كثير هي الأقلام التي تخط قصيدة النثر،ربما أن الناثر قد يجد فضاء واسعا يطلق فيه أفكاره،فلا يقيده وزن أو قافية ولا تحاصره زحافات أو علل.
وإن كان النقد الحديث قد التبس عليه ماهية القصيدة النثرية من القصيدة الحرة خاصة عند ضعاف النقاد.!
فقد تكون قصيدة النثر لها إيقاع وقد تكون مقفاة فيالتبس على بعض النقاد إذا ما كانت القصيدة نثرية أو حرة.
وإن كانت القصيدة الحرة قصيدة لها نظامها وتفعيلاتها.
وفي تعريف الشعر عند النقاد،هو الكلام الموزون المقفى،وإذا كان النقد قد عرف الشعر وبوتقه في هذه البوتقة فإنه خاطئ؛لأن هذا المفهوم لا يعطي الشعر تعريفه الحقيقي.
فلا أحد من النقاد قد قال..إن وزن القصيدة هو سر روعتها وجودتها،وإن كان ذلك كذلك لكانت أليفة ابن مالك تضاهي نصف ما نظمه الشعراء.!
والحقيقة أن أجود الشعر ما جادت به القريحة الصادقة والعاطفة الجياشة والمشاعر الملتهبة.
وكثيرا ما قرأنا لشعراء نصوصا موزونة،وإن كانت كذلك فقد يبدو عليها ملامح البرود وموت العاطفة فجاءت ثقيلة على الأسماع فمات إحساس الناس بها.!
قد نقرأ قصيدة نثرية راقية تحمل ما تحمل من الصور الفنية والمجانسة اللفظية وجودة الإيقاع،وربما تعطي إحساسا دافئا وإيقاعا موسيقيا رائعا،وقد يبدو للسامع أن ما سمعه كان شعرا لا نثرا،،وإن لم تكن قصيدة شعرية فهي قريبة إلى قلب الشعر،،فلا بد أن للشعر نقيضا يقابله.
وقد نظم الشعراء القدامى أشعارهم دون أدنى معرفة بالعروض ومصطلحاته.
وقد قيل: إن شعرية النص تخلق الوزن وليس الوزن هو الذي يخلق شعرية النص.!
وهذا الأصمعي على جلالته اللغوية ومكانته الأبية قد تعسر عليه علم العروض،ومن طريف ما ذكر أن الخليل ابن أحمد ناشئ هذا العلم وواضعه كان يعلم الأصمعي كيف يقطع بيتا من الشعر،،فتعسر ذلك على الأصمعي،فقال له الخليل يشعره أنه لا يصلح لهذا الفن.
ولسنا ننكر أن علم العروض علم جاف يعسر تعلمه على من لم يمتلك الحس الشعري والأذن الموسيقية المرهفة،وقد اعترف النقاد بذلك.
قال أ.د. الناقد غازي يموت في كتابه"بحور الشعر العربي عروض الخليل"
"ولسنا نزعم أن معرفة هذا العلم أمر سهل،فالصعوبة فيه واضحة يراها المعلم قبل الطالب،ويلمحها الأستاذ في عيون تلاميذه أسئلة حيرى واستفسارات محكومة بالخوف والقلق،فالمعلم حين يقوم بتدريس هذه المادة
يستشعر أجواء اليأس في محيا الغالبية العظمى من الطلاب،فهم يكرهونها ويحاولون الهروب منها؛لأنها في اعتقادهم مادة صعبة معقدة لا جدوى من دراستها ولا أمل في اكتسابها والفلاح فيها"!.
والحقيقة أن ليس كل الناس لها أذن مرهفة وحس شعري راق،فأذهان الناس ملكات وقدرات،مواهب وهبات.
وكثير من الأعلام في ميادين اللغة قد ينبغون في جوانب من اللغة فيأخذون ما يروق لعقولهم وما تستوعبه أذهانهم، ويتركون ما يثقل قريحتهم في طريق الإبداع والوصول.
ولكي نكون منصفين أن قصيدة النثر مهما بلغت أوجها وذروتها لا تحظى كما يحظى الشعر خاصة في المحافل الأدبية والمؤتمرات الشعرية.
ولكي نكون منصفين أيضا أن كثيرا من الشعراء قد نظموا قصائد جميلة.
وقد نجد في بعض نصوصهم قصائد لا ترتقي حتى أن نسميها قصيدة أو كتابة نص؛لفقدها العاطفة والخيال الجامح فغدت ثقيلة على الأسماع.
وإن كان يتخللها الوزن والقافية،لكن ماتت فيها العاطفة فمات إحساس الناس بها،،والشعر الحقيقي ما أشعرك..!
وإن كان الباب مفتوحا أمام النقد للمجاملات،فإننا للأسف نعيش عصر نهضة نقدية لا نهضة فيها،،فليس كل ما يقوله النقد على قصائد أصحابها تسمو بها،فمن نقد إلى نقد يختلف الذوق،كما قد يكون الداء واحدا مع اختلاف الدواء.!
وقد تأتي لتعرض على الناقد نصوصك،فإذا كنت فتاة جميلة فالنص لا بد أن يكون جميلا استحسانا بجمالك أيتها الفتاة..!!
وإن كنت شابا يستعرض النقد عضلاته على حساب نصوصك،،وللأسف ليس لدينا حركة نقدية بالمعنى المنهجي،،فغدا النقد أداة تشريح في أيدي كثيرين..!!
وإن كان المجهر النقدي لا يرى الخلايا النصوصية بعين نقدية بصيرة فإننا خالفنا من زمن بعيد كل التيارات النقدية الصدئة،والباب مفتوح لشاعر قد يأتي فجأة تراه يتصدر الفضائيات ويرتقي المنابر الأدبية،وهو لا يمت للشعر صلة،،فإننا نعيش في زمن مجحف إن لم يكن أهله المجحفين.!
وبما أنني أتكلم عن قصيدة النثر بحكم ما عنونته،،ولست منحازا إلى النثر بقدر ما أنني منحاز إلى الشعر؛ولكنني أريد أن أنصف هذين من هذين.!!
وبحكم الحداثة والعصرنة احتلت أقلام الكتاب خاصة من الشباب قصيدة النثر أو ما يسمى بالقصيدة الرومانسية بعيدا عن التقليدية والكلاسيكية القديمة.
ومن عادة القلم يحب التنوع حتى في الألم.!!
كثير من الأقلام الشابة لديها القدرة على كتابة قصيدة النثر بعدين عن الشعر نظما ووزنا وقافية.
وبما أنه يعتقد أن الكتابة تكون وليدة لحظة إلهام تأتي فجأة دون سابق إنذار،،فتراه ينشط للكتابة وهو لا يفكر أن سلطة ما ستوقفه على حاجز القصيدة،،بعكس القصيدة الشعرية فهناك حاجز لا بد أن يوقفه على حاجز القصيدة..!!
وكثير من أصحاب النصوص النثرية بقيت نصوصهم رهينة الأدراج لم تخرج إلى الهواء بسبب أن يقال لها إنك غير موزونة أيتها القصيدة..!!
فتراه يكتب لنفسه لا يكتب للآخرين،،وإن كان ذلك كذلك فإننا نبشره أن ما خرج منك هو لك، لكن عليك أيضا أن تشعر الناس بما تشعر به أنت،،وربما ألم تعانيه يشعر به غيرك دون أن يكون فيه..!!
الأصل في الكتابة هو الخيال،،فالخيال يجسد الكتابة ويعطي الكاتب أبعادا يقرأها لا يقرأها في الواقع.
فليس مسمى قصيدة نثرية معناه عليك أن تكتب ما تحس فقط،،لكن عليك أن تقرأ خاطرك جيدا قبل الكتابة، هل يصلح ما أحسه أن أجسده قصيدة نثرية.
فلا بد أن يكون الإحساس صادقا كي تكون الكتابة صادقة ولا بد أن تكون الألفاظ دافئة كي تكون الكتابة دافئة.
صحيح أنك بحاجة إلى كتابة شيء ما،فالحاجة وحدها لا تكفي فكل لديه ما يقول لكن عليه كيف يكون.
السر في روعة القصيدة نثرية كانت أو شعرية هو استحضار العقل مع القدرة على الطاقة والعطاء والإحساس والخيال والقدرة الفنية على الصياغة اللفظية وتوظيف العبارات توظيفا كتابيا مع المهارة في استخدام البلاغة والصور والأخيلة والمجانسة اللفظية،،فالشعر يعني التنفس بلغة "الإسكيمو".
وهذا نزار قباني عندما ثار عليه النقد فجأة وقد أحس أن زيتهم أوشك من اقتراب النار قال قولته:"لو اعتمد نقادنا على شعرائنا لتحولوا إلى بائعي فلافل..!!".
وهذا أبو العتاهية الشاعر الزاهد عندما ثار عليه النقد قال:"أنا أكبر من العروض...!!
وفي تعريف قصيدة النثر عند سوزان برنار:
تقول:"إن قصيدة النثر قطعة موجزة بما فيه الكفاية،موحدة،مضغوطة،كقطعة من بلور،خلق حر،ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجا عن كل تحديد،وشيء مضطرب إيحاءاته لا نهائية".
ولسنا ننكر أن فكرة الشعر الحر ما هي إلا وليدة القرن العشرين فجرتها نازك الملائكة ومهدت لها في كتابها"قضايا الشعر المعاصر".
والحقيقة أن قصيدة النثر سابقة قديمة على قصيدة الحرة،،فالقصيدة النثرية موجودة مع وجود الشعر قديما وقد وصلنا نثرا من خطب وقصص وأخبار.
فلماذا نتحامل إذن على قصيدة النثر؟!
يقول أنسي الحاج أحد رواد قصيدة النثر:
"هل يمكن أن نخرج من النثر قصيدة؟ أجل، فالنظم ليس هو الفرق الحقيقي بين النثر والشعر، لقد قدمت جميع التراثات الحية شعرا عظيما في النثر ولا تزال،وما دام الشعر لا يعرف بالوزن والقافية، فليس ما يمنع أن يتألف من النثر شعر، ومن شعر النثر قصيدة نثر".
وبالتالي فإن الشعر المنثور أو قصيدة النثر ما هي إلا إيجاز مشاعر في كلمات.
يقول أمين الريحاني"دعى هذا النوع من الشعر الجديد. بالفرنسيةVers Libres وبالإنجليزية Free Verse أي الشعر الحر الطليق ،، وهو آخر ما اتصل إليه الارتقاء الشعري عند الإفرنج وبالأخص عند الإنجليز والأمريكيين. فشكسبير أطلق الشعر الإنجليزي من قيود القافية. وولت وتمن Walt Waiman الأمريكي أطلقه من قيود العروض كالأوزان الاصطلاحية والأبحر العرفية،،على أن لهذا الشعر الطليق وزنا جديدا مخصوصا وقد تجيء القصيدة فيه من أبحر عديدة متنوعة".
البنية الإيقاعية في قصيدة النثر والموسيقى الداخلية:
لسنا نختلف أن قصيدة النثر لها إيقاع كما في قصيدة الحرة وقد تكون مقفاة وقد تعطي دلالة نغمية كما في قصيدة الحرة،،فهي لا تقل أهمية،،فالوزن في القصيدة ليس كافيا فما هو إلا نغم يضبط القصيدة بحيث لا تتعدى هذا النظام الذي يحصرها،،فليس الوزن هو الذي يعطي للقصيدة جمالها بل هو سمة من سمات عدة،،فهناك ما يعوض عن الوزن في القصيدة النثرية.
فالموسيقى الداخلية في بناء القصيدة النثرية قد تعطي إيحاء وشكلا جميلا للقصيدة كما تعطي الموسيقى الخارجية للقصيدة الحرة أو العمودية شكلا آخر وزنا وقافية.
والموسيقى الداخلية ما هي إلا نابعة من اختيار الكاتب لمفرداته وصياغتها فنيا بحيث يضفي على القصيدة جمالها،،وقد جاء الاهتمام بالإيقاع الداخلي
قديما في كتب البلاغة العربية.
وقصيدة النثر ما هي إلا مخالفة للنظام العروضي في القصيدة التقليدية أو الحرة،،فقصيدة النثر هي تلك القصيدة التي تستمد مقوماتها من نظام العلاقة الداخلية التي تؤسس بالفعل بنية النص.
* كارم قديح كاتب وباحث لغوي
وإن كان النقد الحديث قد التبس عليه ماهية القصيدة النثرية من القصيدة الحرة خاصة عند ضعاف النقاد.!
فقد تكون قصيدة النثر لها إيقاع وقد تكون مقفاة فيالتبس على بعض النقاد إذا ما كانت القصيدة نثرية أو حرة.
وإن كانت القصيدة الحرة قصيدة لها نظامها وتفعيلاتها.
وفي تعريف الشعر عند النقاد،هو الكلام الموزون المقفى،وإذا كان النقد قد عرف الشعر وبوتقه في هذه البوتقة فإنه خاطئ؛لأن هذا المفهوم لا يعطي الشعر تعريفه الحقيقي.
فلا أحد من النقاد قد قال..إن وزن القصيدة هو سر روعتها وجودتها،وإن كان ذلك كذلك لكانت أليفة ابن مالك تضاهي نصف ما نظمه الشعراء.!
والحقيقة أن أجود الشعر ما جادت به القريحة الصادقة والعاطفة الجياشة والمشاعر الملتهبة.
وكثيرا ما قرأنا لشعراء نصوصا موزونة،وإن كانت كذلك فقد يبدو عليها ملامح البرود وموت العاطفة فجاءت ثقيلة على الأسماع فمات إحساس الناس بها.!
قد نقرأ قصيدة نثرية راقية تحمل ما تحمل من الصور الفنية والمجانسة اللفظية وجودة الإيقاع،وربما تعطي إحساسا دافئا وإيقاعا موسيقيا رائعا،وقد يبدو للسامع أن ما سمعه كان شعرا لا نثرا،،وإن لم تكن قصيدة شعرية فهي قريبة إلى قلب الشعر،،فلا بد أن للشعر نقيضا يقابله.
وقد نظم الشعراء القدامى أشعارهم دون أدنى معرفة بالعروض ومصطلحاته.
وقد قيل: إن شعرية النص تخلق الوزن وليس الوزن هو الذي يخلق شعرية النص.!
وهذا الأصمعي على جلالته اللغوية ومكانته الأبية قد تعسر عليه علم العروض،ومن طريف ما ذكر أن الخليل ابن أحمد ناشئ هذا العلم وواضعه كان يعلم الأصمعي كيف يقطع بيتا من الشعر،،فتعسر ذلك على الأصمعي،فقال له الخليل يشعره أنه لا يصلح لهذا الفن.
ولسنا ننكر أن علم العروض علم جاف يعسر تعلمه على من لم يمتلك الحس الشعري والأذن الموسيقية المرهفة،وقد اعترف النقاد بذلك.
قال أ.د. الناقد غازي يموت في كتابه"بحور الشعر العربي عروض الخليل"
"ولسنا نزعم أن معرفة هذا العلم أمر سهل،فالصعوبة فيه واضحة يراها المعلم قبل الطالب،ويلمحها الأستاذ في عيون تلاميذه أسئلة حيرى واستفسارات محكومة بالخوف والقلق،فالمعلم حين يقوم بتدريس هذه المادة
يستشعر أجواء اليأس في محيا الغالبية العظمى من الطلاب،فهم يكرهونها ويحاولون الهروب منها؛لأنها في اعتقادهم مادة صعبة معقدة لا جدوى من دراستها ولا أمل في اكتسابها والفلاح فيها"!.
والحقيقة أن ليس كل الناس لها أذن مرهفة وحس شعري راق،فأذهان الناس ملكات وقدرات،مواهب وهبات.
وكثير من الأعلام في ميادين اللغة قد ينبغون في جوانب من اللغة فيأخذون ما يروق لعقولهم وما تستوعبه أذهانهم، ويتركون ما يثقل قريحتهم في طريق الإبداع والوصول.
ولكي نكون منصفين أن قصيدة النثر مهما بلغت أوجها وذروتها لا تحظى كما يحظى الشعر خاصة في المحافل الأدبية والمؤتمرات الشعرية.
ولكي نكون منصفين أيضا أن كثيرا من الشعراء قد نظموا قصائد جميلة.
وقد نجد في بعض نصوصهم قصائد لا ترتقي حتى أن نسميها قصيدة أو كتابة نص؛لفقدها العاطفة والخيال الجامح فغدت ثقيلة على الأسماع.
وإن كان يتخللها الوزن والقافية،لكن ماتت فيها العاطفة فمات إحساس الناس بها،،والشعر الحقيقي ما أشعرك..!
وإن كان الباب مفتوحا أمام النقد للمجاملات،فإننا للأسف نعيش عصر نهضة نقدية لا نهضة فيها،،فليس كل ما يقوله النقد على قصائد أصحابها تسمو بها،فمن نقد إلى نقد يختلف الذوق،كما قد يكون الداء واحدا مع اختلاف الدواء.!
وقد تأتي لتعرض على الناقد نصوصك،فإذا كنت فتاة جميلة فالنص لا بد أن يكون جميلا استحسانا بجمالك أيتها الفتاة..!!
وإن كنت شابا يستعرض النقد عضلاته على حساب نصوصك،،وللأسف ليس لدينا حركة نقدية بالمعنى المنهجي،،فغدا النقد أداة تشريح في أيدي كثيرين..!!
وإن كان المجهر النقدي لا يرى الخلايا النصوصية بعين نقدية بصيرة فإننا خالفنا من زمن بعيد كل التيارات النقدية الصدئة،والباب مفتوح لشاعر قد يأتي فجأة تراه يتصدر الفضائيات ويرتقي المنابر الأدبية،وهو لا يمت للشعر صلة،،فإننا نعيش في زمن مجحف إن لم يكن أهله المجحفين.!
وبما أنني أتكلم عن قصيدة النثر بحكم ما عنونته،،ولست منحازا إلى النثر بقدر ما أنني منحاز إلى الشعر؛ولكنني أريد أن أنصف هذين من هذين.!!
وبحكم الحداثة والعصرنة احتلت أقلام الكتاب خاصة من الشباب قصيدة النثر أو ما يسمى بالقصيدة الرومانسية بعيدا عن التقليدية والكلاسيكية القديمة.
ومن عادة القلم يحب التنوع حتى في الألم.!!
كثير من الأقلام الشابة لديها القدرة على كتابة قصيدة النثر بعدين عن الشعر نظما ووزنا وقافية.
وبما أنه يعتقد أن الكتابة تكون وليدة لحظة إلهام تأتي فجأة دون سابق إنذار،،فتراه ينشط للكتابة وهو لا يفكر أن سلطة ما ستوقفه على حاجز القصيدة،،بعكس القصيدة الشعرية فهناك حاجز لا بد أن يوقفه على حاجز القصيدة..!!
وكثير من أصحاب النصوص النثرية بقيت نصوصهم رهينة الأدراج لم تخرج إلى الهواء بسبب أن يقال لها إنك غير موزونة أيتها القصيدة..!!
فتراه يكتب لنفسه لا يكتب للآخرين،،وإن كان ذلك كذلك فإننا نبشره أن ما خرج منك هو لك، لكن عليك أيضا أن تشعر الناس بما تشعر به أنت،،وربما ألم تعانيه يشعر به غيرك دون أن يكون فيه..!!
الأصل في الكتابة هو الخيال،،فالخيال يجسد الكتابة ويعطي الكاتب أبعادا يقرأها لا يقرأها في الواقع.
فليس مسمى قصيدة نثرية معناه عليك أن تكتب ما تحس فقط،،لكن عليك أن تقرأ خاطرك جيدا قبل الكتابة، هل يصلح ما أحسه أن أجسده قصيدة نثرية.
فلا بد أن يكون الإحساس صادقا كي تكون الكتابة صادقة ولا بد أن تكون الألفاظ دافئة كي تكون الكتابة دافئة.
صحيح أنك بحاجة إلى كتابة شيء ما،فالحاجة وحدها لا تكفي فكل لديه ما يقول لكن عليه كيف يكون.
السر في روعة القصيدة نثرية كانت أو شعرية هو استحضار العقل مع القدرة على الطاقة والعطاء والإحساس والخيال والقدرة الفنية على الصياغة اللفظية وتوظيف العبارات توظيفا كتابيا مع المهارة في استخدام البلاغة والصور والأخيلة والمجانسة اللفظية،،فالشعر يعني التنفس بلغة "الإسكيمو".
وهذا نزار قباني عندما ثار عليه النقد فجأة وقد أحس أن زيتهم أوشك من اقتراب النار قال قولته:"لو اعتمد نقادنا على شعرائنا لتحولوا إلى بائعي فلافل..!!".
وهذا أبو العتاهية الشاعر الزاهد عندما ثار عليه النقد قال:"أنا أكبر من العروض...!!
وفي تعريف قصيدة النثر عند سوزان برنار:
تقول:"إن قصيدة النثر قطعة موجزة بما فيه الكفاية،موحدة،مضغوطة،كقطعة من بلور،خلق حر،ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجا عن كل تحديد،وشيء مضطرب إيحاءاته لا نهائية".
ولسنا ننكر أن فكرة الشعر الحر ما هي إلا وليدة القرن العشرين فجرتها نازك الملائكة ومهدت لها في كتابها"قضايا الشعر المعاصر".
والحقيقة أن قصيدة النثر سابقة قديمة على قصيدة الحرة،،فالقصيدة النثرية موجودة مع وجود الشعر قديما وقد وصلنا نثرا من خطب وقصص وأخبار.
فلماذا نتحامل إذن على قصيدة النثر؟!
يقول أنسي الحاج أحد رواد قصيدة النثر:
"هل يمكن أن نخرج من النثر قصيدة؟ أجل، فالنظم ليس هو الفرق الحقيقي بين النثر والشعر، لقد قدمت جميع التراثات الحية شعرا عظيما في النثر ولا تزال،وما دام الشعر لا يعرف بالوزن والقافية، فليس ما يمنع أن يتألف من النثر شعر، ومن شعر النثر قصيدة نثر".
وبالتالي فإن الشعر المنثور أو قصيدة النثر ما هي إلا إيجاز مشاعر في كلمات.
يقول أمين الريحاني"دعى هذا النوع من الشعر الجديد. بالفرنسيةVers Libres وبالإنجليزية Free Verse أي الشعر الحر الطليق ،، وهو آخر ما اتصل إليه الارتقاء الشعري عند الإفرنج وبالأخص عند الإنجليز والأمريكيين. فشكسبير أطلق الشعر الإنجليزي من قيود القافية. وولت وتمن Walt Waiman الأمريكي أطلقه من قيود العروض كالأوزان الاصطلاحية والأبحر العرفية،،على أن لهذا الشعر الطليق وزنا جديدا مخصوصا وقد تجيء القصيدة فيه من أبحر عديدة متنوعة".
البنية الإيقاعية في قصيدة النثر والموسيقى الداخلية:
لسنا نختلف أن قصيدة النثر لها إيقاع كما في قصيدة الحرة وقد تكون مقفاة وقد تعطي دلالة نغمية كما في قصيدة الحرة،،فهي لا تقل أهمية،،فالوزن في القصيدة ليس كافيا فما هو إلا نغم يضبط القصيدة بحيث لا تتعدى هذا النظام الذي يحصرها،،فليس الوزن هو الذي يعطي للقصيدة جمالها بل هو سمة من سمات عدة،،فهناك ما يعوض عن الوزن في القصيدة النثرية.
فالموسيقى الداخلية في بناء القصيدة النثرية قد تعطي إيحاء وشكلا جميلا للقصيدة كما تعطي الموسيقى الخارجية للقصيدة الحرة أو العمودية شكلا آخر وزنا وقافية.
والموسيقى الداخلية ما هي إلا نابعة من اختيار الكاتب لمفرداته وصياغتها فنيا بحيث يضفي على القصيدة جمالها،،وقد جاء الاهتمام بالإيقاع الداخلي
قديما في كتب البلاغة العربية.
وقصيدة النثر ما هي إلا مخالفة للنظام العروضي في القصيدة التقليدية أو الحرة،،فقصيدة النثر هي تلك القصيدة التي تستمد مقوماتها من نظام العلاقة الداخلية التي تؤسس بالفعل بنية النص.
* كارم قديح كاتب وباحث لغوي