عرف الشاعر الجاهلي النص الشعري برؤاه المتنوعة، والتي فرضتها حياته الاجتماعية والثقافية، وأغلق النص بعناصر متآزرة متوافقة تصب في قالب دلالي واحد، رغم تباين بعض الرؤى العضوية شكلاً، إلا أن المضمون أو المعنى الأدبي حافظ على تمسكه وهذا ما جعله خالداً عبر العصور.. يحتفظ ببريقه ولمعان تكوّنه وسيظل مثار جدل القدامى والمحدثين.
المثير أن هذه اللازمة الموسيقية قديماً في الموشحات الأندلسية كانت تأتي لتؤكد البناء الموسيقي إلى أن أصبحت في يوم من الأيام تقوم عليها دلالة النص الشعري فتتردد في النص إلى نهايته رغم أنها استوفت المعنى من أول مقطع كما هو الحال عند كثير من شعراء العامية في اليمن.
وقد استخدم هذه التقنية الموسيقية واللازمة، محمد حسين هيثم بشكل واضح في عدد من نصوصه في استدراكات الحفلة، وعلى سبيل المثال اللازمة في قصيدة (هذه الرأس) تتكرر إلى نهاية النص.
ونقطة الإثارة في القصيدة العربية مبهمة لشحة التنظير النقدي المصاحب لهذه القصيدة ولغياب القارئ النموذجي لأنه يتستر خلف الأشكال القديمة السائدة.. وقصائد النثر الأوروبية تسكنها قوتان: الأولى قوة فوضوية أتت من فلسفة التجريب والتدمير لما هو كائن وهي تتنكر للأشكال الموجودة في الساحة، وتتناسب مع الفوضوية المعيشية في حياة المجتمعات الأوروبية، وفيها تعارض مع ثقافة المجتمع العربي المحافظ، فأخذ الشكل فقط ولم تنتقل الفوضوية بشكل راقٍ في النصوص العربية.. الثانية قوة منظمة تقوم ببناء النص كلياً شعرياً مترابطاً رغم الفوضى، هذا الترابط كما أسلفنا الوحدة العضوية ويؤكد وجود قطبية حساسة جداً فيها، وسواءً كان الشعراء منجذبين نحو قطب النظام، أو منجذبين نحو قطب الفوضى، وهو سر الخلاف بين كتاب قصيدة النثر أنفسهم، ولن يتوقف إلا بوعي سمي من قبل الكتَّاب بسر هذه المهنة أي أنها تقوم على الجدليات والثنائيات لأنها تتلاعب على نحو صريح بالغموض المعجمي، وهذه اعتمد عليها الكثير من الشعراء كذلك تشي عن الصراع النفسي الذي يشكل النص، ويجمع ماضي الشخصية بحاضرها في آنٍ واحد، وهذه الثنائيات ترسخ مبدأ الحضور والغياب ودلالات الارتباط بإحداها وطغيانها في النص الأدبي.
ولقصيدة النثر طريقتها المتسلسلة في النضج، فهي ليست طفرة نشأت فجأة في الأدب، إذ بدأت بكتابة إيقاعية حساسة مع تذكيرات ولازمات وجناسات استهلالية متعددة، شيءٌ ما متموج ومتقلب كشعر العبرانيين.. وكما حددها ستيوارت ميريل (14) لكنها في الشعر العربي لم تتطور كتطور هذا النموذج الأوروبي، وأكد ذلك أن تكون مواضيعها منتقاة تتلاءم مع اللون والموسيقى، لأن منشأها اللوحة الفنية ومصاحبتها للرمزية والسوريالية.. وجاءت أكثر حرية من الشعر الغنائي لذلك فهي متأثرة بالحرية إلى درجة كبيرة.. وجاءت كذلك مصاحبة للتغيرات القرائية الفلسفية للفن.. والشعراء العرب نقلوها دفعة واحدة بكل سرها وغموضها، لذلك أتت مرتبطة بأشخاص اختلف تأثيرهم الشخصي النموذجي.
وتعدد المظاهر الحياتية يسمح بموضوعية أكثر للقصيدة ويدخل بها إلى بلاط المغايرة الموضوعية الحقيقية.. فقد أتت ترصد كل ما يمكن أن تقع عليه العين لتعيد تشكيله من جديد في رؤية تجمع حيادية التفسير والتعليل لدى الشاعر.. ولا شك أن المظهرية الإعلانية سطت على كل ما هو بارز في الساحة، لذا كان أخذها نمذجة بشاشة النص ليعرض عليك رؤيته وليجمع لك صورةً صهرت بعملية المونتاج وأصبحت تعبر عن رؤية المجتمع الفلسفية وطبيعة الحركة النفسية لدى الفرد.. وكأنها تغليف لهدية ما.. وأنت لا تعرف قيمة الهدية وكنهها، فلماذا الاستغراب من سذاجة الرؤية في قصيدة النثر؟ ولماذا نجعل الحياة المعيشة في جهة وهويتها الثقافية وآثارها في جهة أخرى.
وللتأمل إن الركائز الأساسية في بنية قصيدة النثر –الجانب اللغوي- اعتمادها على بنية الجمع بين الإجراءات المتناقضة، أي أنها تعتمد أساساً على فكرة النضال اللغوي وتقوم على التعويض الشعري، لأن الأنموذج القديم للشعر يكون قد تلاشى تماماً، وهناك عوامل عدة تتآزر فيما بينها وتصب في قالب واحد يعتبر هو الفاعلية الجمالية للقصيدة، وهذه العوامل هي:
1- تعطيل الأوزان العروضية المتداولة، وهو سبب الأزمة الرئيسية في الشعر سواء الأوروبي (الفرنسي) أو العربي، لأن الذائقة الكلاسيكية، كانت قد ثبتت هذه الرؤية، ومن خرج عن الوزن الخليلي تصبه لعنة النقاد.. شعراء هذه القصيدة يريدون أن يكسروا صنمية الوزن وكتابة نموذج شعري جديد غير ما ألفه الأولون امتداداً لحركة الحداثة الشاملة في كل جزئيات الحياة.
2- تفعيل أقصى الطاقات الشعرية الممكنة، وذلك من خلال استحضار كل عناصر الإدهاش في القصيدة سواء من خلال الشكل وما ينطوي تحته أو الرؤية أو المعنى وتأويلاته، وما إلى ذلك من مجاز وعناصر تركيز لغوي غير مألوف.. كذلك التغييرات الدلالية المختلفة.
3- إبراز الاختلاف الدلالي الحاد، وهذا الاختلاف الدلالي يندرج في إطار البنية العلاماتية لنخرج بسمة هي ناتج دلالي آخر أو معنى دلالي نصي، ويكون على مستوى البنية الداخلية في المقطع، ويختص بسيميائية المفردة وتعالقها بغيرها في السياق اللغوي.. وهذه الخاصية تعمق التأمل في بؤرة النص وكيف تكونت دلالياً بمعطيات التبلور البنيوي للدَّالات.
هذه العوامل الثلاثة قامت لتأخذ طريقها إلى أرض الواقع القرائي بعدما كانت القصيدة بوتقة الصراع الفكري بين النقاد الأوروبيين، وهي ما يمكن أن تعتمد عليها في طرح مشروع قرائي عربي هذا الأنموذج.. ولو حاول الشعراء احتذاء هذه الآليات أو القوانين لما كابدوا كثيراً، لأنهم بهذا يمهدون للقارئ استيعاب هذا التجريب الشعري.. والذي حدث أنهم ألهبوا ظهر القارئ بسياط التجريب قبل أن يدان القارئ فكيف تريدني أن أتقبل منك هذا؟ حدث مثل ذلك تماماً عند القارئ الفرنسي والألماني وثارا على النوع الجديد.
ولا أخفيك أن القصيدة العربية لم تواكب أية أطروحات فلسفية حياتية لكنها بفعل التأثير الأدبي انتقلت إلينا.. ومن بداية القرن العشرين إلى الخمسينيات توالت الحركات الأدبية التي صاحبها تنظير نقدي ركيك لا يتطلع إلى الأبعاد الفكرية والمقولات الفلسفية السائدة في العالم، وحاول النقاد أن يشقوا لهم طريقاً ليفرقوا بين المدارس الأدبية، وإن لم يشعر بها القارئ في مجتمع اختلطت فيه الرؤى الثلاث.
كل ما في الأمر أن اللغة لم تثبت وظيفتها عند العلماء الأوائل، وباختلاف المجتمعات اللغوية اختلفت النظرة إلى ذلك ولم تكن مستقرة أيضاً في تعريف الحداثيين الفرنسيين في أنها –أي اللغة- وسيلة للتعبير.. وهنا تجاهلٌ لعلم اللغة العام بخلاف النظرة المتأخرة، أي مواكبة لنظرة العلماء الذين يؤمنون بأنها غاية في ذاتها ولذاتها.. وهي الرؤية الضرورية بالنسبة للنقاد لأنهم حولوها من علم اللغة إلى النص الأدبي.. وأصبح اللعب بالتكوينات النصية عبر اللغة قضية مهمة جداً في هذا العصر، مصاحبة لما ورد من نصوص حديثة في عصر بودلير ولوتر يامون وميشو..
كذلك أصبحت اللغة وسيلة كتابية وليست نطقية فقط وأصبح النص الحديث مليئاً بالفراغات والأساليب الكتابية التي تؤول تبعاً للتكون الدلالي الأولي المتشكل من السطر أو الجملة.
ولو عمدنا إلى الخطاب في هذه القصيدة لرأينا موضوعات كالتالي : (1) إطار. (2)حدث. (3)خاتمة (15).. وهي أطروحة لا تفصل رؤية النص عن شكله الخارجي، بل نرى أن الرؤية النصية لا بد أن تتعاضد مع مكونات النص المقطعية حتى يسهل توزيع الفقرات على خيط دلالي متحد، وبهذه الموضوعات لا ننسى العامل الطباعي لأنه يوزع الدلالة كيفما يشاء النَّاص، وكلها تندرج تحت قضية الإطار لأنه يحدد شكل النص ولا يمكن تعديه.
وما جاء من حدث فهو لمتابعة سير التطور النصي حتى يكون الخطاب قد استوفى مقصده الكتابي ولأنه لغة سائرةٌ نحو المنطق الدلالي، أوجد لها خاتمة تحميها من التيه والخروج إلى مزالق غير متوقعة تفقد بريقها فيها، وتحديد علاقته بالبلاغية جعل النص يحشد صوراً بالغة الأهمية مثل السخرية والتهكم والمحاكاة.. ويخلق أيضاً مفارقة غير معهودة في العمل الأدبي تتكئ عليها القصيدة المعنية.
ولا شك أن عوامل التأثير الثقافي لها أهميتها في نقل الآداب إلى مراحل متقدمة أو نبش هذه الآداب كالإنجليزي والفرنسي وتلعب الترجمة في ذلك الدور الأكبر. حتى من يمتلك اللغات الأخرى من الشعراء، فإنهم حاكوا النموذج الفرنسي وآتت -على لسان أرسطو- ظلالاً للأعمال الأدبية الغربية مما تغيَّر الفهم الفني والجمالي للعمل الأدبي.. وقِسْ على ذلك القصيدة؛ لأنها هي الوحيدة التي تتغير من الترجمة، أو لأنها تنقل لنا المعنى، ولا تهتم بالبناء اللغوي للنص المترجم فتأتي القصيدة جافة ليس كما كانت في لغتها الأم، وهذا سر إشكالية الترجمة.
وأصالة قصيدة النثر تحفظ لها بناءها المتكون من النظام الداخلي للصياغة وما يندرج تحت هذه الصياغة من لغة وإيقاعات وصورٍ، وهذا سر بقائها الأصيل، وليس ما يزعمه بعض النقاد، إذ راحوا يبحثون عن سلالة وراثية لهذا النص في الشعر العربي القديم، وكانوا قد أحالوا ذلك إلى المتصوفة والنفري والتوحيدي خاصة (16)، وهذا التأصيل لا ينطبق مع قصيدتنا للمفارقة الأسلوبية بين النوعين، ولأن القصيدة العربية لم تمر بأية مراحل تكوينية.. لنقل وصلت في نهاية المطاف إلى هذا الشكل، لأنها نموذج غربي لا بد أن نعترف بذلك.. لأنه لا يشكك من التراث والقصيدة فلماذا تخاف من هذا التجديد طالما هو في مجال الفن والأدب؟
والأنموذج الذي أتى به الشعراء المقلدون يحمل فهماً خاطئاً لاستراتيجية النص ودواعي كتابته، كان هذا مبرراً لرفض النوع الشعري كله، لأن الحداثة النصية غالباً ما تُرفض إذا لم توجد مبررات من طبيعة الحياة اليومية، وتهميش هذا النوع في بداية ظهوره يوازي ما قلناه آنفاً.. والسبب أن عمر التجربة ذاتها في الأدب العربي قصير بالقياس إلى بقية الأنواع.
وتجربة أدونيس الشعرية لم تكن مستقلة ومنقطعة الجذور، بل حاول أن يزرع النواة لإقناعنا بفلسفتها، وقد استطاع محمد الماغوط وسيف الرحبي تأسيس هذه القاعدة، غير أن أولاد أدونيس كُثر لا يحكمهم أي قانون، بل يعيثون في الشعر فساداً زاعمين أنهم ما زالوا واقفين في أبراجهم العاجية لا يستطيعون أن ينزلوا إلى الجمهور ولا يستطيع الجمهور أن ينزقى إليهم، ومن هنا غيَّر بعض الشعراء آراءهم في هذا النص وانصرفوا تماماً، رغم بقاء مجموعة قليلة تشجع خلود النص الحديث.
ولو نظرنا لليمن في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي للاحظنا الاحتكاك الثقافي بين اليمن وبقية الأقطار العربية ودخلت النماذج الشعرية المختلفة، رغم ما يعيشه اليمن من أمية وتخلف، بعضهم قلد النموذج الكلاسيكي،……الخ.
والأهم ما قام به محمد المساح وعبدالودود سيف من كتابات في قصيدة النثر، وهي بذرات أولى في الثقافة اليمنية وسط التقليد الفكري، وكان ذلك في فترة الخمسينيات وقبل ثورة 26سبتمبر أصبحت كتابة قصيدة النثر علامة من علامات الجدة والمعاصرة في شعر اليمن الحديث (17).. وبرز في هذا المجال عدد شكلوا نواة التحول الرؤيوي في أدب اليمن الحديث.
وعلى منوال هؤلاء جماعة آخرون أكدوا حداثوية هذا النص، رغم غرابته على القارئ في القرن الماضي.. ولم تكن هناك أزمة قوية تغلق الآفاق أمام الحداثة الجديدة، بل مهد شعر التفعيلة للقصيدة الأجد، ولأن النظام التفعيلي للنص أثبت قدرته على التجريب الحداثي واستطاع أن يؤسس لنفسه إطاراً نظرياً عند القارئ بحيث لم يتنكر القارئ لهذا العمل الأدبي.. بل أعجب به جداً لأنه أثبت فعلاً حداثة النص الأدبي، وكذلك صموده بقوة عالية أمام الهجمات النقدية، لذا واكبت حركة التحديث النسبية في الوطن العربي، أما قصيدة النثر فقد صدمت المتلقي والسبب في ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها:
1- الشعراء أنفسهم لأنهم لم يستوعبوا هذا النموذج فانتهجوا إما الإغراب المحض وإما التقليد المحض.. كذلك لم يحاولوا أن ينظروا لهذا النص واكتفوا بكتابته فقط.. وهو غير معروف سابقاً.
2- النقاد والباحثون والدارسون وتنكرهم لهذا النوع، إذ لم يهتموا بدراسته فنشأت –أي القصيدة- ضئيلة ركيكة، كذلك أخرجوها من الدرس الأكاديمي وهذه قللت من ممارسة المتلقي لقراءة النص لقراءة النص الحديث
والأسماء الشعرية اللامعة في الساحة اليمنية تدرك أن هناك فجوة ليست واسعة ولكن من باب اقتناع القارئ بالتحديث الشعري لا بد أن نهيئ لها الساحة الثقافية حتى يصل إلى النص وقد مهدت الطبيعة الطريق أمامه فيتناولها بيسر ويحللها وفق طاقته الاستيعابية، وقد بذل الدكتور حاتم الصكر جهداً كبيراً في حل الأزمة بين المتلقي والشاعر وطرح نقاط الإشكال بشكل مبسط يمكن شرحه للقارئ ليعرف كنه قصيدة النثر في كتابيه (قصيدة النثر في اليمن –أصوات وأجيال) و(حلم الفراشة)، ويحددها في (18): أنها كتابة شعرية فيها رسومها وبصرياتها وسردها وليست عملاً شعرياً أو نثرياً مغايراً بمعنى الانشقاق والتحول، وإن مؤثراتها ومرجعياتها ومعارفها سلطة جديدة على القارئ، وتراثها المنفي مندرج في نهر حداثي جار والتحديث الشعري يرتبط بوجود العربية كياناً ولغةً، وهو من ضرورات وجودنا وهويتنا لغةً وإبداعاً، كل هذه الأشياء يفضلها القارئ العربي لأنها في فتراتها الأولى نقلت إبداعاً ولم تنقل نقداً.
وقصيدة النثر في اليمن تجايلت أي انتقلت عبر الأجيال ابتداءً من قصائد عبدالودود سيف والمساح، هذه كانت النواة لقصائد النثر المتأخرة وهي نصوص الإرهاص والتكوين أو التأسيس بنوعيها، ولم تكن قد دخلت اليمن قبل التاريخ السابق، وكانت تصل بعض الصحف العربية مثل مجلة (شعر) إلى اليمن. وهؤلاء حاولوا تقليد النموذج العربي مع التركيز الشديد في طريقة صياغة هذا النمط، وهي تحمل إشارات عن صلة بالنثر الشعري والشعر المنثور، وتتركز بنية القصيدة النثرية في تلك الحقبة عبر استثمار طاقة النثر نفسه واستضافتها لموضوعات شعرية مهمة، وبفعل التكوين الثقافي الحقيقي ما بعد الثورة، ظهر شعراء المرحلة الثانية لقصيدة النثر وهم حسن اللوزي وذو يزن وعبدالرحمن فخري وشوقي شفيق، هؤلاء كسروا رتابة الأولين وكتبوا القصيدة بنمطية تحديثية على مستوى اللغة والرؤيا وباقتصاد لغوي رائع، و غرسوا النواة الحقيقة لقصيدة النثر، وجيل التسعينات جاء يحمل هم التجديد الشعري ويتعصب له وعصبيتهم أوقعتهم في تقليد بعض النماذج العربية حتى صار أغلبهم لا يكتب تحديثاً شعرياً بل كالببغاء يردد ما يقولونه، مع بروز بعض النماذج القليلة التي ترتقي بالإبداع اليمني.
الهوامش :
1) قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا – سوزان بيرنار- ص81.
2) مجلة الكويت – ديسمبر 2004م – في الشعر والنثر الشعري – ص42.
3) ينظر كتاب الدكتور أزمة القصيدة العربية – الفصل الثاني- الفقرة الخامسة/ أزمة توصيل.
4) مجلة العربي – يناير 95م – قراءة نقدية في أشعار الماغوط ص133.
5) علامات في النقد، جزء 13 – ربيع الأول 1425ه، ص275.
6) علامات في النقد، جزء 13- ربيع الأول 1425ه، حسن الهويمل، قصيدة النثر، ص271.
7) قراءة قصيدة النثر – ميشيل ساندر، ص110.
8) المرجع نفسه، ص110.
9) قراءة قصيدة النثر – ساندرا – ص139.
10) في كتابها السابق.
11) اللغة والإبداع الأدبي / د- محمد العبد ص20.
12) قراءة في قصيدة النثر –ساندرا- ص109.
13) المرجع السابق، ص81.
14) قراءة في قصيدة النثر – ساندرا – ص122.
15) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال، د. الصكر، ص12.
16) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال – المقدمة للمقالح.
17) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال- ص24
* نقلا عن يمرس
المثير أن هذه اللازمة الموسيقية قديماً في الموشحات الأندلسية كانت تأتي لتؤكد البناء الموسيقي إلى أن أصبحت في يوم من الأيام تقوم عليها دلالة النص الشعري فتتردد في النص إلى نهايته رغم أنها استوفت المعنى من أول مقطع كما هو الحال عند كثير من شعراء العامية في اليمن.
وقد استخدم هذه التقنية الموسيقية واللازمة، محمد حسين هيثم بشكل واضح في عدد من نصوصه في استدراكات الحفلة، وعلى سبيل المثال اللازمة في قصيدة (هذه الرأس) تتكرر إلى نهاية النص.
ونقطة الإثارة في القصيدة العربية مبهمة لشحة التنظير النقدي المصاحب لهذه القصيدة ولغياب القارئ النموذجي لأنه يتستر خلف الأشكال القديمة السائدة.. وقصائد النثر الأوروبية تسكنها قوتان: الأولى قوة فوضوية أتت من فلسفة التجريب والتدمير لما هو كائن وهي تتنكر للأشكال الموجودة في الساحة، وتتناسب مع الفوضوية المعيشية في حياة المجتمعات الأوروبية، وفيها تعارض مع ثقافة المجتمع العربي المحافظ، فأخذ الشكل فقط ولم تنتقل الفوضوية بشكل راقٍ في النصوص العربية.. الثانية قوة منظمة تقوم ببناء النص كلياً شعرياً مترابطاً رغم الفوضى، هذا الترابط كما أسلفنا الوحدة العضوية ويؤكد وجود قطبية حساسة جداً فيها، وسواءً كان الشعراء منجذبين نحو قطب النظام، أو منجذبين نحو قطب الفوضى، وهو سر الخلاف بين كتاب قصيدة النثر أنفسهم، ولن يتوقف إلا بوعي سمي من قبل الكتَّاب بسر هذه المهنة أي أنها تقوم على الجدليات والثنائيات لأنها تتلاعب على نحو صريح بالغموض المعجمي، وهذه اعتمد عليها الكثير من الشعراء كذلك تشي عن الصراع النفسي الذي يشكل النص، ويجمع ماضي الشخصية بحاضرها في آنٍ واحد، وهذه الثنائيات ترسخ مبدأ الحضور والغياب ودلالات الارتباط بإحداها وطغيانها في النص الأدبي.
ولقصيدة النثر طريقتها المتسلسلة في النضج، فهي ليست طفرة نشأت فجأة في الأدب، إذ بدأت بكتابة إيقاعية حساسة مع تذكيرات ولازمات وجناسات استهلالية متعددة، شيءٌ ما متموج ومتقلب كشعر العبرانيين.. وكما حددها ستيوارت ميريل (14) لكنها في الشعر العربي لم تتطور كتطور هذا النموذج الأوروبي، وأكد ذلك أن تكون مواضيعها منتقاة تتلاءم مع اللون والموسيقى، لأن منشأها اللوحة الفنية ومصاحبتها للرمزية والسوريالية.. وجاءت أكثر حرية من الشعر الغنائي لذلك فهي متأثرة بالحرية إلى درجة كبيرة.. وجاءت كذلك مصاحبة للتغيرات القرائية الفلسفية للفن.. والشعراء العرب نقلوها دفعة واحدة بكل سرها وغموضها، لذلك أتت مرتبطة بأشخاص اختلف تأثيرهم الشخصي النموذجي.
وتعدد المظاهر الحياتية يسمح بموضوعية أكثر للقصيدة ويدخل بها إلى بلاط المغايرة الموضوعية الحقيقية.. فقد أتت ترصد كل ما يمكن أن تقع عليه العين لتعيد تشكيله من جديد في رؤية تجمع حيادية التفسير والتعليل لدى الشاعر.. ولا شك أن المظهرية الإعلانية سطت على كل ما هو بارز في الساحة، لذا كان أخذها نمذجة بشاشة النص ليعرض عليك رؤيته وليجمع لك صورةً صهرت بعملية المونتاج وأصبحت تعبر عن رؤية المجتمع الفلسفية وطبيعة الحركة النفسية لدى الفرد.. وكأنها تغليف لهدية ما.. وأنت لا تعرف قيمة الهدية وكنهها، فلماذا الاستغراب من سذاجة الرؤية في قصيدة النثر؟ ولماذا نجعل الحياة المعيشة في جهة وهويتها الثقافية وآثارها في جهة أخرى.
وللتأمل إن الركائز الأساسية في بنية قصيدة النثر –الجانب اللغوي- اعتمادها على بنية الجمع بين الإجراءات المتناقضة، أي أنها تعتمد أساساً على فكرة النضال اللغوي وتقوم على التعويض الشعري، لأن الأنموذج القديم للشعر يكون قد تلاشى تماماً، وهناك عوامل عدة تتآزر فيما بينها وتصب في قالب واحد يعتبر هو الفاعلية الجمالية للقصيدة، وهذه العوامل هي:
1- تعطيل الأوزان العروضية المتداولة، وهو سبب الأزمة الرئيسية في الشعر سواء الأوروبي (الفرنسي) أو العربي، لأن الذائقة الكلاسيكية، كانت قد ثبتت هذه الرؤية، ومن خرج عن الوزن الخليلي تصبه لعنة النقاد.. شعراء هذه القصيدة يريدون أن يكسروا صنمية الوزن وكتابة نموذج شعري جديد غير ما ألفه الأولون امتداداً لحركة الحداثة الشاملة في كل جزئيات الحياة.
2- تفعيل أقصى الطاقات الشعرية الممكنة، وذلك من خلال استحضار كل عناصر الإدهاش في القصيدة سواء من خلال الشكل وما ينطوي تحته أو الرؤية أو المعنى وتأويلاته، وما إلى ذلك من مجاز وعناصر تركيز لغوي غير مألوف.. كذلك التغييرات الدلالية المختلفة.
3- إبراز الاختلاف الدلالي الحاد، وهذا الاختلاف الدلالي يندرج في إطار البنية العلاماتية لنخرج بسمة هي ناتج دلالي آخر أو معنى دلالي نصي، ويكون على مستوى البنية الداخلية في المقطع، ويختص بسيميائية المفردة وتعالقها بغيرها في السياق اللغوي.. وهذه الخاصية تعمق التأمل في بؤرة النص وكيف تكونت دلالياً بمعطيات التبلور البنيوي للدَّالات.
هذه العوامل الثلاثة قامت لتأخذ طريقها إلى أرض الواقع القرائي بعدما كانت القصيدة بوتقة الصراع الفكري بين النقاد الأوروبيين، وهي ما يمكن أن تعتمد عليها في طرح مشروع قرائي عربي هذا الأنموذج.. ولو حاول الشعراء احتذاء هذه الآليات أو القوانين لما كابدوا كثيراً، لأنهم بهذا يمهدون للقارئ استيعاب هذا التجريب الشعري.. والذي حدث أنهم ألهبوا ظهر القارئ بسياط التجريب قبل أن يدان القارئ فكيف تريدني أن أتقبل منك هذا؟ حدث مثل ذلك تماماً عند القارئ الفرنسي والألماني وثارا على النوع الجديد.
ولا أخفيك أن القصيدة العربية لم تواكب أية أطروحات فلسفية حياتية لكنها بفعل التأثير الأدبي انتقلت إلينا.. ومن بداية القرن العشرين إلى الخمسينيات توالت الحركات الأدبية التي صاحبها تنظير نقدي ركيك لا يتطلع إلى الأبعاد الفكرية والمقولات الفلسفية السائدة في العالم، وحاول النقاد أن يشقوا لهم طريقاً ليفرقوا بين المدارس الأدبية، وإن لم يشعر بها القارئ في مجتمع اختلطت فيه الرؤى الثلاث.
كل ما في الأمر أن اللغة لم تثبت وظيفتها عند العلماء الأوائل، وباختلاف المجتمعات اللغوية اختلفت النظرة إلى ذلك ولم تكن مستقرة أيضاً في تعريف الحداثيين الفرنسيين في أنها –أي اللغة- وسيلة للتعبير.. وهنا تجاهلٌ لعلم اللغة العام بخلاف النظرة المتأخرة، أي مواكبة لنظرة العلماء الذين يؤمنون بأنها غاية في ذاتها ولذاتها.. وهي الرؤية الضرورية بالنسبة للنقاد لأنهم حولوها من علم اللغة إلى النص الأدبي.. وأصبح اللعب بالتكوينات النصية عبر اللغة قضية مهمة جداً في هذا العصر، مصاحبة لما ورد من نصوص حديثة في عصر بودلير ولوتر يامون وميشو..
كذلك أصبحت اللغة وسيلة كتابية وليست نطقية فقط وأصبح النص الحديث مليئاً بالفراغات والأساليب الكتابية التي تؤول تبعاً للتكون الدلالي الأولي المتشكل من السطر أو الجملة.
ولو عمدنا إلى الخطاب في هذه القصيدة لرأينا موضوعات كالتالي : (1) إطار. (2)حدث. (3)خاتمة (15).. وهي أطروحة لا تفصل رؤية النص عن شكله الخارجي، بل نرى أن الرؤية النصية لا بد أن تتعاضد مع مكونات النص المقطعية حتى يسهل توزيع الفقرات على خيط دلالي متحد، وبهذه الموضوعات لا ننسى العامل الطباعي لأنه يوزع الدلالة كيفما يشاء النَّاص، وكلها تندرج تحت قضية الإطار لأنه يحدد شكل النص ولا يمكن تعديه.
وما جاء من حدث فهو لمتابعة سير التطور النصي حتى يكون الخطاب قد استوفى مقصده الكتابي ولأنه لغة سائرةٌ نحو المنطق الدلالي، أوجد لها خاتمة تحميها من التيه والخروج إلى مزالق غير متوقعة تفقد بريقها فيها، وتحديد علاقته بالبلاغية جعل النص يحشد صوراً بالغة الأهمية مثل السخرية والتهكم والمحاكاة.. ويخلق أيضاً مفارقة غير معهودة في العمل الأدبي تتكئ عليها القصيدة المعنية.
ولا شك أن عوامل التأثير الثقافي لها أهميتها في نقل الآداب إلى مراحل متقدمة أو نبش هذه الآداب كالإنجليزي والفرنسي وتلعب الترجمة في ذلك الدور الأكبر. حتى من يمتلك اللغات الأخرى من الشعراء، فإنهم حاكوا النموذج الفرنسي وآتت -على لسان أرسطو- ظلالاً للأعمال الأدبية الغربية مما تغيَّر الفهم الفني والجمالي للعمل الأدبي.. وقِسْ على ذلك القصيدة؛ لأنها هي الوحيدة التي تتغير من الترجمة، أو لأنها تنقل لنا المعنى، ولا تهتم بالبناء اللغوي للنص المترجم فتأتي القصيدة جافة ليس كما كانت في لغتها الأم، وهذا سر إشكالية الترجمة.
وأصالة قصيدة النثر تحفظ لها بناءها المتكون من النظام الداخلي للصياغة وما يندرج تحت هذه الصياغة من لغة وإيقاعات وصورٍ، وهذا سر بقائها الأصيل، وليس ما يزعمه بعض النقاد، إذ راحوا يبحثون عن سلالة وراثية لهذا النص في الشعر العربي القديم، وكانوا قد أحالوا ذلك إلى المتصوفة والنفري والتوحيدي خاصة (16)، وهذا التأصيل لا ينطبق مع قصيدتنا للمفارقة الأسلوبية بين النوعين، ولأن القصيدة العربية لم تمر بأية مراحل تكوينية.. لنقل وصلت في نهاية المطاف إلى هذا الشكل، لأنها نموذج غربي لا بد أن نعترف بذلك.. لأنه لا يشكك من التراث والقصيدة فلماذا تخاف من هذا التجديد طالما هو في مجال الفن والأدب؟
والأنموذج الذي أتى به الشعراء المقلدون يحمل فهماً خاطئاً لاستراتيجية النص ودواعي كتابته، كان هذا مبرراً لرفض النوع الشعري كله، لأن الحداثة النصية غالباً ما تُرفض إذا لم توجد مبررات من طبيعة الحياة اليومية، وتهميش هذا النوع في بداية ظهوره يوازي ما قلناه آنفاً.. والسبب أن عمر التجربة ذاتها في الأدب العربي قصير بالقياس إلى بقية الأنواع.
وتجربة أدونيس الشعرية لم تكن مستقلة ومنقطعة الجذور، بل حاول أن يزرع النواة لإقناعنا بفلسفتها، وقد استطاع محمد الماغوط وسيف الرحبي تأسيس هذه القاعدة، غير أن أولاد أدونيس كُثر لا يحكمهم أي قانون، بل يعيثون في الشعر فساداً زاعمين أنهم ما زالوا واقفين في أبراجهم العاجية لا يستطيعون أن ينزلوا إلى الجمهور ولا يستطيع الجمهور أن ينزقى إليهم، ومن هنا غيَّر بعض الشعراء آراءهم في هذا النص وانصرفوا تماماً، رغم بقاء مجموعة قليلة تشجع خلود النص الحديث.
ولو نظرنا لليمن في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي للاحظنا الاحتكاك الثقافي بين اليمن وبقية الأقطار العربية ودخلت النماذج الشعرية المختلفة، رغم ما يعيشه اليمن من أمية وتخلف، بعضهم قلد النموذج الكلاسيكي،……الخ.
والأهم ما قام به محمد المساح وعبدالودود سيف من كتابات في قصيدة النثر، وهي بذرات أولى في الثقافة اليمنية وسط التقليد الفكري، وكان ذلك في فترة الخمسينيات وقبل ثورة 26سبتمبر أصبحت كتابة قصيدة النثر علامة من علامات الجدة والمعاصرة في شعر اليمن الحديث (17).. وبرز في هذا المجال عدد شكلوا نواة التحول الرؤيوي في أدب اليمن الحديث.
وعلى منوال هؤلاء جماعة آخرون أكدوا حداثوية هذا النص، رغم غرابته على القارئ في القرن الماضي.. ولم تكن هناك أزمة قوية تغلق الآفاق أمام الحداثة الجديدة، بل مهد شعر التفعيلة للقصيدة الأجد، ولأن النظام التفعيلي للنص أثبت قدرته على التجريب الحداثي واستطاع أن يؤسس لنفسه إطاراً نظرياً عند القارئ بحيث لم يتنكر القارئ لهذا العمل الأدبي.. بل أعجب به جداً لأنه أثبت فعلاً حداثة النص الأدبي، وكذلك صموده بقوة عالية أمام الهجمات النقدية، لذا واكبت حركة التحديث النسبية في الوطن العربي، أما قصيدة النثر فقد صدمت المتلقي والسبب في ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها:
1- الشعراء أنفسهم لأنهم لم يستوعبوا هذا النموذج فانتهجوا إما الإغراب المحض وإما التقليد المحض.. كذلك لم يحاولوا أن ينظروا لهذا النص واكتفوا بكتابته فقط.. وهو غير معروف سابقاً.
2- النقاد والباحثون والدارسون وتنكرهم لهذا النوع، إذ لم يهتموا بدراسته فنشأت –أي القصيدة- ضئيلة ركيكة، كذلك أخرجوها من الدرس الأكاديمي وهذه قللت من ممارسة المتلقي لقراءة النص لقراءة النص الحديث
والأسماء الشعرية اللامعة في الساحة اليمنية تدرك أن هناك فجوة ليست واسعة ولكن من باب اقتناع القارئ بالتحديث الشعري لا بد أن نهيئ لها الساحة الثقافية حتى يصل إلى النص وقد مهدت الطبيعة الطريق أمامه فيتناولها بيسر ويحللها وفق طاقته الاستيعابية، وقد بذل الدكتور حاتم الصكر جهداً كبيراً في حل الأزمة بين المتلقي والشاعر وطرح نقاط الإشكال بشكل مبسط يمكن شرحه للقارئ ليعرف كنه قصيدة النثر في كتابيه (قصيدة النثر في اليمن –أصوات وأجيال) و(حلم الفراشة)، ويحددها في (18): أنها كتابة شعرية فيها رسومها وبصرياتها وسردها وليست عملاً شعرياً أو نثرياً مغايراً بمعنى الانشقاق والتحول، وإن مؤثراتها ومرجعياتها ومعارفها سلطة جديدة على القارئ، وتراثها المنفي مندرج في نهر حداثي جار والتحديث الشعري يرتبط بوجود العربية كياناً ولغةً، وهو من ضرورات وجودنا وهويتنا لغةً وإبداعاً، كل هذه الأشياء يفضلها القارئ العربي لأنها في فتراتها الأولى نقلت إبداعاً ولم تنقل نقداً.
وقصيدة النثر في اليمن تجايلت أي انتقلت عبر الأجيال ابتداءً من قصائد عبدالودود سيف والمساح، هذه كانت النواة لقصائد النثر المتأخرة وهي نصوص الإرهاص والتكوين أو التأسيس بنوعيها، ولم تكن قد دخلت اليمن قبل التاريخ السابق، وكانت تصل بعض الصحف العربية مثل مجلة (شعر) إلى اليمن. وهؤلاء حاولوا تقليد النموذج العربي مع التركيز الشديد في طريقة صياغة هذا النمط، وهي تحمل إشارات عن صلة بالنثر الشعري والشعر المنثور، وتتركز بنية القصيدة النثرية في تلك الحقبة عبر استثمار طاقة النثر نفسه واستضافتها لموضوعات شعرية مهمة، وبفعل التكوين الثقافي الحقيقي ما بعد الثورة، ظهر شعراء المرحلة الثانية لقصيدة النثر وهم حسن اللوزي وذو يزن وعبدالرحمن فخري وشوقي شفيق، هؤلاء كسروا رتابة الأولين وكتبوا القصيدة بنمطية تحديثية على مستوى اللغة والرؤيا وباقتصاد لغوي رائع، و غرسوا النواة الحقيقة لقصيدة النثر، وجيل التسعينات جاء يحمل هم التجديد الشعري ويتعصب له وعصبيتهم أوقعتهم في تقليد بعض النماذج العربية حتى صار أغلبهم لا يكتب تحديثاً شعرياً بل كالببغاء يردد ما يقولونه، مع بروز بعض النماذج القليلة التي ترتقي بالإبداع اليمني.
الهوامش :
1) قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا – سوزان بيرنار- ص81.
2) مجلة الكويت – ديسمبر 2004م – في الشعر والنثر الشعري – ص42.
3) ينظر كتاب الدكتور أزمة القصيدة العربية – الفصل الثاني- الفقرة الخامسة/ أزمة توصيل.
4) مجلة العربي – يناير 95م – قراءة نقدية في أشعار الماغوط ص133.
5) علامات في النقد، جزء 13 – ربيع الأول 1425ه، ص275.
6) علامات في النقد، جزء 13- ربيع الأول 1425ه، حسن الهويمل، قصيدة النثر، ص271.
7) قراءة قصيدة النثر – ميشيل ساندر، ص110.
8) المرجع نفسه، ص110.
9) قراءة قصيدة النثر – ساندرا – ص139.
10) في كتابها السابق.
11) اللغة والإبداع الأدبي / د- محمد العبد ص20.
12) قراءة في قصيدة النثر –ساندرا- ص109.
13) المرجع السابق، ص81.
14) قراءة في قصيدة النثر – ساندرا – ص122.
15) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال، د. الصكر، ص12.
16) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال – المقدمة للمقالح.
17) قصيدة النثر في اليمن – أصوات وأجيال- ص24
* نقلا عن يمرس