الجنس في الثقافة العربية الكبير الداديسي - الروائيات العربيات يحلن العلاقة الحميمية ضربا من العنف والعذاب


عندما توصلت بدعوة المشاركة في الملتقى الدولي الذي تنظمه مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون
تحت محور "تمثلات العنف في السرد" استسهلت الأمر في البداية ، وقلت مع نفسي لم يطلبوا إلا الموجود ، فلا شيء أوجد في حياتنا وكتاباتنا من العنف، وتساءلت لماذا البحث عن العنف في السرد أما يكفينا ما في الواقع من عنف ، ولم البحث عن تجلياته في السرد ونحن يكفينا إلقاء نظرة ذات اليمين أو ذات الشمال لتتجلى لنا مختلف تمظهراته في الوقع لدرجة غدا يحاصرنا أينما حللنا وارتحلنا، تمطرنا به وسائل الإعلام أبابيل من سجيل ، ينبث في شوارعنا كالفطر حتى أصبح يشكل جزء من هويتنا والمحرك لحضارتنا المعاصرة ... لذلك ولو كنتم طلبتم منا البحث عن الفرح وتجليات السعادة في السرد لعز الطلب ..

لكن ما أن جلست للتفكير في الموضوع حتى شخصت أمامي الأسئلة من كل فج عميق : لماذا العنف وليس الصراع في السرد؟ ما الفرق بين المفهومين؟ ما المقصود بمفهوم العنف في السرد؟ هل المقصود البحث في السرود التي جعلت العنف تيمتها الأساس وكان العنف محورا لها وحاولت انتقاده والبحث له عن حلول ؟ أم هل السرود التي تمارس العنف على المتلقي بكل الوسائل المادية والمعنوية ؟ أم هل المطلوب السرود التي عنف الأشكال الموروثة وحطمت قدسيتها في الشكل واللغة وطريقة التصوير .. ؟؟ وعن أي نوع من العنف يبحث هؤلاء المنظمون للملتقى؟؟ .. عنف من وضد من ؟ من المعنٍف ومن المعنَّف في سرودنا؟ وهل ناقل العنف (الكاتب/ السارد) معنٍف أم معنَف ... ؟ ناهيك عن الأسئلة المتعلقة بتعريف العنف ، وأشكاله، وتعريف السرد وأجناسه ....

لا أخفيكم أنه بعد أن حاصرتني كل هذه الأسئلة خامرتني فكرة الرجوع لإحدى الروايات التي سبق لي قراءتها أو الكتابة عنها والبحث في إحدى الدراسات التي سبق لي نشرها حول العنف في أدب السجون وروايات الاعتقال، وأدب سنوات الجمر والرصاص في المغرب ، أو أحدى روايات الاستعمار .. أو إعادة ترتيب بعض المقالات حول بعض الروايات كان العنف حاضرا فيها بقوة وكتبت عنها فور صدورها أو تتويجها بإحدى الجوائز ك (فرانكشتاي في بغداد) لأحمد السعداوي حيث الأشلاء والدماء تنبعث من السرد ، أو رواية ترمي تشرر ليوسف الخال التي تمحورت حول تلذذ بعض الأمراء في بلاد الحرمين الشريفين في تعذيب منافسيهم بطرق لا تخطر على بال ،

أمام كثرة الأسئلة وجدتني في مواجهة سرود كثيرة حكت عن عنف مارسه الأفراد في ما بينهم تحت وطأة الحاجة والفقر، أو مورس عليهم لإخضاعهم وإسكاتهم فتمطط الموضوع أمامي وغدا هلاميا لا شواطئ له وأصبحت صورة الكتابة عن العنف في السرد أكثر ضبابية .. فكان لا بد من تسييج الموضوع، والتحكم في رسنه لتوجيهه نحو هدف محدد.. لذلك أثرت أن تكون هذه الكلمة تحت مظلة مؤسسة الكلمة تركيبة أكثر منها تحليلية.. ودراسة سانكرونية ستاتيكية أكثر من دراسة تاريخية دياكرونية، فحصرت الموضوع في الرواية دون غيرها من السرود الأخرى، وضمن الرواية حددته في مقاربة المرأة للعنف لأقف عن نظرة المرأة العربية للعنف ضد المرأة ...معتقدا أن الموضوع أضحى محددا لكن ما أن بدأت في البحث عن تعريف مفهوم (العنف ضد المرأة) حتى تشعب الموضوع أكثر و تناسلت أمامي التعريفات والتزاما بالوقت المخصص للمداخلة سأقتصر على تعريف واحد للعنف ضد النساء هو التعريف الصادر عن الأمم المتحدة، باعتبارها أعلى هيأة أممية وكل الدول الأعضاء فيها ملتزمون ومتفقون على ما يصدر عنها.. فقد عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد النساء بأنه (اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة."

لكن ما أن وضعت هذا التعريف على روايات النساء محاولا استقصاء معانيه وتجلياته في الرواية النسائية العربية حتى تمطط الموضوع أمامي أكثر وغدا من المستحيل تطويعه في مداخلة واحدة مهما خصص لها من وقت لذلك كان لا بد من تقريب الصورة أكثر ( ZOOM) لأقتصر على عنف المرأة في الحياة الخاصة دون الحياة العامة لأن العنف في الحياة العامة سيفتح لنا إشكاليات سياسية ، ثقافية دينية اجتماعية يستحيل تسييجها في لقاء مثل هذا ومداخلة محدد سقفها الزمني مسبقا.. وداخل الحياة الخاصة قربت الصورة أكثر لأقف على العنف في العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة .. لأجد نفسي في مواجهة عنف يرتكب في الظلام وفي سرية مطلقة لا شهود عليه ويصعب إثباته، عنف مغلف بالصمت والسرية ، ويصعب - للبوح مهما علت الأصوات - تكسير كل الجدران والأقبية التي تغلفه .. عنف يقع في مكان وزمان يفترض ألا يكون فيهما عنف، في مكان وزمان يفترض أن ألا تكون فيه للشريكين إلا الأحاسيس والمشاعر والعواطف ما دامت اللحظة قصيرة الهدف منها اقتناص لحظات للاستمتاع باللذة والنشوة ، لكن النساء أبين إلا أن تستحيل تلك اللحظات الحميمية عند معظم روائياتنا إلى لحظة معاناة وتعنيف وعذاب وألم تفنن في تصوير تفاصيلها وآلامها .. إذن سأحاول أن أقدم لكم عنفا تحكيه النساء وقد نعين الرومانسية في الكتابة النسائية المعاصرة... كل المنى إذن أن أنقل لكم بعض المشاهد من هذا العنف و ألا يصل ما أنقله لكم من عنف مستوى التقزز لأنكم أنتم من طلب الحديث عن العنف... وألا يكون كلامي عنفا ضدكم وفي حقم ...

في هذه المداخلة سأركز على حوالي 30 رواية نسائية عربية معاصرة حصرت موضوع حديثها في العنف في العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة معتقدات بذلك ارتباطهن الوثيق بالواقع اليومي، بالتركيز على ما يقع (هنا ) و(الآن) دون هروب من الواقع إلى الكتابات السريالية ، أو الرومانسية الحالمة ، ولا النبش في التجارب الغرائبية و الخيال العلمي، أو التاريخ السحيق ، أو الاقتباس من الآخر ..... وعند إلقاء أول نظرة على هذه العينة من الرواية يتضح بجلاء كيف حضرت العلاقة بين المرأة والرجل في مخيال النسائي كعلاقة مأزومة وهي بهذه الصورة ليست سوى صورة مصغرة لوطن عربي ينخره العنف في كل مناحي حياته،.. زما دامت هذه العلاقة هي مصدر النشأة ، ومنبع الحياة ، فأكيد إذا كانت مأزومة وعنيفة فكل ما سينتج عنها سيكون مأزوما وعنيفا لأن ما بني على باطل فهو باطل، فأكيد أن الانطلاقة والعلاقة الحميمية المأزومة لن تنتج إلا مجتمعا مأزوما، عنيفا تعشش مختلف العقد في أبنائه...

وقد يتخذ العنف في هذه العلاقة الحميمية المأزومة صورا منحرفة منها الشذوذ فقدمت الروائيات الرجل العربي ميالا إلى الشذوذ والرغبة في الاغتصاب تتساوى في ذلك الكاتبات الشابات في أعمالهن الأولى كما وجدنا عند ربيعة ريحان من المغرب التي تجعل من زوج بطلة روايتها (طريق الغرام) رجلا شاذا يحب أن يمارس عليه الجنس غير مبال بزوجته، وإذا طالبته بحقها كزوجة ثار في وجهها وكال لها الإهانة والاحتقار.. وفي رواية (المنسيون ) لربيعة البلغيتي وهي في ريعان شبابها (كتبت هذه الرواية وهي لما تتجاوز العشرين سنة ) تصور عنفا لا يخطر على بال شاب : أب يعنف كل يوم زوجته ويصل به العنف إلى اغتصاب ابنته القاصر، ويموت ليتركها في معاناة لا تتعرف ما تقوله للمجتمع وللابن هل هي أمه أم أخته وهل والده هو أبوه أم جده جاء في الرواية (يا للكارثة إنها أم لطفل أبوه وجده نفس الشخص طفل لا زالت أمه طفلة )[2] أي عنف هذا يخطر ببال شابة صعيرة ؟؟؟

أو في أعمال الكاتبات ذوات التجربة الطويلة في الإبداع الروائي مثلما وجدنا في رواية (زينة) لنوال السعداوي حيث الرجل في آخر رواياتها (زينة) بيدوفيل ميال إلى الاغتصاب بطبعه سواء كان كبيرا مثقفا مثل أب أحدى البطلات الذي اكتشفته يغتصب طفلا أعرج قاصر من أطفال الشوارع جاء في الرواية أن البطلة وقفت على ( جسد أبيها وجسد الطفل الولد الأعرج كمن أولاد الشوارع ، عمره ثمانية أعوام مثل عمرها )[3] ولكم أ تتخيلوا مستوى العنف الممارس على الطفلين في هذه الصورة، أو كان مجرد طفل؛ ما دام الاغتصاب متجرد في الفكر الذكوري منذ النشأة هكذا جعلت رواية ( زينة) الطفل أحمد ابن ثماني سنوات يسرق دمية ابنة عمه ويغتصبها بطريقة جنونية (أخذها معه تحت السرير خلع عنها الثوب الرقيق من الدانتيلا تمزق الكيلوط الوردي الشفاف بين يديه وهو يشده أسفل ساقيها بحثت عيناه وأصابعه عن الشق بين الفخذين دون جدوى .. كان الطريق أمامه لا يقوى على اختراقه ...)[4]

ويصل العنف في العلاقة ذروته عندما تتحول لحظة العمر التي تنتظرها الفتاة لجرح ومعاناة وعنف ينخر الذات سرمديا وفي رواية ( اكتشاف الشهوة) للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق يمارس الرجل العنف و الشذوذ على زوجته منذ أول ليلة في زواجهما فبدل المعاشرة الزوجية العادية اختارت الساردة لبطلها طريقا آخر بأن جعلته يعاشر زوجته ليلة الدخلة من دبرها عنوة. تقول معبرة عما أصابها : (أصبت بعطب في مؤخرتي لهذا السبب ، وأصبح عذابي الأكبر دخولي إلى الحمام لقضاء حاجتي ، في كل مرة كانت مؤخرتي تتمزق وتنزف)[5] وبعد أسبوع من زواجهما ( والمفروض أن يكون أسبوع عسل ) يهاجمها يعنفها ويغتصبها، تقول: (في اليوم السابع جن جنونه، حاصرني في المطبخ، ومزق ثيابي، ثم طرحني أرضا واخترقني بعضوه.. ورمى بدم عذريتي مع ورق الكلينكس في الزبالة )

وفي الخليج رغم المحافظة الشكلية الظاهرة في المجتمع وجدنا عددا من الروائيات من أشرن للشذوذ ففي رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع من السعودية أشارت لممارسة الشذوذ وممارسة الجنس على الأطفال الذكور بإشارتها إلى تخنث ابن أم نوير ا، وتنكر الأب للأسرة فما أن علم بحال ابنه حتى ترك (المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعدا عن هذا المنزل وهذا الولد الخـ...) [6]. وكانت فوزية شويش من الكويت في (سلالم النهار) أكثر جرأة إذ وجدت المرأة بطلب من زوجها مدفوعة إلى كل أنواع الشذوذ،فجعلت الرواية الزوجين الكويتيين العربيين المسلمين يمارسان الجنس وسط الشواذ في باريس تلبية لطب الزوج، فتقول الساردة (كنا نتسلل ليلا إلى غابة بولونيا مثلنا مثل حال الشواذ ومتعاطي المخذرات والمتشردين في الشوارع نعبر في أحراشها ، لنمارس الجنس حالنا من حالهم، الخوف منهم هو الجزء الهام والأساسي في قواعد اللعبة)[7] بل أخذ معه زوجته لأوكار السحاق ودفعها إليه ليستمتع بمشاهدتها، وكذلك اتفق معها للعب دور العاهرات في الشوارع ليلا أمام عينيه...

والملاحظ أن عدد من الروائيات العربيات لم يقتصرن على الإشارة إلى شذوذ الرجال بل منهن من عالجن الشذوذ والمثلية بين النساء كطاهر عنف اكتوى بنارها الأطفال ونكتفي بهذه الإشارة من رواية (الملهمات ) التي وقف فيها البطل على شذوذ والدته يقول : (اتجهتُ وسط الظلام إلى غرفة والدتي استجدي بعض الحنان، لأجدها بين أحضان دادة الغالية في وضعية تفوق الحنان، كانت الواحدة تقبل الأخرى بشغف وقد تحررتا من ملابسهما)[8] ليعلق على الحدث قائلا: ( كان هذا الحدث أول زلزال في علاقتي بالنساء)[9] أليس هذا ضرب من العنف سيظل تأثيره القوي يصاحب البطل طيلة حياته وهو الذي سيحدد علاقته بالنساء وجعله مارس عليه عنفه ...

بالإضافة إلى الشذوذ كمظهر عنف في الجنس كانت في روايات النساء إشارات إلى عنف جنسي آخر جرحه لا يندمل يمارس في حق الزوجة هو عنف الخيانة الزوجية والأنانية، فأي عنف أكثر من أن تعرف الزوجة في رواية زينة أن زوجها : (في الليل يتسلل من فراشها إلى الخادمة في المطبخ،أو السكريتيرة في المكتب، لا يشتهي إلا الفتيات الصغيرات من الطبقة الدنيا)[10].

ويصل العنف في العلاقة درجة من السادية عندما يتلذذ الزوج بتعنيف زوجته و لا يهمه ألا إشباع غريزته دون أدنى تفكير في إشباع شهوتها، ففي رواية (اكتشاف الشهوة ) تقول البطلة (حين يمارس الجنس معي يفعل ذلك بعكس رغبتي .. يفعل ذلك كما في كل مرة بسرعة دون أن يعطيني مجالا لأعبر عن وجودي كان يقوم بالعملية وكأنها عملية عسكرية مستعجلة يسلمني بعدها للأرق..) وتضيف معبرة عن هذا العنف : ( يخترقني قبل أن يوقظ شهوتي ، يفعل ذلك بسرعة وأنا بعد شايحة يؤلمني دون أن أشعر بأي متعة ثم ينتهي ويتركني جثة تحتضر )[11] أي شيء أألم من هكذا عنف... هذه بعض تجليات العنف المسكوت عنه والذي قد يتجاوز ألمه العنف المادي ، لأن هذا الأخير منهي في الزمان والمكان ، والعنف المعنوي يتسلل للدواخل ينخر الجوانح للأبد .. لكم أن تتصوروا تأثير أن يجلس الرجل يمارس الجنس الأحادي، ويلجأ إلى العادة السرية أمام أنظار زوجته تقول بطلة (اكتشاف الشهوة ) : (يعود ثملا في الغالب، والحمرة النسائية تلطخ قميصه والمني يلوث ثيابه الداخلية ... بسهولة يجلس أمام إحدى القنوات البورنوغرافية ويمارس العادة السرية دون أن يعيرني اهتماما)[12]، إنه عنف يجعل الرجل (يعيش حياته بالطول والعرض ) وقد تهون كل أشكال التعنيف أما العنف الذي تحسه امرأة انتظرت زوجها حتى وقت متأخر من الليل ليطعنها ويجبرها الاستسلام لوحدتها مجبرة وعلى عظ الطرف عن سلوكات الزوج : (عاد منتشيا يغني ... واضح أن ليلته لم تكن خالية من اللحم الأبيض المتوسط .. لم أهتم دفنت رأسي في المخذة واستسلمت للنوم مرة أخرى)[13]

وفي اليمن نقدم لكم تجربة نبيلة الزبير في روايتها (زوج حذاء لعائشة) التي تقدم صورة أقتم لهذا العنف من خلال رجل دين مزواج يجمع بين أربع نساء من مختلف الشرائح كأنه لا يريد ترك نوعا من النساء دون أن يجربه فهو يجمع بين (الفتاة القاصر ، والمحجبة التي لم يسبق لها ممارسة الجنس ، والعاهرة ذات التجربة الجنسية المتنوعة، والمطلقة أم البنين ذات التجربة الجنسية المحدودة (زوجة أخيه الذي تنازل له عنها بعد اختياره طريق الجهاد) يمارس عليهن عنفه شذوذه، وكذلك وكان والده قبله يمارس في السر عكس كل ما يتظاهر به : يعاقر الخمر ويعاشر خليلاته اللواتي يستقبلهن في بيته بزي الرجال على أنهم ضيوفه، دون أن تكون لأي فرد من الأسرة القدرة على أن يحتج، وهم العارفون بأفعاله، بل يعتبرون (مكسبا إليهم أنه لازال يكترث لهم ويفحش في السر)[14] وأكثر من ذلك يمارس الجنس مع خليلاته أمام فتاته الصغيرة التي جعلها حارسته وأمينة سره فكان طبيعيا ألا ينتج هذا العنف الرمزي إلا عنفا أكبر : فتاة اتجهت للدعارة وفتى متطرف قليل التعليم مهموس بالجنس يمارس العادة السرية . فقد ورد في الرواية أن البطل حسب الساردة رجل ( لم يكمل تعليمه ، انظم إلى جماعة إسلامية لم يعرف امرأة في مراهقته وشبابه ولم يكن أمامه إلا العادة السرية التي ظل يمارسها حتى وهو إمام يصلي بالناس وغدت فرضا في حياته) يقول هو عن نفسه:( لا جديد في الصلاة، لا جديد في إمامة المصلين . الجديد هو حيرتي إزاء العادة السرية ، لقد كانت فرضا هي الأخرى دخلته لسنين)[15] . ومثل أبطال رواية زينة للسعداوي كانت سمة أبطال (زوج حذاء لعائشة) هي الاغتصاب دون أدنى مراعاة لمشاعر المرأة : ( داهمها حيث هي في السجادة ... اجتاحها بدون أية مقدمات... لم يمط من ثيابها إلا الموضع المخصص للإيلاج .. ومن فوره غادرها إلى الحمام ليتطهر بغسل باهه، حين عاد رآها لم تزل على حالها تلك، لم تتحرك من مكانها ولا ثيابها عادت إلى موضعها..)[16] وكان (قد اعتاد أن يدخل على زوجته بشرى هكذا لسنين ولا مشكلة) (كان يجيئها في سجادتها ، في سجودها وكان دخوله عليها لا يقطع صلاتها ولا صيامها، استفت و قيل لها جمعت بين الطاعتين طاعة الله وطاعة زوجك .. ما دام جاءك اغتصابا فلا تثريب عليك، المهم النية، اعقدي النية على الطاعة بارك الله فيه . عقدتُها ، كان الاغتصاب سمة ذلك الرجل .. طوال الوقت كنتَ هذا الرجل الذي لا يقطع صلاة ولا صياما )[17] .. ويصل العنف الجنس درجة من السادية في رواية العمامة والطربوش (الجزائر ) حين يتزوج الرجل على زوجته ليلة ولادتها لفتاة انتقاما منها (تزوج عليها أبي لما أنجبت له بنتا ثانية وأجبرها على الرقص في عرسه وهي نفساء)[18] مما تسبب في وفاتها...

العنف بكل تجلياته ( شذوذ، خيانة ، اعتصاب، سرية ...) يوحد الرجال في نظر الروائيات العربيات فقد ورد في رواية(زينة) لنوال السعداوي أن الرجال : (شبه بعض في كل حاجة،في الشغل السري، في النشاط السياسي، في النشاط الجنسي، شبه بعض في كل حاجة، حتى الخيانة والكذب والمراوغة وعشق السرية والتخفي، وإخفاء الفساد والتشدق بكلمات كبيرة أوي، تحت اسم ربنا الله، أو ربنا كارل ماركس ...)[19]

ترجع الروائيات العربيات عنف الرجال في العلاقة الحميمية إلى الكبت وضعف شخصية الرجل وفراغ عقله إلا من الجنس مما يجعله يعوض هذا الضعف ببالظاهر بالفحولة والاستأساد على المرأة ، هكذا كان الرجل رغم ثقافته في رواية (سعار ) (رجل عامر بالنساء ) يستغل فتاة طاهرة لا جنس في حياتها، كل شيء عنده مرتبط بالجنس (كل شيء في العالم قائم على الجنس كل الحضارات و الثقافات والآداب العظيمة هي شهوة جنسية )[20] ،. كان يفعل ذلك بدعوى تكسير الطابوهات يقول لها (ساعديني لنكسر معا كل تابوهات العالم) وبعدما نضجت تقول ( أعرف الآن بأن كسر تابوهات العالم بالنسبة لك هو أن أملأ سريرك ، ونفس الفراغ نلمسه في رواية (زينة) لنوال السعداوي إذ ترى أن الرجل العربي (عقله فارغ ليس فيه إلا الحيض والنفاس والرضاع)[21] و (كل الرجالة ورق، كلهم مرضى ، كذابين منافقين مزدوجين)[22] ...

لذلك ليس غريبا أن يستغل الرجل منصبه لتعويض نقصه ، فوجدنا طبيبا نفسيا في رواية زينة يستغل مهنته لاستغلال مرضاه: (يستخدم الأريكة لعلاج نفسه من الحرمان الجنسي ينكح من النساء ما يشاء أحل الله له النكاح بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الطب النفسي )[23] بذلك يتحول الطبيب نتيجة عنفه إلى مريض (أدرك الطبيب النفسي أنه مريض، يحتاج إلى طبيب يعالجه، الانفصام بين عقله ووجدانه، عقله غير مؤمن، لكنّ وجدانه مؤمن، لا أمل له في الشفاء، محكوم عليه بالازدواجية منذ الطفولة)

عنف الرجل إذن في رواية النساء مرتبط بضعف ثقافته، يعوض ضعف العقل بالقوة العضلية ، والفحولة المزعومة لتربط معظم الروايات عنف الرجل بأزمة الجنس ففي (سلالم النهار) كل ما في الحياة وعلى الأرض عند الرجل مرتبط بالجنس و(لكل شيء معنى للإيروتيكية: قبضة الملاكم ، خرطوم الفيل، رأس الحية، كعب عالي، مقدمة سيارة قديمة، فتاحة علب، مسدس ،يد التيلفون القديم ، الحبال، السلاسل صبابة البنزين، والتراث العربي أيضا حصة ونصيب كبير فيه .. حرف الألف مثلا وكل مستقيم واقف وكل عصا ... هل الحياة في حقيقتها ليس لها أي معنى خارج الفعل الجنسي ؟ نظرية والدي أيضا تثبت هذا المعنى)[24] هذا هو الرجل العربي همه الوحيد الجنس واختراق خواتم المرأة .. ففي سلالم النهار بينت الساردة أن ضاري لم يترك خاتما في جسد زوجته إلا حاول اختراقه ففي باريس جعلها تكيف حواسها وكل "خواتمها" لإرضائه (خاتم الشفاه المكتنزة،خاتما فتحتي الأذن، خاتما فتحتي الأنف، خاتم الصرة، خاتم الدبر وخاتم الأختام كلها الفرج مصب الأحاسيس كلها) ، رجل لم يعجبه من كل متاحف باريس ودورها الثقافية إلا أن يأخذها إلى متحف اللوريتزم المتخصص في المعروضات الجنسية، تقول: (ليريني الحياة الجنسية منذ بدء خليقتها ومن اللحظة الأولى ... المبنى الغريب خصصت كل طوابقه المثيرة للعرض الجنسي كل ما فيه مرصود لتثبيت العلاقة الجنسية منذ فجر البدائية )[25] هذا الهوس والتظاهر بالفحولة ألفيناه أيضا في رواية الملهمات لفاتحة مورشيد من المغرب حيث البطل لم تشفع له أستاذيته وثقافته ومؤلفاته هوسه الجنسي، بل لا تستقيم ثقافته ولا يستقيم أحد القلمين دون الآخر: فليكتب عليه ممارسة الجنس ن بقدر ما تكون الممارسة جنونية يكون الإبداع لذلك حرص على تنويع شركائه من النساء بين ( المغنية، الراقصة ، الأديبة ، الشاعرة ، الرسامة ، الخادمة، العربية ، والأعجمية ..) ، ومختلف الجنسيات (المغربية ، الصينية، الألمانية ، الخليجية ..) عاش معهن وهو المتزوج لحظات جنسية كانت وحدها سبب إبداعه وكتاباته، مؤمنا أن أمام كل رجل عظيم (نساء كثيرات مستعدات للقيام بالتضحيات نفسها حتى يستقيم لهن القلم.. وتستقيم له الكتابة )[26] ، دون أن يسيل حبر قلمه طبعا لتلك العلاقات مع من سماهن (مومسات أو عابرات لعواطفي)[27] وهو في كل ذلك ظل (دائم الجوع للنساء... يحبهن لدرجة السادية)[28] . هوسه وجوعه الجنسي هذا جعله يقضي حياته في عذاب وعنف دائم يحاول (إقناع النساء بأن ممارسة الجنس خلال فترة الحيض مسألة طبيعية) ، ويسعى إلى تحقيق ذلك كمن يسعى إلى حتفه ، وفعلا كان ذلك بأن أصيب بسرطان البروستات بعد مضاجعة أم سعودية حائض فجف نبع إبداعه قلميه مصدرا فخره.

ذلك هو الرجل العربي في عيون الروائيات وهو رجل بيدوفيل يفضل البنات الصغيرات على المرأة الناضجة، وهي ظاهر يبدو أنها تؤرق بال الروايات العربيات المعاصرات، لذلك استنكرتها معظم الروايات ، فانتقدت رواية نبيلة الزبير زواج طارق بنشوى ابنة ثلاثة عشر ربيعا، واستنكرت منصورة عز الدين زواج رحمة بزوج أختها وهي (في الخامسة عشرة من عمرها حين تزوجت عثمان زوج شقيقتها الكبرى التي توفيت على يد القابلة وهي تلد طفلها الثاني الذي ولد ميتا هو الآخر تركت خلفها ابنها سميح ذا الثلاث سنوات وكي لا يتربى حفيده مع زوجة أب غريبة وافق والد رحمة على تزويجها من عثمان كي تعتني بابن أختها... اقتلعت الصبية من أسرتها وجاءت كقطعة من جهاز العرس إلى عائلة أخرى لتكون زوجة لرجل يكبرها بأكثر من عشر سنوات )[29] ، وإذا كانت رحمة قد اقتيدت لرجل يكبرها بأكثر من عقد من الزمن فإن أديب في رواية (أوهام) تزوج (مها) وهي في سن بنته، فيما اختارت صاحبة (الطربوش والعمامة) من الجزائر تزويج (العارم) بشيخ يكبرها بعصر وصفحات تاريخه[30] ، والزواج في كل هذه الحالات وغيرها عنف في حق الطفولة، واغتصاب للبراءة ، وتحتار عدة روايات في تفسير سبب عشق الرجال للأطفال ، فتؤكد رواية (بنات الرياض) أن (الإقبال على الفتاة الصغيرة الساذجة عند البحث عن عروس مناسبة ما زال مرتفعا مقارنة بالإقبال على الفتاة التي تصل درجة عالية من العلم والمعرفة والاطلاع العام على الحياة )[31] وتبرر ذلك بارتفاع نسبة العنوسة في صفوف النساء لطبيبات...

وحتى إن استنكرت الروايات مثل هذه الأوضاع فأن الواقع يقبلها وتبدو للناس فيه عادية.. لذلك وجدنا منهن من تدافع على تزويج القاصرات وتبحث لذلك عن أدلة وأسباب شرعية كما في رواية (في قلبي أنثى عبرية) التي دافعت بكل الوسائل على زواج عائشة من الرسول (ص) تقول على لسان ندى ( إذا عدنا إلى تلك الحقبة الزمنية، لوجدنا أن تزويج الفتيات في سن السادسة كان أمرا عاديا، فالسيدة عائشة لم تكن حالة شاذة في ذلك. بدليل أن قريش التي كانت تعادي النبي محمدا (ص) وتقتنص الفرص لاتهامه والتنكيل به لم تستنكر عليه صنيعه... والرسول لم يكن أول الخاطبين لعائشة بل كانت مخطوبة لرجل قبله..)[32] وحاولت جاهدة البحث عن الحجج والأدلة التي يمكنها أن تقنع بها فتاة صغيرة مثل سارا عندما سألتها قائلة: (بمعنى أنهم كانوا جميعا يعتدون على الأطفال ويجدون ذلك أمرا عاديا؟ أليس هذا اختلالا اجتماعيا؟؟) فحاولت الكاتبة من خلال ندى البحث عن الأدلة للتبرير وربط الظاهرة بالمناخ والعادات فتقول: ( إن الفتيات في تلك الحقبة الزمنية، وفي تلك البقعة من الأرض، كن ينضجن مبكرا....) وكأنها بذلك تبرر تزويج القاصريات في زماننا ..



أن العنف في العلاقة الحميمية يعد مصدر كل المشاكل في الحياة الزوجية ، فمشاكل السرير والعنف أهمها تجعل المرأة تعيش مأساة قد تنسيها اسمها، فتزويج رحمة واغتصاب طفولتها، وانخراطها في مسؤولية البيت وتربية الأبناء وهي طفلة أنساها اسمها، تقول الساردة عن رحمة بعد موتها: (منذ زمن بعيد فقدت رحمة اسمها للأبد ... الجارات كن ينادينها بأم جابر ... وهي نفسها كانت تشعر أن اسمها غريب عنها ، وحين يحدث ويناديها زوجها به تظل فترة قبل تدرك بأنها المرأة المقصودة) [33] .. هذه المأساوية جعلت عدد من بطلات الرواية النسائية يرفضن الزواج، أو يضعن حدا له ، فاختارت معظم الروايات - موضع التحليل- أن تنهي علاقة المرأة بالرجل معتبرة في ذلك راحة للمرأة حسب مسار أحداث كل رواية فمن الروايات ما قتل فيها الرجل لترتاح المرأة من مشاكله كما في روايتي سلالم النهار والملهمات... ومنهن من هجرن الرجل وبحثن عن حياة أخرى كما في روايات طريق الغرام، وسعار، وراء الفردوس،.... ومنهن من جعل المرأة تعتمد على نفسها وتبني مشاريعها دون مبالاة بالرجل مثلما فعلت بطلات (زوج حذاء لعائشة) لنبيلة زبير بأن جعلت الثلاثي ( NRZ) ينشئ مقاولاته الخاصة ويقتحمن السوق لفرض ذواتهن ، وهو ما سلكته سمر يزبك برهام بعدما أجبر علي حسن ابنه فادي على التخلي عنها في رواية صلصال....

فإذا كان العنف في روايات النساء ثلاثي البعاد بعده الأول أنا: المرأة الكاتبة/ الساردة ،والثاني هو الرجل ، و الثالث العلاقة بينهما والتي جعلت منها روايات النساء علاقة متوترة، فكان الرجل في المخيال النسائي لا يتجسد إلا في صورة سالبة تجسد مختلف مظاهر الانحراف الجنسي ولا تبتعد عن الرجل الشاذ ، المغتصب المتسلط العنيف الأناني و الذي لا شيء في عقله غير الجنس، مهوس باغتصاب الصغار والصغيرات... وتقديم المرأة في صورة الضحية المعتدى عليها



حتى وأن رأى البعض في تأزيم النساء للعلاقة الحميمية وتحويلها من اللذة إلى العنف فإن ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر العنف التي أصبحنا نستأنس وكل ما استطاعته هذه الروايات هو تحويل الصراع من الواقع العربي العام إلى صراع داخل الذات، جاعلة من أعماق الذات فضاء لمرايا متقابلة يتناسل فيها انحرافات شخصية الرجل العربي ، وحلبة لصراع يعكس شخصية الإنسان والواقع العربي ، خاصة وأن عددا من الروايات النسائية جعلت من المرأة رمزا للمدينة أو الوطن ككل بكل تناقضاتهما وكثيرا ما صرحت بذلك فاستحالت بطلة أوهام رمزا لبيروت، وبطلة اكتشاف الشهوة رمز لقسنطينة، و سعدة بطلة العمامة والطربوش رمزا لمدينة يافا بتعبير البطلات أنفسهن. ومنهن من تماهى مع الوطن كما في ثلاثية أحلام مستغانمي وخاصة في (ذاكرة جسد)، أوفي رواية ( يا دمشق وداعا) لغادة السمان حيث البطلة زين الخيال تعترف أن حبها لدمشق وحده يذلها وما عداه يمكن ترويضه، وفي ثنائية سميحة خريس شجرة الفهود التي أرّخت لحوالي 90 سنة من تاريخ الأردن الحديث في قالبي سردي ربطت بين المرأة والتطور التاريخي للأردن.... ليتجلى أن في أي تعنيف للمرأة إحالة مباشرة على عنف في المدينة و المجتمع عامة...

ومثلما هي العلاقة متوثرة بين الحكام والمحكومين، بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع ، فهي متوترة بين الرجل المرأة داخل الأسرة ، وما وصول العنف للعلاقة الحميمية إلا دليل على تجاوزه لكل العلاقات الأخرى.. ومن تم كانت الرواية النسائية مرآة عاكسة فقط لعلاقة متوترة وعنيفة بين قطبين متناقضين (المرأة بصورتها الإيجابية ) والرجل (بصورته السالبة، لذلك لا غرو أن تنفر معظم بطلات الرواية النسائية من هذا العنف وترفض الارتباط به، فألفينا من الروائيات من يذهبن إلى اعتبار (الزواج ورطة)[34] يجب الخروج منها، ومشروع محكوم عليه بالفشل، بل من البطلات من جعلت المرأة المقبلة على الزواج ينتابها شعور (يشبه ذلك الذي ينتاب المحكوم عليه بالإعدام أو السجن مدى الحياة)[35]، فتعتبر الزواج بالرجل العربي العنيف جناية و تجن على المرأة وتعنيف لها، ونسب نجاحه ناذرة كفوز ورق يناصيب؛ تقول بطلة اكتشاف الشهوة ( ما أقسى أن نسلم أجسادنا باسم وثيقة لمن يقيم ورشة عليها أو بحثا عن المتعة وكأننا نقطع ورقة يناصيب من النادر أن تصيب)[36]... بل من البطلات من غدا يفكر في الانتقام من الفكر الذكوري العنيف باعتبار الرجال عالة قد لا تحتاجه المرأة في حياتها وأنها تفضل العيش وحيدة على العيش تحت وصالية رجل متسلط عنيف فظلت بطلة (العمامة والطربوش) تتساءل مستنكرة: ( ما حاجتنا للرجال، ما دام شرف القبيلة، بين أفخاذ نسائها، تحميه الخلاخل)[37] رافضة الفكر الذكوري الذي يمارس العنف المادي والمعنوي ، وقد يكون العنف المعنوي أقسى من المادي، فتحسيس المرأة بالدونية عنف يومي يمارس عليها لأن المجتمع يعتبر قلة الاحترام (أن تضع المرأة نفسها في مستوى زوجها) فهي دائما في الحضيض ودون مستوى الرجل مهما كان علمها ومالها ، لذلك إذا كان الرجل ( في الأمام عادت هي للخلف، إن جلس على الكرسي تفترش الحصير، وإن اتخذ الحصير فرشا ليس لها ألا الأرض )[38]... وللتخفيف من معاناة عنف هذا الإحساس اختارت عدة بطلات الهروب من العنف ومن الواقع "المرير" العنيف إلى العالم الافتراضي تارة كما في (بنات الرياض) و (طريق الغرام ) أو الهروب إلى الحلم مثلما كان في رواية ( وراء الفردوس) بل و الهروب إلى الجنون والغيبوبة على طريقة بطلة (اكتشاف الشهوة )، كحل في مجتمع كل شيء فيه مهين معنف للمرأة، مقتنع أن المرأة محدودة ومنتهية الصلاحية جنسيا ، تقول بطلة اكتشاف الشهوة ( للأسف كنت أنتمي لمجتمع ينهي حياة المرأة في الثلاثين)[39] لكن هذه المرأة المنتهية الصلاحية سرعان ما تصبح امرأة خطيرة ، وتتعرض لعنف أخطر عندما تصبح أرملة أو مطلقة لأن الفكر الذوري العنيف يرى آنئذ أن (حريتها ستمنحها حرية إغراء الرجال، و "خطف" الأزواج من زوجاتهم)[40] فتتعرض لعنف مزدوج وحتى النساء يخاصمنها ويقاطعنها خوفا على أزواجهن منها ، فلم ترحم النساء ثريا في (وراء الفردوس) التي شقت ثوبها حزنا على زوجها المتوفي مطحونا في معمل الآجور وما أن رأين جسدها حتى ( قاطعتها معظم نساء القرية خوفا على أزواجهم الذين عاينوا حلاوة جسدها حين شقت ملابسها يوم مصرع زوجها)[41] ويصل العنف إلى اعتبار المرأة المطلقة ليست سوى (امرأة تخلصت من جدار عذريتها الذي كان يمنعها من ممارسة الرذيلة، امرأة بدون ذلك الجدار، امرأة مستباحة، وعاهرة مع بعض التحفظ)[42] و ( أن الثقب الذي انهار جداره هو كل ما يراه الناس في امرأة مطلقة أو أرملة)[43]

ومن مظاهر العنف طمس هوية المرأة في المجتمع وانتسابها إلى الرجل في كل شيء تقول بطلة العمامة والطربوش : ( عوّدونا على صيغ النداء التي تكون فيها المرأة تابعة لا أكثر :بنت فلان، زوجة فلان، أم فلان ..) وذلك في نظرها جعل المرأة أقرب لأن تكون (ملكية تتداول حصرا بين الرجال تبقى متنقلة من أحدهم إلى الآخر ما دمنا بين ضفتي الوجود، الأب الأخ ثم الزوج وأخير أولئك الذين ننجبهم ثم يتنكرون لأسمائنا ويخجلون بها )[44]، بل أكثر من ذلك، الواقع العربي يجعل (نطق اسم امرأة عندنا، يكاد يكون تلطيخا لجدار المقدس)[45]، وحتى ملابسها عورة لا يجوز لها نشرها ضمن الغسيل هذا العنف جعلها تعتبر نفسها شبيهة بأمها الميتة ( أنت دفينة التراب، وأنا رهينة القبيلة) [46]، أما إذا كانت المرأة عاقرا فالعنف الممارس عليها مضاعف ويكفي ما وصفت به بطلة (صهيل النهر) المرأة العاقر عند قولها (امرأة، عاقر، نصف مطلقة... نصف ميتة..)[47]



يتضح أنه رغم التطور الذي شهده المجتمع العربي في العمران والاقتصاد والبنية التحتية مقارنة مع ما كان عليه قبل قرن من الزمن ، فإن الروائيات العربيات يرين من خلال إبداعهن أن العقلية العربية لم يطرأ عليها التغيير الذي يناسب التطلعات خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة وتعنيفها ، عنف يشعر بنات الرياض بأنهن في ( سجن كبير) مسجونات سجنا انفراديا المرأة فيه محرومة من كل ما هو مباح للفتيات في كل بقاع المعمور: محرومة من الاختلاط بزملائها من الطلاب، ومحرومة من مكالمة من تحب ، حتى ولو كان خطيبها أو زوجها الذي عقد عليها إلا بعد الدخلة التي تكون أول لحظة ترى فيها زوجها؛ تقول الساردة في تصوير هذا العنف (كان الزواج عندهم كالبطيخ على السكين)[48] واستعمال السكين هنا له دلالته ، وأمام هذا الحرمان كان العشاق يلجؤون إلى (الحب المسروق والمخفي والمطموس في سره عن الجهر والمجاهرة والذي هو مهرب وصعب المنال في ظل قوانين وأعراف لا تبيح الجهر بالعلاقات المحرمة ولا تسمح بقيامها خارج منظومة الحلال ) على حد تعبير ساردة رواية سلالم النهار في علاقة نورة وزياد ...



إن هذا العنف نتيجة منطقية لعلاقة طرفاها معنفان معا، لذلك يتظاهر الطرف "القوي" بالتسلط ، ويكثر الطرف "الضعيف" من التشكي والتعبير أمام حرمانه من أشياء لا يعرف سبب تحريمها، فما أن وجدت التلميذات متنفسا في عيد الحب لتبادل بعض الهدايا حتى تم منع (جميع مظاهر الاحتفال بعيد الحب في السعودية، وتمت معاقبة أصحاب محلات الزهور الذين يقومون بتوفير الورود الحمراء لزبنائهم، .. وكأنها بضائع مهربة)[49] بل تم تعنيف تلميذة في المدرسة لأنها ارتدت الأحمر لتعلق الساردة بقوله ( مضطهد أنت أيها الحب في هذا البلد )[50]، والضحية الأولى من اضطهاد الحب هي المرأة التي تظل تعيش (تحت النعال) مرتبتها دائما دونية، لا تجلب إلا العار حتى ولو كانت ضحية أو معنفة ، فقد اعتبرت (الغالية) وهي التي اختطفها أحد أبناء قبيلة توارة في الجزائر ، عارا على قبيلتها ولا يجوز أن تصلح بعد ذلك زوجة (امرأة جلبت عارا ولعنة لا يجوز بعدها أن تبقى على عصمة أحد رجالنا)[51]

ومن بين التجارب الروائية التي تصور هذه العلاقة غير المتكافئة بين المرأة والرجل، علاقة بقطبين سالب(الرجل) وموجب(المرأة) ما كتبته أثير عبد الله النمشي وهي تحكي عن علاقة جمانة وعزيز في روايتين مختلفتين صادرتين عن دار الفرابي الأولى (أحببتك أكثر مما ينبغي)[52] تحكيها جمانة تبرز فيها كيف تنظر إلى الرجل (غزيز) ، والثانية (فلتغفري)[53] يحكيها عزيز يدافع فيها عما اتهمته به جمانة وتبرز عبر تصريحاته خصوصية الرجل العربي . وفيهما ظلت جمانة متعلقة بعزيز رغم خياناته وزيجاته المتكررة ..

العنف في علاقة المرأة بالرجل في روايات النساء مصدره الرجل في الغالب ، الذي لا يفعل ما يجب من اجل الحفاظ على تلك العلاقة ، تقول جمانة لعزيز في رواية أحببتك أكثر مما تستحق : (أنام كل ليلة وأنا على يقين من أنني بذلت كل ما بوسعي، وتنام كل ليلة وأنتَ على يقين بأنك لم تفعل بعضا مما أستحقه)[54] . فكان الرجل السبب قطع هذا الرباط لأتفه الأسباب، ففي بنات (بنات الرياض) طلق أبو نوير زوجته وتزوج ثانية وتنكر لأسرته بمجرد أن ظهرت بعض مظاهر التخنث على ابنه نوير، وما أن بدأت قمر القصمنجي تبني قصور أحلامها بأمريكا حتى طلقها راشد وتزوج الفيلبينية كاري ليعيدها إلى السعودية تعاني معاناة المطلقة .. وكذلك طلق وليد زوجته سديم الحرملي فقط لأنها سلمته جسدها قبل العرس، والأمثلة كثيرة على قطع الرجل لصلته بالمرأة، أما المرأة إن حدث وسعت إلى قطع علاقتها بالرجل فتكون مضطرة ولأن كل الأبواب أغلقت في وجهها مثلما فعلت زين الخيال في (يا دمشق وداعا) عندما وجدت نفسها مجبرة على طلب الطلاق بعد سنة من زواجها برجل خاب أفق انتظارها فيه وهي التي أحبته وتحدت الجميع وأجبرتهم على قبوله[55] وكذلك فعلت بطلت طريق الغرام وبطلة أوهام والأمثلة كثيرة ...

في النهاية لا ينبغي أن يفهم من خلال هذه الكلمة أن الرواية النسائية تغيت حصر الحياة في علاقة الرجل بالمرأة ، ومهاجمة الرجل وتحميله مسؤولية أزمة وطننا العربي وأنما في مهاجمتها الرجل مهاجمة صورة الرجل المتسلط فيه إذ وجدنا من البطلات من تجري وراء الرجل الذي يهفو قلبها له مستعدة للتضحية بحياتها من أجله : فقضت سلوى في رواية (أوهام) مخلصة لزوجها رغم خياناته ، جزءا هاما من حياتها وراء عزيز تتمنى أن يفتح لها قلبه، وعرضت سعدة في رواية (العمامة والطربوش) حياتها للخطر من أجل الهروب مع مروان الشاب الفلسطيني وقدمت نفسها قربانا لحبهما ، واختارت ريما بطلة ( في قلبي أنثى عبرية) تغيير ديانتها من اليهودية إلى الإسلام، وتغيير وطنها من تونس إلى لبنان والوقوف في وجه عائلتها، وبل والدفع بأسرتها كلها إلى دخول الإسلام، حبا في أحمد ليكون زوجا لها، دون أن تقدم رواية النساء أية امرأة تجري وراء الرجل لأهداف مادية، ولا رغبة جنسية أو بغية تغيير وضعها المادي وإن وجدنا من الخليجيات من ترغب في الرجل لتخليصها من قسوة الواقع حتى لو اقتضى الأمر زواجا أبيض من خلال البحث عن رجل للزواج والسفر بها خارجا وتطليقها هروبا من عنف الواقع الذكوري المحتقر للمرأة فوجدنا الفتيات الكويتيات يقلن (لنعثر على رجل فيتزوجنا ويمضي بنا إلى الخارج ثم يقوم بتطليقنا ..)[56]

لقد هاجمت الرواية النسائية المعاصرة الرجل الخائن والمتسلط، وهو ليس هجوما على الرجل بمعناه المطلق والعام، وإنما رغبة في تصحيح وضعية تحس فيها المرأة بأنها مضطهدة، محتقرة ومستغلة، بدليل أن لا امرأة واحدة في كل ما طالعنا من روائيات نسائية اختارت حبيبا غربيا. فقارئ الرواية النسائية المعاصرة قلما يعثر فيها على امرأة تعلقت برجل غربي، وإنما ظلت كل البطلات مصرات على الارتباط بالرجل العربي/ الشرقي، كما لم يسمح خيال الروائية الخليجية بتخيل علاقة خارج الحدود المحلية، فلم ترتبط الخليجية روائيا إلا بالرجل الخليجي بل وبابن البلد خاصة، فظل كل عشاق بطلات : بنات الرياض، وأوهام ، وطشاري، وسعار وسلالم النهار وصلصال، وفلتغفري ، وأحببتك أكثر مما تستحق ، وأنا أحيا ... وغيرها من الأعمال المشرقية كلهم مشارقة.... مقابل ذلك كانت المغاربيات أكثر انفتاحا وتخيلن في أعمالهن علاقات بين المرأة المغاربية والرجل المشرقي، وإن كن حريصات في اختيار الشريك بطريقة لا تسيء للمرأة المغاربية؛ فجمعت علاقة مغربية بعراقي مقيم في أنجلترا في رواية (طريق الغرام) للكاتبة المغربية ربيعة ريحان) فضلته على زوجها الشاذ، كما اختارت بطلة رواية (العمامة والطربوش) الجزائرية عشيقا من فلسطين مقيما بالجزائر وفضلت الموت على الارتباط برجل جزائري ، واختارت بطلة رواية (اكتشاف الشهوة) من الجزائر أيضا عشيقا من لبنان وفضلته على زوجها، وكذلك اختارت كاتبة رواية الملهمات فاتحة مورشيد لبطلها عشيقات من عدة جنسيات خارج المغرب والعالم العربي والأمثلة كثيرة ...




- [1] - ألقِـيتْ الخطوط العريضة لهذا المقال في ملتقى السرد الذي نظمته مؤسسة الكلمة في ميدنة الثقافة والفنون بآسفي يومي 27 و28 ماي 2016

[2] - المنسيون ربيعة البلغيثي منشورات مرسم 2013 ط1 ص 36 الرواية فائزة بجائزة القناة الثانية 2011/2012

[3] - رواية زينة . نوال السعداوي ص - 128

[4] - المصدر نفسه ص – 219

[5] - رواية اكتشاف الشهوة ، فضيلة الفاروق ص – 52

[6] - رواية بنات الرياض - ص – 29

[7] - رواية سلالم النهار فوزية شويش ص – 121

[8] - رواية الملهمات ص 179

[9] - رواية الملهمات - ص 180

[10] - رواية زينة لنوال السعداوي ص - 100

[11] - رواية اكتشاف الشهوة ص – 92

[12] - رواية اكتشاف الشهوة ص- 12

[13] - المصدر نفسه ص - 42

[14] - رواية زوج حذاء لعائشة ، نبيلة الزبير- ص – 34

[15] - رواية زوج حذاء لعائشة ص – 141 – 142

[16] - رواية زوج حذاء لعائشة ص – 167

[17] - رواية زوج حذاء لعائشة ص – 168

[18] - العمامة والطربوش ص – 13

[19] - رواية زينة لنوال السعداوي ص - 155

[20] - رواية سعار . بثينة العيسى - ص – 174

[21] - رواية زينة - ص – 140

[22] - رواية زينة - ص – 157

[23] - رواية زينة- ص - 122

[24] - سعار - ص – 115

[25] - سعار - ص – 114

[26] - رواية الملهمات - ص - 29

[27] - ص - 27

[28] - رواية الملهمات - ص - 91

[29] - وراء الفردوس - ص – 96

[30] - رواية العمامة والطربوش – ص – 76

[31] - بنات الرياض ص – 278

[32] - ص – 578

[33] - ص – 96

[34] - اكتشاف الشهوة ص 28

[35] - اكتشاف الشهوة - ص – 23

[36] - رواية أوهام - ص – 72

[37] - رواية العمامة والطربوش - ص – 80

[38] - رواية العمامة والطربوش - ص – 69

[39] - اكتشاف الشهوة ص – 13

[40] - رواية أوهام - ص – 76

[41] - وراء الفردوس ص – 56

[42] - رواية اكتشاف الشهوة - ص – 86

[43] - رواية اكتشاف الشهوة ص – 87

[44] - رواية العمامة والطربوش - ص – 29

[45] - رواية العمامة والطربوش - ص – 28

[46] - رواية العمامة والطربوش - ص – 31

[47] - صهيل النهر – بثينة خضر مكي – ص - 11

[48] - رواية بنات الرياض - ص – 62

[49] - رواية بنات الرياض - ص – 69

[50] - رواية بنات الرياض - ص – 69

[51] - رواية العمامة والطربوش - ص – 71

[52] - رواية .أحببتك أكثر مما ينبغي. أثير عبد الله النشمي دار الفرابي بيروت ط1 2009

[53] - رواية فلتغفري . أثير عبد الله النشمي دار الفراربي بيروت ط1 2013

[54] - أحببتك أكثر مما تستحق . أثير عبد الله النشمي ص 12

[55] - رواية يا دمشق وداعا – فسيفساء التمرد – غادة السمنان منشورات غادة السمان ط1 2015

[56] - ص – 128.




ذ. الكبير الداديسي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى