حاتم عبدالهادى - على ضفاف نهر القصة الومضة تثوير المنتوج الابداعى القصصى للقصة الومضة فى الوطن العربى شذرات نقدية / تطبيقية/تجريبية/استشرافية

(1)
تمهيد
ما الومضة ؟ وكيف نعيد انتاجية الذائقة العربية للمتلقى لفن القصة العربية القصيرة وأشكالها التجريبية الحداثية ؟ وهل يمكن أن نضيف شكلاً جديداً ، أو قسماً قصصياً مغايراً لشكل القصة كما هو الحال في الومضات التى بدأت تنتشر بسرعة البرق ووميضه ، وكأنها اشتقت من اسمها سبباً لوجودها وانتشارها بهذه السهولة والسرعة ، مستفيدة من تقنيات الحداثة والحاسوب ، والشبكات العنكبوتية الكونية وغير ذلك ، فأصبحت ذائعة الانتشار وموجودة كلون أدبى يفرض وجوده – سواء بالسلب أو الايجاب – ، وسواء تقبلتها الذائقة الابداعية الأدبية ، أو حتى نقاد الأدب عموما ، ً أو رفضوها بالكليّة ، أو صمت بعضهم ترقّباً لتكوينها وتشكّلها النهائى ، أو تناميها ، أو حتى تلاشيها وضمورها ، وبالتالى يبدأ الاستشراف والتنظير لها ، والحكم عليها !! .
ولقد كنا - منذ البداية - مشجعين لهذا الشكل الأدبى الجديد – لا لنكتسب سبقاً أو ريادة ، أو لنصبح رواداً ومبتدعين لهذا الشكل مع بعض الكتاب والنقاد القلائل جداً فى مصر والوطن العربى أيضاً ، - وان كان هذا حق أصيل لنا جميعاً - ولم نك نبحث عن شهرة أو مخالفة للواقع – خالف تعرف - ، ولكن كان هدفنا منذ البداية تشجيع هذا اللون الحداثى لشكل من أشكال التجريب والتجديد للقصة العربية ، وليس بالطبع جنساً جديداً مغايراً لفن القصة ، والا لما أسميناه ا" قصة " منذ البداية، أو أردفنا صفة القص عليها : " ومضة قصصية " ، وأحسب أننا كنت متيقظين للأمر كى لا نقع في براثن اشكاليات سابقة ، وقع فيها نقاد وكتّاب قصيدة التفعيلة ، وقصيدة النثر على السواء ، وفى النهاية انتصرت التفعيلة ، ثم قصيدة النثر لتصبح ، الواحدة تلو الأخرى ، قسماً مخصوصاً في مضمار الشعرية العربية . وأنا – كما أرى - أنظر للومضة ، أو القصة الومضة من هذا الجانب مستفيداً من آراء النقاد في ظهور أشكال جديدة في الابداع الأدبى العربى لنعيد تثوير المنجز الابداعى القصصى العربى من جديد ، وليس هذا بدعاً ، بل ربما كانت ضرورة ملحة اقتضتها معايير العصر الرقمى والتلاحقات التكنولوجية المتسارعة وشبكات التواصل الاجتماعى والمواقع ووسائل الاتصالات الحديثة كذلك و التى نشرت هذا النوع ، أو كانت سبباً فاعلاً بقوة في انتشاره بسرعة البرق ، ليتواصل المبدعون في الوطن العربى ويتسائلون عن ماهية هذا الشكل الجديد ليطلقوا أحكامهم أو مواقفهم تجاهه ، ونحن – غير معنيين – بمعارك قد تنشب بالطبع من ظهور كل جديد ، بين مؤيد ومعارض ، لكننا انتصرنا لهذا الشكل الابداعى القصصى الجديد لأننا رأينا اتساقاً مع المعطى الحداثى العالمى في التجديد والسرعة واستثمار الوقت مع التركيز على الشكل والمضمون وجوهر القص ، عبر البلاغة العربية ولغتنا العربية ذات الاشتقاقات الثرية ، والدلالات الموحية، والآفاق الجمالية والتركيبية التى تشير الى عالمية اللغة ، مع ضرورة أ نقدم ونستوعب كل ماهو جديد لنتلاحق مع المنجز الكونى الحداثى للعصر الذى يمور - حتى على سبيل الحياة اليومية - بتجديدات زمنية متلاحقة ، ربما كل ساعة ، أو ثوا ن ، أاو حتى أيام وشهور أيضاً .
ان ضرورة العصر الرقمى والمنجز التقنى باحداثياته وتجديداته قد جعلت الضرورة ملحة لانتاجية أشكال جديدة تستوعب الفكر المتلاحق : فى الشكل والمضمون ، مع اختصار الزمنية أو لغة السرد ، والتركيز على تقنيات تركبية ، أو اشارات موحية ، أو ومضات شذرية تحيل الابداع الى الماحات ، أو مشهدية معينة _ مشاهداتية - ، دقيقة جداً ، ومكثفة ، وجميلة بشكل مونق ، ومخصوص ، بل وبعدد كلمات محددة – وان اختلفنا قليلاً في هذه المسألة كى لا تصاب الومضة بالميكانيكية والجمود – الا أننا نشير الى وجود هذا الشكل الجديد الحداثى المختصر ، والذى يميز الومضة عن الابيجراما القصصية ، أو القصة القصيرة جداً ، أو فن التوقيعات – والتى أشار بعضهم الى أنها امتداد لهذا اللون الابداعى ، أو الأوتوجراف، أو البراجراف - على حد التعبير الأوروبى - أو الحكم والأمثال ، وأقوال الصحابة والحكماء والفلاسفة ، وغير ذلك من الالماحات – غير المسئولة – من جانب بعض النقاد – كما أرى – والتى قد تلحقها بذيل هذه الفنون ، غير ناظرين أو ملتفين الى السمات التكوينية ، والاشتراطات الأولية التكوينية الرصينة ، للحكم على ماهية هذا الشكل المكتوب ، بصورة متأنقة ، ومحددة ، وبطرائق مخصوصة كذلك .
ان القصة الومضة هى : " الماحة مكثفة ، تصنع وجودها عبر كتابة مخصوصة، أو حالة جمالية ونفسية وتكوينية لعالم ربما يشبه القصة ، أو الحكاية المتعارف عليها ، في المضمون المكثف جدا – على الأقل -ً لكنها تختلف معها في الصياغة الشكلية الاشتراطية كى لايقع غير العارف بالتفاصيل في بئر المساجلات غير المجدية ، أو الحكم بنفى هذا الشكل الجديد والذى – أراه - قد يفتح أفقاً على الكونية العالمية للابداع الجديد الذى يسعى الى اعطاء المعلومات ، أو رسم صورة العالم والمجتمع والكون والحياة من خلال كبسولات أو شذرات أو ومضات ، أو قطرات الندى ، أو الدم : " قطرات من الدم تبين الفصيلة " ، أو غير ذلك من الصور التقريبية - التى نصوغها افتراضاً هنا - للتأطير لهذا الشكل الجديد الذى شاركنا مع قليلين جداً فى الوطن العربى في ابتداعه ، ثم سقينا تربته ، وطرحناه للرأى النقدى للحكم على مدى امكانية وجوده من عدمه ، وللأمانة فقد وجدنا استقبالاً عظيماً فاق توقعاتنا من جانب المبدعين المجربين ، ولقد تحقق لنا الكثير مما كنا نصبو اليه، لذا كانت المسئولية كبيرة على كاهل نقاد هذا النوع الجديد – وهم قلة في الوطن العربى ، وسوف نشير اليهم لاحقاً - ، لأنهم معنا ، ونحن معهم ، متشاركين في ريادة استنباط هذا الشكل الجديد للقصة الحديثة ، وان اعتبره البعض لوناً جديداً منفصلاً عن القصة العربية ، لكننا – بداهة ودون توافقية من جانب النقاد كما أحسب - قد حسمنا المسألة منذ البداية ، كى لانقع – كما أرى – في المساجلات والاختلافات التى حدثت من قبل عند نشوء قصيدة التفعيلة ، أوقصيدة النثر ، أو غيرهما من قبلً .
لقد عرّفنا من قبل القصة الومضة بأنه : "ا الشذرة ، أو الالتماعة أو الاغماضة للحظة البرق الخاطفة ، أو الالماحة المكثفة التى تكتب بطرائق مخصوصة لتميزها عن غيرها من الأشكال الابداعية الأخرى ، والتى تحوى فى تكوينها : العنوان الدال أو المفارق ، والمعنى الذى تتقاسمه جملتان ، بينهما فاصلة ، وينتهيان بنقطة ، وتكون المفارقة أو الالتفات عنصراً فاعلاً ، مع ضرورة اشتراطية السبب والنتيجة – ان امكن – وان كنت لا أعتمد هذا الشرط كذلك ، لأن هذا الشرط – كما أرى - قد يسسب ترهلاً ، أو جموداً وميكانيكية ، أو استاتيكية لشكل المنجز الابداعى وهذا ما لانجيزه ، علاوة على مخصوصية عدد الكلمات ، وحددها الكثيرون بألا تزيد على ثمانى كلمات ، وان كنت أزيدها الى عشرة أو الى اثنا عشر كلمة على أقصى تقدير ، كما تتميز الومضة بتكثيف المعنى واختزاليته، بما أصطلحه باقتصاديات اللغة المائزة - ، واختصار الموضوع الى أقصر وحدة تعبيرية دالة ، قد تبدأ بكلمة واحدة أو أكثر ، بعد الفاصلة، وقبلها ، أى تبدأ بكلمتين للجملتين ، وتنتهى كما أوردنا بثمانية عند كثيرين وكما أشرت .
من كل ذلك يمكن أن ندخل الى عالم الومضات ، أو القصة الومضة ونحن نعرف اشتراطية الكتابة ومكونات الانتاجية لتلك الخصائص والسمات التى تميز القصة الومضة ، كما علينا ان نقر بأن الكتابة المخصوصة تحتاج الى نقاد غير نمطيين بالمرة ، ومن هنا أحسب – وهذا رأى لى ، يؤخذ ويرد عليه – أن الومضة تصنع ناقدها ، ومنهجها ، بالقدر الذى وصله منها، أى من الرسالة الدالة ، أو الموضوع الموحى المفارق ، ومن هنا كانت تشاركية القارىء/ الناقد أكثر الماحاً ، وتحتاج عندئذ الومضة الى ناقد رقيق بالحروف وبالكلمات ، وعارف بفقه المعنى وتوالديته واشتقاقاته الرقيقة ، وكذلك الدلالات التى تنتج المعنى البعيد من الالماحات الاشارية المكثفة ، وتلك لعمرى تحتاج الى دربة ومعرفة بماهية اللغة وترادفاتها العميقة ومعانيها الدافقة التى تندمغ مع ثقافة الناقد ، لتصنع " مكياج النقد الشذرى" ، أو الغلاف التّصورى البصرى للمعانى المختفية وراء ظاهر الألفاظ والايماءات والكلمات الملغزة والمكثفة ، أو المختفية فى بؤرة الشعور ، أو التصورات التى قد تحدثها، كمنمنمات تأخذ العقل لتحدث : " الشّكّة الابداعية العقلية الوامضة " – ان جاز لنا هذا التعبير ، لذا فانها تضع العقل فى بؤرة اليقظة، فى صورة دائرية ، او تقاطعية : " أفقية او رأسية " – أو تبادلية للأدوار ، لتستدعى اللاشعور لديه، أو المواقف المشابهة ، أو الأحداث التى قد تعرض لها شخصياً ن او حدثت لاخرين وحفرت لديه فى هامش الشعور ، فنراه يعيد انتاجية المعنى التصورى ، أو المتشاكل لديه ، كل بحسب ثقافته ومواقفه وخبراته ، أو من خلال دربته العقلية وقدرته التشخيصية لالتقاط المعانى المتوالدة أو اصطيادها ، أو كما وصلته انطباعياً ، لا عن طريق العملية السابقة والتى أطلق عليها : التراسل العقلى - من هذه الومضة التى قد تشبه الصدمة ، أو الشكًة المباشرة ، أو المباغتة والمفارقة على التقدير الأدقّ
ولنا أن نقدم صورة تطبيقية لما انتهجناه سلفاً وابتدعناه من طرائق مخصوصة ، او مداخل نقدية استشرافية للدخول الى عالم القصة الومضة فى عدة انحاء متفرقة من الدول العربية ، ولندرس بعد ذلك مدى اختلافية جغرافيا المكان وزمكانية المواقف والأحداث فى تشكيل هذا الشكل الجديد ، ومدى تأثر الشكل الجديد بتباينية المكان والزمان فى انتاجية نصوص مغايرة أو تجديدية أو تخالفية كل بحسب البيئة والثقافة ومدى امكانات الالتفات لهذه الأمور والمكونات التى تشكل جوهلر الاباع وتؤثر وتتأثر به كما نعرف ، وسيكون لنا حديث فى هذا الشأن فى دراسة منفصلة ان شاء الله ن ولكننا سنتحدث هنا عن التقنيات السابقة ومدى تطبيقات ما أشرنا اليه والتزام المبدعين بتلك الكتابة المخصوصة لنقدم النماذج الدالة على ما سبق ان أطرنا له ثم بعد ذلك لنتخير الجيد والمنتقى ولنفرد ربما انواعاً متباينة أو أغراضاً يتكىء عليها المبدعون او سمات عامة تميز كتابة هذا الشكل الجديد فى كل أو بعض الأقطار العربية .
(2)
ومضات قصصية / عربية :
رحمة
تدفق سيل أحزانه؛ تعمق بئر نسيانه.
حمدى عليوة
.....................................
عقاب
أنهکهم صدقاً ، تکالبوا علیه ذماً .
مصعب أحمد عبد السلام شمعون / السودان
...............................................
معالجة
تورط في الفساد؛ أنقذوه بالترقية .
ربيجاوى مخلوف
.................................................
حنين
توسده؛ أزهرت مخدته.
سمير الخبارى
....................................................
فارس
حملت زوجته؛ تنفس البلد الصعداء.
فلاح رسول
.......................................................
جبن
اسكتوا السنتهم؛ انبحوا كلابهم.
موفق طاهر الدوينى
.................................................
خصومة
جمعهم السؤال ، فرقهم الجواب .
على العكشى
...................................................
قلب
قتله اليأس؛ أحياه اﻷمل.
نجيبة رحونى
..........................................................
أُخوة
مُّدتْ سَواعِد العَطاءْ؛ قَزَّمتْ يد الفِتَنْ.
نسرين شكرى جميل
...........................................................
(3)
شذرات نقدية / تطبيقية / تجريبية / استشرافية :
1- فى ومضته " رحمة " يحيلنا القاص / حمدى عليوة - فى ومضته المتدفقة الدلالة - الى مسألة السبب والنتيجة لتكون المفارقة فى العنوان وليس فى نهاية الومضة ، وفى هذه التخالفية – فيما أحسب – جمالية محسوبة تشير الى مسألة الت\دوير فى السرد ، حيث تنتظم مكونات الومضة لتشكل ماهيتها مع تبادلية فى المواقف واستخدام المفارقة ، وذلك لعمرى هو الالتفات البلاغى الذى تكتنز به بلاغتنا العربية ولغتنا الاشارية الموجزة الدالة ، فتدفق سيل الأحزان قد عمّق النسيان لديه حتى غداً بئراً سقط فيه السارد فتطلب ذلك الرحمة ، أو ربما الشفقة من الموقف ، وعلى أى فهى ومضة تحاول أن تستشرف بالعنوان الالتفاتى الى ذاتية المسرود عنه الغائب مما يستوجب رحمة بالذى سقط فى بئر النسيان نتيجة تدفق سيل الأحزان عبر الكناية والاستعارة أو الصورة الاستعارية التركيبية لتدلل الى ذاتية المسرود الحزينة القابعة فى جب الحزن الذى يزداد تعمقاً بفعل الأحزان .
..........................................................
2- في ومضته " عقاب " يطالعنا القاص السودانى " مصعب أحمد عبدالسلام " بومضة تصنع دلالاتها المفارقة عبر التضاد ، أو الجملة التى تشبه المطابقة في المعنى ، فذلك الذى أنهكم صدقاً نراهم يتكالبون عليه ذماً، ليدلل الى انتقال هيئة الأحداث من الذات الساردة الى الذوات المضادة وكأن رد الفعل الصادق يقابل بالذم في صورة صنعا العنوان المفارق للدليل الى العقاب ، فعاقبة الصدق لا تكون بالذم أو الانتقاص من حقه بالكذب بل نرى فعل التكالب وفعل الانهاك قد صنع شدة وقوة للعقاب فالعقاب شديد ومنهك على قدر الفعل ، ولكن يظل الموقف الأخلاقى حائراً : هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ وهل جزاء الصدق التكالب على صاحبه بالذم لاخماد صوت الصدق الذى ظنوا انهم بكثرتهم سيغلبونه ، وان غلبوه مؤقتاً لابد في النهاية ان ينتصر الصدق ليشير الكاتب الى المعادلة المقلوبة في المجتمع الذى ينتقده ن او تشير اليه سيرورة السرد وماهياته الدلالية .
...........................................................
.
3- أ/ ربيجاوى مخلوف يعيد لنا انتاجية صور الفساد المجتمعى والمعالجات الخاطئة أو المحاسبة من جانب النظام بتشجيعه على ذلك ليعكس فساد المجتمعات والأنظمة ، فالفضيحة التى ستعود على الأنظمة الفاسدة أن يرقوا الفاسد الى درجة عليا ليتم اخماد الفساد وتوريته كى لا ينكشف وينكشفوا معه كمتورطين وهذا حال المؤسسات الفاسدة ، ومضة جيدة تعكس الواقع الاجتماعى السىء للأنظمة الفاسدة .
...................................................
4- سمير الخبارى يقدم صدمة للقارىء منذ الوهلة الأولى ففعل التوسد والهاء العائدة على ضمير الغائب تحيلنا الى توسد طفل أو رجل الا أن المتمعن فى الومضة عندما يلصق ذلك بالحنين فى العنوان نجد النتيجة المفارقة فى ازهار المخدة بفعل الحنين المتوسد ومع ذلك فهى وان صطدمتنى بداية الا أنها أدهشتنى ، ولعل التكثيف الشديد ( كلمتان ) قد جعلنا نتلقى الصدمة بقوة الا أنها تحيلنا كذلك الى اشتراك للقارىء مع المبدع فى التخييل وفهم المعنى المراد ، لا المعنى التصورى المباغت لأول وهلة .. ومضة جيدة أ/ سمير الخبارى .
................................................
5- فلاح رسول يحاول اخفاء الرمزية شديدة الجمال فى ومضته فارس فحمل الزوجة من المفروض أن يجلب حنق البلد وتنفسهم الصعداء دليل راحة يناقض فيها الشعب الحاكم أو الفارس فالتوريث يصيب البلاد بخيبة الأمل وعدم احترام المواهب مع اقصاء الكثيرين وكأن البلد لا تنجب وكأن الفارس هو الذى فقط يجب أن ينجب الفرسان ، أما اذا أراد أن ينسحب لفظ الفارس على المولود فكأن البلدة تنتظر حلماً للخلاص بانتظار فارس يجىء ليجدد خلاص البلد من القهر ولكن الاما الانتظار وهو دليل العجز ، ألا من مبادرة لهذا البلد المأزوم ومضة مفارقة تحمل معان متعددة دمت مبدعاً.
...................................................
6- ومضة جبن نراها تشى بمفارقة وبمعان تبدو متباينة لكنها تشى معطيات واقع مهزوم ومأزوم لذلك الجبن المتولد نتيجة اسكات الألسنة بفعل القهر ، وانباح الكلاب هنا ليس كصورة الشاعر العربى القديم لجلب ضيف دليل الكرم بل لجلب ضوضاء ومشاكل والدفاع عن مواقف حياتية هكذا فهمت ومضتك وان كانت ألسنتهم تحتاج الى وضع الهمزة املائياً موفق طاهر الدوينى .
...........................................................
7- يقدم لنا أ/ على العكشى فى ومضته خصومة صورة لعدم تطبيق المثل الشعبى ، أو الحكمة القولية : الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية اذ نرى اجتماعهم على مشروعية السؤال وتفرقهم عند تباين الاجابة لتكون خصومة وليس وداً ، ولرفض تقبل الرأى والرأى المضاد واقصاء الاخر المختلف معى ن فاما ان تكون معى او تصبح ضدى وهذا دليل اعوجاج وتردى الثقافة والذائقة وعدم احترام آراء الآخرين .
........................................
8- تطلعنا نجيبة رحونى على ومضة شفافة ولغة صافية ولولا أن عنوان الومضة قلب لأخرجناها من باب الومضة لكن المفارقة هنا فى العنوان وهذا رائع فالقلب الذى تنسحب عليه مسألة القتل واليأس الذى يحييه الأمل وهذا جميل للقلب لأنها اقتطعت من الانسان أعز وأفضل مضغة لتحولها الى المعنى المراد علاوة على التضاد وجماليته بين اليأس والأمل وبضدها تتميز الأشياء اذ عكس اليأس اللا يأس وعكس الأمل اللا أمل وليست الكلمتان عكس بعضمها ولكننا نميز الأشياء بتضادها فى المعنى مع احتفاظها بخصوصيتها التكوينية اذ النهار ليس عكسه الليل ولا الأسود عكسه الأبيض ولكننا نتعرف الى الأبيض بالأسود والى النهار بالليل فهو مقابل له لكنه ليس على نقيضه لأن الطبيعة مختلفة تكوينياً وجوهرياً ولكننا ناخذ المفارقات الشكلية لنحيل الى المعنى المراد وهو المر الذى يقع فيه الكثيرون فى الخطأ بظنية التقابل او التضاد .
..........................................
9- تقدم لنا أ/ نسرين شكرى جميل فى ومضتها اخوة صورة للعطاء مغايرة للمنفقين الذين ينتظرون المقابل من المولى عز وجل ، ولكن المقابل هنا فى قطع دابر الفتن والتعاون على البر والتقوى كما وجهنا النبى ص فى حديثه الشريف ، وتأتى الأخوة كعنوان يدلل الى الرحمة والتعاطف والمحبة بين الأشقاء أو بين الناس فالعطاء يجلب الحب ويزيل الفرقة ، كما يدلل التعبير الاستعارى سواعد العطاء ويد الفتن على جمالية تعبيرية غاية فى الرقة والسموق بالاضافة الى العنوان والمفارقة المتباينيين .
وفى النهاية : ستظل القصة الومضة رافداً من روافد الكتابة القصصية لتحريك العقل العربى وتوجيهه الى مضمار القريحة والذهنية والوجدان للتعبير عن الفكرة والموضوع بطرائق مخصوصة ، سريعة وموحية ، ودالة وجميلة ، ومكتملة أيضاً .


__________________________________
حاتم عبدالهادى محمد السيد
رئيس تحرير مجلة ومضات عربية
رئيس رابطة الأدباء العرب
رئيس تحرير مجلة الأدباء العرب
عضو اتحاد كتاب مصر
المراسلات :
مصر – شمال سيناء – العريش – 13ش الطائف – كرم أبونجيلة –ص.ب 68
[email protected]
00201005762702

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى