في كتاب فارسي طبع عدة طبعات في الهند وإيران سورة دعيت سورة النورين، زعم مؤلف الكتاب أنها من السور القرآنية التي لم يقبل الخليفة عثمان بن عفان درجها في القرآن الكريم. وقد نقل هذه السورة المستشرقون عن هذا الكتاب ومن أشهر هؤلاء المستشرق نولدكة في كتابه (تاريخ القرآن)
والكتاب خير مرجع لمن أراد البحث عن تاريخ الملل والنجل والمذاهب والأديان في الهند وإيران، وخاصة في القرن الثاني عشر للهجرة، أي في العصر الذي عاش فيه مؤلف هذا السفر. على أننا لا نعرف عن مؤلف الكتاب شيئاً؛ وكل ما نعرفه أنه عاش في مدينة (أكرا) الهندية وأنه ألف الكتاب بين سنتي 1064 و1067 للهجرة.
يستهل صاحب الكتاب كتابه بالبحث في عقائد الفرس عبدة النيران فيفصل فيه تفصيلاً وافياً ويجيد فيه إجادة تامة. ويتناول حياة (زردشت) على الأخص بالتفصيل ويدعوه (النبي زردشت) وبعد هذا البحث ينتقل إلى آراء أهل الهند ثم أهل التيبت، فيجيد في بحث الهند أيضاً، ويتناول بالبحث بعض الفرق الهندية التي لا يعرف عن آرائها إلا النزر اليسير. وهو في بحثه هذا أشبه الناس بالبيزوني أبي ريحان محمد ابن احمد (973 - 1048) الفيلسوف الرياضي الشهير وصاحب (تحقيق ملل الهند) من حيث الطريقة في البحث والحرية في عرض الحقائق والحياد في معالجة القضايا الدينية ومناهج البحث.
المؤلف على ما يظهر رواية لما يسمع، محدث لما يرى، جالس علماء الطوائف المختلفة وتكلم إلى رؤساء الشيع والمذاهب، فنقل ما سمعه نقلاً لا ندري مبلغ درجته من الصحة لجهلنا بمنزلة المؤلف ودرجته من الحق. أخذ معلوماته عن السنة من كتاب واحد هو (كتاب الملل والنحل) للعلامة الشهير أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ولعله استمد معلوماته عن بقية المذاهب الإسلامية من هذا الكتاب أيضاً؛ غير أنه لم يذهب مذهبه في التقسيم ولم يتوسع توسعه في المعرفة بل اقتصر على معلومات عامة وخاصة تناسب الهند والحالة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الزمان.
واستمد معلوماته الشفهية عن أهل السنة والجماعة ممن اتصل بهم من العلماء أمثال (الملا عادل الكشغري التي التقى به في مدينة لاهور عام 1048 للهجرة، والملا محمد معصوم الكاشغري، والملا يعقوب الترفاني وأمثالهم. ويجعل المؤلف ديباجته عن أهل السنة والشيعة هذه العبارة (سمعت من ثقات أهل السنة رحمهم الله وقرأت في كتبهم وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل. تفرق بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة وستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة تزيد عليهم ملة كلهن في النار إلا ملة واحدة. قالوا: (يا رسول الله من الملة الواحدة) قال: (ما أنا عليه وأصحابي)
ويقسم المؤلف أهل السنة والجماعة إلى أصناف ثلاثة: معتزلة وأشعرية ومجسمة. ويتفرغ لبحث المجسمة على الأخص. فيذكر بعض حججهم واستدلالاتهم مثل قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) و (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ومثل ما روى في الحديث (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) و (خلق الله آدم على صورته). وقد أسهب في هذا الباب إسهاباً يلفت النظر، فالمعروف أن المشبهة أو المجسمة لم تكن إلا فئة قليلة بالنسبة إلى الأشعرية وهم غالبية السنة فلم كل هذا الإسهاب؟
وعد اليزيدية أو الأموية في عداد أهل السنة ومعلوماته عنهم لا تجلب إلى القارئ شيئاً جديداً، ولعل بعد مساكن اليزيدية عنه حال بينه وبين الكتابة كما يجب أن يكون.
