الإعلامية السياسية، والمصالح الاقتصادية السياسية لرؤوس المال. كل هذا قصد فرض السيطرة، وتحقيق التحكم في الوعي والإدراك. وصناعة متخيل ديني جمعي خاضع لقواعد ومعايير ضابطة للفكر والفعل والسلوك، وذلك بما يسمح بشرعنة وتطبيع الواقع السياسي الاجتماعي الديني القهر والعبودي، على مستوى الأفكار والدلالات والعلاقات الاجتماعية ، والقناعات والتمثلات والتصورات والمعتقدات...
أولا / في جذور القهر والتحكم والاقصاء، والوصاية الأخلاقية
" أنكر الغزالي في كتابه" إحياء علوم الدين" بعض مظاهر الفساد المحيط بدخول النساء إلى المساجد والجوامع، منها فتنة الوعاظ. وأوجب منع النساء من دخول المساجد لأن الفساد أكثر من الصلاح... ثم شدد على وجوب منع النساء من حضور المساجد للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن. واستشهدن في ذلك بمنع عائشة لهن."20و21
مع بحث د. أحمد العدوي يتعرف القارئ على الجذور الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والأخلاقية، التي أسست البراديغم الأبوي الذكوري، في تسلطه واستبداده وقهره للإنسان بصفة عامة، وللنساء بشكل مخصوص و مضاعف. إن تأويلا ديني ذكوري قهري فرض نفسه في سياق صراعات سياسية اجتماعية دينية على السلطة. وهذا ما أدى إلى قهر وهدر الإنسان، و إقصاء واستبعاد النساء من فضاءات مختلفة خاصة وعامة. وتشرعن بخلفية سياسية هذاالتأويلالديني الذي منح النظام الذكوري البطريركي حق فرض الوصاية الأخلاقية على النساء. وذلك انسجاما مع التمثلات والتصورات والمعتقدات والرؤية الدونية الاحتقارية للمجتمع الذكوري تجاهالنساء عقلا ودينا وقوة.هذا الموروث الديني و الثقافي و الاجتماعي الذي حاول د. العدوي الحفر فيه، هو ما يسلط الضوء على سر استمراره، في خطاب الداعيات التي تناولتها مقالات الكتاب بالتحليل والنقد والتفكيك. نفس الرؤى والأفكار والدلالات والمعاني والتمثلات الاجتماعية والثقافية والدينية العنصرية والطائفية والجندرية في العلاقة مع النساء. هذه الجذور اللاإنسانية المتخلفة هي التي نسجت خيوط لغة و تركيب ودلالات نظام الخطاب/الحقيقة الربانية المطلقة التي تنتجها الداعيات قصد التحكم الرمزي العنيف في التكوين الذهني والبناء الشخصي، للأفراد والجماعات، كتنشئة اجتماعية ثقافية دينية. إنها جذور ترفض الموت والدفن وإعلان الحداد، خاصة وهي تستقوي بمختلفة الأدوات التي أنتجتها الحداثة والتحديث، كالإعلام ومختلف الوسائل التكنولوجية في التعلم والتعليم والتواصل...
لذلك ليس غريبا في غياب أو ضعف نقض ونقد هذا الخطاب الدعوي الكاره، سواء المباشر في فضاءات المساجد والمؤسسات الدينية والتعليمية، أو الإعلامي والرقمي الترهيبي الأشد قسوة في حق إنسان مجتمعاتنا، وبشكل مضاعف ومؤلم في حق النساء، أن نجد اليوم ممارسات دينية اجتماعية أخلاقية كارهة وحاقدة. " يبدو أن كراهة الفقهاء الأحناف دخول النساء المسجد قد أثرت حتى يومنا هذا على أنشطة المرأة المسلمة الدينية في إنجلترا خاصة، حيث ينحدر أكثر المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا من الهند وباكستان وبنجلاديش، حيث يسود المذهب الحنفي هناك ومن ثمة يمنع الأئمة هناك النساء من دخول المساجد منعا باتا، إلى حد تهديدهم بتقديم استقالاتهم إن وطأت قدما امرأة أرض المسجد."19
كما اختلفت المذاهب الإسلامية في تعليم البنات بين التسهيل والتعسير و شبه الرفض. حيث يضع أمامنا الباحث أحمد العدوي الكثير من المعطيات الإحصائية التي تدل دلالة صريحة على العزل والتهميش والتضييق على تعليم المرأة. فالنظرة التسلطية للثقافة الأبوية الذكورية حالت بشكل أو بآخر دون تعلم البنات، وتحصيل العلم بما يسمح لهن بالإسهام في إنتاج المعرفة الدينية، المعبرة عن خبراتهنوتجاربهن، والحاملة لرؤى "نسوية" مختلفة عن الرؤى والأحكام الجاهزة والنمطية للثقافة الذكورية. والقادرة على فهم وتفهم النساء. وهذا ما لم يحدث في التاريخ العربي الإسلامي. ولا يزال النظام الثقافي والرمزي والديني، السياسي والاجتماعي، رافضا ومُبخسا لكل إسهام علمي للنساء، خارج الاجترار القهري للفكر والخطاب الديني الذكوري.
هكذا وفرت الظروف التاريخية للبنيات الاجتماعية الثقافية، شروط الغلبة والقهر للنظام الأبوي بنزعته المركزية الذكورية الانتصار لتأويل أشد قسوة في حق الإنسان والنساء بشكل مخصوص. وهذا ما جعله يملي ضوابطه الاجتماعية ووصايته الأخلاقية المشبعة بالتبخيس والتنقيص من قيمة ومؤهلات وقدرات النساء الاجتماعية والعقلية والجسدية والثقافية. واضعا قواعد عمودية أخلاقية تمييزية، لا تخلو من التملك والتحكم والاتهام الأخلاقي المسبق البعيد عن مبادئ المساواة والتكافؤ والعدالة الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية.
" والخلاصة أن مسألة دخول النساء المساجد كانت مسألة خلافية، ومع ذلك لم يصل الأمر بالفقهاء إلى القول بمنع دخول النساء المساجد بالكلية، بل قد تشي تحفظات بعظهم في مسألة منع الشابات من دخول المساجد، درءا للفتنة، و الاقتصار في الإباحة على العجائز منهن فحسب أشبه بكونه محاولة لإصلاح وضع كانوا يرونه قائما بالفعل."24
هذه المواقف والأفكار والرؤى التي سيدها الفقهاء، هي التي فتحت الباب واسعا أمام الذكور، في الوقت الذي ضيقت على النساء في التعليم والإمامة والخطابة والولاية...
ويشير الباحث الى اهتمام الحنابلة بتعليم البنات عكس ماذهب إليه الأحناف الذين كرهوا تدريس النساء الفقه والحديث. ولكن هذا لا يعني عموما أن النساء حرمن بشكل مطلق من التعليم الأولي في فترات من عمرهن. وقد ارتبط هذا الحق بشكل كبير "بالبيوتات التي اشتهر أهلها بحب العلم والإقبال عليه"31. أو من خلال استئجار المؤدب، وهذا ما لا تستطيعه الفئات الاجتماعية العريضة من المجتمع. كما ساد تعليم الإناث، دون أجر من طرف متطوعات طلبا للثواب وحسن العاقبة في الآخرة. وقد استطاعت قلة من النساء الوصول الى مرحلة التعليم العالي، حيث قام بعض العلماء بالإجازة للنساء في مجالسهم.
وتتضح لنا سطوة الذكورة، ووصايتها الأخلاقية في حرمان النساء من الكثير من الحقوق، ومن القيمة الإنسانية في عيش وممارسة الاستقلالية الذاتية في كل شؤون الحياة، وولوج مختلف الأمكنة، والفضاءات. عندما نجد ذلك العدد القليل ممن أتيحت لهن فرص التعلم لا يتجاوزن، غالبا، علوما دينية بعينها خاصة في رواية الحديث. أما تعميق التحصيل في العلوم الدينية الأخرى، كعلم الفقه، فلا نجد إلا عددا محدودا جدا من بنات العلماء، اللواتي لم يصلن من أمرهن في هذا الباب من علم الفقه إلا القليل. وزاد ضعف مادة المصادر عنهن من استبعادهن.
لهذا كانت هذه السطوة والتحكم السلطوي الاجتماعي الثقافي والديني، وراء اقصاء النساء من هذه العلوم الفقهية التي تتطلب استقلالية ذاتية في العيش والتصرف والاختيار للنمط الوجودي بعيدا عن التقسيم الجندري الاجتماعي الثقافي، للأدوار والوظائف والأفعال، والمسيج بمنطق وضوابط وآليات القداسة الدينية. لذلك " لم يشجع المجتمع المرأة على الانقطاع للدراسة لهذه السنوات الطوال، ولا سيما في سنوات خصوبتها، كما لم يشجع المجتمع المرأة كثيرا على إهمال واجباتها المنزلية والانخراط حتى النخاع في نشاط علمي مكثف، وممتد لأكثر من ثلاثين عاما قبل نيل الإجازة بالتدريس والإفتاء."41 أضف الى هذا أن النظرة الذكورية كانت تقصي النساء من العلوم العقلية لكونهن ناقصة عقل...
ولهذا حسب ما تثبته المصادر، اتجهت الغالبية من بنات الأسر العلمية الى رواية الحديث. وهذا التوجه ارتبط بعوامل كثيرة. كان للكتابة دور كبير فيه انسجاما مع محدودية الحركة والتفاعل التي ميزت حياةالنساء. " كما أدت تفرقة علماء الحديث بين مفهومي شهادة المرأة ورواية المرأة حيث قبلوا خبر المرأة على قدم المساواة مع خبر الرجل. على النقيض في حالة الشهادة الشرعية للمرأة أمام القاضي، حيث لم تكن شهادة المرأة معادلة لشهادة الرجل... وعلى هذا النحو كانت بيئة رواية الحديث بيئة مضيافة للنساء"50
وقد برزت أيضا الواعظات خاصة في القرن السادس الهجري، حيث شملت مجالسهن الرجال ولم تقتصر على النساء. كما وجدت المرأة ذاتها في التصوف بشكل ملحوظ، في الوقت الذي قل حضورها في مجالات الأدب وفنونه، في الشعر والنحو واللغة...، وذلك لارتباط هذه العلوم بالتقسيم الجندري للأدوار والوظائف، الشيء الذي جعلها بيئة غير مضيافة للنساء.والشيء نفسه بالنسبةللعلوم الدخيلة التي حملت في مضامينها نظرة ذكورية دونية ازدرائيةوتسفيهية للمرأة وعقلها، لهذا تم استبعاد المرأة من هذه العلوم.
" وعند أبي حامد الغزالي فإن النساء لسن من أهل النظر، أي التأمل والفكر. قال الغزالي:" فإنا نقول: النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك وتختلف فيه الأحوال فيعلمه بعض الناس دون بعض ولا يعلمه النساء والصبيان ومن ليس من أهل النظر."65
ولا ينفرد الغزالي بهذا الرأي الفحولي المجحف في حق النساء، بل مارسه الفقهاء بقسوة، وصلت الى حد تكفير المشتغل بهذه العلوم الدخيلة. خاصة وأنهم قمعوا تفكير الإنسان بسياج النص في حرفية معانيه، انتصارا لتوجهات دنيوية سياسية في الحكم والسلطة والدولة. وهذا من بين الأسباب التي جعلت أهل التفكير العقلي يختفون فكرا وفقها ومذهبا، كالمعتزلة. خاصة وأن الفترة التي تناولها الباحث شهدت صعود وانتصار تيار أهل الحديث، الذي شكل بيئة مضيافة للنساء.
ثنيا / التمكن العلمي والاقتدار الفكري في تحليل و نقد الخطاب الإعلامي للداعيات
لم تنطلق الباحثات في تحليلهن ونقدهن للخطاب الإعلامي للداعيات من فراغ فكري وعلمي. فالقارئ يقف على الوجه الآخر النقدي والنقيض لعلاقة النساء بالمعرفة الدينية. فمقاربات الباحثات مؤسسة علميا بخلفيات فلسفية ومعرفية وأبستيمولوجية. الشيء الذي يدل على مدى تمكنهن العلمي واقتدارهن الفكري، ليس فقط في مقاربة هذه الخطابات، بل في إنتاج معرفة نقدية، ووعي فكري سياسي، يؤسس لقيم إنسانية ثقافية اجتماعية نقيضة، للقهر والهدر الإنساني الذي مارسه طويلا الموروث الفكري والثقافي الديني، في حق النساء، وكان عبئا وعقبة في وجه التغيير ونهضة مجتمعاتنا.
لهذا حاولت الباحثات تفكيك هذه الخطابات في بنياتها اللغوية والتركيبية والدلالية، وتعرية خصائصها المعنوية والفكرية، وما تولده من دلالات ومعاني وقيم وتوجهات. وهي تسعى من خلالها الى التماهي مع الفكر الديني الماضوي الأحادي المتسلط على القلوب والعقول والأجساد، والمسيطر على الوعي، الى حد التحكم في الإدراك. كل هذا قصد تكريس التمييز الجندري والاجتماعي والديني، وإعادة إنتاج التخلف والقهر والعبودية المستحدثة بسياج القداسةالإلهي. مما يسمح له بأن يمنع ويكفر النقد والاختلاف والتعدد، ويكره المساواة والحرية والعدالة والكرامة للجميع نساء ورجالا، ويحقد على كل ما وصل إليه الشرط الحضاري الإنساني في تطوره الحديث والحداثي. لهذا لا تتوخى خطابات هؤلاء الداعيات الإقناع والتأثير فقط، بل تهدف الى التوجيه نحو الفعل، والتحكم في الإدراك والسلوك والممارسات الاجتماعية. وهذا يعني خلق القابلية للعبودية والإذعان، تيسيرا لعملية الاقتناع والتسليم بصحة الرأي المقدم.
وتزداد خطورة خطاب الداعيات الإعلامي في استعانته بالصورة لتمرير غاياته ومقاصده الدنيوية التي تتخذ الدين مطية، ووسيلة في عملية إعادة إنتاج التقسيم الجندري، والتصورات والمعتقدات والتمثلات الذكورية. و الضوابط و المعايير الاجتماعية الأبوية. وهذ ما جعل الباحثات ينبهن الى ذلك التحالف الرهيب بين المعرفة والتقنيات، بين التواصل اللغوي والتعبيرات الجسدية، وبين سياسة الخطاب وسياسة الإعلام، بين السيطرة والتحكم والربح. فنحن أمام " خطابة حديثة يتوسل فيها صاحبها بشتى التقنيات والوسائل لشد المتلقي والتأثير فيه بأن يحمله على تبني موقف مخصوص أو يجعله يعدل آراءه أو يوجهه إلى تشكيل رؤاه لذاته ولما حوله. ويرتبط تحقيق الإعلام المرئي لهذه الأهداف بتحقيق نسب المشاهدة المطلوبة والقدرة على المنافسة بين مختلف البرامج والقنوات، فلا يمكن إذن الفصل بين مقاصد التأثير الإعلامي وغايات الربح والاقتصاد."93
وهذا الترابط بين الإعلامي والديني والاقتصادي هو ما يجعل الانتقادات التي وجهت لمقاصد الداعيات وجيهة ومعقولة، لكونه خطاب دنيوي مادي، تغلب عليه المصلحة، وليس الغايات الدينية. كما أن حضور المرأة إعلاميا يستجيب للرؤى والمعايير الذكورية في ولوج الفضاءات العامة، لكن من وراء الحجاب/ جلد الذكورة. وخطاب الداعية/الداعيات يخفي أكثر مما يظهر، و لا يتردد في التحايل والمراوغة في توزيع الحلال والحرام، تبعا للمتخيل الجمعي في قمع وقهر النساء. " ذلك أن الداعية الحاضر في برامج الإفتاء على الفضائيات هو ممثل المعرفة الدينية التي يعوزها المشاهد فيتصل طالبا أجوبة لأسئلته، إلا أن الداعية ينتقي من علمه ما يتناسب مع مواقفه ومع الثقافة الأبوية التي ينتمي إليها ويمثلها ويعزز نفوذها."109 والغريب في الأمر أن تنتج المرأة الداعية نفس الخطاب الذكوري معبرة عن قوة وتجذر الاستيلاب العقائدي والفكري في سعيها للتماهي بسطوة وتغلب النظام الأبوي. وهذا ما مارسته الداعية ملكة زرار ورضوى طارق بامتياز كبير في خدمة ثقافة القهر الديني والاجتماعي والسياسي، إلى حد التحكم في حياة النساء.
وغالبا ما تغلف هذه الخطابات ضعفها وهشاشة وتهافت مضامينها الحجاجية، بموقعها السلطوي في انتظام الخطاب الديني الصحيح والحقيقي. انطلاقا من مسوغات اعتلائها مكانة السلطة المعرفية الدينية. وما تخوله من قدرتها على الإفتاء، أي قول الحق الشرعي الحقيقي الذي لا يمكن أن يرفضه إلا جاحد كافر. وهذا ما يغطي على تفكك وترهل خطاب الداعية/ الداعيات، خاصة في عدم التماسك والتناسب بين الحجة وسياق توظيفها. أو بين الخطاب و الصوت واللباس والتعبيرات الجسدية المفعمة بالغنج حينا، وبالقسوة والتهجم على المتصلة حينا آخر.
انطلاقا من هذا الموقع في سلطة المعرفة الدينية، تتكرس الوصاية الأبوية الأخلاقية والاجتماعية على النساء. ويعاد إنتاجها من قبل الداعية/الداعيات، وذلك تبعا لقواعد وتحكم اجتماعي جندري، يرفض منطق حركة التاريخ في عيش الصيرورة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقيمية. والنظر إلى الأحكام الدينية للشريعة كورشة قابلة للتعديل والتجاوز والتطوير، انسجاما مع متغيرات الحياة المختلفة كليا عما عاشه الأسلاف في الماضي البعيد.
والجميل في هذا الكتابات أن المقالات النقدية للباحثاتاستطاعت أن تنتج معرفة دينية قادرة على احتضان المقاربات والمنهجيات العلمية الحديثة، والجهاز المفاهيمي العلمي الذي أنتجه تطور الشرط الحضاري الإنساني. فعلن ذلك بحق التفاعل والتعلم والاكتساب والاستيعاب والإنتاج، مما أفرزه وأنتجه هذا التطور البشري الحضاري ، دون أن يعني ذلك السقوط في فخ المعرفة والفكر والقيم...، الكولونيالية أو الاستشراقية. بل يلمس القارئ المسافات النقدية والتبيئة الفلسفية والمعرفية والفكرية والابستمولوجية التي ميزت هذه المقالات في قراءتها مصادر أنفسنا، وفي تفكيكها لخطاب الداعيات المكرس للموات الأبدي، في رفض سياسي للتغيير والتطور والتحول الإيجابي لمجتمعاتنا.
والشائق الممتع أيضا أن هذه المقالات فتحت ممرات آمنة، إن لم نقل فضاءات ومسارات على قدرة النص الديني على التفاعل مع الظروف التاريخية الاجتماعية، والتحولات الجذرية لمجتمعاتنا في عصر وحده التراكم الرأسمالي، في سياق ما صار يعرف بوحدة التاريخ العالمي، بتناقضات مستوياتها البنيوية المختلفة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. وما يعتمل فيها من صراعات وحروب مرتبطة بمصالح اقتصادية وجيوسياسية. هذا يعني ضرورة التفكير، هنا والآن" وليس من خلال الهروب إلى الأمام بطريقة الانحدار في الزمن نحوسرديات هوامات المتخيل الجمعي للتاريخ العربي الإسلامي، في عصوره الذهبية للأسلاف.
لم تكن الباحثات في مقالاتهن عدميات في حق الحضور الإعلامي للداعيات، بل رحبن وباركن وأيدن هذه الخطوة الجريئة في انتهاك المحظور الأبوي بثقافته ومعاييره وضوابطه المشحونة بالحقد والكراهية والتسلط في حق المجتمع ككل، وفي حق النساء بصور وأشكال وأحجام مضاعفة، إلى حد لجم تطور ونهضة مجتمعاتنا. لهذا تناولت الباحثات شكل الحضور ومضامين خطاب الداعيات الواقع في تناقض رهيب بين رفض الانتماء لما وصلت إليه البشرية في تطورها الحضاري التاريخي القيمي والمعرفية ولفكري والنقدي والتكنولوجي...، وبين استغلال أدوات ومكاسب هذا التطور في تكريس القهر والهدر والاستبداد وإعادة إنتاج ثقافة الخوف والإرهاب، من خلال الارتماء في أحضان الماضي بتأويل أحادي انغلاقي وثوقي رافض للصيرورة والحياة والإنسان...
ليس فقط الخلط القذر بين الفعل الدعوي والسوق بالمعنى الرأسمالي، هو ما رفضته الباحثات، بل أيضا السياسة الرهيبة لصناعة الداعيات كموضوعات وأدوات وآليات لتنميط المجتمع، والسيطرة على وعيه والتحكم في إدراكه، لتسهيل مراقبته وضبطه. لذلك مهما حاولت الصناعة الإعلامية صناعة داعيات بمظهر وخطاب إعلامي جديد، فإن الفعل السياسي المتحكم في هذه الصناعة هو تعميق المزيد من الاستلاب الفكري والمعرفي والقيمي والعقائدي في حق المرأة، ودفع المشاهدين/ت الى المزيد من استبطان واجتياف النظام الأبوي بكل معاييره وتمثلاته ومتخيله الجمعي الاستبدادي ورؤيته الذكورية في جندرة كل أساليب وأدوار وأنماط الحياة، والتعبيرات الوجودية الدينية والاجتماعية والفنية...
" لم تتوقف الداعية المستحدثة عن تمرير خطاب تقليدي أعادت بواسطته إنتاج علاقات وهويات اجتماعية وفق تمثلات السلف ومعاييرهم، مماهية بين الماضي البعيد والحاضر الآني دون مراعاة ما يفرضه الفارق الزمني الشاسع من تغييرات على مستوى الأنماط المجتمعية والعقليات ورهانات الأنساق اليومية ومتطلبات العصر، مفارقة الزمن أوجدها الإعلام الدعوي في ظاهرها سعي لإقناع المتلقي بالعودة إلى الطريق السوي، طريق السلف الصالح، وفي باطنها استحواذ على المشاعر والعقول وتثبيت للحدود الجندرية ومناصرة للتمييز القائم على الجنس البيولوجي والتراتبيات الاجتماعية."138و139
وقد بينت الباحثات تكريس الداعيات للتقسيمات الاجتماعية النمطية وإعادة إنتاج الأدوار والوظائف الجندرية نفسها. وأسر النساء في خانة الموضوع المجرد من الحرية والفاعلية والاستقلالية الذاتية الاجتماعية والدينية والأخلاقية. كما استجابت الداعيات الى مطالب السوق الاستهلاكية الرمزية الثقافية والمادية. فرغم اقتحام الداعيات للمجال الإعلامي كفضاء عام، وتملكهن سلطة الخطاب في الوعظ والإفتاء لمن يعتبروهن ناقصات عقل ودين وقوة، فإنهن أسهمن في استحداث نظام أبوي استغل بشكل تناقضي التقنيات الحديثة لإعادة إنتاج ثقافة الموت والخوف والقهر والاستبداد الديني والسياسي، والتقسيمات الاجتماعية الثقافية الغارقة في العنف الجندري والرمزي والاجتماعي...
" تغير جنس الداعية من ذكر الى أنثى ولم يتغير الخطاب والأسلوب السلطوي المهيمن وحافظت على الرسائل الإقصائية نفسها الرافضة للاختلاف، فكان الخطاب كعادته خطاب تهديد ووعيد وإقصاء ووصم ونبذ."152
يتبع....
الهامش
مؤلف جماعي تحت إشراف د. أمال قرامي: النساء والمعرفة الدينية مواضيع للقول أم ذوات فاعلة؟ (المقدمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى تونس 2024)
وذلك على أرضية معرفية فكرية و إبستمولوجية متحررة وفاعلة ومستقلة، بعيدا عن التماهي والتكريس للبراديغم الأبوي الاستبدادي الذكوري الذي ساد طويلا، وغطى على حق وأحقية النساء في الحضور والفعل والتناول النقدي، إلى حد النقض وبناء الأسس الفلسفية والمعرفية للتفكيك والنقد والتجاوز.
هكذا يجد القارئ نفسه أمام كتاب ثري في أبحاثه ومقالاته العلمية المثيرة للأسلة العميقة والتفكير النقدي. خاصة، أنها حاولت، قدر الإمكان، أن تقدم تحليلا ونقدا لخطابات دينية لمجموعة من الدعاة/الداعيات اللواتي قمن بإنتاج معرفة دينية أيديولوجية أبوية متحيزة للنظام الأبوي الذكوري، الغارق في العنصرية والطائفية والتمييز الجندري والاجتماعي والديني. وهي خطابات تحمل في حقيقتها المعرفية توجهات وخلفيات سياسية تجمع بين التغلب والاستبداد السياسي والديني، والتفكيك الاجتماعي الديني الثقافي للنسيج المجتمعي. إنها خطابات سلطوية تسلطية ترتبط موضوعيا بالأنظمة السياسية الاستبدادية السائدة، من خلال، مقاومتها للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ورفضها للتغيير السياسي، والعداء والكراهية للقيم الإنسانية، بذريعة تنسيبها واختزالها في الحضارة والقيم الغربية" الكافرة": الحرية، المساواة، الديمقراطية...
وانتصارها للقهر والأحادية الفكرية والسياسية والدينية، والتراتبية الهرمية على مستوى توزيع السلطة والمعرفة والثروة. كما اتجهت خطابات الداعيات إلى تطبيع قيم الاستبداد والقهر والتراتبية الاجتماعية والجندرية. وفرض الانغلاق والتسلط والجمود في البنى الاجتماعية والثقافية والدينية، إلى جانب السمع والطاعة و التبعية للفكر السلفي الماضوي، باعتباره الحقيقة الصحيحة الناجزة والنهائية والمطلقة، الحاملة لقيم دينية شرعية، في التكريم والفضل والتمييز والخير و العدالة الإلهية المفعمة بالقداسة والخلاص في الدنيا والآخرة.
لم يكن صدفة أن يتقدم بحث د. أحمد العدوي ترتيب المقالات،لأسباب علمية تتوخى تسليط الضوءعلى ما تضمنه خطاب الداعيات من منطلقات ومرجعيات وآليات التماهي والتكريس للفكر الديني الماضوي، كغطاء أيديولوجي سياسي، متورط في وحل الصراع السياسي الاجتماعي الدنيوي للسطو على السلطة والدولة والثروة...
وهذه الأضواء التنويرية تساعد على فهم الجذور التاريخية الاجتماعية الدينية والثقافية التي أسست وسيدت وفرضت تأويلا قهريا وتسلطيا للنصوص الدينية. الشيء الذي ولد فكرا وخطابا ومتخيلا ديني جمعي، طارد ولافظ، استبعادي اقصائي للإنسان كمشروع وجودي إنساني. خاصة، للنساء، كذوات حرة فاعلة مستقلة. وبالتالي حرمانهن من التحكم في زمام المصير، وهدر حقهن في الاختيارات، كأسلوب حياة ونمط وجودي في الحرية والكرامة و تكافؤ الفرص والمساواة، وفي العلاقة بالمعرفة، والمكانة الاجتماعية والإمامة والرياسة والخطابة والدراية...
وهذا ما حاولت مقالات هذا الكتاب تحليله ونقده، معرية الخلفيات السياسية المقنعة بالدين، والمؤسسة لخطاب الداعيات، في تمفصل وتكامل جدلي بين منطلقات وآليات الخطاب الدعوي، والتوجه والرؤى الإعلامية السياسية، والمصالح الاقتصادية السياسية لرؤوس المال. كل هذا قصد فرض السيطرة، وتحقيق التحكم في الوعي والإدراك. وصناعة متخيل ديني جمعي خاضع لقواعد ومعايير ضابطة للفكر والفعل والسلوك، وذلك بما يسمح بشرعنة وتطبيع الواقع السياسي الاجتماعي الديني القهر والعبودي، على مستوى الأفكار والدلالات والعلاقات الاجتماعية ، والقناعات والتمثلات والتصورات والمعتقدات...
أولا / في جذور القهر والتحكم والاقصاء، والوصاية الأخلاقية
" أنكر الغزالي في كتابه" إحياء علوم الدين" بعض مظاهر الفساد المحيط بدخول النساء إلى المساجد والجوامع، منها فتنة الوعاظ. وأوجب منع النساء من دخول المساجد لأن الفساد أكثر من الصلاح... ثم شدد على وجوب منع النساء من حضور المساجد للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن. واستشهدن في ذلك بمنع عائشة لهن."20و21
مع بحث د. أحمد العدوي يتعرف القارئ على الجذور الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والأخلاقية، التي أسست البراديغم الأبوي الذكوري، في تسلطه واستبداده وقهره للإنسان بصفة عامة، وللنساء بشكل مخصوص و مضاعف. إن تأويلا ديني ذكوري قهري فرض نفسه في سياق صراعات سياسية اجتماعية دينية على السلطة. وهذا ما أدى إلى قهر وهدر الإنسان، و إقصاء واستبعاد النساء من فضاءات مختلفة خاصة وعامة. وتشرعن بخلفية سياسية هذاالتأويلالديني الذي منح النظام الذكوري البطريركي حق فرض الوصاية الأخلاقية على النساء. وذلك انسجاما مع التمثلات والتصورات والمعتقدات والرؤية الدونية الاحتقارية للمجتمع الذكوري تجاهالنساء عقلا ودينا وقوة.هذا الموروث الديني و الثقافي و الاجتماعي الذي حاول د. العدوي الحفر فيه، هو ما يسلط الضوء على سر استمراره، في خطاب الداعيات التي تناولتها مقالات الكتاب بالتحليل والنقد والتفكيك. نفس الرؤى والأفكار والدلالات والمعاني والتمثلات الاجتماعية والثقافية والدينية العنصرية والطائفية والجندرية في العلاقة مع النساء. هذه الجذور اللاإنسانية المتخلفة هي التي نسجت خيوط لغة و تركيب ودلالات نظام الخطاب/الحقيقة الربانية المطلقة التي تنتجها الداعيات قصد التحكم الرمزي العنيف في التكوين الذهني والبناء الشخصي، للأفراد والجماعات، كتنشئة اجتماعية ثقافية دينية. إنها جذور ترفض الموت والدفن وإعلان الحداد، خاصة وهي تستقوي بمختلفة الأدوات التي أنتجتها الحداثة والتحديث، كالإعلام ومختلف الوسائل التكنولوجية في التعلم والتعليم والتواصل...
لذلك ليس غريبا في غياب أو ضعف نقض ونقد هذا الخطاب الدعوي الكاره، سواء المباشر في فضاءات المساجد والمؤسسات الدينية والتعليمية، أو الإعلامي والرقمي الترهيبي الأشد قسوة في حق إنسان مجتمعاتنا، وبشكل مضاعف ومؤلم في حق النساء، أن نجد اليوم ممارسات دينية اجتماعية أخلاقية كارهة وحاقدة. " يبدو أن كراهة الفقهاء الأحناف دخول النساء المسجد قد أثرت حتى يومنا هذا على أنشطة المرأة المسلمة الدينية في إنجلترا خاصة، حيث ينحدر أكثر المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا من الهند وباكستان وبنجلاديش، حيث يسود المذهب الحنفي هناك ومن ثمة يمنع الأئمة هناك النساء من دخول المساجد منعا باتا، إلى حد تهديدهم بتقديم استقالاتهم إن وطأت قدما امرأة أرض المسجد."19
كما اختلفت المذاهب الإسلامية في تعليم البنات بين التسهيل والتعسير و شبه الرفض. حيث يضع أمامنا الباحث أحمد العدوي الكثير من المعطيات الإحصائية التي تدل دلالة صريحة على العزل والتهميش والتضييق على تعليم المرأة. فالنظرة التسلطية للثقافة الأبوية الذكورية حالت بشكل أو بآخر دون تعلم البنات، وتحصيل العلم بما يسمح لهن بالإسهام في إنتاج المعرفة الدينية، المعبرة عن خبراتهنوتجاربهن، والحاملة لرؤى "نسوية" مختلفة عن الرؤى والأحكام الجاهزة والنمطية للثقافة الذكورية. والقادرة على فهم وتفهم النساء. وهذا ما لم يحدث في التاريخ العربي الإسلامي. ولا يزال النظام الثقافي والرمزي والديني، السياسي والاجتماعي، رافضا ومُبخسا لكل إسهام علمي للنساء، خارج الاجترار القهري للفكر والخطاب الديني الذكوري.
هكذا وفرت الظروف التاريخية للبنيات الاجتماعية الثقافية، شروط الغلبة والقهر للنظام الأبوي بنزعته المركزية الذكورية الانتصار لتأويل أشد قسوة في حق الإنسان والنساء بشكل مخصوص. وهذا ما جعله يملي ضوابطه الاجتماعية ووصايته الأخلاقية المشبعة بالتبخيس والتنقيص من قيمة ومؤهلات وقدرات النساء الاجتماعية والعقلية والجسدية والثقافية. واضعا قواعد عمودية أخلاقية تمييزية، لا تخلو من التملك والتحكم والاتهام الأخلاقي المسبق البعيد عن مبادئ المساواة والتكافؤ والعدالة الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية.
" والخلاصة أن مسألة دخول النساء المساجد كانت مسألة خلافية، ومع ذلك لم يصل الأمر بالفقهاء إلى القول بمنع دخول النساء المساجد بالكلية، بل قد تشي تحفظات بعظهم في مسألة منع الشابات من دخول المساجد، درءا للفتنة، و الاقتصار في الإباحة على العجائز منهن فحسب أشبه بكونه محاولة لإصلاح وضع كانوا يرونه قائما بالفعل."24
هذه المواقف والأفكار والرؤى التي سيدها الفقهاء، هي التي فتحت الباب واسعا أمام الذكور، في الوقت الذي ضيقت على النساء في التعليم والإمامة والخطابة والولاية...
ويشير الباحث الى اهتمام الحنابلة بتعليم البنات عكس ماذهب إليه الأحناف الذين كرهوا تدريس النساء الفقه والحديث. ولكن هذا لا يعني عموما أن النساء حرمن بشكل مطلق من التعليم الأولي في فترات من عمرهن. وقد ارتبط هذا الحق بشكل كبير "بالبيوتات التي اشتهر أهلها بحب العلم والإقبال عليه"31. أو من خلال استئجار المؤدب، وهذا ما لا تستطيعه الفئات الاجتماعية العريضة من المجتمع. كما ساد تعليم الإناث، دون أجر من طرف متطوعات طلبا للثواب وحسن العاقبة في الآخرة. وقد استطاعت قلة من النساء الوصول الى مرحلة التعليم العالي، حيث قام بعض العلماء بالإجازة للنساء في مجالسهم.
وتتضح لنا سطوة الذكورة، ووصايتها الأخلاقية في حرمان النساء من الكثير من الحقوق، ومن القيمة الإنسانية في عيش وممارسة الاستقلالية الذاتية في كل شؤون الحياة، وولوج مختلف الأمكنة، والفضاءات. عندما نجد ذلك العدد القليل ممن أتيحت لهن فرص التعلم لا يتجاوزن، غالبا، علوما دينية بعينها خاصة في رواية الحديث. أما تعميق التحصيل في العلوم الدينية الأخرى، كعلم الفقه، فلا نجد إلا عددا محدودا جدا من بنات العلماء، اللواتي لم يصلن من أمرهن في هذا الباب من علم الفقه إلا القليل. وزاد ضعف مادة المصادر عنهن من استبعادهن.
لهذا كانت هذه السطوة والتحكم السلطوي الاجتماعي الثقافي والديني، وراء اقصاء النساء من هذه العلوم الفقهية التي تتطلب استقلالية ذاتية في العيش والتصرف والاختيار للنمط الوجودي بعيدا عن التقسيم الجندري الاجتماعي الثقافي، للأدوار والوظائف والأفعال، والمسيج بمنطق وضوابط وآليات القداسة الدينية. لذلك " لم يشجع المجتمع المرأة على الانقطاع للدراسة لهذه السنوات الطوال، ولا سيما في سنوات خصوبتها، كما لم يشجع المجتمع المرأة كثيرا على إهمال واجباتها المنزلية والانخراط حتى النخاع في نشاط علمي مكثف، وممتد لأكثر من ثلاثين عاما قبل نيل الإجازة بالتدريس والإفتاء."41 أضف الى هذا أن النظرة الذكورية كانت تقصي النساء من العلوم العقلية لكونهن ناقصة عقل...
ولهذا حسب ما تثبته المصادر، اتجهت الغالبية من بنات الأسر العلمية الى رواية الحديث. وهذا التوجه ارتبط بعوامل كثيرة. كان للكتابة دور كبير فيه انسجاما مع محدودية الحركة والتفاعل التي ميزت حياةالنساء. " كما أدت تفرقة علماء الحديث بين مفهومي شهادة المرأة ورواية المرأة حيث قبلوا خبر المرأة على قدم المساواة مع خبر الرجل. على النقيض في حالة الشهادة الشرعية للمرأة أمام القاضي، حيث لم تكن شهادة المرأة معادلة لشهادة الرجل... وعلى هذا النحو كانت بيئة رواية الحديث بيئة مضيافة للنساء"50
وقد برزت أيضا الواعظات خاصة في القرن السادس الهجري، حيث شملت مجالسهن الرجال ولم تقتصر على النساء. كما وجدت المرأة ذاتها في التصوف بشكل ملحوظ، في الوقت الذي قل حضورها في مجالات الأدب وفنونه، في الشعر والنحو واللغة...، وذلك لارتباط هذه العلوم بالتقسيم الجندري للأدوار والوظائف، الشيء الذي جعلها بيئة غير مضيافة للنساء.والشيء نفسه بالنسبةللعلوم الدخيلة التي حملت في مضامينها نظرة ذكورية دونية ازدرائيةوتسفيهية للمرأة وعقلها، لهذا تم استبعاد المرأة من هذه العلوم.
" وعند أبي حامد الغزالي فإن النساء لسن من أهل النظر، أي التأمل والفكر. قال الغزالي:" فإنا نقول: النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك وتختلف فيه الأحوال فيعلمه بعض الناس دون بعض ولا يعلمه النساء والصبيان ومن ليس من أهل النظر."65
ولا ينفرد الغزالي بهذا الرأي الفحولي المجحف في حق النساء، بل مارسه الفقهاء بقسوة، وصلت الى حد تكفير المشتغل بهذه العلوم الدخيلة. خاصة وأنهم قمعوا تفكير الإنسان بسياج النص في حرفية معانيه، انتصارا لتوجهات دنيوية سياسية في الحكم والسلطة والدولة. وهذا من بين الأسباب التي جعلت أهل التفكير العقلي يختفون فكرا وفقها ومذهبا، كالمعتزلة. خاصة وأن الفترة التي تناولها الباحث شهدت صعود وانتصار تيار أهل الحديث، الذي شكل بيئة مضيافة للنساء.
ثنيا / التمكن العلمي والاقتدار الفكري في تحليل و نقد الخطاب الإعلامي للداعيات
لم تنطلق الباحثات في تحليلهن ونقدهن للخطاب الإعلامي للداعيات من فراغ فكري وعلمي. فالقارئ يقف على الوجه الآخر النقدي والنقيض لعلاقة النساء بالمعرفة الدينية. فمقاربات الباحثات مؤسسة علميا بخلفيات فلسفية ومعرفية وأبستيمولوجية. الشيء الذي يدل على مدى تمكنهن العلمي واقتدارهن الفكري، ليس فقط في مقاربة هذه الخطابات، بل في إنتاج معرفة نقدية، ووعي فكري سياسي، يؤسس لقيم إنسانية ثقافية اجتماعية نقيضة، للقهر والهدر الإنساني الذي مارسه طويلا الموروث الفكري والثقافي الديني، في حق النساء، وكان عبئا وعقبة في وجه التغيير ونهضة مجتمعاتنا.
لهذا حاولت الباحثات تفكيك هذه الخطابات في بنياتها اللغوية والتركيبية والدلالية، وتعرية خصائصها المعنوية والفكرية، وما تولده من دلالات ومعاني وقيم وتوجهات. وهي تسعى من خلالها الى التماهي مع الفكر الديني الماضوي الأحادي المتسلط على القلوب والعقول والأجساد، والمسيطر على الوعي، الى حد التحكم في الإدراك. كل هذا قصد تكريس التمييز الجندري والاجتماعي والديني، وإعادة إنتاج التخلف والقهر والعبودية المستحدثة بسياج القداسةالإلهي. مما يسمح له بأن يمنع ويكفر النقد والاختلاف والتعدد، ويكره المساواة والحرية والعدالة والكرامة للجميع نساء ورجالا، ويحقد على كل ما وصل إليه الشرط الحضاري الإنساني في تطوره الحديث والحداثي. لهذا لا تتوخى خطابات هؤلاء الداعيات الإقناع والتأثير فقط، بل تهدف الى التوجيه نحو الفعل، والتحكم في الإدراك والسلوك والممارسات الاجتماعية. وهذا يعني خلق القابلية للعبودية والإذعان، تيسيرا لعملية الاقتناع والتسليم بصحة الرأي المقدم.
وتزداد خطورة خطاب الداعيات الإعلامي في استعانته بالصورة لتمرير غاياته ومقاصده الدنيوية التي تتخذ الدين مطية، ووسيلة في عملية إعادة إنتاج التقسيم الجندري، والتصورات والمعتقدات والتمثلات الذكورية. و الضوابط و المعايير الاجتماعية الأبوية. وهذ ما جعل الباحثات ينبهن الى ذلك التحالف الرهيب بين المعرفة والتقنيات، بين التواصل اللغوي والتعبيرات الجسدية، وبين سياسة الخطاب وسياسة الإعلام، بين السيطرة والتحكم والربح. فنحن أمام " خطابة حديثة يتوسل فيها صاحبها بشتى التقنيات والوسائل لشد المتلقي والتأثير فيه بأن يحمله على تبني موقف مخصوص أو يجعله يعدل آراءه أو يوجهه إلى تشكيل رؤاه لذاته ولما حوله. ويرتبط تحقيق الإعلام المرئي لهذه الأهداف بتحقيق نسب المشاهدة المطلوبة والقدرة على المنافسة بين مختلف البرامج والقنوات، فلا يمكن إذن الفصل بين مقاصد التأثير الإعلامي وغايات الربح والاقتصاد."93
وهذا الترابط بين الإعلامي والديني والاقتصادي هو ما يجعل الانتقادات التي وجهت لمقاصد الداعيات وجيهة ومعقولة، لكونه خطاب دنيوي مادي، تغلب عليه المصلحة، وليس الغايات الدينية. كما أن حضور المرأة إعلاميا يستجيب للرؤى والمعايير الذكورية في ولوج الفضاءات العامة، لكن من وراء الحجاب/ جلد الذكورة. وخطاب الداعية/الداعيات يخفي أكثر مما يظهر، و لا يتردد في التحايل والمراوغة في توزيع الحلال والحرام، تبعا للمتخيل الجمعي في قمع وقهر النساء. " ذلك أن الداعية الحاضر في برامج الإفتاء على الفضائيات هو ممثل المعرفة الدينية التي يعوزها المشاهد فيتصل طالبا أجوبة لأسئلته، إلا أن الداعية ينتقي من علمه ما يتناسب مع مواقفه ومع الثقافة الأبوية التي ينتمي إليها ويمثلها ويعزز نفوذها."109 والغريب في الأمر أن تنتج المرأة الداعية نفس الخطاب الذكوري معبرة عن قوة وتجذر الاستيلاب العقائدي والفكري في سعيها للتماهي بسطوة وتغلب النظام الأبوي. وهذا ما مارسته الداعية ملكة زرار ورضوى طارق بامتياز كبير في خدمة ثقافة القهر الديني والاجتماعي والسياسي، إلى حد التحكم في حياة النساء.
وغالبا ما تغلف هذه الخطابات ضعفها وهشاشة وتهافت مضامينها الحجاجية، بموقعها السلطوي في انتظام الخطاب الديني الصحيح والحقيقي. انطلاقا من مسوغات اعتلائها مكانة السلطة المعرفية الدينية. وما تخوله من قدرتها على الإفتاء، أي قول الحق الشرعي الحقيقي الذي لا يمكن أن يرفضه إلا جاحد كافر. وهذا ما يغطي على تفكك وترهل خطاب الداعية/ الداعيات، خاصة في عدم التماسك والتناسب بين الحجة وسياق توظيفها. أو بين الخطاب و الصوت واللباس والتعبيرات الجسدية المفعمة بالغنج حينا، وبالقسوة والتهجم على المتصلة حينا آخر.
انطلاقا من هذا الموقع في سلطة المعرفة الدينية، تتكرس الوصاية الأبوية الأخلاقية والاجتماعية على النساء. ويعاد إنتاجها من قبل الداعية/الداعيات، وذلك تبعا لقواعد وتحكم اجتماعي جندري، يرفض منطق حركة التاريخ في عيش الصيرورة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقيمية. والنظر إلى الأحكام الدينية للشريعة كورشة قابلة للتعديل والتجاوز والتطوير، انسجاما مع متغيرات الحياة المختلفة كليا عما عاشه الأسلاف في الماضي البعيد.
والجميل في هذا الكتابات أن المقالات النقدية للباحثاتاستطاعت أن تنتج معرفة دينية قادرة على احتضان المقاربات والمنهجيات العلمية الحديثة، والجهاز المفاهيمي العلمي الذي أنتجه تطور الشرط الحضاري الإنساني. فعلن ذلك بحق التفاعل والتعلم والاكتساب والاستيعاب والإنتاج، مما أفرزه وأنتجه هذا التطور البشري الحضاري ، دون أن يعني ذلك السقوط في فخ المعرفة والفكر والقيم...، الكولونيالية أو الاستشراقية. بل يلمس القارئ المسافات النقدية والتبيئة الفلسفية والمعرفية والفكرية والابستمولوجية التي ميزت هذه المقالات في قراءتها مصادر أنفسنا، وفي تفكيكها لخطاب الداعيات المكرس للموات الأبدي، في رفض سياسي للتغيير والتطور والتحول الإيجابي لمجتمعاتنا.
والشائق الممتع أيضا أن هذه المقالات فتحت ممرات آمنة، إن لم نقل فضاءات ومسارات على قدرة النص الديني على التفاعل مع الظروف التاريخية الاجتماعية، والتحولات الجذرية لمجتمعاتنا في عصر وحده التراكم الرأسمالي، في سياق ما صار يعرف بوحدة التاريخ العالمي، بتناقضات مستوياتها البنيوية المختلفة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. وما يعتمل فيها من صراعات وحروب مرتبطة بمصالح اقتصادية وجيوسياسية. هذا يعني ضرورة التفكير، هنا والآن" وليس من خلال الهروب إلى الأمام بطريقة الانحدار في الزمن نحوسرديات هوامات المتخيل الجمعي للتاريخ العربي الإسلامي، في عصوره الذهبية للأسلاف.
لم تكن الباحثات في مقالاتهن عدميات في حق الحضور الإعلامي للداعيات، بل رحبن وباركن وأيدن هذه الخطوة الجريئة في انتهاك المحظور الأبوي بثقافته ومعاييره وضوابطه المشحونة بالحقد والكراهية والتسلط في حق المجتمع ككل، وفي حق النساء بصور وأشكال وأحجام مضاعفة، إلى حد لجم تطور ونهضة مجتمعاتنا. لهذا تناولت الباحثات شكل الحضور ومضامين خطاب الداعيات الواقع في تناقض رهيب بين رفض الانتماء لما وصلت إليه البشرية في تطورها الحضاري التاريخي القيمي والمعرفية ولفكري والنقدي والتكنولوجي...، وبين استغلال أدوات ومكاسب هذا التطور في تكريس القهر والهدر والاستبداد وإعادة إنتاج ثقافة الخوف والإرهاب، من خلال الارتماء في أحضان الماضي بتأويل أحادي انغلاقي وثوقي رافض للصيرورة والحياة والإنسان...
ليس فقط الخلط القذر بين الفعل الدعوي والسوق بالمعنى الرأسمالي، هو ما رفضته الباحثات، بل أيضا السياسة الرهيبة لصناعة الداعيات كموضوعات وأدوات وآليات لتنميط المجتمع، والسيطرة على وعيه والتحكم في إدراكه، لتسهيل مراقبته وضبطه. لذلك مهما حاولت الصناعة الإعلامية صناعة داعيات بمظهر وخطاب إعلامي جديد، فإن الفعل السياسي المتحكم في هذه الصناعة هو تعميق المزيد من الاستلاب الفكري والمعرفي والقيمي والعقائدي في حق المرأة، ودفع المشاهدين/ت الى المزيد من استبطان واجتياف النظام الأبوي بكل معاييره وتمثلاته ومتخيله الجمعي الاستبدادي ورؤيته الذكورية في جندرة كل أساليب وأدوار وأنماط الحياة، والتعبيرات الوجودية الدينية والاجتماعية والفنية...
" لم تتوقف الداعية المستحدثة عن تمرير خطاب تقليدي أعادت بواسطته إنتاج علاقات وهويات اجتماعية وفق تمثلات السلف ومعاييرهم، مماهية بين الماضي البعيد والحاضر الآني دون مراعاة ما يفرضه الفارق الزمني الشاسع من تغييرات على مستوى الأنماط المجتمعية والعقليات ورهانات الأنساق اليومية ومتطلبات العصر، مفارقة الزمن أوجدها الإعلام الدعوي في ظاهرها سعي لإقناع المتلقي بالعودة إلى الطريق السوي، طريق السلف الصالح، وفي باطنها استحواذ على المشاعر والعقول وتثبيت للحدود الجندرية ومناصرة للتمييز القائم على الجنس البيولوجي والتراتبيات الاجتماعية."138و139
وقد بينت الباحثات تكريس الداعيات للتقسيمات الاجتماعية النمطية وإعادة إنتاج الأدوار والوظائف الجندرية نفسها. وأسر النساء في خانة الموضوع المجرد من الحرية والفاعلية والاستقلالية الذاتية الاجتماعية والدينية والأخلاقية. كما استجابت الداعيات الى مطالب السوق الاستهلاكية الرمزية الثقافية والمادية. فرغم اقتحام الداعيات للمجال الإعلامي كفضاء عام، وتملكهن سلطة الخطاب في الوعظ والإفتاء لمن يعتبروهن ناقصات عقل ودين وقوة، فإنهن أسهمن في استحداث نظام أبوي استغل بشكل تناقضي التقنيات الحديثة لإعادة إنتاج ثقافة الموت والخوف والقهر والاستبداد الديني والسياسي، والتقسيمات الاجتماعية الثقافية الغارقة في العنف الجندري والرمزي والاجتماعي...
" تغير جنس الداعية من ذكر الى أنثى ولم يتغير الخطاب والأسلوب السلطوي المهيمن وحافظت على الرسائل الإقصائية نفسها الرافضة للاختلاف، فكان الخطاب كعادته خطاب تهديد ووعيد وإقصاء ووصم ونبذ."152
يتبع....
الهامش
مؤلف جماعي تحت إشراف د. أمال قرامي: النساء والمعرفة الدينية مواضيع للقول أم ذوات فاعلة؟ (المقدمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى تونس 2024)