فاضل السلطاني - مقتل الشاعر العراقي محمود البريكان في البصرة

بدأ محمود البريكان، الذي قتل ليلة امس حسب الروايات القادمة من بغداد والبصرة، مع زميله البصراوي بدر شاكر السياب في وقت واحد تقريبا. لكنه لم ينشر شيئا من بداياته الشعرية، كما فعل السياب ونازك الملائكة والبياتي، ما عدا قصائد قليلة نشرها في مجلة "المعلم الجديد" التي صدرت بعد ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز) 1958. قال عنه السياب مرة انه شاعر كبير، وتمنى ان ينشر شعره اسوة بزملائه الآخرين، ليحتل المكانة التي يستحقها في خارطة الشعر العراقي المزدحمة بالاسماء المهمة آنذاك. لكن البريكان تحصن بصمته، وربما استعذبه. وشيئا فشيئا تحول الى اسطورة غذتها حكايات كثيرة عن اسباب صمت شاعر مثله، وعن طبيعة حياته التي لا يعرف دقائقها احد. ووصلت شهرة هذا الصمت الى البلدان العربية الاخرى، ونذكر ان وفدا من الكتاب والشعراء العرب الذين حضروا مهرجان المربد في بداية السبعينات، حاولوا لقاءه لكنه رفض تماماً.مرة واحدة فقط في بداية السبعينات، نجح الشاعر العراقي عبد الرحمن طهمازي في اجراء حوار معه نشرته مجلة "المثقف العربي" في بغداد، مع قصائد جديدة له. وبعدها عاد الى الصمت. ان الشاعر يقتل مرتين، كما قال عند رفع الستار عن تمثال بدر شاكر السياب في البصرة، حين ينشر شعره، وحين يقام له تمثال.اية يد يمكن ان تمتد الى محمود البريكان؟ يقول اتحاد الكتاب العراقيين في نعيه انه توفي جراء "حادث مؤسف"، بينما يؤكد اصدقاء الشاعر ان الحادث المؤسف هو جريمة قتل، مع الاشارة الى "هدف السرقة".والسؤال الآن: من سينقذ اوراق الشاعر، ومن سينشرها بعد رحيله المضحك المبكي، بعدما عز ذلك في حياته؟ يقول البعض ان قصائده مؤمنة في احد البنوك، لكن الشاعر نفى ذلك مرارا، قائلا انها مكدسة في غرفته.. الغرفة نفسها التي امتدت اليها يد القتلة لتعكر صمته الطويل وتحيله الى صمت أبدي.
عن موقع ايلاف
4مارس/2022
أعلى