بالتعاون مع الجمعية السورية لتاريخ العلوم ومعهد التراث العربي، اقيمت في جامعة حلب ندوة للترجمة ودورها في اغناء التراث العلمي العربي. تحدث فيها الدكتور احمد هبو عن حركة الترجمة في العصر العباسي، فاعتبر ان الترجمة انطلقت في اواخر عهد الدولة الاموية وذلك مع حركة التعريب الاداري وسك العملة، في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد اللذين شجعا العلماء السريان على نقل علوم اليونان كالطب والفلسفة وغيرها. وقد نتج عن ذلك ما يسمى بعلم الكلام الذي قام على الحجة والجدل والمنطق، فكان المتكلمون فلاسفة العصر آنذاك. وتم نقل تلك العلوم عن اللغة السريانية، لأن السريان كانوا قد نقلوها الى لغتهم قبل غيرهم من الامم التي كانت تعيش في المنطقة، فنشطت عدة مدارس للترجمة، كان منها مدرسة «جنديسابور» وكان فيها كلية شهيرة للطب، تدرس العلوم اليونانية باللغة السريانية ويذكر ان احد الاطباء العرب، تخرج منها، قبل الاسلام وهو (الحارث بن كلدة)، كما كانت تدرس فيها علوم الهند ايضا. واستمرت هذه المدرسة الى العصر العباسي ومن اطبائها المشهورين: (جرجيس بن بختيشوع) الذي عالج الخليفة المنصور و(ابن جبرائيل) الذي كلفه الخليفة الرشيد ببناء بيمارستان على غرارها، اما مدرسة «الرها» فقد اشتهر من علمائها «ثابت بن قرة وابراهيم بن سنان وحنين بن اسحق وجش الاعسم ابن اخت حنين وابن اسحق وابناء موسى بن شاكر والعالم المشهور البتاني».
وقد شهدت مدرسة «الاسكندرية» ولادة «الافلاطونية الحديثة» التي وضع اسسها الفلسفية «افلوطين» التي تميزت بالمثالية ونقد المادية وكان الفيلسوف «فورفوريوس» من اشهر اساتذتها. وكانت مدرسة موسوعية بعلمائها ومكتبتها الضخمة.
وهناك مدارس اقل شهرة كتيماء في شمال الجزيرة العربية، ونصبين. وترجمت في هذه الفترة كتب عديدة منها «كليلة ودمنة» و«المجسطي» لبطليموس. ومن اشهر المترجمين: «ابن المقفع ويوحنا بن ماسويه» وفيها ايضا نشأ مذهب المعتزلة وعلى رأسهم ابراهيم النظام.
وفي عصر المأمون نقلت فلسفة ارسطو واشتهر من المترجمين «يوحنا البطريق والحجاج بن يوسف» اضافة الى المترجمين السابقين في مدرسة «الرها» وقد خلق ذلك حركة ترجمة نشطة، ترجمت فيها كتب كثيرة، ويقال ان المأمون كان يبادل ملوك الروم الكتب بالهدايا ويجادل العلماء في دار الحكمة التي جمع فيها امهات الكتب الاعجمية وادار الرزق على المترجمين الى العربية.
الدكتور سامي شلهوب اشار الى ان اهم الترجمات من اليونانية والسريانية الى العربية تمت ما بين القرنين 8، 10م ومن العربية الى اللاتينية بين القرنين 10 و13م. وهذا يعود الى احتكاك العرب بالامم الاخرى وثقافاتها كالهندية واليونانية والفارسية. واضافة الى كتب الطب والفلسفة، فقد ترجم الى العربية علم الفلك واشتهر من المترجمين الاوائل «عمر بن فرقان الطبري وابراهيم الفزاري» وكان للعرب فضل الحفاظ على التراث اليوناني، الذي ضاعت اصوله بلغته الاصلية. وعندما تجاوز العرب مرحلة الترجمة، ناقشوا هذه العلوم وطوروها مما جعلهم يتركون اثرا طيبا في تراث الانسانية الثقافي. وقد قلد الغرب النصوص العربية والفوا الرسائل في الفلك ودراسة ادواته مستعملين المصطلحات العلمية والفلسفية، اضف الى ذلك وجود مترجمين جيدين. وبذلك عاد علماء اليونان الى الغرب بواسطة العرب. وقد اعتمدت الترجمة اسلوب العمل الجماعي، بين مختص بالعربية وخبير باللاتينية، وكان من نتائج هذه الحركة اعادة العلوم واسماء المؤلفين وكتبهم الى الاوروبيين ومهد ذلك الى ظهور كوبرنيكوس ونيوتن وغالييه.
الدكتور فؤاد المرعي اوضح بان حركة الترجمة من العربية واليها، جعلها لغة عالمية وثقافتها في مقدمة ثقافات العصور الوسطى، وهذا يعود الى ان المسلمين المستعربين، كانوا يشكلون جزءا اساسيا في بنية التركيبة الاجتماعية للدولة. كما كان لمعارف ذلك العصر بعد تاريخي يمتد لآلاف السنين عبر الحضارات القديمة التي كونت ثقافة الشرق العربي. وقد اندمج السكان في الحضارة العربية وادخلوا موروثاتهم الفكرية، وكانوا مساهمين فعالين في هذه الحضارة وجزءا عضويا منها، مما سمح بظهور منظومات فكرية مبنية على اسس سليمة، بالغة الدقة، تصلح كقاعدة متينة لاستخلاص النتائج، مما اعطى المجتمع العربي آنذاك ثوبا متميزا تجلى في احياء المعارف والمعلومات العلمية التجريبية.
وفي العصر الحديث ساهمت الترجمة في تكوين العقل العربي الجديد بدءا من عصر النهضة، لكننا اليوم، كما يذكر د. مرعي: نترجم ما يصدره غيرنا، لا ما تحتاجه مجتمعاتنا وسادت في اوساط المفكرين العرب ظاهرة الاكتفاء بترجمة ما هو اجنبي، دون السعي لانتاج فكر عربي جديد، فلا بد من المبادرة الى الاضافة والابداع لتتم عملية التحرر الثقافي والتخلص من التبعية للغرب.
الدكتور احمد قطب قصر حديثه على قدرة العربية على استيعاب المصطلحات العلمية واشار الى ان المجامع العلمية اللغوية مقصرة في التعريب ولفت الانظار الى بعض التجارب الرائدة في هذا المجال، كمكتبة خليل صايغ في لبنان التي اصدرت اكثر من 35 معجما اختصاصيا، في كافة المجالات العلمية، وطالب د. قطب بتوحيد المصطلح الاجنبي الذي ينصب على الافكار والمفاهيم خارج دائرة العلوم وترتبط بالميول والمعتقدات، ومن هنا يظهر الخلاف وتتعدد وجهات النظر حول المسألة الواحدة، وسوف يؤدي ذلك الى تلافي الخلل والاضطراب الحاصل بين ترجمة قطر عربي وآخر، بسبب عدم التنسيق بين المترجمين.
تناولت الدكتورة كيتي سالم تجربتها العملية في مجال الترجمة وعرضت العديد من المشاكل التي يلاقيها المترجم كاختلاف المفاهيم والثقافات والتجارب بين المتحدثين في كلا اللغتين، واكدت على ضرورة معايشة المترجم للمجتمعين، المترجم عنه والمترجم اليه، وعلى كل حال، فإن المترجم مضطر، بشكل او بآخر لان يكون خائنا للنص.
وانتهى المحاضرون الى نتيجة تدور حول مشكلة (الترجمة والمصطلح) باللجوء الى العمل المؤسساتي ووضع خطة للترجمة العربية وتنفيذها وتحديد الاولويات. وذلك في عصر الثورة المعرفية الاعلامية، ولن يتم ذلك إلا بمنهجية عالية، ويجب ان تكون البداية في المناهج الجامعية.
وقد شهدت مدرسة «الاسكندرية» ولادة «الافلاطونية الحديثة» التي وضع اسسها الفلسفية «افلوطين» التي تميزت بالمثالية ونقد المادية وكان الفيلسوف «فورفوريوس» من اشهر اساتذتها. وكانت مدرسة موسوعية بعلمائها ومكتبتها الضخمة.
وهناك مدارس اقل شهرة كتيماء في شمال الجزيرة العربية، ونصبين. وترجمت في هذه الفترة كتب عديدة منها «كليلة ودمنة» و«المجسطي» لبطليموس. ومن اشهر المترجمين: «ابن المقفع ويوحنا بن ماسويه» وفيها ايضا نشأ مذهب المعتزلة وعلى رأسهم ابراهيم النظام.
وفي عصر المأمون نقلت فلسفة ارسطو واشتهر من المترجمين «يوحنا البطريق والحجاج بن يوسف» اضافة الى المترجمين السابقين في مدرسة «الرها» وقد خلق ذلك حركة ترجمة نشطة، ترجمت فيها كتب كثيرة، ويقال ان المأمون كان يبادل ملوك الروم الكتب بالهدايا ويجادل العلماء في دار الحكمة التي جمع فيها امهات الكتب الاعجمية وادار الرزق على المترجمين الى العربية.
الدكتور سامي شلهوب اشار الى ان اهم الترجمات من اليونانية والسريانية الى العربية تمت ما بين القرنين 8، 10م ومن العربية الى اللاتينية بين القرنين 10 و13م. وهذا يعود الى احتكاك العرب بالامم الاخرى وثقافاتها كالهندية واليونانية والفارسية. واضافة الى كتب الطب والفلسفة، فقد ترجم الى العربية علم الفلك واشتهر من المترجمين الاوائل «عمر بن فرقان الطبري وابراهيم الفزاري» وكان للعرب فضل الحفاظ على التراث اليوناني، الذي ضاعت اصوله بلغته الاصلية. وعندما تجاوز العرب مرحلة الترجمة، ناقشوا هذه العلوم وطوروها مما جعلهم يتركون اثرا طيبا في تراث الانسانية الثقافي. وقد قلد الغرب النصوص العربية والفوا الرسائل في الفلك ودراسة ادواته مستعملين المصطلحات العلمية والفلسفية، اضف الى ذلك وجود مترجمين جيدين. وبذلك عاد علماء اليونان الى الغرب بواسطة العرب. وقد اعتمدت الترجمة اسلوب العمل الجماعي، بين مختص بالعربية وخبير باللاتينية، وكان من نتائج هذه الحركة اعادة العلوم واسماء المؤلفين وكتبهم الى الاوروبيين ومهد ذلك الى ظهور كوبرنيكوس ونيوتن وغالييه.
الدكتور فؤاد المرعي اوضح بان حركة الترجمة من العربية واليها، جعلها لغة عالمية وثقافتها في مقدمة ثقافات العصور الوسطى، وهذا يعود الى ان المسلمين المستعربين، كانوا يشكلون جزءا اساسيا في بنية التركيبة الاجتماعية للدولة. كما كان لمعارف ذلك العصر بعد تاريخي يمتد لآلاف السنين عبر الحضارات القديمة التي كونت ثقافة الشرق العربي. وقد اندمج السكان في الحضارة العربية وادخلوا موروثاتهم الفكرية، وكانوا مساهمين فعالين في هذه الحضارة وجزءا عضويا منها، مما سمح بظهور منظومات فكرية مبنية على اسس سليمة، بالغة الدقة، تصلح كقاعدة متينة لاستخلاص النتائج، مما اعطى المجتمع العربي آنذاك ثوبا متميزا تجلى في احياء المعارف والمعلومات العلمية التجريبية.
وفي العصر الحديث ساهمت الترجمة في تكوين العقل العربي الجديد بدءا من عصر النهضة، لكننا اليوم، كما يذكر د. مرعي: نترجم ما يصدره غيرنا، لا ما تحتاجه مجتمعاتنا وسادت في اوساط المفكرين العرب ظاهرة الاكتفاء بترجمة ما هو اجنبي، دون السعي لانتاج فكر عربي جديد، فلا بد من المبادرة الى الاضافة والابداع لتتم عملية التحرر الثقافي والتخلص من التبعية للغرب.
الدكتور احمد قطب قصر حديثه على قدرة العربية على استيعاب المصطلحات العلمية واشار الى ان المجامع العلمية اللغوية مقصرة في التعريب ولفت الانظار الى بعض التجارب الرائدة في هذا المجال، كمكتبة خليل صايغ في لبنان التي اصدرت اكثر من 35 معجما اختصاصيا، في كافة المجالات العلمية، وطالب د. قطب بتوحيد المصطلح الاجنبي الذي ينصب على الافكار والمفاهيم خارج دائرة العلوم وترتبط بالميول والمعتقدات، ومن هنا يظهر الخلاف وتتعدد وجهات النظر حول المسألة الواحدة، وسوف يؤدي ذلك الى تلافي الخلل والاضطراب الحاصل بين ترجمة قطر عربي وآخر، بسبب عدم التنسيق بين المترجمين.
تناولت الدكتورة كيتي سالم تجربتها العملية في مجال الترجمة وعرضت العديد من المشاكل التي يلاقيها المترجم كاختلاف المفاهيم والثقافات والتجارب بين المتحدثين في كلا اللغتين، واكدت على ضرورة معايشة المترجم للمجتمعين، المترجم عنه والمترجم اليه، وعلى كل حال، فإن المترجم مضطر، بشكل او بآخر لان يكون خائنا للنص.
وانتهى المحاضرون الى نتيجة تدور حول مشكلة (الترجمة والمصطلح) باللجوء الى العمل المؤسساتي ووضع خطة للترجمة العربية وتنفيذها وتحديد الاولويات. وذلك في عصر الثورة المعرفية الاعلامية، ولن يتم ذلك إلا بمنهجية عالية، ويجب ان تكون البداية في المناهج الجامعية.