أما الطائفة الثانية من الطوائف الإسلامية فهي الشيعة، ويستهل بحثه عن الشيعة بهذه العبارة: (سمعت من علماء الشيعة بأن الشيعة هم حزب علي بن أبي طالب القائلين بإمامته). ولم يذكر من طوائف الشيعة غير الإثني عشرية والإسماعيلية. ومرجعه عن الإثني عشرية رواية نفر من علماء الشيعة ممن كانوا يقيمون في مدينة لاهور. والظاهر أن الحديث معهم كان في عام 1053 للهجرة. وهؤلاء العلماء الذين تحدث إليهم مؤلف الكتاب ونقل عنهم هم (ملا معصوم ومحمد مؤمن توني وملا إبراهيم، ذكر أثناء حديثه عن الإثني عشرية بعض العلماء أمثال العلامة الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشريف الرضي والمحدث الكليني صاحب (الكافي) وهو أشهر كتاب في الحديث لدى الشيعة الإثني عشري، والعلامة الحلي.
ويتكلم في موضوع انقسام الشيعة الإثني عشرية من حيث الفقه وأصوله إلى أصولية وهم غالبية الشيعة وجمهرتهم، وأخبارية وهم القائلون بالأخبار وبقوة الحديث تجاه الرأي وبترك الأخذ بالرأي والاجتهاد. ويستند في بحثه عن الأخبارية على كتاب (الفوائد المدنية للملا محمد أمين الإسترابادي أشهر علماء الإخبارية ولسان هذا المذهب ومنظمه).
وينتقل المؤلف إلى الغلاة من الشيعة وهم العلي اللهية الذين يؤلهون علياً. ومن رأى المؤلف أن رجال هذه الفرقة يضيفون إلى القرآن كل ما يجدونه من كلام الإمام علي، على أنه من كلام الله، فما دام القرآن هو كلام الله، وما دام الإمام علي هو الله بعينه فلم لا يجمع كلامه كله في صعيد واحد هو القرآن؟
وينفرد المؤلف بذكر فرقة إسلامية لم تعرف في كتاب آخر سماها (الصادقية) أو (المسيلمية) أتباع مسيلمة الذي يلقبه المسلون بلقب (مسيلمة الكذاب) ويدعي بأنه رأى هذه الفرقة في مشهد من أعمال خراسان عام 1053 للهجرة، وأنه شاهد عالم هذه النحلة (محمد قلي)؛ وقد أخبره هذا العالم على ما يدعيه مؤلف الكتاب بأن مسيلمة الذي يلقبه المسلمون زوراً بلقب الكذاب إن هو إلا نبي مرسل وشريك محمد رسول الله في الرسالة.
ولمسيلمة هذا كتاب سماوي يضاهي القرآن ويحاكيه على حد تعبير إمام هذا النحلة اسمه (الفاروق) لأنه يفرق بين الحق والباطل، وهو (الفاروق الثاني)؛ أما الفاروق الأول فهو (الفرقان) أو (القرآن). وقد جاءت في (فاروق) مسيلمة آخر أحكام الله ونواهيه، لذلك فهو خاتم الكتب السماوية، كما أن مسيلمة هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
ويزعم مؤلف الكتاب أن زعماء الصادقية يعرفون كتاب (الفاروق) ويحفظونه، وأن رئيسهم كان يحفظ هذا الكتاب المقدس، وأنه أخذه عن أجداه فأجداد أجداده إلى مسيلمة. وهو يفتخر بانتسابه إلى سلالة تشرفت بخدمة مسيلمة وقامت بواجب التعظيم لنبي مرسل ولكنه لم يذكر ولا آية واحدة من آيات هذا الفاروق على خلاف عادته في ميله إلى ذكر الغريب.
وتأخذ طرق (الصوفية) و (الإشراقية) و (الحكماء) حقلاً طويلاً من كتابه، فهو يبحث في فرقها حتى ينتهي الكتاب. ومن الطرق الغريبة طريقة (الواحدية) الذين يقولون بوحدة الجسد والروح. فهم في هذا على مثال القائلين بالطبيعة الواحدة في المسيح. ومؤسس هذه الطريقة هو (محمود) من قرية (مسجوان) إحدى قرى كيلان، وقد ظهرت دعوته عام 600 للهجرة.
ومحمود هذا على زعم (الواحدية) هو المقصود بقوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) وقد مزج أصحابه بين الفلسفة اليونانية وبين الصوفية الهندية الإيرانية، وبين علم النجوم وأحكام الدين حتى تولدت من هذا المزيج الغريب (غنوسطية) لا هي مسيحية ولا هي إسلامية ولا هي شرقية بحتة، بل هي وسط بين هذا وذاك أكملها علماؤهم على مر السنين، وتباينت كلما قدم العهد عليها، أمثال (درويش إسماعيل) و (ميرزا تقي) و (شيخ لطف الله) و (شيخ شهاب).
