يرى سعيد يقطين ان السردية العربية شهدت تحولاً مهماً منذ بداية الثمانينيات . وحسب راي د.عبد الله ابو هيف ان المصطلح السردي قد تطور خلال العامين 2007 و 2008 .
وفي اعقاب هذا التطور اتسعت جغرافية السرد لتشمل جميع الاخبار والتراجم والروايات والقصص وغيرها من الاجناس الادبية ومختلف الخطابات حيث يمثل السرد الجزء الاساس في الخطاب الذي يعرض فيه المتكلم الاحداث القابلة للبرهنة والمثيرة للجدل . وينظر لهذا النوع من السرد من منظور البرهان ، اي من حيث العرض المقنع لشيء حدث او يُزعم انه حدث. وفي هذا المنظور ليست القصة حكاية تحكى فقط ، بل انها خطوة برهانية.
وفي عام 1972 ميز جيرار جينيت مابين سردين هما : الحكي والقصة .
فالمقصود بالحكي ترتيب الاحداث فعلياً في النص ، اما في القصة فمقصود به التوالي او التعاقب الزمني الذي وقعت فيه الاحداث فعلياً. وفي السرد الادبي يتطلب الامر من الناقد الادبي ان يتطرق الى الاسلوب اللغوي لانه يمثل معياراً نقدياً يعرّفنا بالكاتب ويميّز بين عمله واعمال الاخرين . ومن خلاله نستطيع الحكم على جمالية الاعمال ودقتها . ويرتبط الاسلوب بالطريقة التي تتناسق فيها الالفاظ والجمل التي تكون اساساً في بناء البنية السردية داخلياً وخارجياً وتؤدي مستويين من المعنى : احدهما نسقي والاخر سياقي . فالمعنى في اللغة نسقي لانه ناشئ عن نظام اشاري (علامي) ذي دلاله ، ويتاثر المعنى ويتغير بتغيير التراكيب النحوية syntax . اما اشكال المعنى الاخرى في الكلام او الخطاب فتتزياْ بزي التداولية pragmatics ، اي بتأثير العلاقة الناشئة بين المتكلمين وسياق خطابهم . ولايخفى ان المصطلح السردي ناجم ايضا عن تكون الخطاب الادبي سواء في دلالته او تداوليته ، وبناءً عليه تراعي مسألة السياقية والنسقية مثلما تراعي مسألة التأويل والتلقي . وفي مراحل تطوره الاخيره أرتبط المصطلح السردي بالمنهج السيمائي لانه المنهج الاكثر انتشاراً في مجالي الترجمة والتعريب والاكثر اهتماماً بهذا المصطلح .
وفي العامين 2007 و2008 تطور المصطلح السردي وانتقل من الاقتصار على الاخبار والقصص واشكال النثر القصصي المتعددة في التراثين العربي والغربي ، الى السرد وعلمه بتأثير المناهج النقدية الحديثة كالعلامية (السيمولوجيا) ولعبت الترجمة دوراً كبيراً في تحقيق هذه الانتقالة ومساندتها الدراسات المفاهيمية في ازاحة ما يكتنف بعضها من غموض . ولهذا يجب ان يتعاون المترجم والدارس في العملية الاصطلاحية ، اذ معروف ان المترجم يعنى على الارجح بالجانب اللغوي وربما يهمل ما ينطوي عليه المصطلح من مفهوم دقيق معبرٍ عن حقيقة المقصد الذي اراده واضع المصطلح في اية لغة كانت . وهنا تبرز مشكلة اضافية خاصة بتعدد ترجمات المصطلح من لغات متعددة ربما يكون فيها المفهوم غير دقيق في هذه اللغة او تلك . والافضل ان يحظى المترجم بصفة الدارس المتخصص بعلم السرد لكي يقدم لنا مصطلحات سردية ذات مفاهيم واضحة ودقيقة لكي نتحاشى الفوضى المفاهيمية للمصطلحات التي تحتاج اليها في تحليلاتنا للنصوص السردية المتنوعة . ويتصل الابداع السردي بالمعرفة السردية اتصالاً وثيقاً . والمقصود بذلك عملية الابداع في تقديم المصطلح السردي العربي . ويتحقق هذا الابداع بالمستلزمات الاتية :-
1- جمالية المصطلح : لنقارن مصطلحي (المصطلح الذي وضعه لوقا وتبعه البقاعي في استخدامه ) و ( والعامل) ، اللذين يمثلان ترجمة للمصطلح الاجنبي acatant ، لاشك ان الترجمة الاخيرة اجمل وارقى.
2- طواعية المصطلح : وتتحقق هذه الطواعية بارتباط المصطلح باللغة العربية من حيث الصياغة والاشتقاق . مثال ذلك استخدام الوحدة الصوتية eme مضافة الى كلمة ( صوت ) تصبح ( صوتيم ) .
3- أصالة المصطلح وعروبته : ومعلوم ان العرب رسخوا عدداً من المصطلحات السردية في التراث القصصي العربي منذ نزول القرآن الكريم واستخدام القصص كوسيلة للتأثير في القلوب . لقد استخدم مصطلح ( قصة ) في القرآن الكريم اكثر من سبع وعشرين مرة ، ثم تنامى الى مصطلحات سردية عديدة مثل : المسامرة والخرافة والخبر والحديث والحكاية . وبهذا الخصوص وضع د. عبد الله ابو هيف ملحقاً عن ( مصطلحات القصة العربية ، 1994) ، اشتمل على التعريف بالمصطلحات التالية :- الاسطورة ، ايام العرب ، التنضيد ، التحفيز ، التحقيق القصصي ، الحديث ، الحكائية ، ( المتن ، البناء) ، الخبر ، الخرافة ، الراوية ، السمر ( المسامرة ، الليلة ) ، السيرة ن الصور القصصية ، القص ، القصة ، القاص ، الكتاب القصصي ، المثل ، الملحمة ، المقال القصصي ، المقامة ، النادرة (الملحة ، الطرفة) .
ومن اجل تطوير علم السرد العربي ، اسهم عدد من المترجمين في ترجمة كتب مهمة على وفق النهج العلامي (السيمائي) كالاتي :-
1- منذر العياشي ، علم الاشارة السيمولوجيا ، بييرجيرو.
2- سعيد الغانمي ، السيمياء والتاويل ، روبرت شولز .
3- عبد الرحمن ابو علي ، السيميائيات او نظرية العلامات ، جيرار دو لودال
4- رشيد بن مالك ، السيميائية واصولها وقواعدها ، جان كلود جيرو ولوي بابتيه ، وكتاب : السيميائية : مدرسة باريس ، جان كلود كوكي.
5- نجيب غزاوي ، في المعنى : دراسات سيميائية ، الجير داس جوليان غريماس .
6- شاكر عبد الحميد ، معجم الاصطلاحات الاساسية في علم العلامات (السيميوطيقا) ، دانيال تشاندر.
7- السيد امام وعابد خزندار، المصطلح السردي : معجم المصطلحات ، جيرالد برنس . والى جانب هذه الكتب المترجمة صدرت مؤلفات مهمة خاصة بالسرديات منها:-
1- علي القاسمي ، المصطلحية ، مقدمة في علم المصطلح
2- سعيد بنكراد ، السيميائيات السردية : مدخل نظري
3- فتحي ابراهيم ، الخطاب الروائي والخطاب النقدي في مصر
4- رشيد بن مالك ، البنية السردية في النظرية السيميائية
5- سعيد يقطين ، الكلام والخبر ، مقدمه للسرد العربي
6- حميد الحمداني ، بنية النص السردي من منظور النقد الادبي
وبتكاثر الترجمات والمؤلفات والدراسات في مجال السرديات ، تكاثر المصطلح السردي وتنوع . وقد طرح هذا التنوع والتعدد قضايا تتعلق بالصياغة والوضع من جهة ، وقضايا التوظيف والتصرف من جهة ثانية . ان ابتكار مصطلح سردي نقتضيه شروط التحليل خاصة اذا لم توفره المعاجم المتخصصة والنظريات النقدية وهنا نواجه مشاكل الترجمة والتعريب . ويتراوح تحليل السرد بين تحليل الخطاب من جانب وتحليل الحكاية من جانب اخر .
ويقسّــــــــم سعيد يقطين البحث السردي الى :-
أ- سرديات الخطاب : من خلال البحث في الراوي والخطاب والمروي له
ب- سرديات القصة : من خلال البحث في الافعال والفواعل
ت- سرديات النص: الكاتب والنص والقارئ
وقد الف ثلاثة كتب في الموضوع هي :-
1- انفتاح النص الروائي والرواية
2- التراث السردي
3- قال الراوي
وفي نطاق التحولات التي عرفتها المصطلحية الادبية الجديدة في الغرب كانت الرواية وسواها من حكاية عجيبة واسطورة وقصة قصيرة تحتل الصدارة.
وظهرت علوم ادبية معنية بالسرد حصراً ، نذكر منها : السرديات والسيموطيقا الحكائية والبلاغة الجديدة والاسلوبية والتداولية .
وللمصطلح السردي طبيعته الخاصة التي يكتسبها من داخل الاطار النظري الذي ينتمي اليه وان دلالته تختلف قطعاً باختلاف الاطار . فالسرديات والسيموطيقا الحكائية تشتركان باستخدام مصطلح السردية narrativty من حيث الدلالة العامة ، لكنها تظل مختلفة جذرياً . فـ(الراوي) في السرديات يلتقي مع ( المرسل) في (السيموطيقا) او (المتكلم) في نظرية التلفظ . انها تحقق دلالتها الخاصة بالأدوار والتي تضطلع بها في سياقاتها النظرية المختلفة . وفي استقبالاتنا هذه المصطلحات ونقلها الى لغتنا واستعمالنا النقدي لها ، فأننا لا ننقل كلمات فقط وانما مفاهيم مثقلة بحمولات تاريخية ومعرفية واستخدامية .
ويلاحظ ان السرديات تنفتح على ماهو اجتماعي انفتاحا واسعا في معظم اشكال السرد حتى انها اكتسبت تسمية خاصة بها هي : السوسيوسرديات ، اي السرديات الاجتماعية التي ازدادت انتشاراً بازدياد التحولات الاجتماعية وتقلبات الاوضاع الانسانية وتأثيراتها وبالتالي ، على حالات البشر النفسية وما ينشاْ من علاقات اجتماعية جديدة .
وتعد الظاهرة السردية الادبية بخاصة ظاهرة ابداعية تناصية . ومادام الفاعل الابداعي (السارد) كائناً تفاعليا ، فان هذه الظاهرة تفاعلية. ويحتوي النص السردي على مراتبية من النصوص تعمل داخل نسق عام هو نسق الثقافة ، وهي في حالة تفاعل . ويكون تحليل التفاعل النصي بواسطة مايسمى (المتفاعل النصي) الذي نفهم فيه طبيعة التفاعل الحاصل بين نص روائي ونصوص ثانية، اما مغايره له في الجنس او النوع او الاسلوب او متجانسة معه .
ويكون التفاعل النصي هو النص الذي يدخل في علاقة مع نص ثاني او يتفاعل مع النص المبدع سواء اكان نصاً شعرياً ام سردياً ام تاريخيا ام ادبيا ام اسطوريا . ولهذا المصطلح قدرة واضحة للنص بالتحليل والتفكيك وبتمييز البينات النصية . وليست عملية التفاعل التي ينجزها النص السردي عملية بريئة ،بل تحكمها مقصدية او ستراتيجية . بعبارة اخرى ، ان للتفاعل موقفاً نقديا او رؤية نقدية.
فالتحويل او التضمين او الخرق امثال تحكمها غاية او هدف ، وهي ترتبط بقضايا معرفية وثقافية وتراثية .
ويشير سعيد يقطين الى مصطلحات سردية اخرى اولها : الخلفية النصية وثانيها: زمن النص . ويعمل الاول على مستويين : مستوى مرتبط بها يسميه (محفل النص ) واخر بـ( محفل القارئ). وبهما تُرصد عمليتان : عملية انتاج النص وعملية تلقيه . ذلك ان الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقا من خلفية تشكلت من خلال التفاعل مع نصــــــــــــوص سابقة في مراحل متعددة .
وبحسب تعبير يقطين ، تتحدد من خلال تمثيلها بما يسميه (النص القابع) في داخل كل واحد منا ، وهذا النص ثابت عند البعض ومتحول عند البعض الاخر .
اما المصطلح الثاني فيتعلق بزمن النص . ويأخذ يقطين برأي تودروف الذي يرى ان ثمة ثلاثة انواع من الزمن هي: زمن الحكاية وزمن الخطاب وزمن القراءة .
وكتطور منهجي تنفتح السرديات على الخلفيات الاجتماعية والنفسية من خلال استحضارها ( محفل القارئ) الذي غدت له وظيفة تأسيسية وبنائية للنص الادبي .
وفي محفل النص تبدا عملية الانتاج السردي على لسان الأنا السارد غالبا . وينطلق الاهتمام بهذه الأنا من توجيهات النظرية السردية وآليات أشتغالها بوصفها أحد أركان فعل النص الذي يثير العديد من الأشكاليات السردية الا ان السارد المتكلم ( يحظى بدور بارز في ادارة اللعبة السردية داخل متاهة الحكي بوصفه تمظهراً لافتاً ومكوناً أصيلاً في بنية السرد القصصي).أن السارد في توظيفه الـ ( الأنا ) انما يعمد الى الذاكرة الحية المتقدة دوماً ، والافادة منها في معطيات القصة الراهنة ، وهذه الذاكرة جزء من الماضي الذي عاشه وما يزال يعيش تأثيره لاسيما اذا كان حافلاً بالاحداث والانفعالات الوجدانية المؤثرة . وأن الذاكرة السردية في تجسيدها لفضاء الأنا الساردة لا ينحصر شكلها ومضمونها واداؤها في حدود معينة يفرضها المفهوم الزمني أو المكاني للذاكرة دورها في تعبئة الذات الساردة ورفدها بالصور والوقائع والاحاسيس التي لا تنضب . وما العملية السردية على هذا الاساس سوى فعل تنصيص للذاكرة واستجلاب كنوزها الدفينة ، مجسدة كل هذا الضمير انما يعمد الى ابراز البؤرة الذاتية المرتبطة بشيكات التجربة ومنظوماتها المتنوعة التي تعمل آلياتها في المكان والزمان افقياً وعمودياً على النحو الذي لا تستجيب فيه تعبيرياً لشخصية السارد بوصفه ذاتاً اجتماعياً بل بوصفه ذاتاً ساردة تفارق اجتماعيتها مفارقة تكاد تكون مطلقة متخلصة بذلك من عوالقها العاطفة .
ولا ريب فيما ذكر آنفاً لصيق الصلة بالأسلوب السردي لأنه هو الذي يعرف بالكاتب ويميز بين عمله وعمل الاخر ، ومن خلاله نستطيع ان نحكم على جمالية الاعمال ودقتها . ويرتبط الاسلوب بالطريقة التي تتناسق فيه الالفاظ والجمل وما يترتب عليها من ايقاع . ويمكن النظر الى الاسلوب من ثلاث زواية مختلفة :-
1- من زاوية السارد ( المخاطب ) : اي الباث للخطاب السردي . يقول افلاطون : الاسلوب هو الكاشف عن فكرة صاحبه ونفسيته كما تكون طبائع الشخص يكون اسلوبه . ويقول بوفون : الاسلوب هو الانسان نفسه ويقول غوته : الاسلوب هو مبدأ التركيب النشط والرفيع الذي يتمكن به الكاتب النفاذ الى الشكل الداخلي للغته والكشف عنه .
2- من زاوية المخَاطب (المروري له ) ، اي المتلقي للخطاب اللغوي حيث يؤدي الاسلوب الى التاثير فيه اذ يبلغ حد الاقتناع او الامتناع او كليهما معا . يقول ستاندال : الاسلوب هو ان تضيف الى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة باحداث التاثير الذي ينبغي لهذا الفكر ان يحدثه .
3- من زاوية الخطاب : الاسلوب هو الطاقة التعبيرية الناجمة عن الاختيارات اللغوية التي تفجر طاقات التعبير الكاملة في اللغة الناشئة عن خروج العبارة من حالة الحياد اللغوي الى خطاب متميز بنفسه
وفي اعقاب هذا التطور اتسعت جغرافية السرد لتشمل جميع الاخبار والتراجم والروايات والقصص وغيرها من الاجناس الادبية ومختلف الخطابات حيث يمثل السرد الجزء الاساس في الخطاب الذي يعرض فيه المتكلم الاحداث القابلة للبرهنة والمثيرة للجدل . وينظر لهذا النوع من السرد من منظور البرهان ، اي من حيث العرض المقنع لشيء حدث او يُزعم انه حدث. وفي هذا المنظور ليست القصة حكاية تحكى فقط ، بل انها خطوة برهانية.
وفي عام 1972 ميز جيرار جينيت مابين سردين هما : الحكي والقصة .
فالمقصود بالحكي ترتيب الاحداث فعلياً في النص ، اما في القصة فمقصود به التوالي او التعاقب الزمني الذي وقعت فيه الاحداث فعلياً. وفي السرد الادبي يتطلب الامر من الناقد الادبي ان يتطرق الى الاسلوب اللغوي لانه يمثل معياراً نقدياً يعرّفنا بالكاتب ويميّز بين عمله واعمال الاخرين . ومن خلاله نستطيع الحكم على جمالية الاعمال ودقتها . ويرتبط الاسلوب بالطريقة التي تتناسق فيها الالفاظ والجمل التي تكون اساساً في بناء البنية السردية داخلياً وخارجياً وتؤدي مستويين من المعنى : احدهما نسقي والاخر سياقي . فالمعنى في اللغة نسقي لانه ناشئ عن نظام اشاري (علامي) ذي دلاله ، ويتاثر المعنى ويتغير بتغيير التراكيب النحوية syntax . اما اشكال المعنى الاخرى في الكلام او الخطاب فتتزياْ بزي التداولية pragmatics ، اي بتأثير العلاقة الناشئة بين المتكلمين وسياق خطابهم . ولايخفى ان المصطلح السردي ناجم ايضا عن تكون الخطاب الادبي سواء في دلالته او تداوليته ، وبناءً عليه تراعي مسألة السياقية والنسقية مثلما تراعي مسألة التأويل والتلقي . وفي مراحل تطوره الاخيره أرتبط المصطلح السردي بالمنهج السيمائي لانه المنهج الاكثر انتشاراً في مجالي الترجمة والتعريب والاكثر اهتماماً بهذا المصطلح .
وفي العامين 2007 و2008 تطور المصطلح السردي وانتقل من الاقتصار على الاخبار والقصص واشكال النثر القصصي المتعددة في التراثين العربي والغربي ، الى السرد وعلمه بتأثير المناهج النقدية الحديثة كالعلامية (السيمولوجيا) ولعبت الترجمة دوراً كبيراً في تحقيق هذه الانتقالة ومساندتها الدراسات المفاهيمية في ازاحة ما يكتنف بعضها من غموض . ولهذا يجب ان يتعاون المترجم والدارس في العملية الاصطلاحية ، اذ معروف ان المترجم يعنى على الارجح بالجانب اللغوي وربما يهمل ما ينطوي عليه المصطلح من مفهوم دقيق معبرٍ عن حقيقة المقصد الذي اراده واضع المصطلح في اية لغة كانت . وهنا تبرز مشكلة اضافية خاصة بتعدد ترجمات المصطلح من لغات متعددة ربما يكون فيها المفهوم غير دقيق في هذه اللغة او تلك . والافضل ان يحظى المترجم بصفة الدارس المتخصص بعلم السرد لكي يقدم لنا مصطلحات سردية ذات مفاهيم واضحة ودقيقة لكي نتحاشى الفوضى المفاهيمية للمصطلحات التي تحتاج اليها في تحليلاتنا للنصوص السردية المتنوعة . ويتصل الابداع السردي بالمعرفة السردية اتصالاً وثيقاً . والمقصود بذلك عملية الابداع في تقديم المصطلح السردي العربي . ويتحقق هذا الابداع بالمستلزمات الاتية :-
1- جمالية المصطلح : لنقارن مصطلحي (المصطلح الذي وضعه لوقا وتبعه البقاعي في استخدامه ) و ( والعامل) ، اللذين يمثلان ترجمة للمصطلح الاجنبي acatant ، لاشك ان الترجمة الاخيرة اجمل وارقى.
2- طواعية المصطلح : وتتحقق هذه الطواعية بارتباط المصطلح باللغة العربية من حيث الصياغة والاشتقاق . مثال ذلك استخدام الوحدة الصوتية eme مضافة الى كلمة ( صوت ) تصبح ( صوتيم ) .
3- أصالة المصطلح وعروبته : ومعلوم ان العرب رسخوا عدداً من المصطلحات السردية في التراث القصصي العربي منذ نزول القرآن الكريم واستخدام القصص كوسيلة للتأثير في القلوب . لقد استخدم مصطلح ( قصة ) في القرآن الكريم اكثر من سبع وعشرين مرة ، ثم تنامى الى مصطلحات سردية عديدة مثل : المسامرة والخرافة والخبر والحديث والحكاية . وبهذا الخصوص وضع د. عبد الله ابو هيف ملحقاً عن ( مصطلحات القصة العربية ، 1994) ، اشتمل على التعريف بالمصطلحات التالية :- الاسطورة ، ايام العرب ، التنضيد ، التحفيز ، التحقيق القصصي ، الحديث ، الحكائية ، ( المتن ، البناء) ، الخبر ، الخرافة ، الراوية ، السمر ( المسامرة ، الليلة ) ، السيرة ن الصور القصصية ، القص ، القصة ، القاص ، الكتاب القصصي ، المثل ، الملحمة ، المقال القصصي ، المقامة ، النادرة (الملحة ، الطرفة) .
ومن اجل تطوير علم السرد العربي ، اسهم عدد من المترجمين في ترجمة كتب مهمة على وفق النهج العلامي (السيمائي) كالاتي :-
1- منذر العياشي ، علم الاشارة السيمولوجيا ، بييرجيرو.
2- سعيد الغانمي ، السيمياء والتاويل ، روبرت شولز .
3- عبد الرحمن ابو علي ، السيميائيات او نظرية العلامات ، جيرار دو لودال
4- رشيد بن مالك ، السيميائية واصولها وقواعدها ، جان كلود جيرو ولوي بابتيه ، وكتاب : السيميائية : مدرسة باريس ، جان كلود كوكي.
5- نجيب غزاوي ، في المعنى : دراسات سيميائية ، الجير داس جوليان غريماس .
6- شاكر عبد الحميد ، معجم الاصطلاحات الاساسية في علم العلامات (السيميوطيقا) ، دانيال تشاندر.
7- السيد امام وعابد خزندار، المصطلح السردي : معجم المصطلحات ، جيرالد برنس . والى جانب هذه الكتب المترجمة صدرت مؤلفات مهمة خاصة بالسرديات منها:-
1- علي القاسمي ، المصطلحية ، مقدمة في علم المصطلح
2- سعيد بنكراد ، السيميائيات السردية : مدخل نظري
3- فتحي ابراهيم ، الخطاب الروائي والخطاب النقدي في مصر
4- رشيد بن مالك ، البنية السردية في النظرية السيميائية
5- سعيد يقطين ، الكلام والخبر ، مقدمه للسرد العربي
6- حميد الحمداني ، بنية النص السردي من منظور النقد الادبي
وبتكاثر الترجمات والمؤلفات والدراسات في مجال السرديات ، تكاثر المصطلح السردي وتنوع . وقد طرح هذا التنوع والتعدد قضايا تتعلق بالصياغة والوضع من جهة ، وقضايا التوظيف والتصرف من جهة ثانية . ان ابتكار مصطلح سردي نقتضيه شروط التحليل خاصة اذا لم توفره المعاجم المتخصصة والنظريات النقدية وهنا نواجه مشاكل الترجمة والتعريب . ويتراوح تحليل السرد بين تحليل الخطاب من جانب وتحليل الحكاية من جانب اخر .
ويقسّــــــــم سعيد يقطين البحث السردي الى :-
أ- سرديات الخطاب : من خلال البحث في الراوي والخطاب والمروي له
ب- سرديات القصة : من خلال البحث في الافعال والفواعل
ت- سرديات النص: الكاتب والنص والقارئ
وقد الف ثلاثة كتب في الموضوع هي :-
1- انفتاح النص الروائي والرواية
2- التراث السردي
3- قال الراوي
وفي نطاق التحولات التي عرفتها المصطلحية الادبية الجديدة في الغرب كانت الرواية وسواها من حكاية عجيبة واسطورة وقصة قصيرة تحتل الصدارة.
وظهرت علوم ادبية معنية بالسرد حصراً ، نذكر منها : السرديات والسيموطيقا الحكائية والبلاغة الجديدة والاسلوبية والتداولية .
وللمصطلح السردي طبيعته الخاصة التي يكتسبها من داخل الاطار النظري الذي ينتمي اليه وان دلالته تختلف قطعاً باختلاف الاطار . فالسرديات والسيموطيقا الحكائية تشتركان باستخدام مصطلح السردية narrativty من حيث الدلالة العامة ، لكنها تظل مختلفة جذرياً . فـ(الراوي) في السرديات يلتقي مع ( المرسل) في (السيموطيقا) او (المتكلم) في نظرية التلفظ . انها تحقق دلالتها الخاصة بالأدوار والتي تضطلع بها في سياقاتها النظرية المختلفة . وفي استقبالاتنا هذه المصطلحات ونقلها الى لغتنا واستعمالنا النقدي لها ، فأننا لا ننقل كلمات فقط وانما مفاهيم مثقلة بحمولات تاريخية ومعرفية واستخدامية .
ويلاحظ ان السرديات تنفتح على ماهو اجتماعي انفتاحا واسعا في معظم اشكال السرد حتى انها اكتسبت تسمية خاصة بها هي : السوسيوسرديات ، اي السرديات الاجتماعية التي ازدادت انتشاراً بازدياد التحولات الاجتماعية وتقلبات الاوضاع الانسانية وتأثيراتها وبالتالي ، على حالات البشر النفسية وما ينشاْ من علاقات اجتماعية جديدة .
وتعد الظاهرة السردية الادبية بخاصة ظاهرة ابداعية تناصية . ومادام الفاعل الابداعي (السارد) كائناً تفاعليا ، فان هذه الظاهرة تفاعلية. ويحتوي النص السردي على مراتبية من النصوص تعمل داخل نسق عام هو نسق الثقافة ، وهي في حالة تفاعل . ويكون تحليل التفاعل النصي بواسطة مايسمى (المتفاعل النصي) الذي نفهم فيه طبيعة التفاعل الحاصل بين نص روائي ونصوص ثانية، اما مغايره له في الجنس او النوع او الاسلوب او متجانسة معه .
ويكون التفاعل النصي هو النص الذي يدخل في علاقة مع نص ثاني او يتفاعل مع النص المبدع سواء اكان نصاً شعرياً ام سردياً ام تاريخيا ام ادبيا ام اسطوريا . ولهذا المصطلح قدرة واضحة للنص بالتحليل والتفكيك وبتمييز البينات النصية . وليست عملية التفاعل التي ينجزها النص السردي عملية بريئة ،بل تحكمها مقصدية او ستراتيجية . بعبارة اخرى ، ان للتفاعل موقفاً نقديا او رؤية نقدية.
فالتحويل او التضمين او الخرق امثال تحكمها غاية او هدف ، وهي ترتبط بقضايا معرفية وثقافية وتراثية .
ويشير سعيد يقطين الى مصطلحات سردية اخرى اولها : الخلفية النصية وثانيها: زمن النص . ويعمل الاول على مستويين : مستوى مرتبط بها يسميه (محفل النص ) واخر بـ( محفل القارئ). وبهما تُرصد عمليتان : عملية انتاج النص وعملية تلقيه . ذلك ان الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقا من خلفية تشكلت من خلال التفاعل مع نصــــــــــــوص سابقة في مراحل متعددة .
وبحسب تعبير يقطين ، تتحدد من خلال تمثيلها بما يسميه (النص القابع) في داخل كل واحد منا ، وهذا النص ثابت عند البعض ومتحول عند البعض الاخر .
اما المصطلح الثاني فيتعلق بزمن النص . ويأخذ يقطين برأي تودروف الذي يرى ان ثمة ثلاثة انواع من الزمن هي: زمن الحكاية وزمن الخطاب وزمن القراءة .
وكتطور منهجي تنفتح السرديات على الخلفيات الاجتماعية والنفسية من خلال استحضارها ( محفل القارئ) الذي غدت له وظيفة تأسيسية وبنائية للنص الادبي .
وفي محفل النص تبدا عملية الانتاج السردي على لسان الأنا السارد غالبا . وينطلق الاهتمام بهذه الأنا من توجيهات النظرية السردية وآليات أشتغالها بوصفها أحد أركان فعل النص الذي يثير العديد من الأشكاليات السردية الا ان السارد المتكلم ( يحظى بدور بارز في ادارة اللعبة السردية داخل متاهة الحكي بوصفه تمظهراً لافتاً ومكوناً أصيلاً في بنية السرد القصصي).أن السارد في توظيفه الـ ( الأنا ) انما يعمد الى الذاكرة الحية المتقدة دوماً ، والافادة منها في معطيات القصة الراهنة ، وهذه الذاكرة جزء من الماضي الذي عاشه وما يزال يعيش تأثيره لاسيما اذا كان حافلاً بالاحداث والانفعالات الوجدانية المؤثرة . وأن الذاكرة السردية في تجسيدها لفضاء الأنا الساردة لا ينحصر شكلها ومضمونها واداؤها في حدود معينة يفرضها المفهوم الزمني أو المكاني للذاكرة دورها في تعبئة الذات الساردة ورفدها بالصور والوقائع والاحاسيس التي لا تنضب . وما العملية السردية على هذا الاساس سوى فعل تنصيص للذاكرة واستجلاب كنوزها الدفينة ، مجسدة كل هذا الضمير انما يعمد الى ابراز البؤرة الذاتية المرتبطة بشيكات التجربة ومنظوماتها المتنوعة التي تعمل آلياتها في المكان والزمان افقياً وعمودياً على النحو الذي لا تستجيب فيه تعبيرياً لشخصية السارد بوصفه ذاتاً اجتماعياً بل بوصفه ذاتاً ساردة تفارق اجتماعيتها مفارقة تكاد تكون مطلقة متخلصة بذلك من عوالقها العاطفة .
ولا ريب فيما ذكر آنفاً لصيق الصلة بالأسلوب السردي لأنه هو الذي يعرف بالكاتب ويميز بين عمله وعمل الاخر ، ومن خلاله نستطيع ان نحكم على جمالية الاعمال ودقتها . ويرتبط الاسلوب بالطريقة التي تتناسق فيه الالفاظ والجمل وما يترتب عليها من ايقاع . ويمكن النظر الى الاسلوب من ثلاث زواية مختلفة :-
1- من زاوية السارد ( المخاطب ) : اي الباث للخطاب السردي . يقول افلاطون : الاسلوب هو الكاشف عن فكرة صاحبه ونفسيته كما تكون طبائع الشخص يكون اسلوبه . ويقول بوفون : الاسلوب هو الانسان نفسه ويقول غوته : الاسلوب هو مبدأ التركيب النشط والرفيع الذي يتمكن به الكاتب النفاذ الى الشكل الداخلي للغته والكشف عنه .
2- من زاوية المخَاطب (المروري له ) ، اي المتلقي للخطاب اللغوي حيث يؤدي الاسلوب الى التاثير فيه اذ يبلغ حد الاقتناع او الامتناع او كليهما معا . يقول ستاندال : الاسلوب هو ان تضيف الى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة باحداث التاثير الذي ينبغي لهذا الفكر ان يحدثه .
3- من زاوية الخطاب : الاسلوب هو الطاقة التعبيرية الناجمة عن الاختيارات اللغوية التي تفجر طاقات التعبير الكاملة في اللغة الناشئة عن خروج العبارة من حالة الحياد اللغوي الى خطاب متميز بنفسه