- التناص في الأدب الغربي :
إذا ما تتبعنا نشأة التناص وبداياته الأولى كمصطلح نقدي نجد أنه كان يرد في بداية الأمر ضمن الحديث عن الدراسات (اللسانية) وقد وضح مفهوم التناص العالم الروسي (ميخائيل باختين) من خلال كتابه (فلسفة اللغة) وعرف باختين التناص بأنه : (الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع في النصوص في استعادتها أو محاكاتها لنصوص أو لأجزاء من نصوص سابقة عليها)، وقد أفاد منه بعد ذلك العديد من الباحثين، حتى استوى مفهوم التناص بشكل تام على يد تلميذة باختيين الباحثة (جوليا كرستيفا)؛ وقد أجرت كرستيفا استعمالات إجرائية وتطبيقية للتناص في دراستها (ثورة اللغة الشعرية) وعرفت فيها التناص بأنه (التفاعل النصي في نص بعينه) كما ترى جوليا أن (كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات، وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى) .
ثم التقى حول هذا المصطلح عدد كبير من النقاد الغربيين وتوالت الدراسات حول التناص وتوسع الباحثون في تناول هذا المفهوم وكلها لا تخرج عن هذا الأصل، وقد أضاف الناقد الفرنسي (جيرار جينيت) لذلك أن حدد أصنافاً ستة للتناص، وهي :
1 - الاستشهاد: وهو الشكل الصريح للتناص .
2 - السرقة:وهو أقل صراحة .
3 - النص الموازي : علاقة النص بالعنوان والمقدمة والتقديم والتمهيد .
4 - الوصف النصي : العلاقة التي تربط بين النص والنص الذي يتحدث عنه .
5 - النصية الواسعة : علاقة الاشتقاق بين النص (الأصلي/القديم) والنص (الواسع/الجديد) .
6 - النصية الجامعة : العلاقة البكماء بالأجناس النصية التي يفصح عنها التنصيص الموازي.
وبعد ذلك اتسع مفهوم التناص وأصبح بمثابة ظاهرة نقدية جديدة وجديرة بالدراسة والاهتمام، وشاعت في الأدب الغربي ، ولاحقا انتقل هذا الاهتمام بتقنية التناص إلى الأدب العربي مع جملة ما انتقل إلينا من ظواهر أدبية ونقدية غربية ضمن الاحتكاك الثقافي .
ب- التناص في الأدب العربي القديم والمعاصر :
وإذا ما انتقلنا لمفهوم التناص ونشأته في الأدب العربي نجد أن مفهوم التناص هو مصطلح جديد لظاهرة أدبية ونقدية قديمة ؛ فظاهرة تداخل النصوص هي سمة جوهرية في الثقافة العربية حيث تتشكل العوالم الثقافية في ذاكرة الإنسان العربي ممتزجة ومتداخلة في تشابك عجيب ومذهل ، فالتأمل في طبيعة التأليفات النقدية العربية القديمة يعطينا صورة واضحة جدا لوجود أصول لقضية التناص فيها ، وقد اقتفى كثير من الباحثين العرب المعاصرين أثر التناص في الأدب والنقد العربي القديم فأظهروا وجوده فيه تحت مسميات أخرى وبأشكال تقترب بمسافة قد تكون ملاصقة للمصطلح الحديث، وقد أوضح ذلك الباحث المغربي الدكتور (محمد بنيس) حيث بين أن الشعرية العربية القديمة قد فطنت لعلاقة النص بغيره منذ الجاهلية وضرب مثلا للمقدمة الطللية، والتي تعكس شكلا لسلطة النص ( وقراءة أولية لعلاقة النصوص ببعضها وللتداخل النصي بينها) ؛فكون المقدمة النصية تقتضي ذات التقليد الشعري من الوقوف والبكاء وذكر الدمن وآثار منازل الضاعنين فهذا إنما يفتح أفقا واسعا لدخول القصائد في فضاء نصي متشابك ، ووجود تربة خصبة للتفاعل النصي بينها ..
وإذا استمرينا في تتبع أصول التناص في أدبنا القديم نجد أن (الموازنة) التي أقامها الآمدي بين (أبي تمام والبحتري) تعكس شكلا من أشكال التناص، وكذلك (المفاضلة) كما هو عند المنجم ، و(الوساطة بين المتنبي وخصومه) عند الجرجاني، ولما كانت السرقة كما يقول (جينيت) صنفا من أصناف التناص ؛ فإنه يمكننا اعتبار كتب النقاد القدامى (كسرقات أبي تمام) للقرطبلي، و (سرقات البحتري من أبي تمام) للنصيبي، و (الإبانة عن سرقات المتنبي) للحميدي، وغيرها... تظهر بشكل جلي مدى تأصل ظاهرة التناص في الشعر العربي القديم، وهذا لا يعد أمرا غريبا لأن التناص أمر لابد منه ، وذلك لأن العمل الأدبي يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة تماما مثل الكائن البشري، فهو لا يأتي من فراغ كما أنه لا يفضي إلى فراغ؛ إنه نتاج أدبي لغوي لكل ما سبقه من موروث أدبي، وهو بذرة خصبة تؤول إلى نصوص تنتج عنه .
وعلى الرغم من هذه الموازنات والسرقات والمعارضات والجدل الطويل الذي دار بين النقاد القدامى الذين درسوا هذه الظواهر التي تتفاوت فيها الصلة بين النص الجديد والنص القديم إلا أن هذا الجهد يدل على انشغال ببعض، وإدراك النقاد القدامى للغة والأسلوب من جهة وبنية الخطاب من جهة أخرى، وهكذا أنزلوا الأولى منزلة السرقة، والثانية منزلة الإجبار الذي هو شرط أسبق في بناء الخطاب، وبذلك يكونون قد أدركوا مفهوم التناص ووجوده الموضوعي .
وقد مر التناص في الأدب العربي ببدايات غنية تناسب عصوره القديمة وعاد من جديد للظهور متأثراً بالدراسات اللسانية الغربية الحديثة كمصطلح له أصوله ونظرياته وتداعياته، ففي الأدب العربي المعاصر حظي مفهوم التناص باهتمام كبير لشيوعه في الدراسات النقدية الغربية نتيجة للتفاعل الثقافي وتأثير المدارس الغربية في النقد والأدب العربي ، وكانت دراسة التناص في بداياتها قد اتخذت شكل الدراسة المقارنة وانصرفت عن الأشكال اللفظية والنحوية والأسلوبية والدلالية.
ويشير الدكتور (محمد مفتاح) إلى أن دراسة التناص في الأدب الحديث قد انصبت أول الأمر في حقول الأدب المقارن والمثاقفة، كما فعل (عزالدين المناصرة) في كتابه (المثاقفة والنقد المقارن : منظور شكلي)،
ثم دخل الباحثون العرب في إشكالية المصطلح نتيجة لاختلاف الترجمات والمدارس النقدية ، فمحمد بنيس يطلق عليه مصطلح (النص الغائب)، ومحمد مفتاح يسميه ب(التعالق النصي)حيث عرفه فقال ( التناص هو تعالق- الدخول في علاقة- نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة)، وقد أضاف النقاد المعاصرون الكثير من الإضافات حول مصطلح التناص ضمن جوهره، فعرفه (محمود جابر عباس) بإسهاب بأنه ( اعتماد نص- من النصوص- على غيره من النصوص النثرية أو الشعرية القديمة أو المعاصرة، الشفاهية، أو الكتابية، العربية أو الأجنبية، ووجود صيغة من الصيغ العلائقية والبنيوية والتركيبية والتشكيلية والأسلوبية بين النصين ) وقد توسع أيضاً بذكر التحولات التي تحدث في النص الجديد نتيجة تضمينه للنص الأصلي مع احتفاظ كل نص منهما بمزاياه وأصدائه، وتتركز قدرة الشاعر اللاحق على تعميق إيحاءات النص بحيث يعطيه أبعاداً جديدة .
كما عرفه الدكتور (أحمد الزعبي) بأنه-أي التناص- (أن يتضمن نص أدبي ما نصوص أو أفكاراً أخرى سابقة عليه).
إذا ما تتبعنا نشأة التناص وبداياته الأولى كمصطلح نقدي نجد أنه كان يرد في بداية الأمر ضمن الحديث عن الدراسات (اللسانية) وقد وضح مفهوم التناص العالم الروسي (ميخائيل باختين) من خلال كتابه (فلسفة اللغة) وعرف باختين التناص بأنه : (الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع في النصوص في استعادتها أو محاكاتها لنصوص أو لأجزاء من نصوص سابقة عليها)، وقد أفاد منه بعد ذلك العديد من الباحثين، حتى استوى مفهوم التناص بشكل تام على يد تلميذة باختيين الباحثة (جوليا كرستيفا)؛ وقد أجرت كرستيفا استعمالات إجرائية وتطبيقية للتناص في دراستها (ثورة اللغة الشعرية) وعرفت فيها التناص بأنه (التفاعل النصي في نص بعينه) كما ترى جوليا أن (كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات، وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى) .
ثم التقى حول هذا المصطلح عدد كبير من النقاد الغربيين وتوالت الدراسات حول التناص وتوسع الباحثون في تناول هذا المفهوم وكلها لا تخرج عن هذا الأصل، وقد أضاف الناقد الفرنسي (جيرار جينيت) لذلك أن حدد أصنافاً ستة للتناص، وهي :
1 - الاستشهاد: وهو الشكل الصريح للتناص .
2 - السرقة:وهو أقل صراحة .
3 - النص الموازي : علاقة النص بالعنوان والمقدمة والتقديم والتمهيد .
4 - الوصف النصي : العلاقة التي تربط بين النص والنص الذي يتحدث عنه .
5 - النصية الواسعة : علاقة الاشتقاق بين النص (الأصلي/القديم) والنص (الواسع/الجديد) .
6 - النصية الجامعة : العلاقة البكماء بالأجناس النصية التي يفصح عنها التنصيص الموازي.
وبعد ذلك اتسع مفهوم التناص وأصبح بمثابة ظاهرة نقدية جديدة وجديرة بالدراسة والاهتمام، وشاعت في الأدب الغربي ، ولاحقا انتقل هذا الاهتمام بتقنية التناص إلى الأدب العربي مع جملة ما انتقل إلينا من ظواهر أدبية ونقدية غربية ضمن الاحتكاك الثقافي .
ب- التناص في الأدب العربي القديم والمعاصر :
وإذا ما انتقلنا لمفهوم التناص ونشأته في الأدب العربي نجد أن مفهوم التناص هو مصطلح جديد لظاهرة أدبية ونقدية قديمة ؛ فظاهرة تداخل النصوص هي سمة جوهرية في الثقافة العربية حيث تتشكل العوالم الثقافية في ذاكرة الإنسان العربي ممتزجة ومتداخلة في تشابك عجيب ومذهل ، فالتأمل في طبيعة التأليفات النقدية العربية القديمة يعطينا صورة واضحة جدا لوجود أصول لقضية التناص فيها ، وقد اقتفى كثير من الباحثين العرب المعاصرين أثر التناص في الأدب والنقد العربي القديم فأظهروا وجوده فيه تحت مسميات أخرى وبأشكال تقترب بمسافة قد تكون ملاصقة للمصطلح الحديث، وقد أوضح ذلك الباحث المغربي الدكتور (محمد بنيس) حيث بين أن الشعرية العربية القديمة قد فطنت لعلاقة النص بغيره منذ الجاهلية وضرب مثلا للمقدمة الطللية، والتي تعكس شكلا لسلطة النص ( وقراءة أولية لعلاقة النصوص ببعضها وللتداخل النصي بينها) ؛فكون المقدمة النصية تقتضي ذات التقليد الشعري من الوقوف والبكاء وذكر الدمن وآثار منازل الضاعنين فهذا إنما يفتح أفقا واسعا لدخول القصائد في فضاء نصي متشابك ، ووجود تربة خصبة للتفاعل النصي بينها ..
وإذا استمرينا في تتبع أصول التناص في أدبنا القديم نجد أن (الموازنة) التي أقامها الآمدي بين (أبي تمام والبحتري) تعكس شكلا من أشكال التناص، وكذلك (المفاضلة) كما هو عند المنجم ، و(الوساطة بين المتنبي وخصومه) عند الجرجاني، ولما كانت السرقة كما يقول (جينيت) صنفا من أصناف التناص ؛ فإنه يمكننا اعتبار كتب النقاد القدامى (كسرقات أبي تمام) للقرطبلي، و (سرقات البحتري من أبي تمام) للنصيبي، و (الإبانة عن سرقات المتنبي) للحميدي، وغيرها... تظهر بشكل جلي مدى تأصل ظاهرة التناص في الشعر العربي القديم، وهذا لا يعد أمرا غريبا لأن التناص أمر لابد منه ، وذلك لأن العمل الأدبي يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة تماما مثل الكائن البشري، فهو لا يأتي من فراغ كما أنه لا يفضي إلى فراغ؛ إنه نتاج أدبي لغوي لكل ما سبقه من موروث أدبي، وهو بذرة خصبة تؤول إلى نصوص تنتج عنه .
وعلى الرغم من هذه الموازنات والسرقات والمعارضات والجدل الطويل الذي دار بين النقاد القدامى الذين درسوا هذه الظواهر التي تتفاوت فيها الصلة بين النص الجديد والنص القديم إلا أن هذا الجهد يدل على انشغال ببعض، وإدراك النقاد القدامى للغة والأسلوب من جهة وبنية الخطاب من جهة أخرى، وهكذا أنزلوا الأولى منزلة السرقة، والثانية منزلة الإجبار الذي هو شرط أسبق في بناء الخطاب، وبذلك يكونون قد أدركوا مفهوم التناص ووجوده الموضوعي .
وقد مر التناص في الأدب العربي ببدايات غنية تناسب عصوره القديمة وعاد من جديد للظهور متأثراً بالدراسات اللسانية الغربية الحديثة كمصطلح له أصوله ونظرياته وتداعياته، ففي الأدب العربي المعاصر حظي مفهوم التناص باهتمام كبير لشيوعه في الدراسات النقدية الغربية نتيجة للتفاعل الثقافي وتأثير المدارس الغربية في النقد والأدب العربي ، وكانت دراسة التناص في بداياتها قد اتخذت شكل الدراسة المقارنة وانصرفت عن الأشكال اللفظية والنحوية والأسلوبية والدلالية.
ويشير الدكتور (محمد مفتاح) إلى أن دراسة التناص في الأدب الحديث قد انصبت أول الأمر في حقول الأدب المقارن والمثاقفة، كما فعل (عزالدين المناصرة) في كتابه (المثاقفة والنقد المقارن : منظور شكلي)،
ثم دخل الباحثون العرب في إشكالية المصطلح نتيجة لاختلاف الترجمات والمدارس النقدية ، فمحمد بنيس يطلق عليه مصطلح (النص الغائب)، ومحمد مفتاح يسميه ب(التعالق النصي)حيث عرفه فقال ( التناص هو تعالق- الدخول في علاقة- نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة)، وقد أضاف النقاد المعاصرون الكثير من الإضافات حول مصطلح التناص ضمن جوهره، فعرفه (محمود جابر عباس) بإسهاب بأنه ( اعتماد نص- من النصوص- على غيره من النصوص النثرية أو الشعرية القديمة أو المعاصرة، الشفاهية، أو الكتابية، العربية أو الأجنبية، ووجود صيغة من الصيغ العلائقية والبنيوية والتركيبية والتشكيلية والأسلوبية بين النصين ) وقد توسع أيضاً بذكر التحولات التي تحدث في النص الجديد نتيجة تضمينه للنص الأصلي مع احتفاظ كل نص منهما بمزاياه وأصدائه، وتتركز قدرة الشاعر اللاحق على تعميق إيحاءات النص بحيث يعطيه أبعاداً جديدة .
كما عرفه الدكتور (أحمد الزعبي) بأنه-أي التناص- (أن يتضمن نص أدبي ما نصوص أو أفكاراً أخرى سابقة عليه).