وللواحدية كتاب اسمه (الميزان) يتألف من رسائل فيها علوم الأولين والآخرين منذ يوم الخليقة إلى يوم يبعثون، فيها من المغيبات والنبوات وكل ما يحتاج إليه الإنسان. وأهم ما في هذا الكتاب هو أن دين العرب سيدوم ثمانية آلاف سنة لأن برجه (الثريا)، ثم ينطوي ذلك الدور ويأتي بعده دور العجم حيث يدوم نفس هذا المقدار.
وكانت للواحدية عصبة اتخذت لها مدينة (أصفهان) في إيران مقراً وكانت لها جماعة وأنصار، وقد زارها مؤلف الكتاب ووجد لها دعاة في تلك المدينة، ولكن الشاه عباس الصفوي أبن الشاخدابندة قضى على هذه الجماعة ونكل بها حتى لم تبق لها بقية على ما يراه مؤلف الكتاب.
لم يعرف عن مؤلف الكتاب شيء، وقد اجهد المستشرقون أنفسهم للتعرف على هذا المؤلف ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة حاسمة حتى الآن. وكان أول من عرف هذا الكتاب إلى الأوربيين هو المستشرق الفرنسي (ده تاسي) ثم ترجم إلى اللغة الإنكليزية، ترجمه المستشرق الإنكليزي (كلادوين) بعنوان ولم تكن ترجمته ترجمة صحيحة مضبوطة فأكملها (داود شي) ' ثم (أنطوان ترير)
وذهب المستشرقون إلى أن مؤلف الكتاب هو رجل يدعى (محسن فاني) لما جاء في مقدمة بعض الطبعات: (يقول محسن فاني) ولعله الشيخ محسن فاني الكشميري المتوفى عام 1082 للهجرة أو 1082. ولهذا الشيخ مؤلف اسمه (مصدر الآثار مثنوى) وهو شعر على طريقة المتصوفة كتبه سنة 1067 للهجرة. وتوجد نسخة منه في مكتبة إدارة الهند.
ولعل أهم ما لفت أنظار المستشرقين إلى هذا الكتاب هو وجود سورة سماها المؤلف (سورة النورين) نزلت في الإمام علي وذريته من بعده. زعم أن الشيعة يعتقدون بأنها من السور القرآنية التي حذفها الخليفة عثمان بن عفان. وقد نشرت في المجلة الأسيوية ثم نشرت في كتاب (تاريخ القرآن).
ولا يذكر المؤلف اسم المصدر الذي استسقى منه هذه السورة، ولا الكتاب الذي اعتمد عليه. ولا الشخص الذي روي عنه سورة النورين. ولم أعثر حتى الآن على مصدر شيعي قديم أو حديث يعرف هذه السورة أو أشار إليها ولو إشارة بسيطة. ولو كانت هذه السورة موجودة حقاً لما تورع المؤلفون عن ذكرها والاستشهاد بها كما فعلوا في الاستشهاد بمواضع من آي الذكر الحكيم، وبالأحاديث المروية عن الرسول في تأييد وجهة نظرهم في إمامة الإمام. أما السورة المزعومة فهي هذه:
سورة النورين
بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين، أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم،. نوران بعضهما من بعض وأنا لسميع عليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات نعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا لوصى الرسول أولئك من يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة والرسل وجعل من المؤمنين. أولئك من خَلْقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برُسلهم فأخذتهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عاداً وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وإن أكثرهم فاسقون، إن الله يجمعهم يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون. مَثَلُ الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم، وإن علياً لمن المتقين. وإنا لنوفيه حقه يوم الدين، وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين. وإنه وذريته لصابرون. وإن عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفه مؤمناً ومن يتوله من بعدك يظهرون. فاعرض عنهم إنهم معرضون. إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيئاً ولا هم يرحمون. إن لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا عليهم فصبر جميل فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يُبلون. ولقد آتيناك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين. وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون. ومن يتول عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. إن علياً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه، قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون. إنا بشرناك بذرية الصالحين. وإنهم لأمرنا لا يخلفون. فعليهم من صلاة ورحمة أحياء وأمواتاً ويوم يبعثون. وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين. وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين آمين.
جواد علي
مجلة الرسالة - العدد 620
بتاريخ: 21 - 05 - 1945
والكتاب خير مرجع لمن أراد البحث عن تاريخ الملل والنجل والمذاهب والأديان في الهند وإيران، وخاصة في القرن الثاني عشر للهجرة، أي في العصر الذي عاش فيه مؤلف هذا السفر. على أننا لا نعرف عن مؤلف الكتاب شيئاً؛ وكل ما نعرفه أنه عاش في مدينة (أكرا) الهندية وأنه ألف الكتاب بين سنتي 1064 و1067 للهجرة.
يستهل صاحب الكتاب كتابه بالبحث في عقائد الفرس عبدة النيران فيفصل فيه تفصيلاً وافياً ويجيد فيه إجادة تامة. ويتناول حياة (زردشت) على الأخص بالتفصيل ويدعوه (النبي زردشت) وبعد هذا البحث ينتقل إلى آراء أهل الهند ثم أهل التيبت، فيجيد في بحث الهند أيضاً، ويتناول بالبحث بعض الفرق الهندية التي لا يعرف عن آرائها إلا النزر اليسير. وهو في بحثه هذا أشبه الناس بالبيزوني أبي ريحان محمد ابن احمد (973 - 1048) الفيلسوف الرياضي الشهير وصاحب (تحقيق ملل الهند) من حيث الطريقة في البحث والحرية في عرض الحقائق والحياد في معالجة القضايا الدينية ومناهج البحث.
المؤلف على ما يظهر رواية لما يسمع، محدث لما يرى، جالس علماء الطوائف المختلفة وتكلم إلى رؤساء الشيع والمذاهب، فنقل ما سمعه نقلاً لا ندري مبلغ درجته من الصحة لجهلنا بمنزلة المؤلف ودرجته من الحق. أخذ معلوماته عن السنة من كتاب واحد هو (كتاب الملل والنحل) للعلامة الشهير أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ولعله استمد معلوماته عن بقية المذاهب الإسلامية من هذا الكتاب أيضاً؛ غير أنه لم يذهب مذهبه في التقسيم ولم يتوسع توسعه في المعرفة بل اقتصر على معلومات عامة وخاصة تناسب الهند والحالة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الزمان.
واستمد معلوماته الشفهية عن أهل السنة والجماعة ممن اتصل بهم من العلماء أمثال (الملا عادل الكشغري التي التقى به في مدينة لاهور عام 1048 للهجرة، والملا محمد معصوم الكاشغري، والملا يعقوب الترفاني وأمثالهم. ويجعل المؤلف ديباجته عن أهل السنة والشيعة هذه العبارة (سمعت من ثقات أهل السنة رحمهم الله وقرأت في كتبهم وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل. تفرق بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة وستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة تزيد عليهم ملة كلهن في النار إلا ملة واحدة. قالوا: (يا رسول الله من الملة الواحدة) قال: (ما أنا عليه وأصحابي)
ويقسم المؤلف أهل السنة والجماعة إلى أصناف ثلاثة: معتزلة وأشعرية ومجسمة. ويتفرغ لبحث المجسمة على الأخص. فيذكر بعض حججهم واستدلالاتهم مثل قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) و (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ومثل ما روى في الحديث (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) و (خلق الله آدم على صورته). وقد أسهب في هذا الباب إسهاباً يلفت النظر، فالمعروف أن المشبهة أو المجسمة لم تكن إلا فئة قليلة بالنسبة إلى الأشعرية وهم غالبية السنة فلم كل هذا الإسهاب؟
وعد اليزيدية أو الأموية في عداد أهل السنة ومعلوماته عنهم لا تجلب إلى القارئ شيئاً جديداً، ولعل بعد مساكن اليزيدية عنه حال بينه وبين الكتابة كما يجب أن يكون.
أما الطائفة الثانية من الطوائف الإسلامية فهي الشيعة، ويستهل بحثه عن الشيعة بهذه العبارة: (سمعت من علماء الشيعة بأن الشيعة هم حزب علي بن أبي طالب القائلين بإمامته). ولم يذكر من طوائف الشيعة غير الإثني عشرية والإسماعيلية. ومرجعه عن الإثني عشرية رواية نفر من علماء الشيعة ممن كانوا يقيمون في مدينة لاهور. والظاهر أن الحديث معهم كان في عام 1053 للهجرة. وهؤلاء العلماء الذين تحدث إليهم مؤلف الكتاب ونقل عنهم هم (ملا معصوم ومحمد مؤمن توني وملا إبراهيم، ذكر أثناء حديثه عن الإثني عشرية بعض العلماء أمثال العلامة الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشريف الرضي والمحدث الكليني صاحب (الكافي) وهو أشهر كتاب في الحديث لدى الشيعة الإثني عشري، والعلامة الحلي.
ويتكلم في موضوع انقسام الشيعة الإثني عشرية من حيث الفقه وأصوله إلى أصولية وهم غالبية الشيعة وجمهرتهم، وأخبارية وهم القائلون بالأخبار وبقوة الحديث تجاه الرأي وبترك الأخذ بالرأي والاجتهاد. ويستند في بحثه عن الأخبارية على كتاب (الفوائد المدنية للملا محمد أمين الإسترابادي أشهر علماء الإخبارية ولسان هذا المذهب ومنظمه).
وينتقل المؤلف إلى الغلاة من الشيعة وهم العلي اللهية الذين يؤلهون علياً. ومن رأى المؤلف أن رجال هذه الفرقة يضيفون إلى القرآن كل ما يجدونه من كلام الإمام علي، على أنه من كلام الله، فما دام القرآن هو كلام الله، وما دام الإمام علي هو الله بعينه فلم لا يجمع كلامه كله في صعيد واحد هو القرآن؟
وينفرد المؤلف بذكر فرقة إسلامية لم تعرف في كتاب آخر سماها (الصادقية) أو (المسيلمية) أتباع مسيلمة الذي يلقبه المسلون بلقب (مسيلمة الكذاب) ويدعي بأنه رأى هذه الفرقة في مشهد من أعمال خراسان عام 1053 للهجرة، وأنه شاهد عالم هذه النحلة (محمد قلي)؛ وقد أخبره هذا العالم على ما يدعيه مؤلف الكتاب بأن مسيلمة الذي يلقبه المسلمون زوراً بلقب الكذاب إن هو إلا نبي مرسل وشريك محمد رسول الله في الرسالة.
ولمسيلمة هذا كتاب سماوي يضاهي القرآن ويحاكيه على حد تعبير إمام هذا النحلة اسمه (الفاروق) لأنه يفرق بين الحق والباطل، وهو (الفاروق الثاني)؛ أما الفاروق الأول فهو (الفرقان) أو (القرآن). وقد جاءت في (فاروق) مسيلمة آخر أحكام الله ونواهيه، لذلك فهو خاتم الكتب السماوية، كما أن مسيلمة هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
ويزعم مؤلف الكتاب أن زعماء الصادقية يعرفون كتاب (الفاروق) ويحفظونه، وأن رئيسهم كان يحفظ هذا الكتاب المقدس، وأنه أخذه عن أجداه فأجداد أجداده إلى مسيلمة. وهو يفتخر بانتسابه إلى سلالة تشرفت بخدمة مسيلمة وقامت بواجب التعظيم لنبي مرسل ولكنه لم يذكر ولا آية واحدة من آيات هذا الفاروق على خلاف عادته في ميله إلى ذكر الغريب.
وتأخذ طرق (الصوفية) و (الإشراقية) و (الحكماء) حقلاً طويلاً من كتابه، فهو يبحث في فرقها حتى ينتهي الكتاب. ومن الطرق الغريبة طريقة (الواحدية) الذين يقولون بوحدة الجسد والروح. فهم في هذا على مثال القائلين بالطبيعة الواحدة في المسيح. ومؤسس هذه الطريقة هو (محمود) من قرية (مسجوان) إحدى قرى كيلان، وقد ظهرت دعوته عام 600 للهجرة.
ومحمود هذا على زعم (الواحدية) هو المقصود بقوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) وقد مزج أصحابه بين الفلسفة اليونانية وبين الصوفية الهندية الإيرانية، وبين علم النجوم وأحكام الدين حتى تولدت من هذا المزيج الغريب (غنوسطية) لا هي مسيحية ولا هي إسلامية ولا هي شرقية بحتة، بل هي وسط بين هذا وذاك أكملها علماؤهم على مر السنين، وتباينت كلما قدم العهد عليها، أمثال (درويش إسماعيل) و (ميرزا تقي) و (شيخ لطف الله) و (شيخ شهاب).
وللواحدية كتاب اسمه (الميزان) يتألف من رسائل فيها علوم الأولين والآخرين منذ يوم الخليقة إلى يوم يبعثون، فيها من المغيبات والنبوات وكل ما يحتاج إليه الإنسان. وأهم ما في هذا الكتاب هو أن دين العرب سيدوم ثمانية آلاف سنة لأن برجه (الثريا)، ثم ينطوي ذلك الدور ويأتي بعده دور العجم حيث يدوم نفس هذا المقدار.
وكانت للواحدية عصبة اتخذت لها مدينة (أصفهان) في إيران مقراً وكانت لها جماعة وأنصار، وقد زارها مؤلف الكتاب ووجد لها دعاة في تلك المدينة، ولكن الشاه عباس الصفوي أبن الشاخدابندة قضى على هذه الجماعة ونكل بها حتى لم تبق لها بقية على ما يراه مؤلف الكتاب.
لم يعرف عن مؤلف الكتاب شيء، وقد اجهد المستشرقون أنفسهم للتعرف على هذا المؤلف ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة حاسمة حتى الآن. وكان أول من عرف هذا الكتاب إلى الأوربيين هو المستشرق الفرنسي (ده تاسي) ثم ترجم إلى اللغة الإنكليزية، ترجمه المستشرق الإنكليزي (كلادوين) بعنوان ولم تكن ترجمته ترجمة صحيحة مضبوطة فأكملها (داود شي) ' ثم (أنطوان ترير)
وذهب المستشرقون إلى أن مؤلف الكتاب هو رجل يدعى (محسن فاني) لما جاء في مقدمة بعض الطبعات: (يقول محسن فاني) ولعله الشيخ محسن فاني الكشميري المتوفى عام 1082 للهجرة أو 1082. ولهذا الشيخ مؤلف اسمه (مصدر الآثار مثنوى) وهو شعر على طريقة المتصوفة كتبه سنة 1067 للهجرة. وتوجد نسخة منه في مكتبة إدارة الهند.
ولعل أهم ما لفت أنظار المستشرقين إلى هذا الكتاب هو وجود سورة سماها المؤلف (سورة النورين) نزلت في الإمام علي وذريته من بعده. زعم أن الشيعة يعتقدون بأنها من السور القرآنية التي حذفها الخليفة عثمان بن عفان. وقد نشرت في المجلة الأسيوية ثم نشرت في كتاب (تاريخ القرآن).
ولا يذكر المؤلف اسم المصدر الذي استسقى منه هذه السورة، ولا الكتاب الذي اعتمد عليه. ولا الشخص الذي روي عنه سورة النورين. ولم أعثر حتى الآن على مصدر شيعي قديم أو حديث يعرف هذه السورة أو أشار إليها ولو إشارة بسيطة. ولو كانت هذه السورة موجودة حقاً لما تورع المؤلفون عن ذكرها والاستشهاد بها كما فعلوا في الاستشهاد بمواضع من آي الذكر الحكيم، وبالأحاديث المروية عن الرسول في تأييد وجهة نظرهم في إمامة الإمام. أما السورة المزعومة فهي هذه:
سورة النورين
بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين، أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم،. نوران بعضهما من بعض وأنا لسميع عليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات نعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا لوصى الرسول أولئك من يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة والرسل وجعل من المؤمنين. أولئك من خَلْقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برُسلهم فأخذتهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عاداً وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وإن أكثرهم فاسقون، إن الله يجمعهم يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون. مَثَلُ الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم، وإن علياً لمن المتقين. وإنا لنوفيه حقه يوم الدين، وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين. وإنه وذريته لصابرون. وإن عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفه مؤمناً ومن يتوله من بعدك يظهرون. فاعرض عنهم إنهم معرضون. إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيئاً ولا هم يرحمون. إن لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا عليهم فصبر جميل فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يُبلون. ولقد آتيناك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين. وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون. ومن يتول عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. إن علياً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه، قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون. إنا بشرناك بذرية الصالحين. وإنهم لأمرنا لا يخلفون. فعليهم من صلاة ورحمة أحياء وأمواتاً ويوم يبعثون. وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين. وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين آمين.
جواد علي
مجلة الرسالة - العدد 620
بتاريخ: 21 - 05 - 1945