المحامي علي ابوحبله - تحويل غزة إلى أرض غير صالحة للسكن للأجيال المقبلة ( الأرض المحروقة )

المحامي علي ابوحبله


بعد ما يقارب الشهرين من العملية العسكرية الواسعة النطاق في شمال قطاع غزه ، والجدل عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ما حقّقه أو سيحقّقه جيش الاحتلال الإسرائيلي وقد حشد ثلاثة ألوية عسكرية مختلفة التخصّصات القتالية هناك، تقول المعطيات والشواهد على الأرض يثبت في أن سلوك قوات الاحتلال الصهيوني تعتمد سياسة الأرض المحروقة. ويحصل ذلك بمعزل عن الأهداف الإستراتيجية للهجوم المعروف بـ" عملية جباليا" ، وما إن كان سينتهي بترحيل الأهالي والسيطرة على الأرض، وفقاً لما طالب به وزير المالية الإسرائيلية، بتسليئيل سموتريتش، أول من أمس، حين دعا إلى ربط الانسحاب من محافظة الشمال بتسليم حركة " حماس " الأسرى لديها أو البقاء هناك إلى الأبد، أو أنه عملية عسكرية صرفة تستهدف تدمير " لواء الشمال" في " كتائب القسام " ، وتعتبرها قيادة قوات الاحتلال على أنها أقوى ألوية الكتائب وصمام أمان البقاء في شمال وادي غزة عموماً.

ألحقت الحرب المتواصلة على غزة أضرارًا بيئية جسيمة طالت الهواء والماء والأرض وكلّ الذين يعتمدون عليها. فقد بلغت الانبعاثات الكربونية الناجمة مباشرةً عن الحرب مستويات صادمة، حيث يُقدّر متوسط الانبعاثات الكربونية بـ536,410 أطنان من ثاني أكسيد الكربون في أول 120 يومًا من الحرب، يُعزى 90٪ منها إلى القصف الجوي الإسرائيلي والاجتياح البري لغزة. ويفوق هذا الرقم البصمة الكربونية السنوية للكثير من الدول المتأثرة بتغيُّر المناخ. وسُجّل أيضًا تلوث بالمعادن الثقيلة نتيجة للقصف المكثف.يتلوث الهواء بمواد كيميائية ناتجة عن الأسلحة مثل الفوسفور الأبيض بسبب الاستخدام المكثّف للمتفجرات. والجدير بالذكر أنّ التعرّض لذخائر الفوسفور الأبيض يؤدّي بدوره إلى انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية، ويمكن أن يضرّ بالنباتات الموجودة.

وقد تعرّضت الموارد المائية لأضرار بالغة، بالإضافة إلى ذلك، قضى تدهور الأراضي والتربة على الأنشطة الزراعية في غزة. فأدّى تدمير المزارع والأراضي الزراعية، إلى جانب الحصار المستمر منذ 17 عامًا، الذي حرم المنطقة من المدخلات الزراعية الأساسية، إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد. ونظرًا إلى كثافة القصف، من المحتمل جدًا أن تكون التربة الزراعية في غزة ملوثة بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الأخرى المرتبطة بالمعدات والذخائر العسكرية. وبحلول شهر أيار/مايو 2024، بلغت نسبة الأراضي الزراعية المتضرّرة في غزة 57٪. ووفقًا للأمم المتحدة، و تفيد التقارير بأنّ القوات الإسرائيلية دمرت 70٪ من أساطيل صيد الأسماك في غزة، أما المواشي فباتت تتضور جوعًا، ولم يُعد بالإمكان الاستفادة من منتجاتها الغذائية أو استخدامها كمصدر غذاء.

على الرغم من أنّ البيئة الطبيعيّة تخضع لحماية القانون الإنساني الدولي، غير أنّها لا تزال “الضحيّة الصامتة للحرب”. فالدمار البيئي في غزة ينتهك العديد من القوانين والاتفاقيّات الدوليّة المصمّمة لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلّحة. ويؤكّد كلّ من نظام روما الأساسي واتفاقيّات جنيف على أنّ التدمير المتعمّد للبيئة يمكن أن يشكّل جريمة حرب.

ويستخدم خبراء ومنظمات غير حكومية مفاهيم مثل “الإبادة البيئيّة” لوصف التدمير المتعمّد المستمرّ للبيئة في غزة. وقد كشف تحليل حديث للأقمار الصناعية أنّ “حجم الدمار وتأثيره على المدى البعيد قد أدّيا إلى مطالبات تدعو للتحقيق في هذا الدمار باعتباره جريمة حرب محتملة، وتصنيفه على أنّه إبادة بيئيّة، ويشمل ذلك الضرر اللّاحق بالبيئة بسبب الأعمال المتعمّدة أو إهمال”.كذلك، يتطلب القانون الدولي تحميل إسرائيل تكلفة إعادة بناء غزة، نظرًا لمسؤوليّتها المُعترَف بها كقوّة محتلّة.

ومع غياب أيّ مؤشّر للتوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار في الأفق، لا شكّ في أنّ الأضرار وتكاليف إعادة الإعمار ستتزايد، ما يُقوّض قدرة الشعب الفلسطيني على السكن في غزة من جديد.

ووفقًا لمؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإنّ “تعافي غزة من مستويات التدمير غير المسبوقة سيتطلّب عشرات المليارات من الدولارات وسيستغرق عقودًا“. ويُشير تقرير لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي إلى أنّ “مستوى الدمار في غزة وصل إلى حدّ أنّ إعادة بناء البنية التحتيّة العامّة ستتطلب مساعدات خارجيّة على نطاق لم نشهده منذ عام 1948“، كما يذكر التقرير أنّ غزة تحتاج إلى حوالى 80 عامًا لترميم جميع الوحدات السكنيّة المدمّرة بالكامل،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى